مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
أثر الربيع العربي على مستقبل الدول العربية في ظل التصارع الخارجي على موارد المنطقة
تتمتع المنطقة العربية بالعديد من الموارد والثروات الطبيعية المختلفة، والتي تشهد طلبًا عالميًّا متزايدًا في ظل التطور الصناعي والتكنولوجي العالمي؛ ونتيجة لذلك، فقد برزت أهمية العالم العربي بدًا من حرب أكتوبر 1973م، وما تبعها من حظر للنفط وخسائر متتالية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، ما دفع القِوَى الغربية إلى طلب وقفًا لإطلاق النار للحد من الخسائر المتفاقمة؛ وبات واضحًا للقِوَى الغربية عقب حرب أكتوبر والتكاتف العربي، محورية العالم العربي في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، ومنذ حرب أكتوبر وضع الغرب مخططات مختلفة للتدخل في الشأن الداخلي العربي؛ فمن جهة دعم النظام الإيراني الطائفي الجديد لتقسيم وتمزيق المنطقة، والذي أدَّى دورًا محوريًّا في تدمير العالم العربي، إلى جانب غزو العراق عام 2003م للسيطرة على موارده الطاقية.
ومن جهة أخرى: عمد الغرب إلى زرع الفتن والشقاقات المختلفة ما بين الأقليات في سوريَا والعراق ولبنان، مع تدخله العسكري في العديد من المناطق أبرزها ليبيَا؛ وكان من اللافت تحويل القِوَى الغربية لثورات الربيع العربي من كونها مجرد ثورات إصلاحية، إلى صراعات طائفية وعرقية عبر استقطاب المسلحين وتأسيس ميليشيات مختلفة لفرض الوصاية على العالم العربي، في ظل افتقار معظم الدول العربية لأحزاب سياسية كبرى على غرار الجمهوريين والديموقراطيين والعمال والمحافظين في أوروبا والولايات المتحدة، وقد فشلت مخططات الغرب في عدة دول عربية، إلا أنها قد نجحت في دول أخرى.
فكيف يمكن قراءة الدور العربي في النظام العالمي منذ حرب أكتوبر عام 1973م؟ وما هي العوامل التي استغلتها القِوَى الخارجية للتدخل في الشأن العربي؟ وكيف نجح الغرب في جر عددٍ من الدول العربية إلى دوامة حروب وصراعات أهلية وطائفية بمساعدة إيران؟ وما هو مستقبل المنطقة العربية في ظل التوجه اللافت للساسة العرب لتنويع العلاقات الخارجية والانضمام إلى تكتلات شرقية صاعدة لتوازن العلاقات الخارجية العربية؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر تحليلاته ودراساته المختلفة الضوء على؛ التدخل الخارجي في الشأن العربي والفوضى الخلاقة ومستقبل العالم العربي في ظل سياسات عربية جديدة بعد صراع غربي على موارده؛ في هذه السطور الآتية.
تأثير العالم العربي في الاقتصاد والسياسة العالمية:
عقب الحرب العالمية الثانية، وانتشار حركات التحرر الوطني في العديد من المناطق العربية والإفريقية، وظهور الدول بمفهومها الحديث والمعاصر عن المواطنة والسيادة؛ أخذت العديد من الدول المختلفة حول العالم في التقارب فيما بينها على أسس مشتركة مثل، اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا، وبرزت تكتلات جديدة مثل المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
وبالمثل: عملت الدول العربية على التكامل والتعاون فيما بينها انطلاقًا مما يجمعها، فظهرت على الساحة العالمية منطقة التجارة الحرة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والجمهورية العربية المتحدة، واتحاد الجمهوريات العربية وغيرها من مشروعات الوحدة العربية. (الجزيرة).
كما أخذت التيارات والأحزاب والإيديولوجيات السياسية المختلفة بإثراء الشارع العربي، وكان أبرزها: حزب البعث العربي الاشتراكي والاتحاد العربي الاشتراكي، وقد ساهم الموقع الفريد للوطن العربي الذي يربط قارات العالم القديم الثلاث وتحكمه في الممرات المائية الدولية الهامة، وما يحويه باطن الأراضي العربية من ثروات، وموارد طبيعية وطاقية ومعدنية، في بروز الدور العربي عالميًّا.
إذ أخذت الدول العربية عقب استقلالها، على تطوير اقتصادات صناعية وإنتاجية تتوافق مع الحداثة العالمية، وقد بدا ذلك جليًّا فيما شهدته دول؛ مثل: العراق ومصر وسوريا من نهضة صناعية شاملة بدءًا من الخمسينيات، ما عُد خطوة نحو مجتمعات حديثة؛ ومع ازدياد حاجة العالم إلى النفط، أدت الدول العربية دورًا محوريًّا في السياسة والاقتصاد العالميين نظرًا لإنتاجها الضخم والمستمر، والذي يشكل 78% من إنتاج منظمة أوبك. (العربية).
وبالتالي وانطلاقًا مما سبق؛ فإن المنطقة العربية قد أخذت في النمو والازدهار التدريجي عقب الاستقلال، وبلغ تأثيرها الفعال اقتصاديًّا وسياسيًّا خلال حرب أكتوبر عام 1973م، عندما قام أعضاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول والتي تتألف من الدول العربية أعضاء أوبك، بالإضافة إلى مصر وسوريا؛ بإعلان حظر نفطي لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967م.
وأعلنت منظمة أوبك أنها ستوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التي تؤيد إسرائيل في صراعها مع سوريَا ومصر والعراق، فيما عُرف بأزمة النفط عام 1973م، والتي كان لها وقعها على الاقتصادات الغربية، ودفعت القِوَى الغربية إلى مطالبة أطراف الصراع بوقف إطلاق النار، إلى جانب الزيارات الغربية إلى العواصم العربية بحثًا عن حل ممكن للأزمة.
وقد دفع التطور الاقتصادي والصناعي، والتأثير الفعال في النظام العالمي المعاصر، إلى جانب الموقع الجغرافي الفريد، القِوَى الغربية والاستعمارية السابقة؛ إلى انتهاج طرق وأساليب جديدة تضمن لها السيطرة غير المباشرة على المنطقة العربية؛ فمنذ حرب أكتوبر عام 1973م، أدركت القِوَى الخارجية ما بحوزة العرب من إمكانات اقتصادية وسياسية وجغرافية ذات تأثير فعال في السياسة العالمية، ووضعت الإستراتيجيات الغربية المختلفة لتمزيق المنطقة العربية تحت شعارات متنوعة، فمن حقوق الإنسان إلى نشر الديموقراطية وغيرها.
أبعاد ودوافع التدخل الخارجي في الشأن العربي:
لم تخرج المنطقة العربية من حسابات القِوَى الغربية منذ الحروب الصليبية والحملة الفرنسية، ولم تتوقف التدخلات الغربية خاصة الأميركية منها في دول العالم الثالث والعربية من ضمنها، بعد انتهاء مرحلة الاستعمار وانحساره؛ حيث بقيت الدول الاستعمارية هي المهيمنة على عصب الحياة الاقتصادية لتلك الدول، من خلال شركاتها الاستثمارية. (الشروق).
فالعلاقات الاقتصادية ما بين العديد من دول العالم والقِوَى الغربية غير متكافئة، ويشوبها التبعية، وتُعد بحسب مراقبين استعمارًا جديدًا؛ وعقب حرب أكتوبر 1973م، أخذ التركيز الغربي على المنطقة العربية بالوضوح أكثر، بهدف إضعاف الدول العربية الفعالة في المنطقة والتأسيس لتحالفات جديدة؛ فسياسات التقارب العربي مع القِوَى الغربية بدًأ من أواخر السبعينيات، كان يشوبها العديد من الثغرات التي مكنت القِوَى الغربية من تحويل علاقاتها ببعض دول المنطقة العربية إلى علاقة تبعية.
وعند النظر إلى الموقع الجغرافي العربي والذي يتوسط قارات العالم القديم، إلى جانب الممرات والمضايق البحرية، والموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية الهامة للنهوض بالمنطقة؛ جميعها عوامل دفعت القِوَى الغربية إلى إعادة صياغة سياساتها مع دول المنطقة انطلاقًا من تطلعاتها طويلة الأمد، والترسيخ لعلاقات السيطرة غير المباشرة.
فبروز البترودولار في الاقتصاد العالمي، ومنظمة أوبك وأوبك بلس، لم يحقق الاستفادة المرجوة لدول عدة أبرزها السودان وليبيَا وسوريا والعراق والجزائر واليمن، وغيرها؛ فبالرغم من محورية العالم العربي في تزويد العالم الصناعي بالموارد والثروات اللازمة لإدارة عجلة الاقتصاد العالمي، إلا أن هذه العلاقة تصب في جانب واحد فقط؛ وبالنظر إلى محاولات الاستقلال الاقتصادي للدول العربية عن القِوَى الغربية، فقد أدت نتيجة لعدم التنسيق في السياسات الإقليمية، إلى نتائج عكسية محوِّلة المنطقة العربية إلى ساحة صراع مفتوح، مع إصرار القِوَى الغربية على ضمان هيمنتها على مقدرات المنطقة.
ويمثل الدعم الغربي لثورة الخميني عام 1979م، بداية للتطبيق الفعلي للسياسات الغربية الجديدة اتجاه منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي؛ فقد دعمت فرنسا الخميني سياسيًّا وماليًّا وإعلاميًّا، إلى جانب تخصيص طائرة لنقله هو ومؤيديه إلى طهران بعد رحيل الشاه؛ فالقِوَى الغربية قد رأت في أيديولوجية الثورة الإيرانية، مفتاحًا لتفجير الطائفية المذهبية، وتحويل الصراع في منطقة الشرق الأوسط من صراع عربي إسرائيلي، إلى صراع طائفي ما بين الإسلام السني والإسلام الشيعي لإعادة تأسيس التحالفات وإدارة أوراق المنطقة.
السياسة الغربية اتجاه العالم العربي:
أتت الحرب العراقية الإيرانية، لتخلق نوعًا جديدًا من الصراع في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي؛ فقد أدت التدخلات الإيرانية في المنطقة، إلى حتمية المواجهة مع العراق إبان حكم الرئيس العراقي “صدام حسين”، وخلال أعوام الحرب، وفي انعكاس للدور الأمريكي في المنطقة.
صرح مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي حينها زبغنيو بريجنسكي بقوله: “إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن، هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية، تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود اتفاقية سايكس بيكو”. فحرب العراق وإيران قد قسمت الصف العربي، فبعض الدول العربية قررت الوقوف إلى جانب العراق، في حين تقاربت دول عربية أخرى مع إيران، ما رأت فيه إسرائيل والولايات المتحدة بداية لتقسيم أوسع للمنطقة العربية ككل. (وكالة عمون الإخبارية).
إذ تسعى القِوَى الغربية إلى إعادة رسم الحدود السياسية في منطقة الشرق الأوسط وفقًا لتطلعاتها؛ فبالنظر إلى التنوع الثقافي والإثني والقومي والمذهبي في المنطقة العربية، إذ ضمت المنطقة العديد من الثقافات المختلفة والقوميات والأقليات والمذاهب المتعددة على مدار تاريخها، فقد عُد التنوع الديموغرافي في المنطقة بالنسبة إلى القِوَى الخارجية، مفتاحًا لتقسيم العالم العربي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيها.
وتُعد القوميات والأقليات والمذاهب المختلفة في عالمنا العربي، جزءًا أصيلًا من المنطقة، وقد أدت دورًا محوريًّا في التاريخ العربي والإسلامي؛ إلا أن القِوَى الخارجية قد وجدت ضالتها في استغلال تنوع المنطقة الديموغرافي، إلى جانب ضعف الإيديولوجيات السياسية وعدم وجود أحزاب سياسية كبرى ذات تأثير فعال في الشارع العربي.
فالنظام الإيراني قد لعب دورًا محوريًّا في تقسيم المنطقة ضمن الإستراتيجية الغربية، والتي برز اسم “برنارد لويس” كمهندس لها؛ حيث استغلت الولايات المتحدة هجمات الـ11 من سبتمبر عام 2001م، لتنفيذ مشروعها الجديد في المنطقة العربية والإسلامية، مضيفة النظام الإيراني كجزء أساسي لتفتيت المنطقة.
ووضع مخطط إعادة تشكيل إقليم الشرق الأوسط، بشكل يكون دائرًا في فلك السياسة الأمريكية، ومتقبلًا ومطبعًا لوجود إسرائيل في ظل تغير الصراع في الإقليم؛ ومنذ هجمات الـ11 من سبتمبر عام 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية، عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على استغلال الهجمات لخلق صراع عالمي جديد، فيما سُمي بالحرب على الإرهاب والتي كانت غزوًا عسكريًّا غربيًّا لعدة دول عربية وإسلامية، وقد ساهم ذلك الغزو في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة بدًأ من العراق. (الشرق).
ثورات الربيع العربي وتصارع القِوَى الخارجية على المنطقة:
تُعد ثورات الربيع العربي نقطة محورية في التاريخ العربي المعاصر، والتي بدأت من تونس في عام 2010م، ولا تزال تداعياتها مستمرة حتى اللحظة؛ وعلى مدار تاريخ البشرية تنشط الثورات والاحتجاجات واسعة النطاق المطالبة بإصلاحات وتغييرات بين حين وآخر؛ إلا أن ما حدث في العالم العربي قد أطلق عصرًا جديدًا في المنطقة، إذ ساد العنف والطائفية والإرهاب المنطقة طولًا وعرضًا، وتكمن العديد من العوامل التي أوصلت الحال العربي إلى ما هو عليه الآن. (فرنسا 24).
فإلى جانب تدخلات القِوَى الغربية وإيران في المنطقة، وبروز لاعبين جدد ساعين لمناطق نفوذ في المنطقة العربية؛ مثل: تركيا والاتحاد الروسي.
ويُعد ضعف الأحزاب العربية وعدم قدرتها على استقطاب الشارع العربي، أحد العوامل الأساسية التي أفقدت الثورات العربية مغزاها، فقد تحولت بعض التيارات السياسية إلى كيانات طائفية كما حدث في سوريَا، ووقفت بعضها الآخر إلى جانب الأنظمة المستبدة.
هذا إلى جانب اصطفاف عددٍ من رموز الثورات العربية إلى جانب القِوَى الخارجية، وقد بدا ذلك جليًّا في تدخل حلف الناتو عسكريًّا في ليبيَا، فضلًا عن الدعم واسع النطاق من قبل إيران للجماعات الشيعية التي حملت السلاح في سوريَا والعراق واليمن، وعرقلت مرحلة التحول الديموقراطي.
كما أن للقِوَى الخارجية أهدافًا أخرى أبرزها، السيطرة على حقول النفط والغاز الطبيعي في منطقة المشرق العربي على الحدود السورية العراقية؛ فقد مثَّل ظهور تنظيم الدولة (داعش) مفتاحًا آخر لانتشار القواعد العسكرية في سوريَا والعراق وتأسيس تحالفًا كرديًّا أمريكيًّا للسيطرة على المنطقة، بعد نجاح الأخيرة في تأجيج النزاع ما بين العرب والكرد؛ وتمثل حقوق النفط والغاز وتحديدًا في المنطقة الممتدة من العراق وحتى شرق المتوسط، هدفًا إستراتيجيًّا للقِوَى الخارجية وشركاتها الساعية إلى السيطرة على مقدرات المنطقة.
لذا فإن التدخلات التركية تحت شعار الحرب على الإرهاب في شمال العراق وشمال شرق سوريا، والنشاطات غير القانونية للتنقيب عن الغاز شرق المتوسط؛ قد خلق صراعًا جديدًا بين تركيا ومصر، إذ تصدت الأخيرة إلى الأطماع التركية في ليبيَا وشرق المتوسط؛ وقابل الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة، تدخلًا روسيًّا بمجموعة فاغنر العسكرية قلب موازين المنطقة وأفشل الإستراتيجية الغربية إلى حدٍّ ما.
واليوم تبدو العديد من دول المنطقة العربية مقسمة إلى مناطق نفوذ واحتلال عسكري خارجي، فالأطماع الخارجية في المنطقة العربية؛ قد أدت إلى أزمات تعقبها أزمات حتى وصل حال العديد من الدول العربية إلى فوضى الميليشيات والإرهاب، فالحالة العربية الراهنة هي وليدة تلك التدخلات والتحديات التي تعرض وما يزال يتعرض لها الوطن العربي، مما عمق الشعور بالإحباط والعجز لدى فئات واسعة من المجتمع العربي حتى وصل إلى النخب السياسية والاجتماعية والذي اعتبر البعض منهم أن موقع وموارد الوطن العربي أصبحت وبالًا عليها.
مستقبل المنطقة العربية في ظل تغير السياسة العربية الخارجية:
منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة ومنذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979م، وتشكل الجمهورية الإيرانية الحديثة ونحن نسمع عن فرض عقوبات تجارية من قبل واشنطن على الحكومة الإيرانية، وتجميد للأرصدة وتعليق لصفقات التسليح المبرمة مع الدولة الإيرانية وتجميد لأي صفقات تسليح مستقبلية وفرض قيود على واردات النفط الإيرانية فيما بعد، في حربًا إعلامية هزلية واضحة منذ قيام ثورة الخميني العام 1979م تارة لابتزاز الدول العربية وتارة أخرى لإدارة الصراع في المنطقة.
وقد برز الدور الإيراني في الإستراتيجية الأمريكية اتجاه الشرق الأوسط والعالم العربي منذ حرب عام 2003م، وأدَّت تركيا دورًا آخر في سياسة الفوضى الخلَّاقة في المنطقة؛ وقد أدركت النخب الفكرية والثقافية العربية أن الغرب يستخدم إيران وتركيا وإسرائيل وغيرهم من دول المنطقة، لتحقيق أهدافه الخاصة، لاستمرار الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على المنطقة العربية، كما يحدث في سوريَا؛ فقد أصبحت الساحة السورية ميدانًا للنفوذ الإيرانيّ التركيّ الأمريكيّ، إلى جانب الضربات الإسرائيلية في سوريَا بين حينٍ وآخر. (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار).
ومن هذا المنطلق؛ ومع عودة التنافس ما بين الشرق والغرب في ظل الحرب الباردة الجديدة، وظهور الاهتمام الصينيّ والروسيّ بالتعاون مع الدول العربية، سارعت العديد من الدول العربية إلى انتهاج سياسات جديدة والإسراع في الاستفادة من المتغيرات والمستجدات الدولية؛ فباتت العديد من الدول العربية تؤسِّس لشراكات اقتصادية جديدة مع قِوَى الشرق، بل وتنضم إلى التكتلات الشرقية الصاعدة، أبرزها البريكس، على أساس من التعاون المثمر المشترك.
في ظل تحسُّنٍ في عددٍ من الاقتصادات العربية؛ فلم يعد يقتصر القرار الدَّوْليّ حاليًا على الولايات المتحدة، بل بات العالم الآن متعدد الأقطاب، وتحاول فيه الدول العربية إيجاد موقعٍ جديدٍ لها على الساحة العالمية؛ وفي ظل زيادة حدَّة التنافس ما بين الشرق والغرب، في أوكرانيا وتايوان وصراعٍ تجاريٍّ وعقوباتٍ اقتصاديةٍ وغيرها؛ فيمكن القول: إن المنطقة العربية ستشهد استقرارًا نسبيًّا وانفراجًا في الأزمة خلال السنوات القادمة.
فالدول العربية الآن بات أمامها العديد من البدائل المتاحة للتعاون الدَّوْليّ، ولم يعد الأمر مقتصرًا على الولايات المتحدة والقِوَى الغربية؛ فالنظام العالمي الذي أنتجته ظروف الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع التجاريّ ما بين الصين والولايات المتحدة؛ قد فرض معادلةً دوليةً جديدةً، ومكَّن الدول العربية والإفريقية وبلدان العالم الثالث، من التحرك على مساحةٍ أكبر من العلاقات الدولية الخارجية والتعاون الاقتصاديّ.
الخلاصة:
– أدَّت زيادة قوة الدول العربية المصاحب بتأثيرٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ واسعٍ على الصعيد العالمي، بدءًا من النصف الثاني من القرن العشرين؛ إلى إعادة توجيه القِوَى الغربية والاستعمارية السابقة، أنظارها إلى المنطقة العربية من جديد، نظرًا للدور المحوريّ للمنطقة العربية في الاقتصاد العالمي، والذي برز بوضوحٍ خلال أزمة النفط عام 1973م وما تلاها من دورٍ عربيٍّ سياسيٍّ واقتصاديٍّ فعَّال عالميًّا؛ فقد أدركت القِوَى الغربية الأهمية الإستراتيجية للمنطقة العربية، وأخذت بوضع المخططات طويلة الأمد، لفرض الهيمنة على المنطقة العربية ومقدَّراتها.
– اتبعت القِوَى الغربية مزيجًا من الإستراتيجيات المختلفة لتمزيق الدول العربية؛ فإلى جانب خلق صراعٍ مذهبيٍّ طائفيٍّ وقوميٍّ ما بين أبناء المنطقة العربية والدور التركيّ والإيرانيّ في هذا الصراع، كان التدخل العسكريّ الواضح منذ عام 2003م، فبعد انتهاء الحرب الباردة والصراع ما بين الاتحاد السوفيتيّ والولايات المتحدة، استغلَّت القِوَى الغربية هجمات الـ11 من سبتمبر عام 2001م لتخلق نوعًا جديدًا من الصراع العالميّ، فيما سُمِّي بالحرب على الإرهاب، والتي كانت حربًا على المنطقة العربية.
-نتيجةً للسياسات الغربية، والتدخلات الخارجية، وسياسة الفوضى الخلَّاقة للقِوَى الخارجية في المنطقة العربية؛ عملت الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، على استغلال ظروف المتغيرات العالمية والمستجدات الدولية، مثل الحرب الباردة الجديدة وما تشمله من تنافسٍ ما بين الشرق والغرب، للنهوض بالمنطقة من جديد؛ فالاهتمام الروسيّ والصينيّ بالمنطقة العربية، والذي برز في الشراكات الاقتصادية مع العديد من دول المنطقة، مثل مصر والسعودية والإمارات وغيرها؛ إلى جانب سياسة الدول العربية للتقارب مع قِوَى الشرق والانضمام إلى البريكس، تشير إلى انفراجٍ في أزمات العالم العربي التي افتعلتها قِوَى الغرب.
المصادر: