fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تجارب صاروخية وتصريحات دولية… كوريا الشمالية تلعب دورًا فعَّالًا في ظل المتغيرات الدولية

132

تجارب صاروخية وتصريحات دولية… كوريا الشمالية تلعب دورًا فعَّالًا في ظل المتغيرات الدولية

كوريا الشمالية؛ هذه الدولة التي سجَّلتها سجلات الإعلام والصحافة على أنها الدولة الأكبر تهديدًا للعالم، ظلَّت لوقتٍ طويل هادئة نسبيًّا، لا يصلنا منها إلا ما هو مصرَّح له مِن قِبَل الإدارة الأمريكية، ولكن في التوقيت الحالي، وبعد الحرب الروسية الأوكرانية بالتحديد، غيَّرت الموازين، وظهر إلى السطح التفاعلات الكوريا مع العالم، وكذلك التجارب النووية والصاروخية للدولة المنعزلة، وذلك بالتزامن مع بزوغ فجر الصين الاقتصادي، في دلالة واضحة أن العالمَ يغيِّر دفته من الولايات المتحدة الامريكية إلى الأقطاب الجديدة.

وفي ظل هذه الأحداث العالمية المتتالية تجري كوريا الشمالية تجارب صاروخية بصفة مستمرة كجزءٍ من برنامج يهدف إلى تطوير أسلحتها، وكانت بيونغ يانغ قد اختبرت بالفعل، منذ بداية العام الجاري، صواريخ باليستية فائقة السرعة، فضلًا عن صواريخ قصيرة المدى ومتوسطة وطويلة المدى، كما أطلقت في منتصف مارس2022 ما وصفته كوريا الجنوبية بـ“قذيفة غير معروفة”، أخفقت بعد وقت قصير من إطلاقها، وكان زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، قد تعهد بتعزيز قدراته العسكرية، على الرغم من فرض عقوبات اقتصادية على بلده.

ولعل إجراء تجربة إطلاق الصاروخ الباليستيى العابر للقارات “هواسونغ -17”-وهو أكبر صاروخ باليستي عابر للقارات لدى بيونج يانج- بعد أن توقفت عن تلك الاختبارات لمدة تصل إلى أكثر من أربع سنوات أمر مقلق للعالم.

ورغم أن تقارير غربية عديدة أبدت شكوكًا في مدى إقدام بيونج يانج على تلك الخطوة وتوقيتها، وطبيعة ما تم إجراء التجربة على إطلاقه؛ إلا أن ما أعلنته الأخيرة كان له دلالات عديدة على المستويين: الإقليمي والدولي من حيث البُعد الزمني والتقني والمكاني لاختبار هذا الصاروخ؛ بالإضافة إلى اقتران الاختبارات الصاروخية بالتجارب النووية لدى بيونج يانج، وهو ما فرض تساؤلات عديدة حول رسائل هذه الخطوة، ومغزى التوقيت، وتداعيات ذلك على التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، ومدى ارتباطه بتطورات الحرب الروسية في أوكرانيا.

دلالة التوقيت:

من المعروف أن كوريا الشمالية تستند في سياستها العسكرية على تطوير منظومتيها الصاروخية والنووية، وأن التسلح يعتبر أولوية بالنسبة لها، حتى ولو كان ذلك على حساب الاقتصاد الكوري، وهو ما بدا جليًّا في التجربة الصاروخية الأخيرة، حيث واصلت كوريا الشمالية زيادة تطوير صواريخها الباليستية، بإطلاق صاروخ هواسونغ – 17.

وقد طرحت تقنية هذا الصاروخ وتوقيت الإعلان عن إجراء تجربة لإطلاقه أبعادًا ودلالات عديدة على المستويين: الاقليمي والدولي يمكن تناولها على النحو التالي:

أن برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لكوريا الشمالية يعد أحد الدوافع الأساسية لقرار تطوير ونشر نظام الدفاع “ميدكورس” الأرضي الأمريكي لحماية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أحد المؤشرات على استمرارية ارتفاع وتيرة الصراع بين الطرفين؛ خاصة في ظل استغلال كوريا الشمالية لتوقيت الحرب الروسية – الأوكرانية، وتركيز الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الحرب للقيام بإجراء تجاربها الصاروخية.

وعلى الرغم من خضوع كوريا الشمالية لعقوبات دولية بسبب برنامجيها الصاروخي والنووي واتخاذ زعيمها قرارًا بالوقف الذاتي للتجارب؛ إلا أنها مضت في تحديث تلك المنظومة وأجرت عددًا قياسيًّا من الاختبارات الصاروخية، بما فيها صواريخ فرط صوتية وصواريخ باليستية متوسطة المدى، ومن المتوقع أن تكون بصدد تجربة نووية جديدة لتأكيد وضعها كقوة نووية في وقتٍ يتركَّز فيه اهتمام الغرب على الحرب في أوكرانيا، فقد ارتبطت تاريخيًّا التجارب النووية بالتجارب الصاروخية لدى كوريا الشمالية، وقد أجرت ست تجارب نووية، ثلاث منها خلال فترة حكم كيم جونغ أون.

وفي عام 2015 أي: بعد ثلاث سنوات من التجربة النووية الأولى في عهده، أعلنت أنها نجحت في اختبار قنبلة هيدروجينية أقوى بكثيرٍ من القنبلة الذرية، وفي مارس 2016 أكدت أجهزة الاستخبارات الأمريكية المعلومات.

أما التجربة النووية السادسة والأخيرة فكانت عام 2017، فقد أكدت بيونغ يانغ وقتها أنها أجريت على قنبلة هيدروجينية، وتعتبر هذه التجربة الأقوى حتى اليوم؛ فقد تسببت في 3 سبتمبر 2017 بهزة أرضية بلغت قوتها 3.6 درجات، كما أدَّت إلى انهيارات أرضية وهزات ارتدادية، وكانت أقوى بـ 8 مرات من القنبلة التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي.

 ويتمثَّل المؤشر الرئيسي هنا لإجراء التجربة النووية في تكرارية الارتباط بين التواريخ الخاصة بالتجارب الصاروخية والنووية؛ بالإضافة إلى إعلان كوريا الجنوبية أن بيونغ يانغ تقوم بترميم 4 أنفاق في موقع “بانجي – ري” للتجارب النووية، الذي تزعم أنها دمرته في مايو 2018، بحضور مراسلين دوليين لإثبات نيتها في التخلص من الأسلحة النووية(1).

أحداث إقليمية وتفاعلات محتملة:

يلاحظ أن الارتدادات الإقليمية على أمن جنوب شرق آسيا يتمثَّل في الآتي:

1_ تباعد في وجهات النظر ورفض للجلوس على طاولة المفاوضات:

 دعت إدارة بايدن لإجراء حوار غير مشروط مع كوريا الشمالية، بهدف إحراز انفراجة دبلوماسية مع بيونج يانج، غير أن إجراء مثل هذه التجارب، لا سيما قرار الأخيرة بشأن استئناف التجارب الصاروخية طويلة الأمد وكذلك النووية، سينهي احتمالية التقارب بين البلدين؛ خاصة إذا لم تقدم واشنطن على تخفيف العقوبات الاقتصادية عن بيونج يانج، وهو الهدف الرئيسي من التلويح باستئناف التجارب.

2_اشتعال المحيط الهادئ من جديد وتفاقم الوضع الأمني:

 لا يجب أن يُنظر إلى الموقف الكوري الشمالي بمنأى عن اتجاه منطقة المحيطين: الهندي والهادئ، وبحر الصين الجنوبي إلى سباق تسلح نووي يهدد الأمن والسلم الدوليين.

وفي هذا الصدد، فإن التلويح باستئناف تجارب صاروخية طويلة الأمد من كوريا الشمالية يجب أن يؤخذ بالتوازي مع الإعلان عن صفقات شراء الأسلحة لا سيما النووية، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك: إعلان أستراليا العام الماضي شراء عدد من الغواصات الأمريكية العاملة بالطاقة النووية، وكذلك صواريخ كروز وتوما هوك، وتشكيل حلف دفاعي مع واشنطن ولندن.

ومن هذا المنطلق؛ فإن الخطوات الكورية الشمالية الأخيرة ستؤجج من الصراع في المنطقة، والتي باتت تشهد سباق تسلح إقليميًّا بذريعة الردع والردع المضاد في لعبة تجاذب القوى بين الصين وحلفائها من ناحية، والولايات المتحدة وحلفائها من ناحية أخرى.

3_ عودة المشهد السياسي في سيول من جديد:

 من المتوقع أن تتصاعد حِدَّة الخطاب الانتخابي في كوريا الجنوبية، وأن تسيطر الأبعاد الأمنية والعسكرية على أجندة مرشحي الرئاسة، وذلك قبل الانتخابات المقرر لها في 9 مارس المقبل.

وفي هذا الصدد، دعا المرشح الرئاسي المحافظ، يون سوك – يول، إلى ضرورة تعزيز دفاعات سيول بعد الاختبارات التي أجرتها كوريا الشمالية، مؤكدًا أن سلام كوريا الجنوبية لن يتحقق إلا من خلال ردع قوي ضد كوريا الشمالية، وذلك عبر الحصول على صواريخ تفوق سرعة الصوت، وتقوية دفاعاتها الصاروخية؛ فضلًا عن تعزيز قدرات الضربات الانتقامية للبلاد.

ويرى المراقبون: أن استئناف التجارب بعيدة المدى من قبل بيونج يانج سيعزز من ثقل حزب سلطة الشعب في الانتخابات الكورية الجنوبية، بقيادة المرشح المحافظ “يون سوك – يول”، والذي يتبنى سياسة متشددة مع كوريا الشمالية، ويرفض أي خطوات للتهدئة معها.

4_ موازين قوى سياسية جديدة واستقطاب لأدوار دولية:

 أصدرت ثماني دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي بيانًا مشتركًا في 20 يناير الجاري يدين إطلاق كوريا الشمالية الصواريخ الباليستية ويدعوها إلى تنفيذ قرارات المجلس المعتمدة بالإجماع؛ للتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل.

ويلاحظ أن: الدول التي وقَّعت على البيان لم يتضمن الصين أو روسيا، في حين أن الدول الغربية في مجلس الأمن، وتحديدًا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا دعمت مثل هذا القرار، وهو ما يعكس انعكاس الصراع بين الولايات المتحدة من جانب، وكل من روسيا والصين من جانب آخر على القضايا الدولية؛ خاصة أن البيان لم يتضمن أي مواقف جديدة، بل اقتصر على حثِّ كوريا الشمالية على الالتزام بقرارات مجلس الأمن السابقة(2).

أهداف كوريا من وراء الصواريخ الباليستية:

يختلف المحللون حول أسباب ودوافع كوريا الشمالية وراء رغبتها في تصعيد التوترات في هذا التوقيت، وهي مستويات من التوتر شوهدت آخر مرة في عامي 2016 و2017.

ويمكن تفصيل دوافع التصعيد الأخيرة في التالي:

طاولة المفاوضات ودورها الرئيس حيث يتمثَّل أحد التكتيكات التي تتبعها بيونج يانج في “التهديد بالتصعيد لفرض المفاوضات”، ثم مقايضة التصعيد مقابل مكاسب اقتصادية ملموسة، وفي هذا الصدد، لا يتعين على بيونج يانج استئناف تجارب الصواريخ بعيدة المدى، ولكن يكفي أن تستخدم هذه الورقة للتهديد بها مقابل انتزاع تنازلات أمريكية لتخفيض العقوبات المفروضة عليها.

ويخطط الزعيم الكوري الشمالي لأن يجعل ملف بلاده النووي يحتل مرتبة متقدمة في اهتمامات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ خاصة أنها تقبع حاليًا في مرتبة متدنية في قائمة أولوياته الدولية.

انفراجة في الأزمة الاقتصادية: تعاني كوريا الشمالية نقصًا في الغذاء وتعثر في الاقتصاد، ويرجع ذلك للحصار الخارجي المفروض عليها، والحصار الداخلي الذي فرضته على نفسها لاحتواء تفشي وباء كورونا، مما أدَّى إلى تراجع التجارة مع الصين، حليفها الاقتصادي والسياسي الرئيسي، على الرغم من وجود تقارير تفيد بأن هذا قد يستأنف قريبًا.

ويعتقد البعض أن كيم يونج أون يُوظِّف مثل هذه التجارب للبحث عن أية حلول لمساعدة بلاده للخروج من أزمنتها الاقتصادية والغذائية.

سياسة فرد العضلات واستعراض القوى: يعكس إجراء التجارب الصاروخية بمختلف أنواعها ثلاث مزايا لكوريا الشمالية، وهي تطوير قدراتها الصاروخية، والحفاظ على الاستعداد التشغيلي الخاص بها، فضلًا عن ردع خصومها؛ خاصة أن برنامجها بات يفرض تهديدًا ليس فقط على حلفاء واشنطن، وتحديدًا كوريا الجنوبية واليابان، ولكن كذلك الولايات المتحدة.

الاستفادة من الأوضاع الدولية المتغيرة: تدرك بيونج يانج أنها أمام بيئة أمنية إقليمية متغيرة بسبب الصراع بين الصين والولايات المتحدة، خاصة في ظل مساعي واشنطن الواضحة لبناء تحالفات عسكرية لتطويق الصين، كما في تحالفي الإكوس والكواد، فضلًا عن دعم واشنطن المستمر لاستقلالية تايوان عن بكين، وهو ما سوف يدفع الأخيرة للرد عليه.

ويبدو أن كوريا الشمالية تسعى إلى أن تكون أحد هذه الخيارات، أي: أن تتجه بكين لدعمها، اقتصادياً وعسكرياً، في مواجهة الولايات المتحدة(3).

التعليق الأمريكي:

قال الرئيس الأميركي جو بايدن تعليقًا على اختبار الأسبوع الماضي: إن سلطات كوريا الشمالية “لم تغيِّر سياساتها كثيرًا”.

يتزامن كل ذلك مع تعثُّر في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية ورفع العقوبات عن كوريا الشمالية، بعد انفراجة تاريخية تم تحقيقها في ظل لقاءات الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون(4).

الخلاصة:

إن التحرك الكوري الشمالي في منطقة النمر الأسيوي قد تكون له حساباته الخاصة والتي لا بد أن يضعها العالم نصب عينه، وهذه التحركات قد تضر بالمنطقة بالكامل؛ نظرًا لأهميتها، وأطماع معظم الدول العظمى فيها؛ خاصة إذا ما بدأت بكين في توظيف بيونج يانج للرد على المحاولات الأمريكية لتطويقها عبر تأسيس تحالفات عسكرية غربية على غرار الإكوس والكواد.

وبالنظر للحرب الروسية الأوكرانية وتحركات الصين ودور الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن كوريا توجد لها دورًا عالميًّا، للخروج من الحصار الأمريكي، كذلك هذه التجارب قد تكون بمثابة توسيع نطاق العلاقات بين الأخيرة وموسكو، التي قد تتجه بدورها إلى تبني نموذج “الكوريتين” في التعامل مع المسارات المحتملة التي يمكن أن تنهي من خلالها تلك الحرب خلال المرحلة القادمة. 

1_ مركز الأهرام للدراسات

2_ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات

3_ بي بي سي

4_ الميادين

التعليقات مغلقة.