fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

جنون الأرز بين معاناة المواطنين وخطوات الحكومة لضبط السوق

38

تتصدر أسعار الأرز محركات البحث طوال المدة الماضية، وهو ما يشير إلى وجود طلب كبير على الأرز المصري محليًّا، ورغم كفاية الإنتاج المحلي لمتطلبات السوق المصري، بل وتقوم شركات القطاع الخاص بتصدير جزء من المحصول للخارج؛ إلا أن المعروض من الأرز قليل مقارنة بالأعوام السابقة، ولا عجب إن ذكرنا أن مصر على رأس قائمة الدول المنتجة للأرز، ومن أكثر دول العالم تقدمًا في استنباط سلالات جديدة من التقاوي عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض وتتحمل الملوحة، وهو ما يدفعنا –خلال هذا التقرير- في الإجابة على عدد من الأسئلة التي تشغل الرأي العام، ووضع حلول عملية لحل الأزمة التي يكتوي بنارها المواطن البسيط والذي كان يعتمد على محصول الأرز كوجبة أساسية في أغلب أوقات العام.

الإنتاج المحلي من الأرز:

حققت مصر أكبر مساحة منزرعة من الأرز عام 2007؛ إذ وصلت إلى مليون و800 ألف فدانًا، ظلت هذه المساحة تقل شيئًا فشيئًا حتى وصلنا في عام 2018 إلى 900 ألف فدانًا فقط، بسبب قرار تحديد المساحات المنزرعة بـ9 محافظات وتوقيع عقوبات على المخالفين، ولكنه لم يستمر طويلًا، وقررت الحكومة في العام التالي السماح بزراعة مليون و300 ألف فدانًا ليستقر الأمر خلال آخر ثلاثة أعوام على زراعة مليون و200 ألف فدانًا، وهي المساحة التي تُنتج قرابة 5 مليون طن من الأرز الشعير يستهلك منه الشعب المصري 3.5 مليون طن، ويظل الباقي بين مخزون محلي أو للتصدير بما يعود على الدولة بدولار ينعش الاحتياطي الدولاري أو يُستخدم في استيراد مكونات وسلع أخرى.

لذلك فإن جميع المتخصصين لا يجدون أن مصر بحاجة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز؛ خاصة وأنها بالفعل تحققه، بل ويفيض منها، فلماذا لا نجد الأرز بالأسواق؟ هذا ما سنجيب عنه خلال السطور التالية من خلال توصيف دقيق للأزمة.

تحديات تواجه المساحة المنزرعة:

يظن البعض أن مشكلة نقص المياه هي التحدي الوحيد الذي يواجه زراعة الأرز في مصر، ولكن الحقيقة أن مشكلة نقص المياه التي أثرت سلبًا على حجم المساحة المنزرعة ويتخوف منها جميع المتخصصين والمسئولين هي المشكلة الأهم؛ خاصة وأن الفدان يستهلك  نحو 8 آلاف متر مكعب مياه، ولكن هناك تحديات أخرى منها انحسار الأراضي الصالحة لزراعة الأرز إما بالتبوير أو بعدم إيجاد شبكات صرف جيدة أو طموح الفلاح لزراعة محاصيل أخرى أعلى في الإنتاجية وتحقق هامش ربح جيدًا، كذلك فإن مشكلة ارتفاع أسعار تكلفة زراعة الأرز تسبب قلقًا بالغًا لدى الفلاحين، فالفدان يكلف حوالي 10 آلاف جنيهًا بخلاف الإيجار، و يمكث الأرز من 120 يومًا إلى 150 يومًا في الأرض، ونحو 4 آلاف جنيه إيجار للفدان خلال تلك المدة، حيث وصلت أسعار إيجار الفدان في العام إلى 12 ألف جنيه.

فعلى سبيل المثال: أجر العمالة تضاعف خلال العام الحالي من 90 جنيهًا لليومية إلى 180 جنيهًا، وارتفعت أسعار السماد المدعم من 2100 جنيه إلى 4200 جنيه، وبعض المحافظات تعتمد على الري بالمواتير الكهربائية وارتفاع تكلفة الكهرباء، وارتفاع تكلفة الحصاد سواء اليدوية أو الآلية لارتفاع أسعار المواد البترولية، والسبب الآخر هو ضعف التقاوي مما يؤثر بالسلب على الإنتاجية؛ بالإضافة إلى تلاشي دور الإرشاد الزراعي في توعية المزارعين ومتابعة المحصول ووضع الحلول العلمية للمشكلات التي تواجه المزارع خلال الدورة الزراعية حتى أن المتابع للأمر يجد تناقضًا واضح في حصر المساحة المنزرعة بالمحصول مما يؤكد تلاشي دور الجمعيات الزراعية إلى حد كبير ظاهر للمهتمين.

قرارات حكومية لتأمين احتياجات المواطنين من الأرز:

اتخذت وزارة التموين والتجارة الداخلية عدة قرارات للحفاظ على المخزون الإستراتيجي لمحصول الأرز، بداية من الحصاد وآخرها قرار التسعير الحر، وجاءت القرارات كالتالي:

  • حمل القرار رقم 109 لسنة 2022 بشأن بدء توريد محصول الأرز الشعير من المزارعين خلال الموسم الحالي بداية من أغسطس حتى يوم 15 ديسمبر 2022، وهو نهاية التوريد.
  • أوضح القرار أنه سيتم استلام الأرز الشعير بسعر 6600 لطن الأرز رفيع الحبة، و6850 جنيه للطن عريض الحبة، وذلك في إطار حرص الوزارة على توفير السلع الأساسية وتأمين مخزون إستراتيجي.
  • تجهيز وزارة التموين لأكثر من 150 نقطة لاستقبال أرز الشعير المحلي في 6 محافظات “كفر الشيخ والشرقية والدقهلية والغربية ودمياط والبحيرة”.
  • إلزام كل مزارع يمتلك مساحات أراضي منزرعة أرز، أن يقوم بتوريد طن واحد أرز شعير عن كلِّ فدان مزروع بما يعادل 25% من إنتاجية الفدان لحساب هيئة السلع التموينية التابعة للوزارة.
  • وجَّه وزير التموين بصرف مستحقات الموردين خلال 48 ساعة بحد أقصى من الاستلام، وأنه في حالة الامتناع عن التسليم يعاقب المزارع بعدم السماح له بزراعة الأرز في العام التالي؛ إضافة إلى عدم صرف الأسمدة والمبيدات الزراعية المدعمة لمدة عام لكافة أنواع الزراعات.
  • –       يعد عدم التسليم مخالفة تموينية ويتم حساب قيمة الأرز الشعير غير المسلم بمبلغ 10 آلاف جنيه لكل طن ويلتزم بسدادها كل من يمتنع عن تسليم الكميات المحددة.
  • وجه الوزير بتشكيل لجنه في كل موقع استلام وتخزين الأرز الشعير المنتج محليًّا هذا العام من مندوب عن مديرية التموين والتجارة الداخلية رئيس اللجنة وأعضاء من ممثلي الهيئة القومية لسلامة الغذاء ومديرية الزراعة، ومندوب عن الجهات المسوقة “أمين الموقع التخزين”، ومندوب عن الجمعية القبانية أو وزان معتمد.
  • يقتصر تسويق الأرز المحلي على شركات المضارب التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين والبنك الزراعي المصري، والجهات التي يتم اعتمادها من وزارة التموين، وأن تكون هذه الجهات مسئولة عن الكميات التي تقوم بتسويقها حتى تسليمها لشركات المضارب.
  • –       تحدد سعر شراء الأرز الشعير المنتَج محليًّا هذا العام بدرجة نظافة 94% ورطوبة لا تزيد عن 14% كما يصرف حافز نقل للمزارعين وموردي الأرز الشعير المحلى بمقدار 100 جنيه للطن عن كل الكمية التي يتم توريدها.
  • أصدر رئيس مجلس الوزراء في الجريدة الرسمية قرار رقم 66 لسنة 2022، بتحديد أسعار بيع الأرز الأبيض، بحيث ألا يزيد سعر بيع كيلو الأرز المعبأ عن 15 جنيهًا، وسعر كيلو الأرز الأبيض غير المعبأ عن 12 جنيه.
  • استثناء من قرار مجلس الوزراء رقم ٦٦ لسنة ٢٠٢٢ المشار إليه، يُحدد سعر بيع كيلو الأرز الأبيض الفاخر العريض الذي لا تزيد نسبة الكـسر فيـه علـى (٣ ٪)، المعبأ تعبئة فاخرة بما لا يزيد على ١٨ جنيهًا.
  • أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم ٤١٤٨ لسنة ٢٠٢٢ بخصوص اعتبار الأرز سلعة إستراتيجية وعقوبة إخفائها، ويعاقب كل من يُخالف القرار بالحبس مـدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه، أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، وفي حالة العودة، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمـس سـنوات وتضاعف قيمة الغرامة بحديها.

ورغم كل هذه القرارات التي حاولت فيها الحكومة السيطرة على السوق؛ إلا أنها أحد أسباب الأزمة التي يمر بها السوق المصري؛ خاصة قرار التسعير الإجباري مما اضطر مجلس الوزراء على إلغاء العمل بقرار التسعيرة الجبرية في 19 فبراير الجاري ليعود تداول الأرز بالسعر الحر.

أسباب أزمة اختفاء الأرز:

يرى حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين: أن أسباب أزمة ارتفاع أسعار الأرز ترجع إلى سوء إدارة الملف من قِبَل الحكومة، وافتعال أزمة لم تكن مطروحة على الساحة باعتبار أن المخزون الإستراتيجي آمن، ولكنها اتخذت قرارات تحصينية لم تصب في صالح أحد من الأطراف لا الفلاح ولا المواطن ولا التاجر ولا الحكومة، فمن غير المنطقي، رافضًا تعامل الحكومة مع الفلاح بلغة التهديد والوعيد وتوقيع عقوبات، في حين أنه يعاني أزمات صعبة ويتحمل الظروف التي تمر بها البلد ولم يشتكي ولو لمرة، ومن الإنصاف أن نشيد بالقرار الأخير بإلغاء التسعيرة الجبرية.

وأضاف “أبو صدام” –في تصريحات خاصة لـ”رواق”- أن الحكومة كانت تستهدف جمع 1.5 مليون طن من الأرز لصالح شركاتها وهيئاتها، وطرحت سعرًا جيدًا أعلى من العام السابق، لكنه لم يراعِ في سعر التوريد مافيا التجار الذين دخلوا في تحدٍ مع الحكومة وجمعوا المحصول بسعر أعلى، ثم لم تنتبه الحكومة لأمرٍ آخر؛ ألا وهو: عدم قدرة موظفي الحكومة على حصر المساحات المنزعة ولا توقيع الجزاءات المطلوبة، مؤكدًا أن الحكومة لو أجادت التعامل مع المزارعين لنجحوا في توريد أكبر كميات بأقل أسعار مثلما يحدث في محصول القمح.

وأكد نقيب الفلاحين: أن ارتفاع أسعار الأعلاف وأسعار العمالة، وأسعار السلع الأخرى، وأسعار الدواجن واللحوم سبَّب القلق للفلاحين، وهو ما جعلهم يرفضون تسليم المحصول وبيعه بأعلى سعر، والمضاربة به في السوق، واستغلال أوقات كثرة الطلب، مشيرًا إلى أن ارتفاع نسبة الفائدة بالبنوك أيضًا أحد أسباب الأزمة؛ لأن المضارب كانت تحصل على قروض بفائدة 8% لشراء كمية من الأرز الشعير، ولكن بعد أسعار الفائدة التي تخطت 25% على الاقتراض أصبح التفكير في الاقتراض مستحيل وجمع المحصول مغامرة غير محسوبة العواقب.

هل من المتوقع انخفاض الأسعار خلال الفترة القادمة؟

لا يستطيع أحدٌ أن يجزم بانخفاض الأسعار أو ارتفاعها، ولكن المعطيات المتاحة هي أننا أمام سعر أرز شعير سجل 17 ألف جنيه للأرز العريض، وهو رقم لم يسبق للأرز أن وصل له نهائيًّا في مصر، والأرز الأبيض الفاخرة وصل لسعر 30 جنيهًا للكيلو، مع العلم أن بداية الموسم كان الأرز بـ10 جنيهات، وكان الأرز الشعير ب7800 جنيه للطن، وارتفع في ديسمبر ليصل الشعير إلى 10500 جنيه للطن، وكانت الأسعار المتداولة من بين 15 جنيهًا إلى 20 جنيهًا الفاخر، ومع اقتراب رمضان حدثت هذه الطفرة الكبيرة في الأسعار، وعلى الجانب الآخر قررت الحكومة إلغاء التسعيرة الجبيرة وفتح أكثر من 390  معرضًا “أهلًا رمضان” لمجابهة ارتفاع الأسعار، والتعاقد على استيراد 200 ألف طن قمح، ومن المتوقع أن تصل أول كمية بمقدار 50 ألف طن خلال الأيام القادمة.

وحسب هذه المعطيات الموجودة، فإن التوقعات تنقسم إلى رأي يتوقع انخفاض الأسعار بداية مارس مع أول نزول للأرز المستورد حيث إن المعروض في الأسواق سيرتفع ويقل الطلب، وبالتالي تنخفض الأسعار، والرأي الآخر يتوقع أن الأسعار لن تنخفض بسبب مغامرة الحكومة بالمخزون الإستراتيجي وطرحه في الأسواق، وكذلك عدم قدرة الدولة على الاستيراد في سلعة نحقق منها الاكتفاء الذاتي والضغط على الاحتياطي الدولاري أكثر؛ بالإضافة إلى أن الأرز الهندي سيكون سعره أعلى من المصري، ولا المواطن لا يستغني عن مذاق الأرز المحلي، والحكومة لن تستطيع الاستمرار في قرار الاستيراد.

وهنا يجب أن ننبه إلى أنه بإلغاء قرار التسعيرة الجبرية انخفضت أسعار الأرز الشعير، وظهرت كميات من الأرز في الأسواق وإن كانت بسعر 22 جنيهًا للكيلو، ولكنه متوفر.

حلول علمية للتحديات:

بغض النظر عن أسعار الأرز فإن التحديات التي تواجه زراعة المحصول تحتاج إلى حلول علمية، وهو ما اتجهت له الحكومة بالفعل من خلال توجيه مراكز البحوث باستنباط أنواع مقاومة للأمراض وتتحمل الملوحة، وكذلك التقى وزير الزراعة بالدكتور سعيد سليمان، أستاذ علم الوراثة في كلية الزراعة جامعة الزقازيق، الذي قام باستنباط الأرز الجاف (عرابي 3,4)، لمناقشته في الأنواع التي استنبطها لزيادة الإنتاجية، وحل مشكلة ندرة المياه، كما قرر وزير الزراعة تشكيل لجنة من الوزارة والجامعات على أن يكون الدكتور سعيد سليمان عضوًا فيها، وذلك لتقييم الصنف الجديد من الأرز الجاف “عرابي” وزراعته تحت إشراف ورقابة الوزارة والاستفادة منه في حالة ثبات صلاحيته ونجاح تجارب زراعته.

وفي السياق ذاته، أكَّد الدكتور سعيد سليمان: إلى أن أهم مميزات الأرز الجاف، مؤكدًا أنه يستهلك نصف كمية المياه التي تستهلكها الأصناف الأخرى من الأرز، حيث يستهلك الفدان 3500 م ³، بدلا من 7000م³؛ بالإضافة إلى أنه لديه القدرة على تحمل الملوحة والتي تصل 9000 جزء في المليون، وأن الأرز الجاف تتم زراعته في العديد من الأماكن مثل جنوب بورسعيد و الأراضي الجافة  الوادي الجديد، حيث يوجد أكثر من 300 ألف فدان تم زراعتها بالأرز الجاف في جميع أنحاء الجمهورية، منوهًا إلى أن إنتاجية الفدان الواحد من الأرز الجاف تتراوح بين 4 إلي 6 طن، وكذلك يمكن زراعته 3 مرات في العام، بدلًا من أن ننتظر الحصاد مرة واحدة في العام.

الخلاصة:

لا يمكن تجاهل وجود أزمة في أسعار الأرز ولكنها أزمة لها حلول تستطيع الدولة تنفيذها بسهولة ويسر؛ نظرًا لكفاية الإنتاج مع ما يتم استهلاكه، ونلخص هذه الحلول في الآتي:

  • دعم الفلاح وعدم تخويفه بالغرامات والحبس والحرمان من الدعم الحكومي.
  • اعتبار الأرز ضمن الزراعات التعاقدية وتحديد سعر ضمان مسبق قبل الزراعة وتوقيع عقود بذلك مع الفلاحين.
  • توفير منافذ ثابته ومتنقلة بجميع القرى والمراكز التي تزرع الأرز لسهولة التوريد.
  • اعتماد التجار وتسهيل عملهم وتحديد هامش ربح عادل لهم.
  • حظر تصدير الأرز إلا بعد تحقيق مخزون استراتيجي يكفي 9 أشهر.
  • تحديد أسعار عادلة للقمح يتناسب مع تكلفة الزراعة.
  • الاستفادة من التجارب العلمية للأرز الجاف.
  • منح المضارب قروض بدون فائدة بضمان المحصول لجمع المحصول وبيعه لتجار الجملة بسعر عادل.
  • تحديد حوافز مناسبة للموظفين للقيام بالحصر الدقيق والتوريد.
  • توعية المواطنين بترشيد الاستهلاك وعدم التعامل مع الأزمة بتجميع ما يفوق استهلاكهم.

المصادر:

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

الجريد الرسمية

اليوم السابع

القرار

التعليقات مغلقة.