fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الجيش السوداني وتكوين ميليشيات لمواجهة الدعم السريع.. المآلات والتوقعات

64

الجيش السوداني وتكوين ميليشيات لمواجهة الدعم السريع.. المآلات والتوقعات

في كل يوم يزداد الوضع سوءًا بالداخل السوداني مع استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 إبريل 2023، كما تتغير في كل يوم خريطة الصراع والسيطرة على أرض الواقع نتيجة المعارك الدائرة بين الفريقين، كما يزداد الجدل بشأن حقيقة الغلبة على الأرض، خاصة مع اشتداد المعارك في مدينة أم درمان.

جذور الصراع بين الجيش والدعم السريع:

كشفت تطورات الأوضاع في الحرب السودانية، بعد عام من الصراع، اللثام عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء رفض السلام والإصرار على الاستمرار في طريق يهدد بالقضاء على أركان الدولة، في مقدمتها: التمويل الخارجي والصراع المدني في الداخل.

ويمكن بناء سبب الأزمة على أساس منذ البداية كانت في الأيادي التي تدفع نحو إشعال الأوضاع وقامت بتمويل التمرد، واتخذته أداة لتنفيذ أجنداتهم وأطماعهم، حيث لم يعد الآن للتمرد أهدافًا لاستلام السلطة، وأصبحت الغاية هي تدمير البلاد وإحراق الأرض وتجريفها وتشريد سكانها ليسلم القيادة للطامعين في الثروات لاستغلالها”.

ويمكن القول بأن ما تقوم به المليشيات المتمردة اليوم بعد عام من المعارك، من عمليات نهب وسلب واجتياح للقرى والسيطرة على مقدرات البلاد، وتجنب الالتحام والمواجهة مع القوة العسكرية النظامية للدولة، وتوسيع جبهات القتال، الغرض منه تشتيت جهود الجيش السوداني لتوسيع رقعة الانفلات الأمني وتسهيل إجراءات إحالة البلاد برمتها إلى أرض محروقة”(1).

أعضاء قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية:

أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن توصله إلى أن أفرادًا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم حرب في السودان، كما أعلن أن أعضاء قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرًا عرقيًّا.

وذكر بلينكن في بيان: أن هذا القرار جاء “بناءً على التحليل الدقيق الذي أجرته وزارة الخارجية للقانون والحقائق المتاحة مشيرًا إلى إنه “منذ اندلاع القتال في السودان في 15 إبريل أطلقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع العنان لأعمال عنف مروعة وموت ودمار في جميع أنحاء السودان”.

وأشار إلى أن المدنيين هم من تحملوا تداعيات “ذلك الصراع الذي لا داعي له، وتعرض المعتقلون للإساءة وقتل بعضهم في مواقع الاحتجاز التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع”.

وقال وزير الخارجية الأميركي: “لقد تسبب توسع الصراع الذي لا داعي له بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في معاناة إنسانية خطيرة”، داعيًا إلى وقف فوري للحرب، “والامتثال لالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن الفظائع، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق”(2).

تشكيلات ميلشياوية جديدة تدخل خط الصراع:

فتحت الحرب الشرسة الدائرة في السودان منذ إبريل2023 الباب أمام تشكيلات عسكرية منظمة وأخرى شعبية طوعية انخرطت في القتال بجانب الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع، لإجبارها على التراجع عن مواقع سيطرتها بالخرطوم ودارفور والجزيرة وكردفان.

في حوار تلفزيوني تحدث ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش عن لقاءات جمعته مع بعض المجموعات التي تشكلت ضمن ما يسمى: “المقاومة الشعبية” لهزيمة الدعم السريع، وذكر من هذه المجموعات: “كتيبة البراء”، و”غاضبون”، و”البنيان المرصوص”، و”المطمورة” كما أشار إلى تكوين اللجنة العليا للمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم(3).

لماذا يعتمد الجيش على الميليشيات؟

لعل السؤال الملح هو كيف يشجّع الجيش تكاثر الميليشيات وزيادة مقاتليها لمحاربة قوات الدعم السريع، بدلًا عن أن يقوم بتنجيد جنود وتدريبهم؟

ولا أحد يملك إجابة يقينية لهذا السؤال، لكن الجيش لجأ إلى الميليشيات بعد فشل التعبئة العامة التي أعلنها قائده عبد الفتاح البرهان في 27 يونيو/ حزيران 2023، والتي دعا فيها القادرين على حمل السلاح للانضمام إلى الوحدات العسكرية للدفاع عن بقاء الدولة.

ويتمثل السبب الثاني بالاستعانة بالميليشيات في رغبة الجيش الاحتفاظ بحياة جنوده وعتاده العسكري لأطول فترة ممكنة، في ظل عدم قدرته على تجنيد واسع النطاق، مقارنة بالجماعات التي تعتمد في حشد المقاتلين على روافع عرقية مثل الحركات المسلحة، أو دينية، مثل: كتيبة البراء بن مالك، أو على مخاوف وجودية مثل المقاومة الشعبية المسلحة.

أيضًا، يستطيع الجيش تحميل الجماعات المسلحة التي تقاتل لصالحه الانتهاكات التي تُرتكب في سياق النزاعات، بذريعة أنها قوات شبه عسكرية لا تملك معرفة بقواعد الاشتباك في المدن، ولا بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وحقق الجيش في حقب سابقة نجاحًا في محاربة الجماعات المسلحة بالميليشيات، حيث استعان في فترة سابقة بقوات المراحيل وقوات الدفاع الشعبي لمحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان، قبل أن يوقع معها النظام السابق اتفاق سلام مهد لانفصال جنوب السودان، كما حارب حركات دارفور بميليشيات الجنجويد التي تطورت لاحقًا إلى قوات الدعم السريع.

نشأة الميليشيات في السودان:

بداية استقلال هذه المليشيات كان في عهد الرئيس نميري بغرض حسم التمرد في جنوب السودان، وقد استمر تجنيد قبائل التماس إبان فترة الحكم الديمقراطي التي رأس وزرائها (الصادق المهدي) في كل من جنوب كردفان و دارفور.

أما (أحمد حسين آدم) فقد تطرق الى دور نظام الإنقاذ الذي أحدث قفزة وتوسع في تجنيد القبائل بحجة حسم التمرد في دارفور. ذاهبًا للحديث عن تاريخ المقاومة في دارفور منذ الستينيات وظهور جبهة نهضة دارفور، والتي لا تتعدى مطالبها الخدمات والتنمية، قاطعًا بأنه ليست هناك تصنيفات عرقية في دارفور إلى أن جاءت الجبهة الإسلامية في الثمانينيات. 

الجيش السوداني يستنسخ الماضي:

نجاح الميليشيات في إلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة في الحقب السابقة، يرجع إلى أن المعارك كانت تدور خارج المدن، لكن هذه الانتصارات تسبَّبت في كوارث سياسية، منها انفصال جنوب السودان والاضطرابات الأمنية في إقليم دارفور وتأسيس قوات الدعم السريع.

تمتلك الميليشيات التي تقاتل لصالح الجيش حاليًّا قدرًا من الاستقلالية التنظيمية، يمنحها فرصًا كبيرة لتجنيد مزيد من المقاتلين، وإذا افترضنا نجاح ضغوط المجتمع المحلي والإقليمي والدولي في إلزام الجيش والدعم السريع على توقيع اتفاق سلام، ماذا عن وضع الميليشيات؟

لا شك أنها لن توافق على تسليم أسلحتها وتبدأ في عملية الدمج والتسريح وإعادة الاندماج، دون أن تتلقى حوافز كبيرة تتضمن تقاسم السلطة والثروة، رغم أن تاريخ السودان يشير إلى أنه عادة لا تدمج الجماعات المسلحة في الجيش، مع أنه هناك اتفاقيات السلام تتضمن بنودًا بالدمج.

إذًا في حالة توقيع اتفاق سلام لإنهاء النزاع القائم، فإن تسليم الميليشيات لأسلحتها ودمج مقاتليها في الجيش يتطلب تدابير جديدة لا توجد ضمانات كافية لتنفيذها؛ لذلك ستظل موجودة وستعمل على تحقيق مطامعها بقوة السلاح.

إطالة أمد النزاع:

ويرجح أن يؤدي تزايد الميليشيات إلى إطالة أمد النزاع، خاصة في ظل الاستقطاب السياسي والأهلي، وهذا سيعزز نفوذها، وربما يدفع بعضها إلى وحدة اندماجية مع البعض الآخر.

والخوف الأكبر هو أن تحاول هذه الميليشيات أن تصبح مستقلة في قراراتها عن الجيش، وبالتالي البحث عن مصادر دخل سواء بالانخراط في أعمال النهب أو الارتزاق، وربما تجارة المخدرات، قبل أن تصطدم بالجيش في فترة لاحقة حال تبادلت المصالح، مثلما هو الحال مع قوات الدعم السريع.

يعيش السودان الآن في ظل واقع يزداد تعقيدًا بمرور الأيام، حيث إن بقاءه في حال استمر النزاع لعام ثانٍ أو أقل قليلًا سيكون معجزة، فجميع المعطيات تنحو إلى أن قتال الجميع ضد الجميع بات قريبًا(4).

القوى الخارجية:

على أرض الواقع يملك السودان مفاتيح الحل، ولكن بعض المسئولين يصرون على إعطاء الحلول للقوى الإقليمية والدولية لتكون هي صاحبة الحل في سابقة لا أعتقد أنها حدثت في تاريخ الدول الحديثة، كما أن الأزمة هي أزمة الشخصية السياسية السودانية، التي هي من تسلم إرادتها للخارج الإقليمي والدولي، وزيادة المطالبة بتدخل قوة عسكرية أكبر من طرفي الصراع بالسودان، لإجبارها على وقف القتال، حيث بدأ غير واحد من الفاعلين سياسيا بترديد ضرورة البدء بحظر الطيران العسكري بعد ازدياد العمليات الحربية عبر المسيرات المقاتلة المستخدمة من الطرفين”.

كما أن التجارب التاريخية بالسودان علمتنا أنه حين يكثر النفي من جميع الأطراف لقضية مثل احتمال الانفصال، فهذا يعني أنه مطروح بقوة على أجندة الحوار بعيدًا عن دوائر الإعلام؛ لذلك لا بد أن تستيقظ الإرادة السياسية السودانية وتكف عن إلقاء أسباب الفشل على بعضها، والكف عن الصراع السياسي المدني – المدني والارتهان للخارج والذهاب نحو حوار جريء يناقش مستقبل السودانيين، والذين يحملون البندقية قادرون على وضعها فورًا إذا اتفق المدنيون، ولكن الصراع بين المدنيين هو البعيد تمامًا عن التوقف”.

وفي وقت سابق، أعلنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية “تقدم التزام طرفي الحرب في البلاد، الجيش وقوات الدعم السريع، بالعودة لمسار المفاوضات في مدينة جدة السعودية.

ونقلت وكالة “أنباء العالم العربي”، بيانًا مقتضبًا للتنسيقية، أكدت فيه التزام طرفي الحرب السودانية، بالعودة لمفاوضات جدة، خلال الأسبوعين المقبلين دون شروط مسبقة.

وأوضحت التنسيقية، في بيانها، عودة الطرفين للمفاوضات التي جاءت “بإرادة أقوى وعزم صادق وأكيد لإيقاف الحرب”، فيما لم يصدر أي تعليق من الجيش أو “الدعم السريع” على بيان “تقدم”.

وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد صرح بأنه “غير مستعد للتفاوض مع قوات الدعم السريع، طالما الحرب مستمرة”، مشددًا على التزامه بـ”منبر جدة” وعلى ضرورة تنفيذ “الدعم السريع” للالتزامات التي تعهدت بها(5).

الخلاصة:

بالعودة إلى عام 2017 نجد الحديث في شبكات الإعلام المختلفة أن هناك أكثر من 17 ألف مقاتل تم ضمهم إلى قوات الدعم السريع، ما مكن قوات الدع السريع من لعب أدوار مختلفة، وهذا ما نتخوف منه في الوقت الراهن، وما نشاهده من تجنيد الجيش السوداني لبعض الميليشيات المسلحة في صفوفه؛ مما سينعكس على البلاد بالمعاناة وزيادة أمد الصراع، والدخول في حلقة مفرغة.

كذلك يعلم الجميع أن قوات الدعم السريع لديها دعم مادي عالي، فهي مدعومة من قوى خارجية؛ بالإضافة إلى سيطرتها على العديد من المناجم والمقدرات الطبيعية، والتي تقدر بملايين الدولارات، مما يساهم في شراء الجنود وزيادة أمد الحرب، وذلك وفق ما أقره الخبراء بأن هدف مقاتلي الدعم السريع من المشاركة في هذه الحرب هو العائد المادي؛ لذلك أصبح الالتحاق بقوات الدعم السريع دافعًا للشباب الذين ليست لهم علاقة بالمليشيات للذهب إلى اليمن.

كما أن هذه القوات تدثرت بأن لا قانون، وفي نهاية الأمر: قوات الدعم السريع ليست بقوات نظامية، تحتكم لنظم ولوائح عسكرية؛ خاصة وأنها تفتقد للعقيدة القتالية وبذلك لا تلتزم بقوانين الحرب وترتكب الفظائع ضد المدنيين؛ الأمر الذي يُصعب معالجة موضوع المليشيات بمواثيق التحول الديمقراطي، وهو ما أسفر عنه واقع اليوم الذي تحولت فيه المليشيات لقوات منتشرة في كل السودان وتحكم قبضتها على البلاد، وتنذر بالمواجهة.

وفي جميع الحالات، إذ لم تحسم المعركة أو يجري التوصل إلى تسوية تقود إلى وحدة الجيش السوداني، بصفتها مقدمة لنقل السلطة إلى القوى السياسية المدنية، فلن تكون هذه للأسف آخر القلاقل المسلحة التي تعصف بهذا البلد التائه إلى الاستقرار والتنمية.

1_ أخبار السودان

2_ الحرة

3_ الجزيرة

4_ نون بوست

5_ بي بي سي

التعليقات مغلقة.