fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

دراسة تحليلية حول الأزمة الليبية وانعكاساتها على الأمن القومي المصري

1٬088

صفحة (6/4)

  • المبحث الثالث: الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع الليبي بشقيه: الإقليم والدولي:

لا يمكن لأي دولة أن تتدخل سياسيًّا أو عسكريًّا في شئون دولة أخرى، أو تقيم معها علاقات دبلوماسية؛ إلا ولها مصالح تفرض نفسها، سياسية أو اقتصادية، وكلاهما وجهان لعملة واحدة.

فراغ السلطة استثمرته القوى الدولية والإقليمية على حدٍّ سواء لتعزيز نفوذها ومكاسبها في المنطقة، والتداخل الدولي في الصراع يمكن تقسيمة إلى مستويين:

أولًا: المستوى الإقليمي الذي يغلب عليه الطابع العربي.

وثانيًا: المستوى العالمي في إطار منافسة الدول الكبرى.

1- الأطراف الإقليمية العربية:

التنافس العربي – العربي ليس بالأمر الجديد، غير أن طوال الفترة الممتدة منذ نهاية الاستعمار إلى الثورات العربية كان هناك نوع من توازن القوى بين الدول، منع من تفكك وانهيار المنطقة، كما منع احتدام الصراعات العربية – العربية إلى المستوى الذي نراه اليوم.

وبعد انهيار الدول المحورية العربية: “العراق وسوريا” بفعل التدخل الخارجي، والأزمات التي عانت منها مصر منذ ثورات الربيع العربي؛ وجدت دول الخليج النفطية نفسها القطب الوحيد القادر على التحرك لتحديد مصائر الدول العربية، ولكن كان هذا التحرك على غير توافق عربي، وتضاربت المصالح الشخصية فيه؛ ما أشاع الفوضى في المنطقة العربية، وسمح للقوة الخارجية بالتحكم في مصائر الشعوب العربية.

ولا يمكن إنكار أن هشاشة بُنى السلطة والمجتمع داخل الدول العربية نتيجة سياسات الأنظمة السابقة صبّ في نهاية المطاف في مصلحة الدول الإقليمية والدولية لتحقيق المكاسب، فأصبحت روسيا وتركيا وإيطاليا وفرنسا فضلًا عن أمريكا تحصد المكاسب؛ كل ذلك يعود في جزءٍ كبيرٍ منه إلى سياسة المحاور العربية المتصارعة التي زادت من الأزمات في كلٍّ من ليبيا وسوريا واليمن.

ونركز هنا على أربع مواقف رئيسية تشكل المشهد العربي في ليبيا، وهي الموقف المصري وموقف دول المغرب العربي – تونس والجزائر والمغرب- باعتبارهما دول الجوار الليبي، مقابل الموقف الإماراتي – القطري، باعتبارهما قطبي المحاور العربية المتصارعة من خلال التركيز على دوافع التدخل والمصالح الوطنية ذات العلاقة بليبيا، وهو ما يفسر ليس فقط أسباب التدخل، ولكن أيضًا طريقة التدخل وحجمه:

 

أ– الموقف المصري من الأزمة الليبية:

ليبيا امتداد تاريخي لأمن مصر؛ فالحدود بين ليبيا ومصر طولها 1150كم، وتدرك مصر أهمية ليبيا لأمنها منذ عهدٍ بعيدٍ؛ حيث تقدَّمت مصر بمذكراتٍ إلى مؤتمر الصلح بعد الحرب العالمية الأولى، طالبت فيه بمنح ليبيا استقلالها على الفور، أو أن يُعهد إليها بإدارتها بوصاية من الأمم المتحدة، وطلبت مصر منح الليبيين خيار الانضمام إلى المملكة المصرية، وخصت بالذكر منطقة برقة، وقد استمرت مطالبة مصر (والجامعة العربية أيضًا) بوضع ليبيا تحت الوصاية العربية حتى عام 1947م.

أمن ليبيا أحد عناصر أمن مصر القومي، والاضطرابات التي تحدث في ليبيا مصدر تهدي للكيان المصري، وتسمح بتسلل العناصر الإرهابية وتهريب السلاح إليه.

وعلى الجنب السياسي: النظام المصري الحالي لا يقبل بتفرد الإخوان المسلمين في حكم ليبيا، فهو يرى في وجودهم تهديدًا له.

وعلى الجانب الاقتصادي: يعمل في ليبيا أعدادا كبيرة من العمال المصريين –قرابة 1,5 مليون عامل في 2010، بينما تقلص إلى 0,5 مليون في 2018-، وفي ذلك منفعة للاقتصاد المصري؛ بالإضافة الى أهمية السوق الليبي للمنتجات المصرية، وعلى الرغم من انخفاض التبادل التجاري بنسبة 57% خلال عام 2015م ليعاود الارتفاع الطفيف مرة أخرى في عام 2017م لتصل إلى 103 مليون دولار.

ويمكن الإشارة إلى الدور المصري في إطار جهود حل الأزمة الليبية من خلال تنظيم عدد من الاجتماعات لبحث الوضع في ليبيا، مثل: اجتماعات تونس والقاهرة، كما احتضنت القاهرة اجتماعات القبائل الليبية، فالموقف المصري ينبني على سياسة قوامها: أن مصر لا تخوض حروبًا بالنيابة عن أحدٍ، وقواتها لا تتحرك إلا لتأمين مقدراتنا، مثلما حدث عند الاعتداء على مواطنيها في ليبيا أو عندما تحاول سيارات المهربين اختراق الحدود.

وقد أكد الرئيس السيسي في إعلان القاهرة([7])، موقف مصر الإستراتيجي الثابت المتمثل في استعادة أركان ومؤسسات الدولة الوطنية الليبية، وإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات الإرهابية، ووضعُ حدٍّ لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي التي مِن شأنها استمرار تفاقم الوضع الحالي؛ الذي يشكِّل تهديدًا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، والبحر المتوسط بأسرها.

لذا عملت السياسة الخارجية المصرية تجاه ليبيا في مسارين:

الأول: دعم مؤسسات الدولة الرسمية: كبرلمان طبرق المنتخب، والجيش الوطني بقيادة حفتر، وذلك في ظل العوامل التي سبق الإشارة إليها كمحددات للسياسة الخارجية المصرية.

وثانيًا: الدور الدبلوماسي، والتركيز على آلية دول الجوار والأمم المتحدة، فبدأت القاهرة التفكير في محاولة بناء محور إقليمي معني بالشأن الليبي.

وبعد التدخل التركي: كان على مصر رفع مستوى جهودها في الشأن الليبي؛ حيث إنه باتت هناك محددات خاصة بالأمن القومي المصري من جراء الوجود التركي في الليبية، وتدخله العسكري في الغرب الليبي، فالواضح أن الخيار الأول لمصر هو التحرك الدبلوماسي، وإنشاء تحالف جديد على المستوى الإقليمي بشأن ليبيا.

أما خيار التدخل العسكري فيتوقف على نمط التدخل التركي، وحجم التهديد للأمن القومي ومنطقة المتوسط، ومِن ثمّ، قد يكون التدخل العسكري هو الخيار الأخير للدولة المصرية في حال تزايد التهديدات الأمنية من جراء الوجود العسكري التركي في ليبيا.

فهل تتعدي تركيا خطوط الأمن القومي المصري؟

الواقع أن التواجد التركي لم يتجاوز العاصمة طرابلس ودائرة حولها بنصف قطر طوله 60 كم، رغم أنها أفشلت جهود حفتر لدخول طرابلس وإنهاء سيطرة السراج، لكن وكما سنذكر لاحقًا في التفاعلات الدولية، ما كانت الدول الكبرى الفاعلة ستسمح بهذا السقوط السريع، فإطالة أمد الصراع في ليبيا مطلب مجمع عليه.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الموقف المصري المعلن، اختلف مع الحليف حفتر في موقفين:

الأول: عندما أعلن نفسه الحاكم العام لليبيا متجاوزًا البرلمان.

والثاني: في توجهه لطرابلس، حيث كانت مصر تدعم جهود مؤتمر برلين لوقف الأعمال العسكرية، ومفاوضات 5+5.

ب- موقف دول المغرب العربي من الأزمة الليبية: تونس والجزائر والمغرب:

تتطابق توجهات السياسة الخارجية للدول الثلاث مع الموضع في ليبيا، وبشكل عام يتمثل في دعم حكومة الوفاق باعتبارها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا؛ ولأنها تعتبر الأقرب إلى الخط السياسي الوفاقي فيها، وترفض “علنًا” الدول الثلاث أي تدخّل أجنبي في ليبيا، بما فيه التدخل التركي.

ورغم ذلك؛ فللحكومات الثلاث تفضيلاتها في دعم حكومة السراج، حيث تم تكوين شرعيتها في اتفاق الصخيرات بالمغرب، ومكونها الأساسي يعتمد على الإخوان المسلمين، وهم شركاء في السلطة بنسبٍ متفاوتةٍ، ولكنها مؤثرة في حكومات الدول الثلاث.

وبالتالي: فالتصرف السياسي من الدول الثلاث سينصب على تأييد أي مبادرة لحل الازمة سلميًّا يضمن تواجد مؤثر للإخوان المسلمين، فحسم الصراع في ليبيا لصالح حكومة الوفاق سوف يخدم علاقات تونس الرسمية مع ليبيا، وهو موقف يتماهى أيضًا مع موقف الجزائر.

وعلى الجانب الآخر: ترفض –وهو أمر منطقي- الدول الثلاث أي دور مستقبلي لحفتر؛ نظرًا لخلافات تاريخية بينه وبين تونس والجزائر، كما أن حفتر لطالما أبدى سوء نيّته حيال البلدين.

وكل من الجزائر وتونس متوافقتان تمامًا مع التوجهات القطرية من دعم الإخوان المسلمين، وقد سبق وأن زودت تونس في بداية الثورة الليبية الإخوان المسلمين بالسلاح، بحسب تصريح راشد الغنوشي: أن الرئيس التونسي السبسي فعل ذلك.

إذًا، ما الخيارات التي قد تنتهجها دول المغرب العربي بعد التطورات الأخيرة؟

سيظل الموقف الرسمي المعلن رفض التدخلات الأجنبية، ومع الدعم الكامل لجهود السلام، شريطة أن يكون السراج ورفاقه شركاء في المشهد الجديد، وألا يكون لحفتر دور فيه.

لن تتدخل الدول “عسكريًّا” في ليبيا، ولكنها ستسمح بتقديم دعم “غير عسكري” لحكومة السراج متمثلًا في السماح بمررو المساعدات غير العسكرية التركية والقطرية عبر أراضيهما.

وحاليًا: سيطرة القوّات الموالية لحكومة الوفاق على قاعدة “الوطية” التي تبعد 140 كم عن العاصمة الليبية من ناحية الجنوب الغربي، مريحة للجانبين: التونسي والجزائري؛ الارتياح ناتج بالدرجة الأولى عن ضبابيّة المشهد الليبي فيما لو تمكّن حفتر من الاستحواذ على مقاليد الحكم مستقبلًا، فالجزائر لن تقبل بسقوط طرابلس عسكريًّا “طرابلس خط أحمر”. مقابل السراج الذي يبدي المسالمة مع الجيران، وأقرب إلى الصيغة الدوليّة، مِن وجهة نظرها.

الموقف السياسي المعلن للجزائر وتونس في اللحظة الراهنة، سيتمسك بالحفاظ على علاقات دافئة مع روسيا والإمارات ومصر من جهة، وتركيا وقطر من الجهة الأخرى، بما يشكلونهُ من رمانة ميزانٍ تضبط الكفتين المتحاربتين. رغم أن الإدارة الجزائرية تسعى محكومة بقلق إستراتيجي من دور مصر في الوضع الإقليمي الجديد.

ورغم ذلك، من غير المستبعد أن تكون الوفود الليبية والتركية قد منحت تطمينات للجزائر حول العملية العسكرية، التي تنفذها القوات التركية التي تشارك فيها، بينما تم التفاهم بين الغنوشي في تونس مع التحركات التركية خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا، وتصديق البرلمان التونسي على اتفاقيات اقتصادية مع كلٍّ من تركيا وقطر.

ج- التنافس الإماراتي القطري في ليبيا:

على الرغم من تناقض وتضاد موقفهما؛ إلا أن دوافع كل من الإمارات وقطر قد تكون متطابقة، ذكرنا أن الصدع الذي حدث في ميزان القوى العربي نتيجة الربيع العربي، وانشغال الفاعلين الرئيسيين بأمورهم الداخلية: مصر وسوريا، والانهيار السابق للعراق؛ جعل دول الخليج تتقدم إلى لعب الدور الرئيسي في المشهد العربي مدعومة بالمكانة الاقتصادية لها، دون أن تكون مؤهلة له سياسيًّا.

أضف إلى ذلك: القلق الذي أثاره السلوك الأمريكي في عهد أوباما في المنطقة بتفاهماته مع النظام الإيراني، لكن حدث التضاد بين سياسات الدولتين نتيجة التفضيلات السياسية في اختيار الحلفاء والوكلاء.

وقد حشدت دولتا الخليج مساعدتهما من خلال وكلاء أقاموا معهما علاقات سابقة، وكانوا يمثلون مصالحهم المتباينة، فاختارت قطر ممثلين ليبيين معارضين لمعمر القذافي باعتباره طاغية، وأغلبهم من الإسلاميين، بينما حافظت الإمارات على روابط مع طبقة تكنوقراطية وعملت على التقريب بينها وبين نجل القذافي وبقايا نظامه.

ومع تقدم الصراع في ليبيا، أدَّت عملياتهما العسكرية ومعاملاتهما الدبلوماسية، ومكائد وكلائهما السياسية الذين سيطروا على أدوات السلطة في ليبيا، إلى وضع المعسكرين ضد بعضهما البعض.

وزاد الخلاف شدة مع إجراء أول انتخابات في يوليو 2012 لانتخاب برلمان المؤتمر الوطني العام، واستمر الائتلافان في مواجهة بعضهما البعض بدلًا من التنازل لتقاسم السلطة، حيث فاز تحالف القوى الوطنية المدعوم من الإمارات بأغلبية -64 مقعدًا- في المؤتمر الوطني العام، بينما حصل حزب (العدالة والبناء) جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا على 34 مقعدًا.

ودعمت كل من الدولتين العناصر السياسية المحلية للميليشيات الموالية من أجل تحقيق نتائج سياسية داخلية؛ ما أدى إلى إضفاء الطابع المؤسسي على العنف كأداةٍ سياسيةٍ، ودمرت المنافسة على المكاسب التجارية الفاسدة مع الشركاء الدوليين نزاهة وشرعية المؤتمر الوطني العام كمؤسسة، فازدادت الخلافات الداخلية ما قوض من سلطة المؤتمر الوطني العام.

وكان هناك شعور لدي دولتي الخليج بأن الوقت قد حان لنظام إقليمي جديد؛ فتبنت قطر مدفوعة بتاريخها الداخلي بالانقلابات الشعبية، أن الثورات ولَّدت نظمًا جديدة ونخبًا جديدة، وبالتالي دعمت بشكل كامل الجهات الثورية على أمل أن يؤدي ذلك إلى إنشاء شبكة إقليمية من الدول الصديقة، ويظهر دورها في استضافة العديد من المنشقين الإسلاميين المنفيين في المنطقة، وحقيقة أن معظم حركات المعارضة المنظمة منذ فترة طويلة في المنطقة كانت هي نفسها إسلامية؛ مما يعني أن مؤسساتهم الإقليمية لها المظهر الإسلامي المميز.

وإذا كان نهج قطر مبنيًّا على الانتهازية وآفاق القوة الناعمة؛ فإن الإمارات العربية المتحدة تملكها الخوف والسياسة الواقعية؛ خوف “أبو ظبي” من أي تيارات إصلاحية خشية أن تنتقل عدوى الربيع العربي، وتعبر الحدود الإماراتية. وتُظهر إستراتيجيتها الإقليمية منذ ذلك الحين تفضيلًا للتنمية السياسية “دعم المؤسسات اقتصاديًّا بهدف تحقيق نوع من الاستقرار الاقتصادي ما يقلل الضغوط السياسية الداخلية عليها” على الثورة، مع التركيز على تأمين مصالحها الرئيسية، وهذا التوجه أعاد إنشاء النظام القديم مع القادة الجدد.

وتبرز الأنشطة الإماراتية في اليمن الزاوية الاقتصادية لسياستها، إستراتيجية تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط لتصبح رائدة إقليمية في الشحن والخدمات اللوجستية “مواني دبي”، مع الحفاظ على وجود مهيمن في شبكة الموانئ التي تربط الشرق الأقصى بالمحيط الأطلسي.

موقع ليبيا الإستراتيجي في قلب البحر الأبيض المتوسط، والمغرب العربي، وبوابة لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكذلك احتياطياتها الكبيرة من النفط والغاز واضطرابها الثوري، يعني أنها سقطت بدقة عند تقاطع الأيديولوجية القطرية والاقتصادية الإماراتية، ومع انهيار الدولة وزعزعة استقرار ليبيا، يمكن أن تكون فرصة مفيدة لمصالحهما الاقتصادية والأمنية والإقليمية.

2- الأطراف الدولية والقوى العالمية المتصارعة في ليبيا:

 منذ اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات في ليبيا عام 2011، بدا أن هناك إجماعًا غربيًّا على التخلص من القذافي، الذي طالما أثار لهم المشاكل، وحتى أولئك الذين دعمهم بالملايين ليصلوا إلى سدة الحكم في بلادهم واصلوا الضغط لإجبار حلف شمال الاطلنطي على التدخل والتخلص من القذافي؛ على الرغم من ذلك –وكما هو معروف– في السياسة الميكافيلية: لا حلفاء دائمون، ولا أعداء دائمون؛ فقط هناك مصالح يسعى كل طرف لتحقيقيها.

من بداية الأزمة الليبية انخرطت كلٌّ مِن أمريكا بوصفها القوة المهيمنة على العالم، وكل من فرنسا وإيطاليا نظرًا لحجم مصالحهم الاقتصادية الهائلة مع ليبيا، وتبعتهم روسيا التي تحاول استجماع مجدها الغابر، وأخيرًا: تركيا صاحبة الإرث التاريخي العثماني الذي يحاول أردوغان استرجاعه، وذلك لا ينفي وجود لاعبين هامشيين، مثل: الصين وإسرائيل؛ إلا أن دورهما لا يرقي لمستوى التأثير الفعال في مجريات الأحداث.

تعدد الفاعلين الدوليين في الشأن الليبي وتعارض مصالحهم سبب رئيسي في تفاقم الأزمة، ومسبب لاستطالتها، ومانع لحلها، ونافخ في كيرها، فما بين دول مستفيدة من الوضع الحالي “الفوضوي” مثل: أمريكا، ودول ترغب أن يتشكل المشهد وفق مصالحها، فتميل لدعم طرف لحساب طرف فرنسا وإيطاليا، ودول تستفيد من الوضع الليبي لتخلق لنفسها مساحة أكبر في التفاعلات الدولية: “روسيا وتركيا”.

فليبيا -كما هي سوريا أيضًا- مسرح لتشكل لنظام عالمي جديد تسعى فيه الدول لوضع نفسها على مائدة إدارة العالم بعد أن انفردت به الولايات المتحدة منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

1- طبيعة المصالح الأمريكية في ليبيا:

يبدو أن الدور الأميركي في ليبيا -بل في البحر المتوسط أيضًا- بات في حالة من التراجع المستمر منذ تولي إدارة ترامب، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تنظر أكثر إلى الملف الليبي من منطلق أوضاع ما بعد الصراع، وهو ما يتعلق بإعادة التسليح وإعادة الإعمار، وهي مشروعات لها الكثير من العوائد المالية، فالموقف المعلن من أمريكا دعٍ إلى خفض التصعيد في ليبيا -رغم انفتاح ترامب على كلا طرفي النزاع- مستخدمة سياسة الحياد المرن، فلأمريكا مصالح في ليبيا يلتزم الجميع داخليًّا وخارجيًّا برعايتها.

ولا يُنتظر من أمريكا أن تلعب دورًا فاعلًا في عملية الضغط لصنع السلام في ليبيا، وقد يبدو أنها تستمتع بمشاهدة الصراع بين الأطراف، كما أننا أوشكنا على الدخول عمليًّا في استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية نوفمبر القادم، ولن ينظر إلى دور أمريكي إلا في ضوء توجهات الرئيس القادم.

اعتمدته إدارة ترامب على أنه: “لا يرى دورًا للولايات المتحدة في ليبيا”، فالسياسة الأمريكية تجاه التفاعلات تتعامل مع ملف الأزمة الليبية بالقطعة وحسب المواقف، غير أن مؤسسات أخرى في الولايات المتحدة لها توصيف آخر، فقيادة الجيش الأمريكي في إفريقيا اعتبر تواجد روسيا في قاعدة “الجفرة” الليبية تهديدًا للأمن الإقليمي.

وتنظر إلى تسليم روسيا لطائرة “ميج 29″ و”سوخوي 27” للجيش الوطني الليبي أنها تغير من معادلة التوزان العسكري، وربما كان ذلك سببًا في التغاضي عن تعزيز تركيا لوضعها في ليبيا لتوازن هذه المعادلة.

تراقب الولايات المتحدة الوضع عن كثب، وتعزز موضعها عن طرق أسطولها في البحر المتوسط، كما خططت وزارة الدفاع الأمريكية لمواجهة هذا “القلق” بالتعاون الأمني المشترك مع تونس ونشر أحد الألوية الأمريكية هناك بها، كما عقدت صفقة مع عمدة بلدية “الزنتان” –القريبة من الحدود التونسية- من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية.

الإستراتيجية الأمريكية في الصراع الليبية تتحدد في:

  • التواصل مع جميع الأطراف في ليبيا، والمشاركة الفعالة في إدارة الأزمة وليس حلها.
  • التغاضي عن التدخل العسكري التركي في ليبيا، لتحقيق التوازن بين الأطراف وإطالة الصراع.
  • متابعة أي تحرك روسي في هذه المنطقة.
  • استثمار التناقض القائم في مواقف دول الاتحاد الأوروبي ليبقى الاتحاد رهنًا للإستراتيجية الأمريكية، فضلًا عن أن إثارة المخاوف من التمركز الليبي في المنطقة؛ بدعوى أن ذلك يمكن أن يغير من قواعد المواجهة الإستراتيجية بين روسيا وحلف الأطلنطي، وهو ما يوفّر قبولًا من جانب الحلف لتمركز تركيا في ليبيا.
  • التنافس بين الأطراف الأوروبية هو أمر يروق لها، خاصة في ظل احتمالات توتر العلاقات فيما بينها بسبب الملف الليبي.

2- توجهات دول الاتحاد الأوروبي:

الموقف الوحيد المجمع عليه في الاتحاد الأوروبي هو الرفض للتدخل التركي والروسي في الملف الليبي، غير ذلك فنقاط التضاد في التوجهات هي سيدة الموقف، فألمانيا تدعم التوصل لحل سياسي سلمي، بينما إيطاليا وفرنسا يتنافسان على مصالح شركات البترول “إينى وتوتال”، فتدعم فرنسا حفتر، وتناصر إيطاليا السراج.

اليونان وقبرص أكثر المنزعجين بشأن التحركات التركية إزاء ليبيا، وهو ما انعكس في سلسلة المباحثات التي أجراها وزيرا خارجية الدولتين بالقاهرة وإسرائيل، واستقبال قبرص لرئيس مجلس النواب الليبي، وذلك لتمدد النفوذ التركي في البحر المتوسط وتهديده لمستقبل الغاز القبرصي واليوناني، وخاصة بعد أن وقعت تركيا والسراج اتفاقية ترسيم الحدود البحرية والتي تختزل حدود اليونان وقبرص، ما يجعل مساحة بحرية كبيرة للدولتين منطقة نفوذ تركية. 

إيطاليا التي بدأت تنزعج من تعاظم النفوذ التركي؛ لذا سارعت وأبرمت اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان، رغم رفضها السابق الانضمام لاتفاقية ترسيم الحدود التي وقعتها اليونان وقبرص ومصر، وهو ما يعد مؤشرًا على مدى القلق الإيطالي، فإيطاليا تشعر أن التواجد التركي يقلل من حصتها في بترول ليبيا وغازها البحري الذي لم يكتشف بعد، فالاتفاقية التي وقعها السراج مع تركيا تتيح لشركات البترول التركية التنقيب عن الغاز الليبي، وهو ما ستحرم منه إيطاليا أو يوجد منافس لها، وبالطبع لا يمكن إغفال التاريخ الاستعماري الإيطالي في ليبيا، وحجم المصالح الاقتصادية التي تستحوذ عليها الشركات الإيطالية لعقود.

فرنسا: التي سارع رئيسها نيكولا ساركوزي إلى اتخاذ قرار الحرب وإسقاط نظام القذافي عام 2011، تساند الجنرال حفتر، وتعتبره خيارًا لها، ودعمت حفتر بصواريخ أمريكية الصُّنع، وخرقت طوق الحصار البحري المفروض من إيطاليا.

التنافس الإيطالي الفرنسي هو السبب الأول في نشوء الأزمة الليبية، وتصريح نائب وزير خارجية إيطاليا في يناير 2019 الذي اتهم فيه فرنسا بأنها لا تريد استقرار الأوضاع في ليبيا، يوضح حجم الخلاف بينهما.

الصراع من أجل المصالح الاقتصادية والاستحواذ على حصص أكبر من حقول النفط يطغى على أي مزاعم للديمقراطية وحقوق الإنسان!

الانقسام في مواقف دول الاتحاد الأوروبي لن يساعد في دعم استقرار الوضع السياسي في ليبيا نتيجة تباين المصالح الاقتصادية والسياسية؛ هذا الانقسام يضرّ الليبيين بقدر ضرره للاتحاد الأوروبي الذي تضعف الروابط الأساسية بين دوله.

تخسر أوروبا نفوذها في ليبيا الشمال الإفريقي ومواردها في شرق المتوسط، فسلبية الاتحاد الأوروبي وعدم قدرته على اتخاذ خطوات حقيقية لإنهاء الأزمة يجعلها أكثر عرضة للابتزاز التركي من بوابتي (المهاجرين والنفط والغاز)، كما يفتح أمامهم جبهة روسية جديدة على مقربة منهم، الأمر الذي يهدد فعليًّا الاستقرار داخل أوروبا.

ينصح أحد المحللين السياسيين قادة الاتحاد الأوروبي قائلًا: (إن لم يتمكن الأوروبيون من مقاومة التوسع التركي في ليبيا اليوم، فسيتعين عليهم فعل ذلك غدًا في إيطاليا أو ألمانيا).

3- المصالح الروسية في ليبيا:

تسعى روسيا إلى زيادة نفوذها في ليبيا لمحاصرة الحدود الجنوبية لحلف شمال الأطلسي، وهو ما يهدد أمن أوروبا، ويمثِّل حفتر باعتباره الممثل للمؤسسة العسكرية الخيار الأمثل للتوجهات الروسية، وبدعم من حلفاء حفتر الإقليميين تم تزويد الجيش الوطني الليبي بالسلاح والمعدات الروسية الصنع، والتي كان آخرها صفقة الطائرات “الميج والسوخوي”، ومنظومة الدفاع الجوي “البانتسير”، وتحججت روسيا بدعم جهود حفتر لمحاربة الجماعات الإرهابية.

الدافع الآخر للتواجد الروسي مرتبط بالملف السوري، والذي تتقاسمه الآن كل من تركيا وروسيا، وبالتالي سيتم استخدام ليبيا في إطار المساومة مع أردوغان للحصول على تنازلات في سوريا، والعكس؛ نفس الأمر بالنسبة لتركيا، لكن لا يعني ذلك أن أيًّا منهما على استعدادٍ في الوقت القريب بالتنازل للآخر.

الملف الاقتصادي لا يغيب عن الطموح الروسي، وتواجد الشركات الروسية سواء في ملف البترول والغاز أو في مرحلة إعادة الإعمار لاحقًا يمثل دافع قوي لتعزز روسيا تواجدها، كما يسهم تواجدها في ليبيا في تعزيز موقفها التفاوضي في ملف أسعار النفط مع دول الأوبك، وزيادة تحكمها في تزويد أوروبا بالطاقة.

وأخيرًا: استعادة روسيا لمكانتها كقوة عظمي عالمية يرتبط بتشبيك مصالحها مع أكبر عددٍ مِن دول العالم، وتمثل عودة نفوذها في ليبيا استعادة لدورها في إفريقيا الذي توقف منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

في اللحظة الراهنة تمارس روسيا تواجدها في ليبيا عسكريًّا عن طريق ثلاث أدوات: “طريق الخبراء العسكريين في قيادة الجيش الليبي التابع لحفتر، تزويد حفتر بالسلاح وخاصة الطائرات ميج 29 المحدثة والسوخوي ومنظومة الدفاع الجوي “البانتسير”، وأخيرًا مرتزقة “فاغنر([8])”.

حيث تقدر قوات فاغنر بحوالي 1200 جندي، دفعت بهم موسكو إلى ليبيا ليس للاشتراك في العمليات الهجومية، ولكن لتعزيز مواقع دافعية إستراتيجية ورفع المزايدات على الجبهة الدبلوماسية والمطالبة بلعب دور أكبر في الملف الليبي.

وهناك مزاعم بوجود اتفاق صادق عليه الكرملين بين حكومة طبرق وبريغوجين ينص على أن: المرتزقة الروس سيتمكن مقابل دعم حفتر من الوصول إلى صفقة تأمين مواقع البترول المهمة، وهو نفس الأسلوب الذي ترتكز عليه نشاطات بريغوجين في سوريا.

وعقب انسحاب قوات حفتر من محيط طرابلس وتركهم قاعدة “الوطية” وترهون، أثيرت مزاعم حول وجود محادثات روسية – تركية، جاءت في صيغة “تفاهمات”، لترتيب الأوضاع وإطالة الصراع.

حقيقة لا يمكن معرفة شكل التفاهم التركي – الروسي في طرابلس، وانسحاب “فاغنر” من غرب ليبيا، أو إعلان روسيا بتواجد هذه القوات؛ إلا أن التداخلات التركية الروسية تشمل ملفات عدة في سوريا وليبيا والبحر الأسود، وحتى تزويد أوروبا بالبترول يمر عبر خطوط أنابيب من روسيا عبر تركيا.

4– الانخراط التركي في الملف الليبي:

أعلنت تركيا وليبيا في 27 نوفمبر 2019 عن توقيع مذكرتي تفاهم في اسطنبول، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، تتضمن الاتفاقية الاقتصادية ترسيم جديد للحدود البحرية التركية حيث تحدد إحداثيات المنطقة الاقتصادية الخاصة بتركيا، وبذلك أعلنت تركيا عن مسار جديد للصراع الليبي، ونقله لمستوى أكثر تعقيدًا؛ إذ أصبحت الآن كل القضايا العالقة في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ومنطقة القوقاز والبحر الأسود، تستدعي الورقة الليبية في التفاوض أو محاولات التسوية.

وبالنسبة لتركيا تعد الأزمة الليبية مفتاحًا ذهبيًّا للعديد من القضايا الخارجية والداخلية، وورقة رابحة على أكثر من مائدة تفاوض: إقليمية أو أوروبية أو عالمية.

في الملف السوري كان منطقيًّا أن تتداخل تركيا دفاعًا عن حدودها الجنوبية وتهديد أمنها المباشر، لكن التواجد في ليبيا يقدم نقلة نوعية في السياسة الخارجية التركية الساعية لاستعادة أمجاد الدولة العثمانية، ويمثل التواجد التركي في ليبيا مجموعة متنوعة من المصالح هي:

1- تعد ليبيا بوابة أفريقيا، ونقطة انطلاق للمحاولات التركية نحو قلب القارة السمراء، وخاصة مناطق النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء، بينما ترى باريس في ظهور قوة جديدة في ليبيا تهديدًا لمصالحها الإستراتيجية في إفريقيا.

2- ليبيا هي جزء مما تطلق عليه تركيا تسمية: “درع البحر الأبيض المتوسط”؛ لذا أبرمت أنقرة وحكومة السراج مذكرة بشأن المناطق البحرية والجرف القاري في شرق البحر الأبيض المتوسط ليمتد الجرف القاري التركي والجرف القاري الليبي ويندمجان معًا بالشكل الذي يفصل الأجزاء القبرصية والمصرية والإسرائيلية واللبنانية والسورية عن بقية أنحاء البحر الأبيض المتوسط.

3- سيطرة أردوغان على موطئ في ليبيا سيمكنه من السيطرة على المسار الثاني (بعد تركيا نفسها) لتدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهي أداة لطالما استخدمها لصالحه، على سبيل المثال: تعهدت تركيا لمالطا بمنع تدفق المهاجرين الأفارقة إلى الجزيرة، مقابل حجب الحكومة المالطية التمويل للعملية “ايريني” الأوروبية التي كان الغرض منها القيام بدوريات بحرية لدعم الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، أو بمعنى آخر: اعتراض الأسلحة التركية المرسلة إلى السراج.

4- يسمح تواجد قوات بحرية تركية في ليبيا بتقويض أية مشاريع لبناء خط أنابيب تحت الماء من حقول النفط والغاز البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا؛ ما يعزز أهمية الخطوط المارة بتركية.

5- يشكل تموضع تركيا في طرابلس مصدر إزعاج كبير للإمارات ومصر، مقابل دعم كبير لمحور قطر – الإخوان المسلمين، فوصول الدعم التركي في ليبيا تزامن مع التراجع النسبي مع حليفاتها قطر على الساحة السودانية إثر خلع نظام البشير، وفقد قاعدة (السواكن)، وبدا وضع السودان الجديد يميل نسبيًّا للمحور السعودي الإماراتي.

6- تستخدم تركيا تواجدها في ليبيا كورقة تفاوض مع الأطراف المعنية بالشأن السوري أو العراقي حال احتياجها لذلك.

7 – مد وتوسيع نفوذها في الشمال الإفريقي: المغرب والجزائر وتونس، حيث تمسكت بحضور الدولتين: “الجزائر والمغرب” في المؤتمر الذي تم عقده في برلين، يدعم ذلك وجود الإخوان المسلمين كجزءٍ من السلطة في هذه الدول.

8- الضغط السياسي على مصر، ومحاولة لاقترابه من الحدود المصرية لتعكير صفو البلاد، وهو أحد الأهداف للمحور التركي – القطري لزعامة المنطقة ودعم الإخوان المسلمين.

9- تثير التفاهمات الروسية التركية في العديد من الملفات ذات الشأن المشترك -سوريا، ليبيا، الاتحاد الأوروبي، خريطة البترول والغاز في البحر الأسود والمتوسط– أن تتلاقى التوجهات التركية والروسية لتعزيز مكانتهما في النظام العالمي، وتمثِّل ليبيا مدخلًا لعددٍ مِن هذه الملفات.

10- المصالح الاقتصادية التركية في ليبيا متمثلة في عقودٍ تم توقيعها منذ عام 2010 في مجالات اقتصادية وتنموية، وبالتالي فإن تركيا تخشى على مصالحها في ليبيا، وقد تم تعزيز هذه العقود ضمن اتفاقيات أردوغان مع السراج.

11- تسعى تركيا إلى الحصول على نصيب وفير من النفط الليبي، كانت ليبيا قبل اندلاع الصراع عام 2011 هي المنتج الثاني للنفط في القارة الإفريقية (1.6 مليون برميل يوميًّا)، وصاحبة أكبر احتياطي من النفط في القارة قاطبة (34 مليار برميل)، بينما تفتقر تركيا لمصادر الطاقة، وتعتمد على الاستيراد في سدِّ 95% من احتياجاتها من الطاقة.

12- تعزيز موقفها في الصراع الاقليمي على غاز المتوسط، والرد على اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين كل من مصر واليونان وقبرص، ومزاحمة الدول التي تقوم بالتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، بعد الاكتشافات النوعية في قطاع الغاز الطبيعي بالإقليم.

13 – وفق الاتفاقيات الأخيرة مع السراج، تعاقد الشركات التركية على مشروعات في مجال إعادة إعمار ليبيا، علمًا بأن تركيا كانت أول دولة أجنبية يمارس فيها المقاولون الأتراك أنشطتهم عام 1972، وحجم الأعمال التي نفذتها تركيا كانت تقدر 28.9 مليار دولار.

14– تعاني تركيا من أزمة مالية كبيرة أدت لهبوط في سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي، وبالتالي تمثل اقتصاديات الحرب –بيع السلاح وتوريد المرتزقة– دعم لاقتصاد الدولة المنهار.

15– الرغبة التركية في قيادة العالم الإسلامي، مستغلة تنظيمات الإخوان المسلمين، وتعزيز سياسة العثمانية الجديدة، في ظل التوجهات والارتباطات الإخوانية لحكومة الوفاق.

16- محاولة أنقرة تعويض الإخفاق في تحقيق حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فتوسع تركيا مدفوع في قدر كبير منه بمحاولة انتقامية من الدول الأوروبية.

صور التدخل التركي في ليبيا:

بخلاف الدعم السياسي المعلن لحكومة السراج، والتنسيقات الاقتصادية بينهما، يمكن رصد صور التداخل العسكري في ليبيا في عددٍ مِن المحاور:  

أ التواجد العسكري التركي الرسمي:

موافقة البرلمان التركي في يناير 2020، على مذكرة تفويضه لإرسال قوات عسكرية تركية للأراضي الليبية على غرار الحالتين: السورية والعراقية.

ب_ إمدادات التسليح:

أعلنت كل من تركيا وحكومة السراج عن الدعم التركي، وتم إرسال في ديسمبر 2018 شحنتي أسلحة ضخمتين وذخائر وحملات قادمة من ميناء مرسين التركي، وحسب بيان الجيش الليبي فإن عدد الذخائر الواردة في هاتين الشحنتين بلغ 4.2 مليون رصاصة؛ إضافة إلى الآلاف من المسدسات والبنادق، ولم تتوقف منذ ذلك الحين السفن والطائرات التركية عن نقل السلاح إلى ليبيا، وكان آخرها شحنة من الطائرات المسيرة التي شاركت في الهجوم على قاعدة “الوطية”.

ج_ تدريب الميليشيات المسلحة غرب ليبية:

يقدم أردوغان دعمًا قويًّا للميليشيات مسلحة ليبية تتراوح ما بين الدعم والتنسيق العسكرية وخاصة الميليشيات التابعة لجماعة الإخوان وكتائب مصراتة، فضلًا عن العلاقات الوثيقة مع قادة الجماعة الليبية المقاتلة، وكتيبة النواصي ولواء الحلبوصي، وميلشيات أسامة الجويلي، وقوة الردع والتدخل المشتركة محور أبو سليم، وميليشيات فجر ليبيا.

الاتفاقية التركية – الليبية الأمنية، فتشمل نقل الأسلحة وتبادل المعلومات والتدريب الأمني وتبادل أنظمة الأسلحة فضلًا عن إمكانية نشر قوات تركية بليبيا لمدة ثلاث سنوات مقبلة، وتنفيذ تدريبات مشتركة وإنشاء مكتب مشترك للتعاون في مجالي الدفاع والأمن بين البلدين، وعلى غرار “فاغنر” أقامت شركة “سادات” شبه العسكرية التركية، برئاسة الجنرال التركي المتقاعد عدنان تانفردي، شراكة مع شركة الأمن الليبية التي يقودها فوزي بقطيف لتدريب قوات حكومة الوفاق، وقد ازداد دور الشركة في ليبيا منذ نوفمبر الماضي بعد توقيع اتفاق أمني وعسكري بين أنقرة وطرابلس، وتعد “سادات” الذراع التركي القوي لتحقيق مكاسب ملموسة من التدخل في ليبيا.

د– إعادة توظيف المقاتلين السوريين: بدأت تركيا منذ 25 ديسمبر 2019 في تسيير رحلات يومية من إسطنبول إلى ليبيا بمعدل رحلتين إلى أربع رحلات تابعة لشركات هي: (الإفريقية – الأجنحة الليبية – البراق) في اتجاه طرابلس ومصراتة لنقل عناصر مسلحة وإرهابية من تلك التي كانت تقاتل في سوريا لتدعم حكومة الوفاق وتعوض خسائرها البشرية ووقف تقدم الجيش الليب،. وتشير التقارير أن إجمالي المقاتلين المرتزقة الذين تم نقلهم يصل إلى 8000 إلى 10000 مقاتل.

نتائج التدخل التركي في الأزمة:

تصاعد الدعم التركي في نقل الأسلحة أو المقاتلين باتجاه ليبيا من شأنه أن يؤدي إلى انعكاسات على الأزمة الليبية خاصةً في ظل استمرار حالة الانقسام بين شرق وغرب ليبيا، وذلك على النحو التالي:

1- إطالة أمد الصراع:

قبل التدخل التركي كان ميزان القوة يميل تجاه حفتر والجيش الليبي، فاستطاع أن يضم أجزاءً كبيرة من الأراضي الليبية، وقد وصل مرتين إلى مشارف العاصمة طرابلس، وأصبحت حكومة السراج محاصرة في نطاق ضيق ممتد من طرابلس حتى الحدود التونسية، وبدأ حفتر في طلب مساندة ومهلة من الولايات المتحدة للإجهاز على حكومة السراج “معركة طوفان الكرامة” التي انطلقت منذ حوالي ثلاثة أشهر، غير أن أطرافًا عدة، منها: دول المغرب العربي أبدت تخوفها من “حفتر”، وهو ما سهل لتركيا أن تبدأ في توريد الأسلحة والمقاتلين لدعم حكومة الوفاق؛ ما أدي إلى تراجع حفتر حتى حدود مدينة سرت، وإطالة الصراع الليبي في ظل ضبابية المشهد، وعدم قبول السراج وداعميه للمبادرة المصرية الأخيرة.

2- تمدد التنظيمات الإرهابية:

يجعل تدهور الأوضاع من ليبيا بيئة خصبة لتمدد التنظيمات الإرهابية الفارة من سوريا والعراق ولا سيما تنظيم “داعش” بعد هزيمته وطرده من سرت في أواخر عام 2016، فقد نفذ تنظيم “داعش” خلال الشهرين الأخيرين هجمات على حقول نفطية في جنوب شرقي ليبيا.

3 تعزيز الاستقطاب:

تزايد الانغماس التركي في الصراع الليبي من شأنه أن يعزز من حالة الاستقطاب الداخلي في ظل التدفق للأسلحة والمقاتلين، يزيد الاستقطاب الإقليمي والدولي حول ليبيا خاصةً في ظل تباين المصالح بين أغلب الدول المنخرطة في ذلك الصراع، وفي ظل ضعف الدور الأممي وعدم حياديته.

صفحة (6/4)

التعليقات مغلقة.