fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

نظرة على العلاقات المصرية الأوروبية وأثرها على الاقتصاد المصري

55

نظرة على العلاقات المصرية الأوروبية وأثرها على الاقتصاد المصري

يعيش الاقتصاد المصري حالة من الضعف والهوان غير المسبوق؛ خاصة مع وجود تحديات عالمية كبيرة، لا تؤثر فحسب على مصر ولكنها تؤثر على العالم كله، ولكن على أرض الواقع فهناك مساعٍ حثيثة لدفع عجلة الإنتاج والاقتصاد لتحسين الأوضاع المصرية، وذلك على الصعيدين: الدولي والمحلي؛ في المحلي عن طريق الإنتاج وتشجيع الصناعات والمصانع والمناطق الحرة، وعلى الصعيد الدولي بتعزيز العلاقات مع دول العالم المختلفة وتشجيعهم على الاستثمار داخل الأراضي المصرية والتبادل التجاري والاقتصادي، وهذا واضح من خلال علاقات الخارجية المصرية مع دول الخليج ودول الاتحاد الأوروبي وتشجيعهم للوقوف بجانب مصر في أزماتها الاقتصادية.

وقد شهدت العلاقات المصرية الأوروبية خلال السنوات الماضية، تطورًا على المستوى السياسي والاقتصادي والإستراتيجي، وهي تقوم على التكامل وتلبية الأولويات الوطنية، والاستجابة في أوقات الأزمات، وهو ما ظهر جليًّا في وقت جائحة كورونا، وتم إطلاق إطار الشراكة الثنائية 2021-2027، التي تعمل على دفع جهود التنمية الخضراء والمستدامة، ودفع الاستثمار في رأس المال البشري، وتحقيق المرونة الاقتصادية والتحول الرقمي.

ويرى الاتحاد الأوروبي في مصر القوة التي بيدها تحسين واستقرار الأوضاع في شرق المتوسط وإفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط؛ لذلك أصبحت مصر قوة عظمى لا غنى عنها لضمان استقرار المنطقة، بالإضافة إلى أن المزايا الاقتصادية والتجارية في مصر كبيرة وواعدة، والاتحاد الأوروبي يريد أن يكون هناك انطلاقة في العلاقات مع مصر خاصة في المجال التجاري والصناعي ومجال الطاقة، وذلك سيتم عن طريق تقارب العلاقات التي نشهدها الآن بين مصر وأوروبا.

مصر والاتحاد الأوروبي.

ارتبطت مصر بالقارة العجوز منذ أكثر من 200 عام بعلاقات متينة وقوية، كما برزت العلاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبي في عام 1976، كما ترتبط مصر والاتحاد الأوروبي بعلاقات طويلة الأمد لا سيما من خلال اتفاقية الشراكة بينهما التي تم تفعيلها منذ عام 2004، وتلك الشراكة تسمح بمزيد من التعاون والتبادل التجاري والثقافي، وكذلك التعاون في مجالات عديدة تحددها أولويات الشراكة.

يغلب الطابع الإستراتيجي على العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، وأهمية التعاون المشترك في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة في الوقت الراهن، بخاصة أن مصر تُعد ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط وبوابة إفريقيا، فيما يتطلع الجانب المصري إلى تعزيز وتوسيع نطاق التعاون مع الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة القادمة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، وزيادة حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر من خلال الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة التي يُقدمها الاقتصاد المصري في ظل عملية الإصلاح الاقتصادي الشاملة التي أُطلقت في مصر منذ عام ٢٠١٦(1).

الخارجية المصرية ودبلوماسيتها الخارجية:

تركزت سياسة مصر الخارجية في السنوات الماضية على دعم استقرار المنطقة في محيطها الإقليمي والدولي، وتعزيز مبادئ الاحترام المتبادل بين الدول، والالتزام بالقانون الدولي والعهود والمواثيق التي تنظم العلاقات بين الدول، وقد أدت هذه المبادئ إلى تعزيز مكانة مصر كقوة إقليمية مهمة لضمان استقرار المنطقة، فقد نظر الاتحاد الأوروبي إلى مصر كدولة محورية للاستقرار في الشرق الأوسط وبوابة للتجارة مع إفريقيا.

ومن الناحية الاقتصادية والسياسية، يعزز استقرار مصر الاستقرار في المنطقة ويسهم في منع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجهها مصر تتزايد، حيث تضطر للتعامل مع تداعيات النزاعات وعدم الاستقرار في المنطقة، وتكبد تكاليف إضافية لتأمين حدودها ومواجهة التحديات الناجمة عن الهجرة غير الشرعية.

ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي يدرك تلك التحديات، ويقدم مساعدات إنمائية لمصر بقيمة تتراوح بين 1.7 إلى 2.0 مليار دولار أمريكي سنويًا، بالإضافة إلى مبادرات مبادلة الديون التي تعفي مصر من سداد بعض ديونها للاتحاد الأوروبي مقابل استخدام تلك الأموال في تنفيذ مشروعات تنموية(2).

رؤية الاتحاد الأوروبي لمصر:

يشدد الاتحاد الأوروبي على أهمية التعاون المشترك مع مصر؛ خاصة وأنها تُعد ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط وبوابة إفريقيا، وتسعى مصر إلى تعزيز وتوسيع نطاق التعاون مع الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة القادمة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، وزيادة حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر من خلال الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة التي يُقدمها الاقتصاد المصري في ظل عملية الإصلاح الاقتصادي الشاملة التي أُطلقت في مصر منذ عام ٢٠١٦.

أما على الصعيد الأمني، فدائمًا ما يشيد الاتحاد لأوروبي بالدور الذي تلعبه مصر للحفاظ على الاستقرار الإقليمي في المنطقة، والأهمية التي توليها مصر لمواجهة الفكر الإرهابي والمتطرف، وحرص مصر على دعم دول المنطقة وباقي الدول الإفريقية في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تقديم دورات تدريبية لبناء القدرات، واستعراض سبل تعزيز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب، والتركيز دومًا على عناصر المقاربة المصرية الشاملة لمكافحة الإرهاب بالتركيز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الأبعاد الأمنية لمجابهة الإرهاب.

 ولا يمكن إغفال مجالات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي خاصة في الملفات المهمة التي تتعلق بالمجالات الأمنية ذات الاهتمام المشترك والتي يأتي على رأسها ملف “الهجرة غير الشرعية” الذي يؤثر على أوروبا ومنطقة شمال إفريقيا، وتعول أوروبا على مصر كثيرًا في الحد من هذه الظاهرة، إذا يقدر الاتحاد الأوروبي الجهود المصرية التي تتعامل في هذا الصدد، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الاتجار في البشر، إذ تلتزم مصر بالاتفاقيات والقوانين الخاصة للهجرة.

ويرى الاتحاد الأوروبي مصر شريكًا إستراتيجيًّا رئيسًا في مجال الطاقة، فالجانبان يجمعهما تعاون مشترك في مجال الغاز الطبيعي في ضوء الدور الإقليمي لمصر في منتدى غاز شرق المتوسط والجهود الحالية لتعظيم الدور المصري كمركز إقليمي ومحوري لتجارة وتداول الغاز الطبيعي في المنطقة، حيث يتم التأكيد في هذا الشأن من قبل الاتحاد الأوروبي على أهمية مصر كأحد أهم مصادر إمداد أوروبا بجزء من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من خلال مصانع إسالة وتصدير الغاز الطبيعي على ساحل البحر المتوسط، هذا بجانب الإشادة بالمجهودات المصرية في تنظيم القمة العالمية للمناخ “كوب27” والتي تناولت جهود التحول نحو الطاقة النظيفة، والتي تتبنى مصر فيها الغاز الطبيعي كـ “خيار انتقالي” مهم خلال تلك المرحلة بالتوازي مع استراتيجيتها لتعظيم مساهمة الطاقات الجديدة والمتجددة كأحد روافد توفير الطاقة النظيفة والإجراءات الحالية للدخول في مجال إنتاج الهيدروجين كوقود نظيف(3).

في ظل التحديات.. شراكة مصرية أوروبية:

في خطوة جديدة لتعميق الشراكة الاقتصادية المصرية- الأوروبية، يُعد الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات حجمها 7.4 مليار يورو (8.08 مليار دولار) لمصر تهدف إلى دعم اقتصادها وسط مخاوف من أن يؤدي الصراع في غزة والسودان إلى تفاقم المشاكل المالية في البلاد، وذلك في ضوء خطة رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”.

وتُعد خطة الاستثمارات الأوروبية خطوة مكملة لسلسلة التعاون الاقتصادي بين الجانبين؛ إذ تُعد مصر الشريك التجاري التاسع والعشرون للاتحاد الأوروبي، وتمثل 0.7% من إجمالي تجارة السلع للاتحاد الأوروبي مع العالم، فيما يمثل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر، ويغطي 24.5% من حجم تجارة مصر، وجاءت 25.8% من واردات مصر من الاتحاد الأوروبي وذهبت 21.8% من صادرات مصر إلى الاتحاد الأوروبي.

 وبلغت الصادرات المصرية إلى الاتحاد الأوروبي نحو 16.17 مليار دولار خلال عام 2022 مقارنة بنحو 1.98 مليار دولار خلال عام 2003 فيما سجلت الواردات المصرية منه حوالي 17.97 مليار دولار مقابل 2.93 مليار دولار في عام 2003(4).

الصادرات والواردات بين مصر والاتحاد الأوروبي:

ترتكز واردات الاتحاد الأوروبي من مصر في الوقود ومنتجات التعدين، والمواد الكيميائية، والزراعة والمواد الخام، والمنسوجات والملابس والأسمدة، فيما تتمثل صادراته في الآلات ومعدات النقل والمواد الكيميائية وكذلك الوقود ومنتجات التعدين.

ويُعد الاتحاد الأوروبي أحد المستثمرين الرئيسين في مصر عقب الدول العربية، حيث تعتبر البلاد ثاني أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر من الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما استحوذ الاتحاد الأوروبي على أكثر من 30% من إجمالي الاستثمارات الوافدة إلى مصر خلال العام المالي 2021/2022 بقيمة تبلغ 6.7 مليار دولار، مقابل استحواذ الدول العربية على نحو 37% بقيمة تبلغ 8.2 مليار دولار.

وخلال الفترة التي تتراوح بين 2003/2004 إلى 2021/2022، ارتفع الاستثمار الأوروبي الوافد إلى الاقتصاد المصري من 812.9 مليون دولار إلى 6.7 مليار دولار بنسبة نمو تبلغ 720%(5).

حجم الاستثمارات الأوروبية الوافدة لمصر:

ولم تقتصر الشراكة على التبادلات التجارية والاستثمارية فحسب، بل امتدت لتشمل تقديم منح ومساعدات وقروض ميسرة للدولة المصرية في مجالات التنمية الخضراء والمستدامة، والتنمية البشرية ودعم التحول الأخضر والرقمي، وتطوير الدولة الحديثة والديمقراطية؛ بالإضافة إلى استحواذ أكبر خمس دول أوروبية مستثمرة بمصر (هولندا- إيطاليا- ألمانيا- فرنسا- بلجيكا) على نسبة تتجاوز 87% من إجمالي الاستثمارات الأوروبية الوافدة.

سياسة الخارجية المصرية تقف وراء النجاح:

وإلى جانب ذلك، تُعد مصر شريكًا أساسي لأوروبا في أمن الطاقة، حيث حاولت تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة من خلال تعويض أوروبا عن تراجع إمدادات الغاز الروسية عقب الحرب الأوكرانية، وفي عام 2022 وحده، عززت البلاد صادراتها من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا لتصل نسبتها إلى 71% من إجمالي الصادرات المصرية من الغاز المسال مقارنة بنسبة 31% خلال عام 2021.

وإلى جانب الغاز المُسال، يتعاون الطرفين في مجال الطاقة المتجددة، وتمثلت أبرز محطة في مسيرة التعاون في قمة المناخ (COP27) بشرم الشيخ؛ إذ قرر الجانبان إقامة شراكة إستراتيجية بشأن الهيدروجين الأخضر من أجل تعزيز مرحلة انتقال الطاقة، وفي مايو 2023، وقعت مصر مذكرة تفاهم مع شركة “سكاتك إيه إس إيه” النرويجية لبدء دراسات مشروع تصدير الطاقة المتجددة من مصر إلى أوروبا عبر إيطاليا، وتتضمن مذكرة التفاهم بدء الدراسات تمهيدًا لتنفيذ مشروع تصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا باستخدام خط ربط بحري بقدرة لا تقل عن 3 جيجاوات(6).

أولويات التعاون المصري الأوروبي:

تشكل الزيارة المتتالية للوفود الأوروبية إلى مصر خلال عام 2023-2024، تأكيدًا على تعاظم الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، وفي هذا الإطار يمكن القول: إن أجندة العمل المشتركة للجانبين خصوصًا على المستوى السياسي والإقليمي، تشمل في الفترة الراهنة العديد من الملفات والأولويات الملحة، وذلك على النحو التالي:

1_ تعزيز التعاون لوقف الحرب في غزة:

كانت المقاربة الأوروبية تجاه الحرب في غزة، تقوم على جملة من المقومات الرئيسية، وعلى رأسها تجاوز الانقسامات بداخل الاتحاد تجاه الحرب، وتعزيز العلاقات وأوجه التنسيق والتعاون مع الدول الفاعلة في الملف الفلسطيني من أجل دعم احتواء هذه الحرب ووقفها، وعلى رأس هذه الدول مصر، على اعتبار أن مصر تظل الفاعل الأهم في الملف الفلسطيني، لما تملكه من مقومات جيوسياسية مهمة في هذا الصدد، وعلاقات بكافة أطراف الأزمة، جنبًا إلى جنب مع دورها التاريخي المحوري تجاه القضية الفلسطينية.

2_ التعامل مع تداعيات الحرب في غزة:

كان ملف التداعيات الإقليمية للحرب في قطاع غزة، على رأس أولويات الاهتمام المصرية الأوروبية في الفترات الأخيرة، خصوصًا ما يتعلق بحالة الاضطراب التي نشأت في البيئة الأمنية لمنطقة البحر الأحمر، على اعتبار أن هذه الاضطرابات تحمل تداعيات سلبية على مصر (فيما يتعلق بقناة السويس)، وكذا بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يمثل هذا الممر المائي أحد أهم ممرات التجارة، ومصدرًا مهمًّا للأمن الطاقوي الأوروبي.

3– الحرص على مواجهة التهديدات الإرهابية:

 ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مصر باعتبارها شريكًا إستراتيجيًّا مهمًّا في ملف مكافحة الإرهاب، وفي هذا السياق تتصاعد التخوفات الأوروبية حاليًا بخصوص التهديد الإرهابي، وذلك على خلفية بعض الاعتبارات الرئيسية، وعلى رأسها احتمالية تصاعد موجات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي من منطقة الشرق الأوسط، بما يحمله ذلك من تداعيات أمنية خطيرة، وكذلك تصاعد تهديد “الذئاب المنفردة” في أوروبا خصوصًا على خلفية الحرب في غزة، جنبًا إلى جنب مع احتمالية استغلال بعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة لحالة الاضطراب الراهنة، من أجل إعادة بناء قواعدها واستعادة نشاطها، وهي اعتبارات تزيد من الحاجة إلى تنسيق أمني واستخباراتي أكبر بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي.

4– السعي للتسوية السياسية في دول الأزمات:

يحمل استمرار الأزمات التي تشهدها بعض البلدان في المنطقة، تهديدات مشتركة بالنسبة لمصر والاتحاد الأوروبي، خصوصًا في ليبيا والسودان واليمن ولبنان، وهي التهديدات التي يحمل بعضها طابعًا أمنيًّا، جنبًا إلى جنب مع تهديدات إنسانية واستراتيجية أخرى، خصوصًا على مستوى تنامي وطأة الأزمات الإنسانية، وتنامي موجات الهجرة واللجوء، واحتمالية عودة النشاط الإرهابي، بالإضافة لمجموعة من التداعيات الاقتصادية.

وفي هذا السياق يمكن القول: إن هناك جملة من القواسم المشتركة على مستوى المقاربة المصرية الأوروبية للتعامل مع هذه الأزمات، خصوصاً ما يتعلق بضرورة تقديم الدعم الإنساني لشعوب هذه الدول، والعمل الدبلوماسي والسياسي على الوصول إلى تسوية سياسية لهذه الأزمات، وإنجاز الاستحقاقات الدستورية فيها بناءً على خريطة طريق توافقية، والسعي لتوحيد المؤسسات الأمنية وإعادة بناء قدرات الجيوش، وهي اعتبارات تزيد من فرص التعاون بين الجانبين في مواجهة التهديدات المتصاعدة المترتبة على استمرار هذه الأزمات(7).

إعلان مشترك للارتقاء بالعلاقات لمستوى الشراكة الإستراتيجية والشاملة:

اتفقت جمهورية مصر العربية والاتحاد الأوروبي في مارس 2024 على الارتقاء بالعلاقات الثنائية بينهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة القائمة على قيم العدالة والاحترام والثقة المتبادلة.

وأكد الطرفان إدراكًا منهما للعلاقة التاريخية التي تربطهما منذ آلاف السنين على التزامهما بالاستناد إلى علاقتهما الممتدة والتي شكلتها الروابط الجغرافية والثقافية والسياسية والاقتصادية والشعبية الوثيقة، وبهدف تعميق الاستقرار والسلام والرخاء المشترك بينهما.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورؤساء حكومات قبرص واليونان وإيطاليا والنمسا، إنه سيتم رفع مستوى العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومصر إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»(8).

معنى ترفيع العلاقات بين مصر وأوروبا لـ”شراكة إستراتيجية”:

وهو تحقيق نقلة نوعية في التعاون والتنسيق من أجل تحقيق المصالح المُشتركة، وهي تستهدف دعم مصر في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، في صورة حزمة تمويلية أوروبية إلى القاهرة.

وقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في مارس 2024 تقديم حزمة دعم مالي لمصر في مجالات التجارة والاستثمار بقيمة 7.4 مليار يورو، تتوزع على مدى السنوات المقبلة.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته، قوله إن الاتفاقات تندرج في إطار شراكة استراتيجية وشاملة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، موضحًا أنها تتضمن استثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو، و400 مليون يورو من المساعدات لمشروعات ثنائية، و200 مليون يورو؛ لدعم برامج تعالج قضايا الهجرة(9).

دوافع ترفيع العلاقات المصرية الأوروبية:

هناك حزمة من الدوافع لتعزيز وترفيع العلاقات الأوروبية المصرية والتي ترتبط من جانب بمجموعة من التطورات الإقليمية المصاحبة لحرب غزة، ومن جانب آخر ببعض التطورات التي يشهدها الداخل المصري، ويمكن تناول هذه السياقات على النحو التالي:

تداعيات الحرب على قطاع غزة:

في ظل سياق إقليمي هو الأكثر اضطرابًا منذ سنوات، وذلك على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023 ، وعلى الرغم من أن الموقف الأوروبي إجمالًا في بداية الحرب كان منساقًا وراء السردية الإسرائيلية باعتبار أن “العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، تأتي في إطار رد الفعل على هجمات السابع من أكتوبر” دونما التركيز على السياقات التي ولدت هذه الهجمات، إلا أن هذا الموقف شهد العديد من المتغيرات في الآونة الأخيرة، تجسدت بشكل رئيسي في إدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية، والمطالبة بوقف الحرب، والدعوة إلى توسيع وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، جنبًا إلى جنب مع تحول إستراتيجي مهم يتمثل في التأكيد على ضرورة استعادة مسار السلام العادل وحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ولعل هذه المتغيرات التي طرأت على الموقف الأوروبي كانت نتاجًا لجملة من التداعيات المترتبة على الحرب، والمصاحبة لها، وعلى رأسها ضغوط الرأي العام الأوروبي، والتخوف من مغبة الغوص في مقاربة الدعم المفتوح لإسرائيل، جنبًا إلى جنب مع ما أفرزته الحرب من تداعيات على مستوى الاضطرابات الإقليمية، خصوصًا في لبنان وفي منطقة البحر الأحمر، وبالتالي سعت الدول الأوروبية عبر الموقف الجديد إلى الحفاظ على شبكة مصالحها في المنطقة، وهي المصالح التي يمثل الوضع الإقليمي الراهن تهديدًا مباشرًا لها، وبالتالي فإن ملف الحرب في غزة وما خلفته من تداعيات، يُلقي بظلاله على الزيارة الحالية للمسؤولين الأوروبيين إلى مصر، ويزيد من أهمية هذه المباحثات.

التوافقات المصرية الأوروبية حول تطورات المنطقة:

شهدت الفترة منذ السابع من أكتوبر 2023، وحتى اليوم، العديد من المباحثات المهمة بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأوروبيين، وخصوصاً المباحثات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع عدد من الزعماء الأوروبيين، على غرار مباحثاته مع المستشار الألماني في 18 أكتوبر 2023 بالقاهرة، ومباحثاته في القاهرة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 25 أكتوبر 2023، واستقباله في لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وكذا استقبال الرئيس لرئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو، ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، جنباً إلى جنب مع العديد من المباحثات المباشرة والهاتفية الأخرى مع الزعماء الأوروبيين.

وكان اللافت في هذه المباحثات هو نجاح مصر في بناء توافقات مع القادة الأوروبيين حول جملة من التطورات والقضايا المهمة، سواءً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو ما يتعلق بالتطورات في المنطقة، فعلى مستوى القضية الفلسطينية شهدت المواقف المصرية الأوروبية توافقًا حول جملة من النقاط المهمة، وعلى رأسها رفض العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار، والتأكيد على ضرورة تكاتف الجهود من أجل التعامل مع الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع، وذلك عبر زيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة، جنباً إلى جنب مع توافقات بخصوص ضرورة استعادة مسار السلام العادل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعلى المستوى الإقليمي كانت المواقف المصرية الأوروبية واضحة وتشهد توافقًا كبيرًا خصوصًا فيما يتعلق بمسائل رفض توسع رقعة الحرب، وضرورة دعم جهود التسوية السياسية في دول الأزمات، جنبًا إلى جنب مع رفض كافة مظاهر تهديد الأمن الإقليمي.

الاتفاق على الشراكة الإستراتيجية الشاملة:

اتفاق مصر والاتحاد الأوروبي على رفع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، في يناير 2024، وذلك على هامش مشاركة مصر في الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي، والذي انعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل برئاسة مشتركة مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية “جوزيب بوريل”، وبمشاركة وزير الخارجية المصري سامح شكري، والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، وعدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي وكبار مسئولي المفوضية الأوروبية وجهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وقد مثل هذا الإعلان تعبيرًا عن نظرة الاتحاد الأوروبي لمصر ونمط التعامل السائد في العلاقات الثنائية، باعتبار مصر شريكًا موثوق به ويعتمد عليه للاتحاد الأوروبي في مختلف مجالات التعاون وفي مواجهة مختلف التحديات المشتركة.

استمرار إجراءات الإصلاح الاقتصادي في مصر:

يحظى الملف الاقتصادي بأهمية كبيرة في إطار التعاون الإستراتيجي المصري الأوربي، ولعل أحد الاعتبارات الرئيسية التي تزيد من أهمية زيارة الوفد الأوروبي إلى مصر، ترتبط بالتوقيت الذي يشهد إجراءات متسارعة من الدولة المصرية لاستكمال مسار الإصلاح الاقتصادي، خصوصًا في أعقاب الاتفاق على مشروع رأس الحكمة مع الإمارات، وقرارات البنك المركزي المصري الأخيرة بخصوص رفع سعر الفائدة بـ 600 نقطة أساس وتحديد سعر الصرف وفقًا لآليات السوق، والاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، وهي الإجراءات التي زادت من حجم الثقة في الاقتصاد المصري.

الجدير بالذكر: أن مصر ترتبط مع الاتحاد الأوروبي بمجموعة من الاتفاقات الاقتصادية المهمة، فمصر ترتبط مع الاتحاد الأوروبي بعشرات الاتفاقات الاقتصادية، التي تشمل العديد من المجالات التنموية والاقتصادية، كما أن الاتحاد الأوروبي يعد واحدًا من أهم الشركاء التجاريين لمصر، وفي ضوء هذه الاعتبارات يمكن القول: إن البعد الاقتصادي على المستوى الثنائي سوف يكون على رأس أولويات هذه الزيارة، على قاعدة تعزيز أوجه التعاون، ودعم جهود التنمية المستدامة(10).

الخلاصة:

تتيح العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي فرصًا متعددة للتعاون في مختلف المجالات، كما أن اهتمام تلك الدول بالعلاقات مع مصر يعكس رؤيتها للتداعيات الإيجابية التي تفرضها الأدوار التي تقوم بها مصر في ملفات متعددة، وجهود دعم الاستقرار على المستويات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط.

وتعد زيادة الاستثمارات الأوروبية الوافدة لمصر أمرًا مهمًّا في الوقت الحالي؛ نظرًا لعدد من العوامل المتمثلة في الحاجة الماسة للاقتصاد المصري للمزيد من العملات الأجنبية لخلق فرص عمل جديدة ودفع عجلة النشاط الاقتصادي المصري.

خاصة وأن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى مصر باعتبارها شريكًا إستراتيجيًّا رئيسًا في مجالات عدة، في ضوء السياق الإقليمي الذي تأتي فيه، ويأتي زيادة حجم الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين على قاعدة تعظيم المصالح المشتركة، ومواجهة التهديدات والتحديات المشتركة في المنطقة، كما أنها تمثل فرصة كبيرة لتعزيز أوجه التعاون في مواجهة حالة الاضطراب الإقليمي الراهنة.

1_ الهيئة العامة للاستعلامات

2_ المرصد المصري

3_ الأهرام

4_ الوطن

5_ مبتدا

6_ المرصد المصري

7_ الدستور

8_ الأهرام

9_ الشرق الأوسط

 10_ منتدى الشرق الأوسط للعلوم العسكرية

التعليقات مغلقة.