مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
الأبعاد السياسية والاقتصادية.. كيف أشعلت إيران صراعًا طائفيًّا في العالم الإسلامي؟ وكيف يمكن الحد من تدخلات الملالي بين الطوائف الإسلامية المختلفة؟
الأبعاد السياسية والاقتصادية.. كيف أشعلت إيران صراعًا طائفيًّا في العالم الإسلامي؟ وكيف يمكن الحد من تدخلات الملالي بين الطوائف الإسلامية المختلفة؟
يُعد العام 1979م عامًا فارقًا في تاريخ إيران ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي؛ إذ وصل إلى طهران في الأول من فبراير عام 1979م “روح الله الخميني” قادمًا من باريس، ملتقيًا بآلاف الإيرانيين الداعمين والمساندين له خلال الثورة التي انطلقت في الـ7 من يناير 1978م واستمرت حتى الـ11 من فبراير 1979م، ليحول الخميني إيران من الحكم الملكي إلى الجمهوري مع انتصار الثورة؛ مؤسسًا لنظام سياسي ذي توجه طائفي تمييزي، وأيديولوجية توسع إقليمي.
فالخميني لم يكن مجرد ثوري أو شعبوي يسعى لإحداث تغيير في بلده، بل كان حاملًا لمشروع سيغير طبيعة الصراع في الشرق الأوسط ويؤسس لحقبة جديدة من الفتن والاقتتال الداخلي والعنف المسلح في الدول الإسلامية، فمن أفغانستان وباكستان إلى سوريا والعراق، واليمن ولبنان، وصولًا إلى البحرين والسعودية والقوقاز وغيرها، تنشط الأيدي الإيرانية بأشكال مختلفة انطلاقًا من نزعة طائفية مذهبية، غير أن مشروع المَدِّ الإيراني والذي يرتكز على الأيديولوجية المذهبية في المقام الأول، يقوم على أبعاد تاريخية واقتصادية وجغرافية، يمكن ملاحظته واستنتاجها في تحركات إيران في المنطقة.
فما تفاصيل أيديولوجية الدولة الإيرانية المعاصرة؟ وما أبعاد ودوافع مشروع المَدِّ الإيراني في العالم الإسلامي؟ وما العوامل التي ساعدت إيران على نجاحها الجزئي في التوسع والسيطرة على عدد من الدول الإسلامية؟ وكيف يمكن الحد من التدخل الإيراني في الشأن الداخلي للدول الإسلامية وإحباط مشروعها التوسعي؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على أيديولوجية إيران المعاصرة ومشروعها التوسعي الإقليمي وتداعياته على الأمن العربي الإسلامي وسبل مواجهته في هذه السطور الآتية:
أيديولوجية الدولة في إيران والأوضاع قبل الثورة وخلالها:
أحدثت ثورة الخميني تحولًا جذريًّا في البنية السياسية والثقافية للدولة الإيرانية؛ فقد أحدثت انعكاسات جوهرية عربية وإسلامية، ولا تزال تداعياتها مستمرة على كل المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية؛ نظرًا لأن الثورة في طبيعتها تحمل أبعادًا توسعية؛ ولذا يصعب فهم الحالة الإيرانية دون استيعاب الأسس الفكرية التي يقوم عليها النظام منذ تلك الثورة.
إذ تقوم إيران المعاصرة على عدة نظريات وتوجهات، ومن أهمها: نظرية الإمامة السياسية عند الشيعة الاثني عشرية، وفكرة ولاية الفقيه المكملة لها، ومن الصعوبة تصور الحالة السياسية الإيرانية دون استيعاب هذه النظريات، فقد حولت الثورة الإيرانية المذهب الشيعي الجعفري إلى شكل من أشكال النظم السياسية باعتباره نظامًا للحكم في البلاد.
وبالنظر إلى طبيعة المجتمع الإيراني في الفترة التي قد سبقت قيام الثورة والأسباب التي أدت إلى حدوثها، وطابعها الشعبي والقومي والإسلامي، فيمكن القول: إن الثورة الإيرانية جاءت كرد فعل متحفظ على توجهات الشاه الغربية والعلمانية، كما أن خلال الفترة التي قد سبقت قيام الثورة كان لرجال الدين الشيعة تأثير كبير على المجتمع الإيراني، إضافة إلى عدم تقدير حركة الخميني الإسلامية من قبل كل من نظام الشاه، الذي اعتبروه تهديدًا طفيفًا مقارنة بالماركسيين والاشتراكيين الإسلاميين، ومن جانب المعارضين للحكومة العلمانيين الذين اعتقدوا أن الخمينيين يمكن تهميشهم. (بي بي سي عربي).
وعقب انتصار ثورة الخميني في إيران؛ عمل النظام الجديد على فرض سيطرته على البلاد وقمع كافة الحركات والتيارات السياسية والفكرية المعارضة له من الليبراليين والعلمانيين والماركسيين، وبادرت قيادة الثورة في البداية إلى إعدام كبار الجنرالات، وبعد شهرين أعدم أكثر من 200 من كبار مسؤولي الشاه المدنيين بهدف إزالة خطر أي انقلاب، وأجرى قضاة الثورة من أمثال القاضي الشرعي “صادق خلخالي” محاكمات موجزة افتقرت إلى وكلاء للدفاع أو محلفين أو إلى الشفافية، ولم تمنح المتهمين الفرصة للدفاع عن أنفسهم.
ومن بين الذين أعدموا بدون محاكمة (عمليًّا) أمير عباس هوفيدا، رئيس الوزراء السابق لإيران، أما الذين هربوا من إيران فليسوا محصنين فبعد مرور عقد اغتيل في باريس رئيس الوزراء الأسبق “شابور بختيار”، وهو واحد مما لا يقل عن 63 إيرانيًّا قتلوا أو جرحوا منذ الإطاحة بالشاه.
ومع أوائل شهر مارس 1979م؛ استشعر الديمقراطيون بخيبات الأمل المنتظرة عندما أعلن الخميني “لا تستخدموا هذا المصطلح (الديموقراطية)، إنها مفهوم غربي”، وفي منتصف شهر أغسطس 1979م تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة لفكرة الحكومة الخمينية، واستنكر الخميني غاضبًا الاحتجاجات ضد إغلاق الصِّحافة قائلًا: “كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك”. (الشرق الأوسط).
وبعد ستة أشهر من الثورة؛ بدأ قمع المعارضة الخمينية المعتدلة المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري واضطهد العديد من كبارها، ورموزها منهم “الشريعت مداري” الذي وضع تحت الإقامة الجبرية، وفي مارس 1980م بدأت (الثورة الثقافية) فأغلقت الجامعات التي اعتبرت معاقل لليسار مدة سنتين لتنقيتها من معارضي النظام الديني.
وفي يوليو 1980م فصلت الدولة نحو 20.000 من المعلمين و8.000 تقريبًا من الضباط باعتبارهم (متغربين) أكثر مما يجب، وقد استخدم الخميني أحيانًا أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه، وعندما دعا قادة حزب الجبهة الوطنية إلى التظاهر في منتصف عام 1981م ضد القصاص، هددهم الخميني بالإعدام بتهمة الردة (إذا لم يتوبوا). (العربية).
وبعد عام من الثورة، وعقب استقرار الأوضاع داخليًّا في إيران لصالح الخميني؛ تطلعت إيران إلى الخارج لتصدير ثورتها إلى الدول العربية والإسلامية ومحيطها الإقليمي، بهدف التمدد في المنطقة عبر آليات مذهبية، وتوسيع نفوذها والسيطرة على موارد دول الشرق الأوسط وإقامة نظم سياسية موالية لها.
أبعاد ودوافع مشروع المد الإيراني في العالم الإسلامي:
وَسَط زخم الانتصار والغلو في التعبئة الحاقدة ضد الدول العربية، كان شعار تصدير الثورة نتاجًا طبيعيًّا يحقق ترحيل المشكلات الداخلية وتصديرها من جهة، وتواصل الحقن الطائفي الداخلي لعموم الشيعية في العالم الإسلامي من قبل النظام الإيراني الجديد بحثًا عن استقطابهم وتعبئتهم، بما كشف وجود مشروع إيراني توسعي يعمل على عبور الحدود وضم عدد من البلدان العربية إليه.
وهنا يجب الاعتراف بأن النظم القومية المعاصرة والحاكمة في دول الشرق الأوسط، التي لا تعترف بوقائع المذهبية وتأثيراتها التي عملت بسياسة القفز فوقها وطرح الانتماء القومي بديلًا وبديلًا قسريًّا، فشلت في الأغلب في تحقيق أي من أهدافها الكبرى المعلنة، كالوحدة والحرية والاشتراكية.
وفشلت أكثر في إحداث تحولات بنيوية فكرية وثورات ثقافية تقدمية في المجتمع، باتجاه الحداثة والعصرنة النابعتين من جوهر البِنَى القائمة، وباتجاه تطويرها وتخليصها من مصدات عزلتها وكوابحها وليس من تصورات افتراضية، وكان فشلها الأكبر في تحقيق المواطنة والمساواة بين السكان، وفي إشاعة الديمقراطية والتعددية بدل الشمولية والأحادية اللاغيتين للآخر بوسائل الإلغاء الدموية والتصفوية والقمعية كلها.
فبعض النظم التي كانت قائمة في العالم الإسلامي عقب الثورة تمارس تمييزًا واضحًا للشيعة في مناطق وجودهم، بما يخلق تربة خصبة لتأييد الشعارات الإيرانية، كما حدث في اليمن وأفغانستان؛ كذلك فإن فهم البعد الجغرافي الإيراني يوضح أهمية إيران الإقليمية. (مركز أبحاث مينا).
فإيران تقع بين منطقتين مهمتين؛ دول القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى من الشمال، ودول الخليج العربي من الجَنُوب، وتربط إيران بين آسيا وأوروبا، وتطل على عددٍ من المسطحات المائية، وهذا الموقع أتاح لها التأثير في صادرات النفط، وبناء القواعد البحرية، وحفزها على التمدد الخارجي والاضطلاع بأدوار إقليمية كبيرة.
فالنظام الإيراني الجديد قد جمع في مشروعة التوسعي بين أبعاد وعوامل متعددة؛ تاريخية وجغرافية وسياسية واقتصادية، وأضاف صبغة دينية طائفية إلى نظامه الجديد، لتتمدد إيران بذلك خارج حدودها الإقليمية وتوسع مناطق نفوذها وتأثيرها إلى ما هو أبعد من نطاق سلطتها الجغرافية.
البعد التاريخي في مشروع المَدِّ الإيراني:
لأكثر من 1500 عام؛ سيطرت الإمبراطوريات الفارسية المختلفة على منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وأسيا الوسطي؛ إذ هيمنت الإمبراطورية الفارسية الإخمينية على كامل الإقليم، حتى سقوطها خلال حروب “الإسكندر الأكبر” المقدوني العام 330 قبل الميلاد.
لتقوم بعدها بعدة قرون الإمبراطورية الفرثية؛ والتي عدت قوة سياسية وثقافية إيرانية كبرى في إيران القديمة، أعقبها الإمبراطورية الساسانية؛ وجميع الإمبراطوريات الإيرانية المتعاقبة كانت تركز على هدف جوهري بالنسبة لبلاد فارس، وهو إخضاع كافة دول الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطي وخرسان وصولًا للهند إلى سلطتها.
وعلى مدار التاريخ الإيراني: نجحت تلك الإمبراطوريات خلال فترات مختلفة، ومع موجات من الصعود والهبوط، من تحقيق ذلك الهدف حتى عصر الفتوحات الإسلامية خلال القرنين السابع والثامن للميلاد؛ والتي وضعت حدًّا للهيمنة الفارسية على الشرق الأوسط، مع سقوط آخر ملوك الإمبراطورية الفارسية الساسانية “يزدجرد الثالث” خلال الفترة (632م – 651م) وقيام الحضارة الإسلامية. (الجزيرة).
وحاليًا تتطلع إيران المعاصرة إلى تاريخها القديم، وهيمنتها التي سادت قرون عدة قبل الفتح الإسلامي للمنطقة، ولتحقيق هدفها التوسعي، أضاف النظام الإيراني إلى أيديولوجيته المذهبية صبغة دينية إلى مشروعة التوسعي، عبر دعم الحركات والجماعات والأحزاب والتيارات السياسية والميليشيات والجماعات غير الشرعية الشيعية، والخارجة عن كافة المواثيق والقوانين والتشريعات المتعارف عليها في البلدان الإسلامية، والمصنفة عالميًا كمنظمات إرهابية.
لينشئ النظام الإيراني بذلك حاضنة فكرية له بين الأقليات الشيعية في الدول الإسلامية؛ فبنك أهداف إيران الحالي والذي يشمل (العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، والسعودية والكويت وأفغانستان وباكستان، والقوقاز وآسيا الوسطى)، جميعها دولًا وبلدان كانت تشكل جزءًا أساسيًا في الإمبراطوريات الفارسية ما قبل الإسلام، عبر مواقعها الجغرافية والتي مكنت الفرس قديمًا من التحكم بالممرات البحرية والتجارية في الشرق الأدنى القديم.
البعد الاقتصادي والسياسي في مشروع المَدِّ الإيراني:
تتميز إيران بموقع جغرافي مكنها من لعب أدوار مختلفة في مناطق إقليمية متعددة؛ فمن الشمال تنشغل إيران بما يجري في بحر قزوين، وهو بحر غني بالنفط والغاز، ولا تقل كمياته المؤكدة عن 30 مليار بِرْمِيل، ومن المتوقع أن يصل إلى 200 مليار بِرْمِيل بمجرد بَدْء أعمال الحفر.
كما أنها تجاور أوزبكستان التي تُعد أكبر منجم لإنتاج الذهب، وطاجيكستان التي تُعد أكبر منجم للفضة، ويبلغ احتياطي النفط في كازخستان نحو 25 مليار بِرْمِيل، ونتيجة لذلك فهناك تدافع دولي على هذه المنطقة، وتخوض الدول المجاورة لهذه المنطقة تنافسًا محمومًا لتوفير المسارات التي ستمر عبرها خطوط نقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. (مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات).
وما يثير قلق إيران هو: الدخول الأمريكي على خط المنافسة، حيث تعارض الولايات المتحدة أي مشروع لمرور أنابيب النفط عبر إيران إلى أوروبا والعالم؛ لأن ذلك سيعزز من تأثير إيران الإقليمي وعائداته المالية، ويجعل العالم أكثر حرصًا على استقرار إيران، ورغم المعارضة الأمريكية الواضحة لا ينكر أحد أن إيران هي أقصر الطرق وأسهلها.
وتشرف إيران من خلال موقعها الجغرافي على منابع النفط في الخليج العربي، وآسيا الوسطى، وبحر قزوين، والقوقاز، وهذا الأمر جعل منها قوة نفطية، إضافة إلى وقوعها على طريق الحرير بين آسيا وأوروبا، هذا وغيره مكَّن إيران من الإطلالة على عددٍ من المسطحات المائية الرئيسة، والتي تشمل: الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي، وهو ما أتاح لها التأثير في صادرات النفط، وبناء القواعد البحرية.
وبناءً على ذلك؛ فإن هذا الموقع يمثل فرصة للنظام الإيراني للاضطلاع بأدوار إقليمية بارزة، للمحافظة على أهم إيجابيات هذا الموقع؛ فإيران في قلب منطقة الشرق الأوسط وعلى طريق الحرير، وهي أسهل طرق النفط العالمية وأقربها، وتطل على دول الخليج التي تُعد شريان العالم النفطي، وإطلالها على بحر قزوين.
إضافة إلى وجود حالة فراغ عربي يمكنها من التمدد في المساحات الرخوة، في حين أن وجود أقليات شيعية في عددٍ من المناطق العربية والإسلامية يمكنها من استقطابهم كمكونات سياسية خارجية تجمعها قواسم مشتركة مع النظام الإيراني؛ ولذلك نرى النظام الإيراني يعمل على ضرب المجتمعات والبلدان العربية والإسلامية داخليًّا، عبر تحريض الأقليات الشيعية باستخدام أيديولوجيته الطائفية لتدمير الدول من الداخل، ومن ثم إقامة نظم سياسية جديدة في تلك الدول تضع المصالح الإيرانية قبل مصالح شعوبها.
التواجد الإيراني في الدول العربية وخطرة على الإقليم:
سوريا واليمن والعراق ولبنان أزمات فجرتها إيران في المنطقة، وخراب ودمار وهدم للدول ولقضاياها ولمصالح شعوبها، وهو ما تسعى إليه إيران دائمًا في محاولة لتخريب العالم العربي من الداخل لإضعاف الدول العربية، بل وهدمها ومحاولة السيطرة عليها وعلى مقدرات شعوبها؛ من أجل إعادة إحياء الدولة الفارسية في المنطقة العربية.
فالنظام الإيراني حاول جاهدًا هدم وإفشال تلك الدول، ونشر نماذج متكررة من حزب الله في كل دولة من الدول العربية؛ فقد نجح مع لبنان بذريعة المقاومة ضد إسرائيل، وكذا مع العراق بادعاء مقاومة ما أسموه الاحتلال الأمريكي للعراق، حتى مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق استمر حزب الله العراقي في ممارساته الإرهابية والفاشية العنيفة مع المتظاهرين العراقيين الذين رفضوا وجوده ورفضوا ممثليه.
كما حاولت إيران التغلغل في الداخل المصري، وذلك بعد سعي مضنٍ من النظام الإيراني من أجل اختراق المجتمع المصري واستغلال قلائل 2012م و2013م، ولا يستبعد النظام الإيراني أية سُبل للسيطرة على الدول العربية والإسلامية، فتارة تجده يحاول السيطرة عن طريق الأموال والمساعدات المادية، وتارة أخرى من خلال السلاح والدعم اللوجستي لبعض الجماعات المسلحة، وتارة ثالثة من خلال نشر الفكر الشيعي بأي طريقة من الطرق، من أجل تحقيق غايته الخبيثة. (الجزيرة).
وحاليًا بات نظام الولي الفقيه يسيطر على القرار السياسي لأربع عواصم عربية (بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء) مع استمرار محاولاته لزعزعة استقرار مملكة البحرين، وباتت المنطقة الممتدة من الحدود العراقية الإيرانية وحتى السواحل السورية اللبنانية، مناطق نفوذ وتأثير طِهران.
فالمعابر الحدودية في تلك الدول باتت تحت سيطرة الميلشيات والأذرع الإيرانية، ما مكن النظام الإيراني من تأسيس نظم اقتصادية منفصلة عن النظم الاقتصادية لتلك الدول، كما وبات حزب الله اللبناني يملك ويُدير إمبراطورية اقتصادية وشبكة من التحويلات المالية غير القانونية خارجة عن سيطرة الدولة اللبنانية، وناتجة عن الاتجار بالسلاح والمخدرات في ظل انهيار اقتصادي شامل يعيشه المجتمع اللبناني، وحرب عبثية فرضتها إيران وحزب الله على الدولة اللبنانية.
فالخطر الإيراني على الإقليم أخذ بالازدياد في ظل استغلال النظام الإيراني للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لزعزعة استقرار المنطقة وتحقيق مكاسب تفاوضية مع القِوَى الغربية؛ إذ لا يخفى على أحد استعداد النظام الإيراني لإلقاء لبنان في دائرة حرب شاملة مع الكيان المحتل سيكون لها تداعياتها على الشعب اللبناني، في ظل مساعي الكيان المحتل للسيطرة على مناطق جديدة في الجَنُوب اللبناني والمياه الإقليمية والاقتصادية اللبنانية.
أنشطة إيران في إفريقيا:
وضعت إيران منطقة شرق إفريقيا في أولويات تحركاتها في القارة الإفريقية، مركزة على منطقة القرن الإفريقي؛ حيث ترى في هذه المنطقة مجالًا واسعًا وخصبًا للأنشطة السياسية والعسكرية والاقتصادية، خاصة الدول المطلة على ساحل خليج عدن وبحر العرب والبحر الأحمر.
ويرجع ذلك للأهمية الجغرافية لمنطقة باب المندب؛ ما يصنع نفوذًا إقليميًّا ودوليًّا لإيران يجعلها تتحكم وتؤثر في أمن واستقرار مضيقي هرمز وباب المندب معًا، ويدخل ذلك في إطار توسيع ما يسميه النظام الإيراني (جغرافيا الممانعة) التي تمكنه من إدارة الصراعات والحروب خارج نطاق الحدود الإيرانية الجغرافية، وهي رؤية تقاطع مع الإستراتيجية الأوسع (الحكومة المقاومة) التي وضعها المرشد خامنئي مع الحرس الثوري.
وعقب تمكن النظام الإيراني من عدة دول في العالم العربي والشرق الأوسط، أخذت طِهران في صياغة استراتيجيتها اتجاه القارة الإفريقية؛ حيث عملت على مخاطبة الجماهير المضطهدة ورفض النفوذ الغربي في السياسة العالمية، متبنية نموذجها الثوري الذي عملت على تصديره إلى إفريقيا.
وقد حرصت إيران على تركيز دعمها للمجتمعات المسلمة والمهمشة لبناء عدد من القواعد المجتمعية والحاضنات الشعبية التي تستطيع أن تعتمد عليها في تنفيذ إستراتيجيتها في القارة، على نفس منوال ما تقوم به في منطقة الشرق الأوسط بالجمع بين الأدوات التقليدية للدولة والأدوات غير التقليدية من خلال الجماعات الدينية وشبه العسكرية.
ويعتبر الحضور العسكري الإيراني في إفريقيا حديثًا بالمقارنة مع القِوَى الدولية التي تتنافس على مواردها ومواقعها الإستراتيجية، وتعمل إيران على توسيع وجودها العسكري في إفريقيا من خلال التركيز الأمني والاستخباري بالمقام الأول، وذلك بدعم جماعة الحوثي في اليمن وقد بدأ يظهر حضور الناقلات والسفن الإيرانية بما في ذلك السفن العسكرية في 2008م، وذلك في مواني مصوع وعصب الإريترية وفي بورتسودان، من أجل تقديم شحنات عسكرية تساعدها في تلبية احتياجاتها العسكرية والأمنية الداخلية والإقليمية؛ كما أن القاعدة العسكرية الإيرانية في إريتريا ونشاطها العسكري يوازي أيضًا القاعدة العسكرية الإسرائيلية في إريتريا. (مركز أبحاث مينا).
ففي الوقت الحالي؛ تستخدم إيران طريق العلاقات الدولية التقليدية في تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية، غير أن الأنشطة الإيرانية الخبيثة في نشر الفكر الطائفي بين الأفارقة لا يغيب في التحركات الإيرانية، إذ تعمل طِهران على بناء حاضنة شعبية للفكر الطائفي بين المجتمعات الإفريقية؛ خاصة في إريتريا والسودان.
ويأتي الدعم العسكري الإيراني للدول الهشة أمنيًّا في المقام الثاني، خاصة الدول التي تواجه تمردات مسلحة؛ ومن الأمثلة البارزة على الدعم العسكري: ما قدمته إيران لإثيوبيا خلال الصراع الدائر في منطقة تيغراي شمال إثيوبيا صيف 2021م، وذلك بتزويد حكومة “آبي أحمد” بطائرات بدون طيار، وتحديدًا طائرات (مهاجر 6).
ولم تكن إثيوبيا الدولة الإفريقية الوحيدة التي حصلت على طائرات بدون طيار، بل السودان أيضًا؛ فمع تراجع سيطرة الجيش السوداني ميدانيًّا في العديد من المدن السودانية لحساب الدعم السريع، عملت إيران على استثمار هذا التراجع بتلبية الاحتياجات العسكرية للجيش السوداني، فزودته بشحنات من الأسلحة وطائرات بدون طيار من طراز (مهاجر 6).
فالإستراتيجية الإيرانية في القارة الإفريقية متعددة المحاور وطويلة الأمد، ستفضي في النهاية بحسب الرؤية الإيرانية إلى إنشاء منطقة نفوذ إيراني في القارة السمراء، على غرار منطقة المشرق العربي الذي بات ضمن الهيمنة الإيرانية؛ ما ينذر بتحول منطقة القرن الإفريقي إلى مزيد من التأزم والفوضى.
عوامل النجاح الجزئي للمشروع الإيراني في المنطقة:
لقد اعتمد النظام الإيراني على الأبعاد والتطلعات التي أشرنا إليها، واتخذها أساسًا ومنطلقًا لتصدير ثورته الطائفية، ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، بل في عموم منطقة الشرق الأوسط وغيرها من مناطق الإمبراطوريات الفارسية السابقة، مستغلًا جملة من العوامل والظروف «الدينية والسياسية والتاريخية والاقتصادية» لتحقيق أهدافه المنشودة.
كما اتخذت النظام الإيراني من مناطق في آسيا الوسطى وشمال إفريقيا، مراكز نفوذ له وقواعد ارتكاز لتحقيق اختراقات في البلدان التي تم تحديدها لتكون هدفًا لمشروعه؛ وللتغطية على مآربه الحقيقية أمام الشارع العربي والإسلامي، فقد اتخذ النظام الإيراني من القضية الفلسطينية ودعم بعض الفصائل الفلسطينية؛ غطاءً لكسب التعاطف العربي والإسلامي. (مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات).
ومن الأقليات الشيعية في البلدان العربية حصان طروادة لمخططه؛ ومن معاداة أمريكا والكيان الصهيوني شعارًا له؛ ومن تقديم المعونات المادية والعسكرية لبعض الدول العربية والإفريقية الفقيرة، مدخلًا للنفوذ وقواعد انطلاق نحو الدول المستهدف.
ونظرًا لكون معظم دول المشرق العربي ومنطقة الخليج؛ كانت تُعد جزءًا من الدولة العثمانية، والتي اتبعت سياسات شبه انعزالية وتقليدية إلى حدٍّ كبير خاصة خلال سنوات وجودها الأخيرة وأصبحت مجتمعًا شبه جامد، فلم تتمكن المجتمعات الإسلامية والتي كانت جزءًا من الدولة العثمانية، من التكيف مع التطورات العالمية؛ مثل أفكار الأحزاب والتيارات السياسية، ومفاهيم الدولة القومية الحديثة، على عكس ما كان الوضع عليه في مصر خلال فترة حكم أسرة “محمد علي”، وإيران خلال فترة الدولة البهلوية؛ فمصر وإيران خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يعدان من البلدان القليلة التي اندمجت مع التطورات العالمية خلال تلك الفترة.
هذا إلى جانب أن القِوَى الغربية والكيان المحتل، قد وضعوا المخطط الإيراني ضمن إستراتيجيتهم في منطقة الشرق الأوسط، عقب انتهاء الحرب الباردة السابقة وتفكك الاتحاد السوفيتي، ويمكن استنتاج ذلك في الغزو الأمريكي البريطاني للعراق العام 2003م، والذي قد سلم العراق إلى نفوذ إيران.
كما أن مساعي الولايات المتحدة والقوى الغربية خلال العقدين الأخيرين لإبرام اتفاق نووي مع إيران إنما يأتي لمحورية إيران في مخططات الولايات المتحدة والكيان المحتل في منطقة الشرق الأوسط، فلولا النظام الإيراني وأيديولوجيته الطائفية في المنطقة، لما دمرت سوريا واليمن ولبنان والعراق، تلك الدول التي يراها الكيان المحتل أحد التهديدات الوجودية له.
إفشال المشروع الإيراني وطرق التصدي له:
على الرغم من نجاح النظام الإيراني في مشروعة التوسعي في عددٍ من البلدان، وظهور أذرعه الإقليمية وأنشطتها المختلفة؛ مثل: الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، فضلًا عن تبعية النظام السوري لطهران؛ إلا أن المشروع الإيراني قد تلقى ضربات متعددة في أكثر من بلد، خاصة في منطقة الخليج.
ففي مملكة البحرين أفشلت دول الخليج العربي مخططًا إيرانيًّا لضرب استقرار المملكة وجر البلاد لدائرة العنف الطائفي، إذ عملت المنامة وشركائها في دول مجلس التعاون الخليجي على احتواء الأزمة التي انطلقت في عام 2011م، وإحباط مخطط النظام الإيراني في البلاد.
كما جرى الأمر ذاته في المملكة العربية السعودية، فيمَا يعرف بأزمة القطيف؛ فمنطقة القطيف بالمملكة العربية السُّعُودية ذات الأكثرية الشيعية، تشهد موجات من الاحتجاجات المختلفة، مدفوعة بأيدي إيرانية تنشط في المنطقة مثل حزب الله الحجاز ومنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، وبلغت أزمة القطيف ذروتها خلال الأعوام 1979م و2011 – 2013م و2017م، وتمكنت السلطات السُّعُودية من احتواء الأزمة أيضًا. (مركز الخليج للدراسات الإيرانية).
هذا فضلًا عن إحباط مخططات إيرانية أخرى في أذربيجان وباكستان؛ وبالتالي يمكن القول: إن بمقدور الحكومات العربية والإسلامية أن تستفيد من تجارِب البحرين والسعودية وأذربيجان وباكستان، في قطع الأذرع الإيرانية وإنهاء تدخلات النظام الإيراني في الدول العربية والإسلامية.
فإقامة نظام سياسي وقانوني، يضمن الحقوق المتساوية لجميع المواطنين دون تمييز، والمشاركة العادلة في بناء المجتمع؛ إلى جانب نظام تعليمي معاصر ومواكب للتطورات والمستجدات، وتوعية الأجيال الناشئة بمخاطر مخططات القِوَى الخارجية؛ فضلًا عن تحقيق التنمية الاقتصادية في كافة المناطق دون تمييز، يحقق استقرارًا طويل الأمد وتماسكًا مجتمعيًّا فعالًا، ويحبط أي محاولات لتحريض الطوائف والمذاهب والأديان والأقليات ضد بعضها.
الخلاصة:
-صاغ النظام الإيراني عقب ثورة الخميني العام 1979م؛ أيديولوجية الدولة الإيرانية المعاصرة، والتي تجمع ما بين إرثًا تاريخيًا وبعدًا جغرافيًا واقتصاديًا، ونظامًا تكامليًا مركزي بين الشيعة في العالم الإسلامي مرتبطًا بولاية الفقيه في طهران، ذا صبغة دينية طائفية؛ بما يحقق لإيران المعاصرة إمكانية تحولها إلى قوة كبرى في منطقة آسيا، من خلال توسعها وتمددها في المنطقة.
-تُعد نظرية ولاية الفقيه؛ فكرة عابرة للحدود الإيرانية، ترتبط بالجغرافيا الشيعية أينما كانت، وتحاول استمالة الأقليات الشيعية في الدول الأخرى للارتباط بمركزية ولاية الفقيه، وإعادة تشكيل النظام الدَّوْليّ على أساس التعددية القطبية، وقد سعت إيران إلى بناء تحالفات استراتيجية مع أدواتها في المنطقة، ونجحت في تسخير قدراتها السياسية وطموحاتها الإستراتيجية في تحقيق الجيوبولتيك الشيعي.
المصادر: