fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

اغتيال نصر الله بين تخلي إيران والاختراق الداخلي للحزب.. دراسة تحليلية للأبعاد والتداعيات المتوقعة على الحزب والأذرع الإيرانية

44

اغتيال نصر الله بين تخلي إيران والاختراق الداخلي للحزب.. دراسة تحليلية للأبعاد والتداعيات المتوقعة على الحزب والأذرع الإيرانية

خلال الأشهر الأخيرة، أطلق الكيان المحتل سلسلة من الاغتيالات ضد قادة حزب الله اللبناني، بمن فيهم الأمين العام “حسن نصر الله”، بالتزامن مع هجمات سيبرانية على أجهزة “البيجرز” أصابت أكثر من 3 آلاف عنصر من حزب الله. إذ يتلقى حزب الله ضربات كبرى موجعة من قبل الكيان المحتل في ظل الحرب الدائرة في الشرق الأوسط.

ويُعد اغتيال “حسن نصر الله”، الأمين العام لحزب الله اللبناني، حدثًا بالغ الأهمية ومفصليًّا في مشروع المد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. 

فما تفاصيل اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله؟ وما أسباب ودوافع إقدام الكيان المحتل على اغتيال قيادات الحزب بالنظر إلى تلاقي المصالح الإيرانية والإسرائيلية في الشرق الأوسط؟ وهل تخلت إيران عن حسن نصر الله وحزب الله اللبناني؟ وكيف يمكن قراءة حجم الاختراق الإسرائيلي لإيران وأذرعها الإقليمية؟ وماذا عن مستقبل الحزب والدولة اللبنانية في ظل الضربات الإسرائيلية الأخيرة؟ 

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير، عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وتداعياتها على الحزب والدولة اللبنانية في ظل تساؤلات حول دوافع الكيان المحتل واحتمالية تخلي إيران عن الحزب، وذلك في السطور الآتية. 

تفاصيل اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله:

في الـ28 من سبتمبر 2024م، أكد حزب الله مقتل زعيمه “حسن نصر الله” في غارة جوية إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث يقع مقر الحزب. وكان نصر الله يدير حزب الله اللبناني منذ أكثر من ثلاثين عامًا، بعد اغتيال “عباس موسوي” عام 1992م. ويأتي ذلك بعد أسبوعين من الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة والعمليات العسكرية ضد كلٍّ من القيادة والصفوف الدنيا في حزب الله اللبناني. 

وعقب سلسلة الاغتيالات التي نفذها الكيان المحتل ضد حزب الله اللبناني، باتت الأوضاع تمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ الحزب والدولة اللبنانية، لما لها من تداعيات كبيرة على مصيره، ومآلات المناوشات المسلحة الدائرة بين الحزب والكيان المحتل في الجنوب اللبناني، وربما أيضًا على علاقته بإيران والمحور الشيعي الذي تقوده. 

إذ يعتبر هذا الحدث الأبرز ضمن سلسلة من “العمليات الناجحة” التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما أسفر عن تعطيل كبير لنظام القيادة والسيطرة لدى حزب الله وتفكيك عدد كبير من قياداته السياسية والعسكرية. كما قلصت هذه العمليات جزءًا مهمًّا من قدراته الإستراتيجية خلال أقل من أسبوع منذ بدء الكيان المحتل حملته الجوية المكثفة ضد الحزب. 

أبعاد ودوافع إقدام الكيان المحتل على ضرب قيادة حزب الله:

رغم تلاقي المصالح الإيرانية والإسرائيلية في المنطقة، والمتمثلة في إضعاف الدول العربية وتمزيقها وإغراقها في فوضى الحروب الأهلية، فلا يخفى على أحد حقيقة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية تحت الطاولة، والتي بدت واضحة في سوريا. حيث إن تدمير الدولة السورية قد مكَّن النظام الإيراني من نشر أذرعه وميليشياته الإرهابية في سوريا. 

ما أعطى تل أبيب الحجة أمام المجتمع الدولي للتدخل وانتهاك السيادة السورية، ما يعكس تكامل الدور الإسرائيلي الإيراني لتدمير الدولة السورية؛ إلا أنه خلال السنوات الأخيرة، يبدو أن الكيان المحتل والولايات المتحدة قد اتبعا إستراتيجية جديدة، تقتضي إضعاف الأذرع الإيرانية في المنطقة لإقامة أمر واقع جديد في الشرق الأوسط. 

فخلال جلسة لتقويم الوضع الأمني في إسرائيل، عُقدت بمقر قيادة سلاح الجو قبيل أيام قلائل من اغتيال الأمين العام السابق للحزب “حسن نصر الله”، أكد نتنياهو “أن إسرائيل تعمل بمنهجية لتغيير موازين القوى والواقع الإستراتيجي في الشرق الأوسط برمته”. وفي كلمة متلفزة له عقب عملية الاغتيال، قال: “إن القضاء على نصر الله يمثل نقطة تحول تاريخية، يمكن أن تغير ميزان القوى في الشرق الأوسط وتؤسس لواقع إقليمي جديد”. 

فجيش الاحتلال الإسرائيلي قد بدأ الحرب على لبنان بعمليات قصف واستهداف واسعة النطاق لمناطق الجنوب اللبناني وبيروت، لتهجير السكان في المنطقة، إلى جانب تفجيرات أجهزة “البيجرز”، واستهداف قيادات حزب الله اللبناني، وتنفيذ عمليات تسلل في القرى والمناطق الحدودية اللبنانية. 

فاغتيال “حسن نصر الله” وقيادات حزب الله اللبناني، إلى جانب الضربات الإسرائيلية على اليمن، وتحديدًا محافظة الحديدة، فضلًا عن القصف الأمريكي الذي طال أذرع إيران في كلٍّ من سوريا والعراق خلال أواخر يناير وأوائل فبراير 2024م، جميعها تحركات تندرج ضمن إستراتيجية الولايات المتحدة والكيان المحتل الجديدة في المنطقة، للاستئثار بالنفوذ والهيمنة الإقليمية على دول الشرق الأوسط. 

كما أن اغتيال نصر الله يبرز حجم الاختراق الأمني لحزب الله اللبناني والأذرع الإيرانية، ويلقي بتداعيات على الحزب والدولة اللبنانية، ما دفع مراقبين إلى القول باحتمالية تخلي إيران عن الحزب ووكلائها الإقليميين، وإمداد عناصر إيرانية الموساد الإسرائيلي بمعلومات استخباراتية عن قيادة حزب الله. 

وعلى مستوى الداخل اللبناني، فقد شكل “حسن نصر الله” رقمًا صعبًا في السياسة اللبنانية طيلة قيادته لحزب الله. وعلى الصعيد الداخلي في لبنان، هناك تأثير كبير لغياب حسن نصر الله، سواء على الحزب أو على المستقبل السياسي في البلاد. فالحزب قد جر الدولة اللبنانية لحرب مع الكيان المحتل غير مستعدة لها دون الرجوع للقيادة الرسمية في البلاد؛ كما أن عمليات النزوح من مناطق الجنوب اللبناني قد أفقدت الحزب جزءًا من حاضنته الشعبية في البلاد، ما سيكون له تداعيات طويلة الأمد على المستقبل السياسي للحزب. 

ففي ظل التحركات الإسرائيلية والأمريكية واسعة النطاق في المنطقة، وتوريط النظام الإيراني لحزب الله اللبناني والدولة اللبنانية في حرب شاملة مع الكيان المحتل، رفع النظام الإيراني شعار “الصبر الاستراتيجي”، مؤكدًا أن إيران لن تنجر لحرب إقليمية ضد الكيان المحتل، محيدًا نظام الملالي بذلك إيران عن الحرب في الشرق الأوسط، ضاربًا بشعار وحدة الساحات والمقاومة عرض الحائط.    

وفي تقديري: أن الضربات الإسرائيلية “وربما الأمريكية إن لزم الأمر” ستستمر ضد أذرع إيران الإقليمية للحدِّ من الدور الإيراني في المنطقة، دون دخول إيران والولايات المتحدة والكيان المحتل في مواجهة مفتوحة؛ فالكيان المحتل والقوى الغربية لا يزالون في حاجة إلى النظام الإيراني ومشروعه الإقليمي، لتأجيج الصراع الطائفي في الدول العربية والعالم الإسلامي. 

فحملة ضرب أذرع إيران الإقليمية في المنطقة التي يشنها الكيان المحتل حاليًا تهدف إلى إضعاف الدور الإيراني والمليشيات الشيعية في المنطقة، دون القضاء عليها؛ نظرًا لدورها المحوري في تقسيم الشعوب العربية والإسلامية، بما يتوافق مع الرؤية الأمريكية الإسرائيلية للمنطقة؛ كما أن النظام الإيراني يدرك أن الكيان المحتل والقوى الغربية لن يقدموا على شن هجوم عسكري واسع النطاق ضد إيران، نظرًا لغياب الحاجة لذلك. 

كما أن الضربات الإيرانية والإسرائيلية المتبادلة، التي حدثت في الـ14 من إبريل الماضي، والأول من أكتوبر الجاري، والهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق عام 2020م ردًا على اغتيال “قاسم سليماني”، تتم بتفاهم مسبق بين إيران والكيان المحتل والولايات المتحدة، وليس بعيدًا عن وسائل الإعلام. وسبق للرئيس الأمريكي الأسبق “دونالد ترامب” أن كشف تفاصيل الهجوم الإيراني على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق (المصدر أونلاين). 

وبالتالي، يمكن القول إن المناوشات الإسرائيلية الأمريكية الإيرانية في المنطقة تُدار دون إلحاق ضرر مباشر بأراضي ومواطني أي من أطراف الصراع؛ فالعالم العربي هو الساحة الرئيسية، والأذرع والوكلاء الإقليميون هم اللاعبون في هذا الصراع. 

هل تخلت إيران عن حسن نصر الله؟ 

أظهرت الحرب الدائرة في الشرق الأوسط طبيعة السياسة الإيرانية في المنطقة تجاه دول الجوار وأذرعها ووكلائها في الإقليم. فاستثمار النظام الإيراني في الفوضى الخلاقة وتأسيسه للمليشيات في المشرق العربي والخليج، أعطى النظام الإيراني قدرة التحكم في القرار السيادي لعدد من الدول العربية في الإقليم دون سيطرة عسكرية مباشرة على الأرض، فهذه المهمة تتولاها الأذرع الإيرانية كما يحدث في لبنان والعراق تحديدًا. 

وتعمل المليشيات والأذرع الإيرانية فيما يشبه التحالف الشيعي الإقليمي مع النظام الإيراني. وقد أشارت عدة صحف إيرانية إلى ذلك التحالف بـ”الناتو الشيعي” في الشرق الأوسط، مع تجدد تصريحات الساسة الإيرانيين حول وحدة الساحات ومحور المقاومة. 

وبالنظر إلى تطورات ومتغيرات السياسة الإيرانية خلال السنوات الأخيرة، فإن إيران تتحرك في ظل سياسات مزدوجة؛ فمن جهة، تسيطر أيديولوجية الملالي في طهران على الدولة، ومن جهة أخرى، توجه البراغماتية النفعية العلاقات الإيرانية مع القوى الغربية؛ إذ ليس من مصلحة النظام الإيراني التدخل على خط الصراع بين الكيان المحتل وحزب الله اللبناني أو التحالف الغربي ضد الحوثيين في اليمن. 

ولذلك تنظر طهران إلى الحرب الدائرة حاليًا في إطار نفعي بحت، يحقق لها مكاسب على صعيد الملف النووي ومفاوضات تبادل المحتجزين في الولايات المتحدة وإيران. وتعد تلك السياسة من بين أكبر مظاهر التخلي الإيراني عن حزب الله. 

فتطورات الأحداث خلال الأشهر الأخيرة، مثل الفشل الأمني وعدم القدرة على السيطرة على تسرب المعلومات، التي منحت إسرائيل زمام المبادرة في إضعاف الحزب، تظهر أن طهران باعت حزب الله فعلًا وليس قولًا، وبالتالي أمينه العام “حسن نصر الله”. 

فهي تخلت عنه في أصعب المواقف والظروف، وتركته في اشتباك مع الكيان المحتل مع تقييدها تحركات الحزب، رغم اعترافها بعدم قدرته على مواجهة الكيان المحتل بمفرده. فإيران هي التي دفعت “نصر الله” أولًا إلى التورط في هذه الحرب بناءً على طلبها، ولكن بعد أن أقُحم في الحرب الأخيرة، كُشف المستور، حيث تُرك يخوضها لوحده ولم يتم مساندته سوى بالمواقف والبيانات الإيرانية والتهديدات الكلامية. 

وهذا الأمر اعتُبر مؤشرًا إلى أن هناك اتجاهًا جديدًا تتبعه طهران تجاه فصائلها. وقد تبع ذلك ضغط مارسته على الأمين العام لحزب الله لمنعه من تصعيد عملياته وردّه على مقتل أبرز قادته “فؤاد شكر”، الذي اغتيل في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت. وقد اعتُبر هذا الاغتيال نقطة تحول مهمة، وذلك بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن شكر كان يعقد اجتماعًا مع مسؤول إيراني قبل دقائق من اغتياله (العربية). 

من هنا، يبدو أن إيران تخلت حقًا وفعلًا عن حزب الله وأحرجت أمينه العام الذي طالما أطاع طهران، التي استغلته حتى الرمق الأخير. وبعد اغتيال “نصر الله”، فإن المشهد اليوم يؤكد وجود نقطة تحول جديدة ومؤشرات لتغييرات إقليمية، مترافقة مع معلومات تشير إلى أن إسرائيل أُبلغت من قبل جاسوس إيراني بمكان وجود “نصر الله” في الضاحية الجنوبية، مما سمح لإسرائيل بنصب كمين له في السماء اللبنانية للقضاء عليه (اليوم السابع). 

وبالتالي يمكن القول: إن مصالح النظام الإيراني الحالية وتحركات الكيان المحتل وضرباته في غزة ولبنان وسوريا واليمن، إلى جانب انتشار القوات الأمريكية في المنطقة، قد دفعت النظام الإيراني إلى التراجع والتخلي عن أذرعه ووكلائه الإقليميين أمام موجة الضربات الإسرائيلية والتهديدات الأمريكية. 

في ظل رغبة النظام الإيراني في تحييد نفسه والانكفاء المؤقت في المنطقة لحين انتهاء الحرب، ما أظهر حقيقة المحور الإيراني في المنطقة. ومع انتهاء الحرب الإسرائيلية والغربية على البلدان العربية، سيعود النظام الإيراني من جديد إلى شعاراته السابقة للتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية. 

ولكن اللافت أنه وبعد كل هذه التطورات والمستجدات المفصلية، ولأول مرة بدأت أصوات الموالين لحزب الله، وحتى المنضوين فيه والمتعلقين حتى الموت بـ”نصر الله”، ترتفع بشكل علني وواضح، وتتهم إيران بمسؤوليتها عن اغتيال أمين عام الحزب؛ كما ذهبت المواقف إلى حد اعتبار أن المشكلة ليست فقط مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بل مع طهران (سكاي نيوز عربية). 

حتى إنها دعت الجماهير الغاضبة لعدم التوجه إلى السِّفَارة الأمريكية في عوكر، بل إلى السِّفَارة الإيرانية والتجمهر والتظاهر أمامها، كما كتب البعض على مواقع التواصل الاجتماعي: “الخيانة لا تأتي من العدو بل تأتي من الصديق”، وغيرها من الشعارات التي تُظهر لأول مرة غضبًا كبيرًا من قبل بيئة الحزب، ومن قبل الموالين له وتحميلهم إيران بشكل مباشر مسؤولية اغتيال “نصر الله”. 

الاختراق الإسرائيلي لإيران وأذرعها الإقليمية:

عكست الهجمات الإسرائيلية وعمليات الاغتيالات والضربات المتكررة ضد الأذرع الإيرانية وفي طهران نفسها، حجم الاختراق الذي تعاني منه إيران وأذرعها الإقليمية؛ إذ أن الكيان المحتل قد وجه ضربات عسكرية ضد الميلشييات والأذرع الإيرانية وخطوط دعمها وإمداداتها اللوجستية في سوريا.

إضافة إلى تنفيذ جيش الاحتلال هجمات جوية على مواقع الحوثيين في اليمن، بهدف تخريب أو تدمير منشآت تخزين الأسلحة ومستودعات النفط ومطارات تابعة لحركة أنصار الله التابعة لإيران، إلى جانب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران “إسماعيل هنية”، فضلًا عن تنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال وتفجير أجهزة النداء والاتصال الخاصة بحزب الله، المحور الرئيسي في المواجهة بين الطرفين؛ لتكشف تلك العمليات عن اختراق خطير يعاني منه المحور الإيراني وتحديدًا حزب الله في هذه المواجهة، ليُكشف بذلك عن أسلوب حديث من الحروب ينتهجه الكيان المحتل.   

وتعددت الأسباب التي تقف وراء نجاح الكيان المحتل في اختراق حزب الله أمنيًّا، بعضها يرجع إلى حزب الله نفسه كتنظيم والدور المنوط به والمرسوم له وحدود تدخله في القضايا المحلية والإقليمية؛ فقد أنشأت إيران حزب الله في لبنان مستغلة الوضع في لبنان خلال الحرب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي لجنوبه آنذاك، خاصة وضع الطائفة الشيعية الاجتماعي والسياسي، مع زخم الثورة الإيرانية في ذلك الوقت. (بي بي سي عربي).

فشكلت البنية الأيديولوجية الولائية لحزب الله وعناصره ووفرت له سبل الدعم، وقامت سوريا بدور البلد الثالث حيث الوصل الجغرافي وخط الإمداد لحزب الله في لبنان، فقد اتفقت مصالح إيران وسوريا في لبنان من خلال الحزب لأغراض تخدم الطرفين. 

من هنا ينظر إلى حزب الله وجهازه الاستخباري على أنه أحد أذرع إيران الاستخبارية، ويعمل وفق إرادتها وتحت إدارتها؛ وطبيعي أن يكون للجهازين الإيراني والسوري اختراقات داخل بنية الحزب، وبشكل خاص البنية العسكرية والأمنية، مما جعل الحزب مرآة تعكس ما تعرضت له إيران وسوريا من اختراقات أمنية خلال العقدين الماضيين؛ أي أن مصدر الدعم ومعبره صارا سببًا من أسباب الاختراق. 

كما أن كون الحزب خط دفاع عن النظام الإيراني ومشروعه الإقليمي والنووي، جعله هدفًا للاختراقات ضمن الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة والقوى الغربية والإقليمية؛ ويستخدم جهاز الاستخبارات الإسرائيلي تقنيات تجسس متطورة تشمل الطائرات المسيرة والأقمار الاصطناعية وأنظمة التجسس الرقمي مثل (Echelon)، مما يجعله أحد أكثر الأجهزة المتقدمة تقنيًا في العالم، كما يتمتع بخبرات متراكمة، وعلاقات واسعة حول العالم توفر له تبادلًا معلوماتيًا بمستوى عالٍ. 

وقد شارك حزب الله في الساحات السورية واليمنية والعراقية بما يفوق قدراته على تأمين هذا الانتشار، الأمر الذي أتاح فرصًا لاختراق صفوفه؛ فالساحات التي توسع فيها الحزب هي ساحات صراع تعمل فيها أجهزة استخبارية لقوى دولية وإقليمية مختلفة معادية لحزب الله وتتفوق عليه في القدرات؛ أي: أنه صار متواجدًا تحت أعينها في مناطق نفوذها مع فارق كبير في القدرات ليس في صالح الحزب؛ كما أدى تداخل حزب الله مع أذرع إيرانية الأخرى في تلك الساحات جعل منه بوابة خلفية لاختراق الحزب من قبل الأجهزة الاستخبارية الإقليمية والدولية. 

مستقبل حزب الله والدولة اللبنانية في ظل الضربات الإسرائيلية الأخيرة:

لا شك أن اغتيال “حسن نصر الله” سيترك تداعيات كبيرة على المشهد الإقليمي، سواء من حيث توازنات القوة في لبنان أو في سياق العِلاقة بين إيران وحلفائها؛ فالفجوة القيادية التي سيخلقها غيابه ستؤثر على قدرة حزب الله على تنفيذ استراتيجياته المستقبلية، في حين أن الكيان المحتل قد يستغل هذا الحدث لإعادة تشكيل خريطة المواجهة الأمنية. 

فاغتيال “حسن نصر الله” الزعيم الأيديولوجي لحزب الله، سيترك فراغًا كبيرًا في قيادة حزب الله، في حين أن الهيكل التنظيمي لتلك الجماعة يتمتع بالاستمرارية المؤسسية؛ إلا أن غياب نصر الله سيؤثر على قدرة حزب الله على اتخاذ قرارات حاسمة وتنفيذ عمليات معقدة في المرحلة المباشرة التي تلي الاغتيال، وبالتالي فإن غياب شخصية مثل نصر الله ستضعف قدرة حزب الله على تعبئة أنصاره وحتى الدعم الشعبي له، خاصة في ظل تعقيدات الحرب المستمرة. 

كما ويشكل اغتيال نصر الله ضربة معنوية وإستراتيجية لإيران؛ وهذا الحدث قد يفرض على طهران إعادة تقييم دور حزب الله ووظيفته في المرحلة المقبلة، ورغم أن إيران لن تتخلى عن الحزب في مشروعها الإقليمي للسيطرة على الدول العربية، إلا أن هناك تساؤلات حول ما إذا كانت ستعيد توجيه حزب الله نحو مواجهة الكيان المحتل كما كان في السابق، أم ستحاول إيران تقليص دوره العسكري لتجنب التصعيد المباشر الذي قد يهدد مصالحها الإقليمية. (مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية).

كذلك قد تؤدي هذه العملية إلى تقليص دور حزب الله في لبنان وتحجيم نفوذه الإقليمي، وهو ما قد يعيد توزيع النفوذ بين الفاعلين المحليين والإقليميين في لبنان وسوريا، في ظل غياب نصر الله، وقد يتغير مستقبل حزب الله كمنظمة مقاومة، حيث يمكن أن يشهد الحزب تحولًا في توجهاته من دوره التقليدي بمواجهة إسرائيل إلى تركيز أكبر على السياسة اللبنانية والشؤون الداخلية. 

فهذا الاغتيال قد يدفع حزب الله إلى إعادة تقييم استراتيجياته وتحديد أولوياته، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والخارجية؛ ومن المتوقع أن يمر الحزب بفترة من عدم الاستقرار المؤقت حتى يتم تحديد هُوِيَّة القيادة الجديدة وتوجهاتها المستقبلية. 

أما على صعيد الدولة اللبنانية: ففي الوقت الحالي تتراجع شعبية حزب الله داخل الشارع اللبناني بشكل كبير، نظرًا لتوريطه لبنان في مواجهة عسكرية غير متكافئة؛ فنفوذ حزب الله في لبنان بدأ يضعف ويتراجع حتى بين صفوف الطائفة الشيعية، في ظل نزوح ما يفوق المليون ونصف المليون لبناني من المناطق الشيعية إلى باقي لبنان.   

الخلاصة:

– في ظل المناوشات الدائرة بين حزب الله والكيان المحتل؛ يدفع حزب الله ثمن اختراقه الأمني وفشله الاستخباري، وكذلك ثمن الفشل والانكشاف الإيراني أمام الكيان المحتل وحلفائه؛ خاصة في ظل نوع الحرب الحديثة التي يشنها الكيان المحتل المبنية على الاستخبارات والتكنولوجيا في المقام الأول، ولن تكون تفجيرات البيجر والاغتيالات الدقيقة هي آخر مظاهر هذا الاختراق، كما لن تكون آخر المفاجآت.

– يمكن القول بأنه في ظل التحولات الكبرى التي سوف تطرأ على حزب الله عقب رحيل “حسن نصر الله”، فإنه من المتوقع أن يمر الحزب بمرحلة انتقالية دقيقة ومعقدة على مستوى القيادة والاستراتيجية، فإن غياب “نصر الله” قد يفتح الباب أمام تحديات جديدة تتعلق بقدرة حزب الله على الحفاظ على تماسكه الداخلي، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.

المصادر:

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

الشروق

المصدر أونلاين

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية

العربية

اليوم السابع

سكاي نيوز عربية

بي بي سي عربي

مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية

التعليقات مغلقة.