fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

لبنان… الانتخابات والطائفية قراءة تعريفية

148

لبنان… الانتخابات والطائفية قراءة تعريفية

انتهت الانتخابات اللبنانية في 17 من مايو لعام 2022، وكانت نسبة المشاركة فيها وصلت إلى 49.68% في دوائرها الانتخابية الـ 15، وذلك على 128 مقعدًا مقسمين على الدوائر الخمس عشرة؛ كل مقعد محدد بطائفة معينة حسب القانون الانتخابي اللبناني، واحتلّت دائرة جبل لبنان الأولى الكبرى المرتبة الأولى من حيث أعلى نسبة اقتراع التي شكلت 66.515% في وقت احتلّت فيه دائرة بيروت الأولى الكبرى المرتبة الأخيرة بنسبة اقتراع 33.19%..

ولعل هذه الجولة الانتخابية شهدت العديد من التقلبات والضربات الصراعية والسياسية التي ترسم الصورة الحقيقية للوضع المعقد في الأراضي اللبنانية وعلى سبيل المثال:

خسارة حزب الله الشيعي وحركة أمل:

خسر حزب الله وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان اللبناني الجديد، وفق ما أظهرت النتائج النهائية للانتخابات التي أعلن وزير الداخلية بسام المولوي الدفعة الأخيرة منها، وكان حزب الله يسيطر على سبعين مقعدًا من إجمالي 128 في البرلمان المنتهية ولايته. ولم يتَّضح بعد العدد النهائي للمقاعد التي سيجمعها مع حلفائه، لكنه لن يتمكَّن قطعًا من الوصول إلى 65 مقعدًا.

وأظهرت النتائج احتفاظ حزب الله وحليفته أمل، الحركة الشيعية التي يتزعّمها رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه برّي، بكامل المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية (27 مقعدًا) في البلاد، بينما خسر حلفاؤهم مقاعد في دوائر عدّة.

وفازت لوائح المعارضة المنبثقة عن التظاهرات الاحتجاجية ضد السلطة السياسية التي شهدها لبنان قبل أكثر من عامين بـ13 مقعدًا على الأقل في البرلمان الجديد، وفق ما أظهرته النتائج النهائية، و12 من الفائزين هم من الوجوه الجديدة ولم يسبق لهم أن تولوا أي مناصب سياسية، في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية. ومن شأن هؤلاء أن يشكلوا مع نواب آخرين مستقلين عن الأحزاب التقليدية كتلة موحدة في البرلمان(1).

اختراق حقيقي للمعارضة في العديد من الدوائر الانتخابية:

ومع كل ذلك نجح المرشحون المستقلون أو مرشحو المعارضة الجديدة -المقربون من حركة الاحتجاج- في عدة مناطق من البلاد، بينما فشل البعض مثل الصحافي السابق جاد غصن في دائرة جبل لبنان الثانية بفارق مئة صوت فقط، فيما دفع مرشحون آخرون، تقدموا على قوائم مناوئة للسلطة، ثمن الفرقة الحاصلة في المجتمع، وإجمالًا نجح 13 مرشحًا من قوائم المعارضة في الفوز بتذكرة إلى البرلمان.

ويؤكد كريم بيطار قائلًا: “لقد كانت هناك بعض الاختراقات المهمة للغاية التي حققها بعض مرشحي المعارضة الإصلاحية على الرغم من مواجهتهم لعقبات هائلة ومرشحين يتمتعون بدعم قوي من شبكات تابعة للقوى الإقليمية، فالناخبون، ولا سيما من جيل الشباب، لم يصوتوا فحسب من أجل معاقبة الأحزاب الحاكمة، ولكن من أجل التغيير أيضًا سعيًا لإعطاء الفرصة لشخصيات جديدة تقدِّم مشاريع ملموسة على المستويات السياسية والاجتماعية والبيئية.”

ويذكر مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت على سبيل المثال لا الحصر المرشحة نجاة عون صليبا، الأستاذة في الجامعة الأمريكية في بيروت والخبيرة في حماية البيئة، فقد تمكَّنت هذه المرشحة من اختراق منطقة الشوف على قائمة “متحدون من أجل التغيير”، بدعم من جماعات معارضة قريبة من حركة الاحتجاج.

كما نجح زميلها حليم الكعكور، أستاذ القانون في الجامعة وأحد رموز الحركة الاحتجاجية لعام 2019، من الفوز بمقعد في نفس الدائرة الانتخابية.

“لقد فزنا… لقد انتصرت أحلام الشباب في هذا البلد المحزن. لقد نجحنا سويًّا في دق عدة مسامير جديدة في نعش هذا النظام الإجرامي، فمن الشوف، ارتفع صوتكم بكلمة ’لا‘ لسياسات الفساد والسرقة والمحاصصة والتعصب والمحسوبية، لقد أثبتم أنكم أحرار”، هكذا كتبت نجاة على حسابها على تويتر.

أما في جنوب البلاد معقل “حركة أمل” و”حزب الله” الشيعيين، فقد فجر مرشحان من المجتمع المدني هما: فراس حمدان وإلياس جرادة، مفاجأة كبيرة بفوزهما بمقعدين بفضل دعم جماعات المعارضة القريبة من حركة الاحتجاج.

مؤشر آخر على بعض التغيير النسبي كان الزعيم الدرزي الموالي لسوريا طلال أرسلان، زعيم الحزب الديمقراطي اللبناني وعضو البرلمان منذ عام 1991، قد فقد أيضًا مقعده في البرلمان، وهو ما حدث كذلك مع وئام وهاب، النائب والوزير السابق الذي لم يخف قط قربه من نظام دمشق(2).

ديموقراطية المذهب..!

تتقاسم القوى الطائفية السلطة بينها وفقًا لنظام الحصص التي تم تعديلها في نهاية الحرب الأهلية التي دارت بين عامي: 1975 و1990، وهكذا فإن منصب الرئيس يعود دائمًا للمسيحيين المارونيين ويكون رئيس الوزراء مسلمًا سنيًّا ورئيس البرلمان مسلمًا شيعيًّا. أما مقاعد البرلمان الـ 128 فيتم تقاسمها بالتساوي، 64 مقعدًا للمسيحيين ومثلها للمسلمين بمن فيهم الدروز، على أن يتم تقاسم هذين النصفين بين ما حوالي 11 طائفة.

وفي الماضي كان بإمكان الناخبين الإدلاء بأصواتهم لكل المقاعد في دائرتهم الانتخابية وفقًا للقانون الذي يحسم فيه النتيجة من يفوز بأغلبية بسيطة بخلاف القانون النسبي الجديد الذي يسمح بمنح صوت تفضيلي واحد لكل مرشح على اللائحة الأمر الذي أوجد تنافسًا بين أعضاء اللائحة الواحدة على الصوت التفضيلي. وأبدى جورج علم شكوكه بشأن القانون الانتخابي الجديد، فالنظام النسبي يستوجب أحزابًا وطنية خارقة للطوائف والمذاهب على حدِّ تعبيره.

ويرى أن غياب هذه الأحزاب وبرامج عملها يجعل من الورقة الانتخابية أداة لمزايدات طائفية ومذهبية وشتائم لهذا المرشح ضد ذاك “غرضها استثارة الغرائز عند الناخب اللبناني كي يعيد إنتاج نفس الطبقة السياسية ربما بأحجام مختلفة عن السابق، ولكن سنرى الكثير من الوجوه الحالية ستعود للمجلس المقبل. أنا لا أتوقع أي تغيير سيكون له تأثير على الحياة السياسية اللبنانية كما نعرفها”.

ودعا جورج علم إلى إلغاء كل الأحزاب الحالية والعمل على قيام أحزاب جديدة تقوم على مبادئ وطنية وتضم كل الطوائف، وليس طائفة معينة كما هو الحال اليوم “حينها ربما يكون هناك تطور للحياة السياسية اللبنانية القائمة على النظام البرلماني الديموقراطي”(3).

مشهد سياسي مأزوم:

وأوضح فادي ضو – الرئيس التنفيذيّ السابق لمؤسّسة أديان وأستاذ الفلسفة الأساسيّة والجيوسياسيّة الدينيّة أن المشهد السياسي اللبناني منقسم حول ثلاثة محاور متباعدة:

الأول: نواب التغيير 14 (الثورة والمجتمع المدني) ومعهم على الأقل 14 أو 16 نائبًا مستقلًا (القوى المناطقية أو التقليدية التي تبنت خطاب الثورة: أسامة سعد وفؤاد مخزومي ومعوض الصادق وحزب الكتائب.

الثاني: قوى المواجهة مع حزب الله وتتمثَّل بالقوات اللبنانية (الفائزة مسيحيًا بالمعنى الطائفي) مع القوى السنيّة الحليفة (أشرف ريفي).

وقال: إنه لا يعتقد بأن الحزب الاشتراكي سوف يكون جزءًا من هذا المحور، وإن كان خطابه الانتخابي قريبًا منه، بل ستزداد عزلته السياسية لوجوده خارج التحالفات.

أما المحور الثالث فيتمثَّل بالثنائي حزب الله وحركة أمل وإشكالية هيمنته المطلقة على التمثيل الشيعي في المجلس النيابي، وإن أثبتت الانتخابات أنه لم يعد مهيمنًا على القاعدة الشعبية الشيعية؛ ما أدَّى إلى خسارته في دائرة الجنوب الثالثة مقعدين وتراجعه الملحوظ في صيدا وبيروت، أما الحلفاء (التيار الوطني الحر وتيار المردة) فهما على الهامش(4).

اختبار حقيقي:

وسيكون البرلمان اللبناني أمام اختبار آخر في نوفمبر المقبل 2022، عندما يُطلب من البرلمان انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفًا للمنتهية ولايته ميشال عون والبالغ من العمر 88 عامًا، فيما يُخصص منصب رئيس الجمهورية للمكون المسيحي.

وفي البرلمان السابق، استفاد عون من تصدر حزب صهره جبران باسيل ليصل إلى قصر بعبدا حين كان التيار الوطني الحر يتصدر المشهد النيابي، لكن في هذه المرة، فقد التيار الوطني الحر الأغلبية داخل البرلمان لفائدة القوات اللبنانية التي يرأسها سمير جعجع(5).

الخلاصة:

لا يمكن رؤية المشهد اللبناني بدون انقسامات، ولكن هذه المرة أظهرت انقسام أعمق بكثير عما سبق وعما هو معهود، فقد كبُرت أحجام وصغرت أخرى وحدثت بعض الاختراقات في المشهد السياسي التقليدي من قبل من يصفون أنفسهم بالقوى التغييرية، نتيجة الانتخابات، لكن في المحصلة، وأبعد من الكلام عمن حصل على الأغلبية ومن لم يحصل عليها، فإن خط فصل واضحًا بات يحكم المنطق السياسي: الفريق الداعم لحزب الله مقابل الفريق المناهض لحزب الله؛ إلا أن تراجع حجم الكتلة القريبة من حزب الله لا يعني أنه سيُحيٌد عن السياسة والقرار.

الحكم في لبنان أعقد بكثير من ذلك، وبالتالي يمكن توقع أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة صراع أقطاب، نتيجتها الأساسية تعطيل عمل المؤسسات وتعطيل آلية اتخاذ قرارات من الأكثر مصيرية الى تلك المتعلقة بإدارة الحياة اليومية.

مؤشر آخر مهم في هذه الانتخابات هو نسبة المشاركة التي تعتبر متدنية بالرغم من أن الرشوة الانتخابية شكَّلت عاملًا أساسيًّا في هذه الانتخابات، ولولا المال السياسي لكانت النسبة أكثر انخفاضًا.

1_ بي بي سي

2_ فرانس 24

3_ وكالة أنباء الأناضول

4_ مصر 360

5_ عربي 21

التعليقات مغلقة.