fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الحكومة المصرية وتأمين الاحتياجات من القمح.. حلول عملية لتحقيق الاكتفاء الذاتي

174

يُعَدُّ محصول القمح أحد أهم المحاصيل الإستراتيجية التي تحاول الحكومة المصرية الحفاظ على المخزون الإستراتيجي لها؛ نظرًا لارتباطها برغيف الخبز بشكل مباشر، والذي يمثِّل أهمية كبرى لدى مختلف قطاعات الشعب، ورغم الأزمات التي مَرَّت بها الدولة المصرية على المستوى الداخلي كانت جميع الأنظمة تسعى لتحقيق رضا شعبي من خلال تقديم الدعم على رغيف الخبر، وتقلص الفارق بين الناتج المحلي والاستهلاك، عن طريق الاستيراد من روسيا وأوكرانيا على حدٍّ سواء، ولكن مع دقِّ ناقوس الحرب بين روسيا وأوكرانيا تضررت جميع الدول من ارتفاع أسعار الحبوب؛ خاصة القمح لامتلاك روسيا وأوكرانيا على قرابة ثلث إمدادات القمح في العالم.

ولا شك أن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم بإجمالي 12.1 مليون طن، وتأثرت كثيرًا من ارتفاع الأسعار بخلاف تحرير سعر الصرف، فهل تنجح الحكومة المصرية في تأمين احتياجاتها من القمح؟ وما الحلول المقترحة للوصول إلى مرحلة تحقيق الاكتفاء الذاتي؟

إنتاج مصر من القمح وحجم الاستهلاك:

إنتاج مصر من القمح

أوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: أن إنتاج مصر من القمح بلغ 9.1 مليون طـن عــام 2019/2020 مـقـابـل 8,6 مليـون طـن عام 2018/2019 بنسبة زيادة قدرها 6.2 ٪، ويرجع ذلك إلى زيادة المساحة المزروعة من القمح بنسبة 5.8%؛ بالإضافة الى زيادة إنتاجية الفدان من القمح خلال هذا العام، ولكنه طبقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ فإن مصر في عام 2014/2015 حققت أعلى معدل إنتاج بنسبة 9.6 مليون طن، بينما حققت عام 2007/2008 معدل 8 مليون طن، وبالنظر لهذه الأرقام فإن معدل الإنتاج يزيد بزيادة متقاربة من عام 2006 إلى عام 2022، وهذه الأرقام تشير إلى أن مصر تحقق نسبة أكتفاء ذاتي 41.4% عام.

وعلى الجانب الآخر: فإن حجم الاستهلاك المحلي يبلغ 18 مليون طن سنويًّا؛ حيث يستهلك المواطن المصري 182 كيلو جرام قمح في العام الواحد.

وهنا يثور تساؤل: إذا كان إجمالي الناتج المحلي يقترب من 9.5 مليون طن وما تستهلكه مصر 18 مليون طن، فلماذا تستورد الحكومة قرابة 13 مليون طن، والطبيعي أن تستورد ضعف ما تنتجه فقط؟

نشير هنا إلى أن الناتج المحلي كله لا يذهب للحكومة، فطبقًا للإحصائيات الرسمية الحكومة نجحت في تجميع 4.1 مليون طن قمح محلي للفلاح، وباقي الكمية متروكة للفلاح بين بيعها للمواطنين أو استخدمها للأغراض الشخصية أو بيعها للقطاع الخاص، لذلك تستورد الحكومة باقي الكمية لتوفير 9 مليون طن للخبز المدعم 7  ملايين طن للقطاع العام (هيئة السلع التموينية)، و6 ملايين طن للقطاع الخاص.

محفزات حكومية لزيادة الإنتاجية:

انتبهت الحكومة بعد الحرب الروسية الأوكرانية إلى حاجتها الماسة للعمل الجاد على توفير كميات مناسبة من الناتج المحلي، وأصدرت قرارات متعددة لرفع نسبة الكمية الموردة من الفلاح، تمثَّلت في التالي:

1- زيادة سعر توريد أردب القمح: زادت أسعار توريد القمح بصورة كبيرة منذ عام 2019 إلى اليوم؛ إذ إن قيمة توريد القمح عام 2019 كانت 685جنيهًا للأردب، وفي عام 2020 زادت إلى 820 جنيهًا حتى وصلت إلى 1250 جنيهًا عام 2023، وبهذه الزيادة الأخيرة يكون سعر التوريد المحلي اقترب من السعر العالمي للقمح.

2- منح المزارعين مستحقاتهم خلال 48 ساعة من التوريد: إذ أعلنت وزارة التموين عزم الحكومة صرف مستحقات المزارعين فور التوريد.

3- توفير نقاط تجميع تصل إلى 400 نقطة: أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية عن توفير حوالي 400 نقطة لاستلام القمح من المزارعين، وذلك للتسهيل عليهم وتقليل تكلفة النقل.

4- توفير ماكينات الحصاد الآلي لحصاد القمح، وذلك لتوفير الوقت والجهد على المزارعين.

5- تفعيل دور مديريات الزراعة والجمعيات التعاونية، وبالتنسيق مع المحافظين ومسئولي وزارة التموين والجهات المسوقة، وذلك للتسهيل على المزارعين توريد القمح.

الفاتورة الاستيرادية للقمح:

كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن ارتفاع فاتورة استيراد مصر من القمح خلال الـ 7 شهور من عام 2022 من “يناير إلى يوليو “، مقارنة بنفس المدة من العام الماضي 2021.

وذكرت أن قيمة فاتورة استيراد مصر من القمح بلغت مليارًا و710 ملايين و537 ألف دولار خلال الـ7 شهور من العام 2022.

يأتي ذلك في الوقت الذي بلغت فاتورة الاستيراد نحو مليار و643 مليونًا و491 ألف دولار عن نفس المدة من العام الماضي، بزيادة تقدر بـ 67 مليونًا و46 ألف دولار.

وتصدرت روسيا قائمة أعلى 10 دول استوردت مصر منها القمح خلال الـ 11 شهرًا الأولى من عام 2021 إلى نهاية عام 2022، حيث سجلت قيمة واردات مصر منها 1,2 مليار دولار، وبكمية بلغت 4,2 مليون طن، بنسبة 69,4 % من إجمالي كمية واردات مصر من القمح.

وجاءت أوكرانيا في المرتبة الثانية بقيمة 649,4 مليون دولار، وبكمية 651,4 ألف طن بنسبة 10,7%، ثم رومانيا بقيمة 407,7 مليون دولار، وبكمية 387,2 ألف طن بنسبة 6,2%، ثم أستراليا بقيمة 105,5 مليون دولار، وبكمية 190,2 ألف طن بنسبة 3,1%، ثم فرنسا 63,8 مليون دولار، وبكمية 63 ألف طن بنسبة 1%.، ثم ليتوانيا بقيمة 16,9 مليون دولار، وبكمية 61 ألف طن بنسبة 1%، ثم مالديف بقيمة 3,6 مليون دولا، وبكمية 20 طن، ثم كندا بقيمة 1,8 مليون دولار، وبكمية 517 ألف طن بنسبة 8,5%.، ثم الصين 843,2 ألف دولار، وبكمية 3 آلاف طن بنسبة 0,05%، وأخيرًا: كوريا الجنوبية 280,6 ألف دولار، وبكمية 100 طن.

وهذه الأرقام تشير إلى التكلفة الباهظة التي تدفعها مصر نتيجة عدم تحقيق الإكتفاء الذاتي.

وفي السياق ذاته وجَّه البعض انتقادات حادة للحكومة؛ لعدم إقبالها على استيراد القمح الفرنسي في ظل العلاقات الجيدة التي تربط مصر بفرنسا، ولكن الحقيقة أن مصر تستورد القمح من 21 دولة من بينهم فرنسا، ويرجع سبب عدم استيراد كميات كبيرة إلى ارتفاع تكلفة القمح الفرنسي، وعدم ملائمته لنوعية القمح المستخدمة في صناعة الخبز التمويني.

انعكاس قرار اعتماد الجنيه بالبنك المركزي الروسي على الفاتورة الاستيرادية:

يرى خبراء الاقتصاد: أن قرار البنك المركزي الروسي باعتماد الجنيه المصري قد يخفف من تكلفة الفاتورة الاستيرادية بالدولار؛ خاصة وأن مصر تستورد من روسيا 50 % من احتياجاتها من القمح، الأمر الذي من شأنه أن يقلل احتياج مصر إلى الدولار في شراء القمح بقيمة تقدر بـ1.2 مليار دولار، ويعزز من قيمة الجنيه أمام الروبل الروسي إذ تبلغ قيمة الروبل الروسي 0.40 جنيهًا.

أسباب قلة الإنتاجية:

يرى الدكتور محمد السيد أرناؤوط أستاذ الإرشاد الزراعي المتفرغ بمركز البحوث الزراعية: أن أسباب قلة الإنتاجية عديدة، منها: ارتفاع تكاليف زراعة وإنتاج القمح، وإلغاء الدورة الزراعية؛ مما أدَّى لتراجع دور وزارة الزراعة فى تحديد مساحات القمح، ما جعل الزُراع يحجمون عن زراعة القمح بزراعة محاصيل أخرى أكثر ربحًا، وكذلك نقص كميات تقاوى القمح عالية الإنتاج بما لا يتناسب مع المساحات المطلوب زراعتها؛ مما يضطر بعض الزراع لزراعة تقاوي غير جيدة تعطى إنتاجًا أقل؛ هذا فضلًا عن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، مع عدم حصول المزارع على كلِّ مقرراته السمادية لمحصول القمح أثناء زراعته، وعدم رغبة بعض الزراع فى شراء أسمدة من السوق السوداء، وعدم تحديد سعر مجزٍ لشراء إردب القمح من الفلاح، والإعلان عنه قبل زراعة القمح بوقتٍ كافٍ لتشجيعه على زراعته، وزيادة الفاقد من محصول القمح الذي قد يصل إلى 30 %، خصوصًا أثناء عمليات الحصاد والنقل، والتخزين في شون ترابية ومكشوفة، ومعرضة للحشرات والفئران، والعصافير، وغيرها.

تدهور خصوبة بعض الأراضي الزراعية؛ بسبب عدم تجديد شبكات الصرف المغطَّى وارتفاع منسوب المياه، وملوحة التربة وخلافه، وعدم القيام بتجديد خصوبتها سواء بالتسميد العضوى، أو بالحرث العميق، أو إضافة الجبس الزراعي، أو بالغسيل، أو بتجديد شبكات الصرف المغطى وخلافه، مع الاعتداء عليها بالتبوير، أو التجريف، أو البناء فوقها؛ هذا إلى جانب ارتفاع أجور العمالة الزراعية بسبب هجرة الفلاح المصرى من القرية إلى المدينة بحثًا عن عمل أفضل، وقلة مياه الري لبعض مساحات القمح، وإصابة القمح ببعض الأمراض مثل صدأ القمح والصدأ الأسود، وإهمال المزارع فى مكافحتها، وبالطبع كل ما سبق يؤثِّر في النهاية على الإنتاج.

مقترحات لتحقيق الاكتفاء الذاتي:

طَرَح عددٌ مِن المختصين مقترحات متعددة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح جاءت كالتالي:

  1. زيادة أسعار توريد القمح المحلي إلى السعر العالمي الذي تستورد به الدولة المحصول، وهذا من شأنه أن يشجعل الفلاح على توريد معظم الكمية والتوسع في الزراعة، وتقليل الفاتورة الاستيرادية بالدولار.
  2. التوسع الأفقي في زراعة القمح وزراعة المساحات المستصلحة حديثًا بالقمح.
  3. التوسع الرأسي من خلال استنباط أنواع جديدة من القمح ذات الإنتاجية العالية، وتفعيل دور مراكز البحوث الزراعية، وتوفير اعتمادات مالية مناسبة للبحث العلمي.
  4. توفير تقاوي جيدة عبر منافذ وزارة الزراعة وبأسعار مناسبة؛ نظرًا لخسارة جزء كبير من المحصول نتيجة فساد التقاوي.
  5. الحصر الدقيق للمساحات المنزرعة وتقديم الدعم الفني الحقيقي للمزارعين.
  6. توعية المزارعين بضرورة توريد أكبر كميات للحكومة، وعدم البيع للتجار بدلًا من استخدام السياسة العقابية التي تأتي بالعكس على الفلاح، ويتهرب من التوريد للحكومة، بل يصل بالبعض إلى العناد.
  7. التوسع في إنشاء صوامع مجهزة حيث يبلغ الفاقد أثناء الحصاد والنقل وسوء التخزين إلى نسبة 20% من المحصول.
  8. ضبط الاستهلاك من رغيف الخبز سواء بالوعي الثقافى للمواطنين أو بالحد من استخدامه كعلف للحيوانات والطيور.

الاكتفاء الذاتي من القمح

تجربة عملية لدول نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي:

أكَّد الدكتور محمد السيد أرناؤوط على أن سوريا حققت الاكتفاء الذاتى من القمح خلال ثلاث سنوات فقط، وتوقفت عن الاستيراد، وذلك بعد أن وضعت خطة قامت من خلالها باستنباط أصناف جديدة مقاومة للجفاف والأمراض وذات إنتاجية عالية، واستخدام الرى التكميلي، وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى للفلاحين، وبذلك استطاعت أن تنهض بإنتاجها بعد أن كانت فى صفوف الدول المستوردة للقمح.

واستطاعت البرازيل أيضًا: تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بعد أن وضعت برنامجًا تحت عنوان: “الجوع بدرجة الصفر”، فأعطت أولوية مطلقة للقطاع الزراعى، ووفرت المدخلات الزراعية للفلاحين، وحسنت البنية الأساسية للزراعة، وأنشأت الصوامع، وأقامت أسواقًا جديدة، ونشرت ثقافة الاقتصاد الأخضر في مناهج المدارس والجامعات، وخصصت نسبة ثابتة من الدخل القومي للاستثمار في القطاع الزراعي، وهكذا نجحت البرازيل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وبدأت في تصديره للخارج.

وكانت الهند تستورد كل احتياجاتها من الحبوب وخاصة القمح، والآن أصبحت تصدر كميات مماثلة لما تستهلكه، وذلك بسبب تضاعف إنتاجها.

الخلاصة:

إن مصر بإمكانها أن تصل إلى درجة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وتخفيف الضغط على الفاتورة الاستيرادية متى توفرت الإرادة الحقيقية لذلك، وليس أدل على هذا من أن المساحة المنزرعة في مصر زادت خلال الأعوام الثلاثة الماضية تحت ضغط الأزمة الروسية الأوكرانية من 2.7 مليون فدان إلى 3.4 مليون فدان، وزادت الكميات الموردة إلى الحكومة إلى 4.1 مليون طن بدلًا من 3.6 مليون طن، ويتوقع الخبراء: أن الإنتاجية هذا العام قد تتجاوز 10 مليون طن نتيجة الاتجاه إلى زيادة أسعار التوريد وإعلانها مسبقًا، واستخدام تقاوي معتمدة.

ومن هنا نؤكد: أن الجدية في تنفيذ التوصيات العلمية والحلول المقترحة من شأنه أن يصل بنا إلى الهدف المنشود، وفي الوقت ذاته أمامنا فرصة للاستفادة من قرار البنك المركزي الروسي باعتماد الجنيه للاعتماد على القمح الروسي من خلال عقد اتفاقيات مسبقة والاستفادة من عدم اشتراط الدفع بالدولار.

المصادر:

الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة
https://www.capmas.gov.eg/Pages/IndicatorsPage.aspx?page_id=6151&ind_id=2361
https://www.capmas.gov.eg/Pages/IndicatorsPage.aspx?page_id=6151&ind_id=2361

موقع صدى البلد

موقع المال

بوابة الأهرام

التعليقات مغلقة.