fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

رحلة السياسة التونسية من قيس سعيد إلى الانتخابات الرئاسية 2024

50

رحلة السياسة التونسية من قيس سعيد إلى الانتخابات الرئاسية 2024

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، في مساء يوم الاثنين 7 أكتوبر 2024، عن فوز الرئيس قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية، حيث حصل على 90.69% من الأصوات التي أدلى بها الناخبون، ويأتي هذا الفوز في وقت يشهد فيه المشهد السياسي جدلًا واسعًا حول مدى نزاهة وشفافية الانتخابات؛ بالإضافة إلى نسبة المشاركة التي أثارت الكثير من التساؤلات حول legitimacy العملية الانتخابية.

تراجع نسب المشاركة:

تجري هذه الانتخابات وفقًا لدستور 2022 الذي صاغه الرئيس سعيد، والذي منح نفسه بموجبه صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة، مع تقليص كبير لسلطات البرلمان والقضاء؛ فقد حول الدستور الجديد هاتين السلطتين من سلطات مستقلة إلى “وظائف” تخضع تمامًا للسلطة التنفيذية.

وبهذا تم تكليف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالإشراف على العملية الانتخابية، على الرغم من أن الرئيس سعيد هو الذي عيَّن رئيس الهيئة وأعضاءها بعد حل الهيئة السابقة التي كانت قد انتخبت من قبل البرلمان.

وقد عكست نتائج الانتخابات السابقة، بما في ذلك الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية، عزوفًا غير مسبوق عن المشاركة؛ إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في الاستفتاء 27%، وهو ما جاء محل شك من قبل العديد من مؤسسات سبر الآراء، وفي انتخابات مجلس النواب، تراوحت نسبة المشاركة بين 11% و7%، بينما سجلت انتخابات المجالس الوطنية نسبة مشاركة بلغت 12%.

هذا العزوف الكبير عن المشاركة يعكس غياب التفاعل السياسي الحقيقي حول الانتخابات، حيث قاطعت معظم الأحزاب ذات التأثير الكبير هذه الانتخابات، ما عدا حركة الشعب وبعض الأحزاب الصغيرة التي دعمت سعيد، كان من الواضح أن هذا الوضع ساهم في ضعف الحماسة لدى الناخبين(1).

معركة الترشحات: إجراءات على المقاس:

في 2 يوليو 2024، أصدر الرئيس سعيد مرسومًا يدعو الناخبين إلى التصويت في الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر 2024، خلال فترة الترشح، تقدم 17 شخصًا بملفاتهم إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إلا أن الهيئة لم تقبل إلا ثلاثة ملفات فقط: ملف سعيد، وملف زهير المغزاوي (الأمين العام لحركة الشعب الداعمة لسعيد)، وملف العياشي زمال.

رفضت الهيئة الملفات الأخرى، مستندة إلى عدم استكمال الوثائق المطلوبة أو وجود مشاكل قانونية في بعض الملفات، وهذا الأمر دفع عددًا من المرشحين الذين تم رفض ملفاتهم إلى اللجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن في قرارات الهيئة، حيث قضت المحكمة بإعادة ثلاثة مرشحين إلى قائمة المقبولين، لكن الهيئة امتنعت عن تنفيذ حكم المحكمة، مما أثار جدلاً واسعًا حول مدى استقلالية الهيئات القضائية(2).

توظيف القضاء العدلي:

لم تقتصر التوترات على عدم تنفيذ قرارات المحكمة، بل تجاوزتها إلى توجيه النيابة العامة تهمًا خطيرة للمرشحين الذين تم رفض ملفاتهم، تم اعتقال عدد من هؤلاء المرشحين بتهم تتعلق “بتكوين وفاق إرهابي”، و”التآمر على أمن الدولة”، مما زاد من تعقيد الوضع السياسي في البلاد، كما تم إدانة عدد من هؤلاء المرشحين وأعضاء حملاتهم الانتخابية في محاكمات سريعة، مما أدى إلى صدور أحكام بالسجن ضدهم.

جدل المشاركة والمقاطعة:

أدى كل هذا إلى انقسام كبير بين القوى السياسية حول خيار المشاركة أو المقاطعة؛ إذ رأى دعاة المقاطعة أن الانتخابات محكومة سلفًا لصالح سعيد، نظرًا لهيمنته على مؤسسات الدولة وقوانينه التي صيغت بشكل يخدم مصالحه.

من جهة أخرى: اعتبر مؤيدو المشاركة أن التصويت يمكن أن يكون فرصة لتعبئة الرأي العام ودعم مرشح آخر، حتى وإن كان الخيار محدودًا(3).

جدل النتائج:

في 7 أكتوبر، أعلنت الهيئة أن عدد المشاركين في التصويت بلغ 2,808,548، ما يعادل 28.8% من مجموع الناخبين المسجلين، ورغم أن هذه النسبة تعد أعلى من الانتخابات السابقة، إلا أنها تبقى أقل بكثير من النسب المسجلة في انتخابات عامي: 2014 و2019.

جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد فوز سعيد، حيث حصل على 90.69% من الأصوات، بينما حصل زمال على 7.35% والمغزاوي على 1.97%، هذه النتائج تشير أيضًا إلى تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها سعيد مقارنة بانتخابات 2019، حيث كان قد حصل على 72.71% من الأصوات(4).

ما بعد الانتخابات؟

عقب الإعلان عن النتائج، يبدو أن الرئيس سعيد يعتبر نفسه قد حصل على تفويض شعبي جديد لاستكمال مسار حكومته، رغم الانتقادات التي تتعلق بنسب المشاركة المنخفضة والسياق السياسي المشحون، في الوقت نفسه، تدخل المعارضة مرحلة جديدة، ولكن دون مراجعات جادة لأدائها، مما يعكس عدم قدرتها على تشكيل جبهة موحدة للتصدي للسلطة.

وتشير النتائج إلى أن أكثر من 70% من الناخبين لم يشاركوا في الانتخابات، مما يعكس عدم الاهتمام الواسع بالعملية الانتخابية، هذه الظروف إلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، قد تثير المزيد من الاحتجاجات في المستقبل(5).

ملفات مهمة على طاولة قيس سعيد خلال فترة رئاسته الثانية لتونس:

وفي الفترة الرئاسية الثانية، يواجه الرئيس التونسي قيس سعيد مجموعة من الملفات العاجلة التي تتطلب استجابة سريعة وحاسمة، تأتي في مقدمة هذه القضايا مسألة استكمال برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي بدأه خلال ولايته الأولى، وذلك ضمن إطار سعيه لبناء مؤسسات الدولة وتعزيز قوتها، مع التركيز على إنشاء المحكمة الدستورية العليا، التي تُعتبر حجر الزاوية لاستقرار النظام السياسي والتشريعي والقانوني في تونس.

إصلاح قطاع الرعاية الصحية:

من بين الأولويات الرئيسية التي يتعين على الحكومة معالجتها هو إصلاح منظومة الرعاية الصحية، يُعد القطاع الصحي أحد الأعمدة الأساسية لأي دولة، حيث يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة، يسعى الرئيس سعيد إلى معالجة العديد من القضايا التي يعاني منها هذا القطاع، مثل نقص الموارد، ضعف البنية التحتية، وزيادة الضغط على الخدمات الصحية، ويتضمن ذلك تحسين جودة الرعاية الصحية المقدمة، وتوسيع نطاق الوصول إليها، لتلبية احتياجات جميع المواطنين دون تمييز(6).

تحسين الأوضاع المعيشية للفئات الهشة:

في إطار خطته الهادفة إلى تحسين الظروف المعيشية، يُعد دعم الفئات الأكثر هشاشة جزءًا أساسيًّا من إستراتيجية الرئيس، يواجه الكثير من التونسيين تحديات اقتصادية متزايدة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، من الضروري توفير المواد الاستهلاكية الأساسية وضمان توافر بعض المواد الغذائية، كما يسعى الرئيس إلى معالجة القضايا المتعلقة بقطاعات حيوية مثل النقل والتعليم والزراعة، التي تتطلب إصلاحات جذرية لضمان فعاليتها.

التحديات الاقتصادية الكبرى:

تعتبر فترة الرئاسة الحالية مليئة بالتحديات الاقتصادية الجسيمة التي تحتاج إلى حلول مبتكرة، يُظهر الوضع الراهن ضرورة ملحة لرفع نسبة النمو الاقتصادي، التي لم تتجاوز 1% في السنوات الأخيرة، في ظل ارتفاع معدلات البطالة، ويعد تحقيق النمو الاقتصادي المستدام أمرًا حيويًّا، حيث سيساهم في تحسين مستوى المعيشة وزيادة الفرص المتاحة للشباب.

بالإضافة إلى ذلك، تأتي محاربة الفساد في صميم أولويات الرئيس. يتطلب تحسين مناخ الأعمال في تونس اتخاذ خطوات حاسمة لإصلاح قوانين الاستثمار، وذلك لتحفيز المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء، يتعين على الحكومة العمل على توفير بيئة استثمارية جذابة تعزز من جاذبية السوق التونسية(7).

مراجعة قانون الصرف والاستثمار:

من المهم الإسراع في سن قانون صرف جديد يتماشى مع التغيرات الاقتصادية الحديثة، حيث أصبح القانون الحالي، الذي يعود إلى عام 1976، عائقًا أمام جذب الاستثمارات، تتطلب التحديات الحالية وضع إطار قانوني مرن يساهم في تسهيل العمليات التجارية وتحفيز النمو.

إلى جانب ذلك، يجب مراجعة قانون الاستثمار ليعكس التحولات الاقتصادية العالمية، من الضروري تضمين عناصر مثل الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا الحديثة، حيث إن القانون المعمول به منذ عام 2016 لم يعد قادرًا على تلبية احتياجات السوق الدولية، وبالتالي، يتطلب الأمر إجراء تغييرات جذرية لجذب الشركات الكبرى من خلال تقديم تحفيزات ضريبية جذابة.

دعم الفئات الهشة وتعزيز السياسات الاجتماعية:

تعد تحسين أوضاع الفئات الهشة جزءًا أساسيًّا من رؤية قيس سعيد خلال فترته الحالية، وأوضح وزير التشغيل والتكوين المهني، رياض شود، أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 سيركز على تعزيز السياسات الاجتماعية، يتضمن المشروع توفير خطوط تمويل لدعم الفئات الضعيفة، بما في ذلك العاملات الفلاحيات والأشخاص ذوو الإعاقة.

علاوة على ذلك: يتضمن مشروع قانون المالية الجديد أيضًا تحسين آليات التشغيل وتعزيز الاستثمارات، ويُتوقع أن يُحدث هذا المشروع خط تمويل للشركات الأهلية بمبلغ يصل إلى 20 مليون دينار، مما سيساهم في توفير فرص العمل وتشجيع مبادرات جديدة(8).

صلاحيات الرئيس وفق دستور 2022:

بموجب دستور يوليو 2022، يتمتع الرئيس قيس سعيد بصلاحيات واسعة تمكنه من اتخاذ قرارات حاسمة في مختلف المجالات، ويُعتبر الرئيس الضامن لاستقلال الوطن وسلامة أراضيه، وهو المسؤول عن احترام الدستور وتنفيذ القوانين، يتولى أيضًا مسؤولية تحديد السياسة العامة للدولة، وعليه إعلام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم بالاختيارات الأساسية للدولة.

تشمل صلاحياته أيضًا تعيين رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة، والقدرة على إنهاء مهام الحكومة أو أي من أعضائها. الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويستطيع اتخاذ تدابير استثنائية في حالات الطوارئ بعد استشارة الحكومة.

الاستفتاءات ومشاريع القوانين:

كما يحق للرئيس عرض مشاريع القوانين على الاستفتاء الشعبي، مما يمنحه القدرة على التأثير بشكل مباشر على تنظيم السلطات العمومية، تشمل صلاحياته أيضًا إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية وفقًا لاختياراته(9).

ختامًا:

في النهاية، انتهت الانتخابات الرئاسية في تونس كما كان متوقعًا بفوز قيس سعيد، لكن تداعيات هذا الفوز ستظل تؤثر في المشهد السياسي مستقبلًا.

سعيد، الذي واجه مرشحين ضعيفين، يعتقد أنه حصل على تفويض لمواصلة سياساته.

وفي المجمل، تشهد تونس أزمة متعددة الأبعاد تشمل الجوانب السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، كما تمثل فترة رئاسة قيس سعيد الحالية فرصة تاريخية لتونس لإحداث تغييرات إيجابية وجذرية في مختلف المجالات.

ويعتمد نجاح هذه الجهود على قدرة الرئيس وفريقه على معالجة القضايا الملحة وتحقيق الإصلاحات اللازمة، لضمان تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.

المصادر:

1_ الجزيرة

2_ المركز العربي للأبحاث والدراسات

3_ فرانس 24

4_ ديوان

5_ العربي

6_ المركز الإفريقي للأبحاث والدراسات

7_ الحرة

8_ عرب 48

9_ الاتحاد

التعليقات مغلقة.