مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
التوترات الإقليمية في القرن الإفريقي.. التحركات المصرية وتأثيراتها على الوضع الإثيوبي
تتجه أنظار العالم نحو منطقة القرن الإفريقي، حيث تتزايد التوترات الإقليمية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الانتقادات التي وجهتها وزارة الخارجية الإثيوبية بشأن ما وصفته بـ “تواطؤ الصومال مع جهات أجنبية” في إشارة إلى مصر، حالة من عدم الاستقرار المتزايد، ويتزامن هذا مع إرسال مصر لقوات ومعدات عسكرية إلى الصومال، في إطار بروتوكول التعاون العسكري بين البلدين.
ويُظهر هذا الوضع تصاعد القلق الإثيوبي تجاه التحركات المصرية، مما يستدعي دراسة الأبعاد السياسية والأمنية لهذه التطورات وتأثيراتها على الوضع الإقليمي.
الوضع في الصومال.. بيئة ضاغطة:
يعاني الصومال من عدم الاستقرار المستمر منذ عقود نتيجة للصراعات الداخلية والنزاعات القبلية وظهور الجماعات الإرهابية، خصوصًا حركة الشباب.
وتشكل هذه الظروف بيئة ملائمة للتدخلات الإقليمية والدولية، حيث تسعى الدول إلى مكافحة الإرهاب ودعم الحكومة المركزية في مقديشو.
ويعتبر الاستقرار في الصومال أمرًا حيويًّا للأمن الإقليمي، حيث إن الفوضى هناك قد تؤدي إلى انتشار الإرهاب وتهديد الدول المجاورة.
تاريخيًّا كانت الصومال نقطة محورية للتنافس الإقليمي، إذ شهدت التدخلات العسكرية من قبل إثيوبيا وكينيا، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز نفوذه. وبالتالي فإن وجود قوات مصرية على الأرض قد يثير القلق بين هذه الدول(1).
مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال:
تأتي مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي كخطوة تثير الكثير من الجدل، حيث تمنح هذه الاتفاقية إثيوبيا حقوقًا تجارية وعسكرية في المنطقة، مما يُعتبر من قبل الحكومة الفيدرالية في مقديشو انتهاكًا لسيادتها.
يُظهر هذا التطور توترات متزايدة في العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، حيث تسعى كل دولة لتعزيز نفوذها في المنطقة، يعتبر المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي، أن مثل هذه الاتفاقيات قد تؤدي إلى تفاقم النزاعات القائمة وتعزيز المطالبات الانفصالية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار(2).
السياسة الخارجية المصرية في إفريقيا:
تعزيز الدور الإقليمي:
تسعى مصر منذ سنوات لتعزيز دورها في القارة الإفريقية، خاصةً في منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل، وتركز السياسة الخارجية المصرية على مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في الدول الضعيفة.
وتعد التحركات العسكرية المصرية في الصومال جزءًا من هذا التوجه، حيث تهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي والحد من نشاط الجماعات الإرهابية.
تسعى مصر أيضًا لتعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية من خلال تقديم المساعدات وتقديم الدعم الفني.
وهذا التوجه يعكس رغبة القاهرة في أن تكون لاعبًا رئيسيًّا في الساحة الإفريقية، وهو ما يُعتبر ضروريًّا في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها.
رد فعل على الاستفزازات الإثيوبية:
تزايدت الأنشطة الدبلوماسية والعسكرية المصرية بعد الاستفزازات الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة؛ حيث ترى مصر أن الإجراءات الإثيوبية قد تؤثر سلبًا على حصتها من المياه في النيل.
وبسبب القلق من التأثيرات السلبية، قررت مصر تعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة، بما في ذلك إرسال قوات إلى الصومال.
إن هذه التحركات المصرية لا تقتصر على الصومال فقط، بل تشمل أيضًا بناء تحالفات مع دول أخرى في المنطقة؛ مثل: السودان وجنوب السودان، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي(3).
التعاون الأمني المصري – الصومالي:
اتفاقات عسكرية ودعم لوجستي:
أبرمت مصر اتفاقات أمنية مع الحكومة الصومالية، تتضمن تقديم دعم لوجستي وتدريبي لقوات الأمن الصومالية.
هذه الخطوة تعكس التزام مصر بدعم استقرار الصومال ومكافحة الجماعات المسلحة.
ومن خلال هذه الاتفاقات، تهدف مصر إلى تقليل نفوذ الجماعات المتطرفة في المنطقة، وهو ما يُعتبر جزءًا من إستراتيجيتها الإقليمية الأوسع.
دوافع التحركات المصرية:
وتتعدد دوافع التحركات المصرية في الصومال، ومن أبرزها:
1. مكافحة الإرهاب: تسعى مصر إلى استخدام تجربتها في مكافحة الإرهاب لمساعدة الصومال على مواجهة التحديات الأمنية، مما يعكس التزامها بالأمن الإقليمي.
2. تعزيز الاستقرار الإقليمي: ترى مصر أن استقرار الصومال يؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي، خاصة في ظل المخاطر المرتبطة بالإرهاب والقرصنة.
3. مواجهة النفوذ الإثيوبي: تأتي التحركات المصرية في إطار التنافس الإقليمي مع إثيوبيا، حيث تسعى القاهرة لوقف ما تعتبره “تمددًا” إثيوبيًّا في المنطقة.
4. قطع الطريق على الإثيوبيين: تهدف مصر إلى تقليل نفوذ إثيوبيا في البحر الأحمر، مما يعكس مخاوفها من توسيع نطاق النفوذ الإثيوبي(4).
القلق الإثيوبي من التحركات المصرية:
الأسباب وراء القلق الإثيوبي:
يتصاعد القلق الإثيوبي بسبب التحركات العسكرية المصرية في الصومال نتيجة لعدة عوامل:
1. التوترات حول سد النهضة: يعتبر ملف سد النهضة من النقاط الرئيسية للتوتر بين البلدين، حيث ترى إثيوبيا أن التحركات المصرية تشكل محاولة لتطويقها سياسيًّا وزيادة الضغوط عليها.
2. الخوف من التحالفات الإقليمية: تخشى إثيوبيا من أن مصر تسعى لتشكيل تحالفات مع الدول المجاورة، مما قد يعزل إثيوبيا سياسيًّا ويقيد من نفوذها في المنطقة.
3. تهديد الأمن الداخلي: قد يؤدي تدخل مصر في الصومال إلى زعزعة استقرار المناطق الحدودية مع إثيوبيا، مما يمثل تهديدًا للأمن الداخلي ويزيد من التوترات بين الحكومتين(5).
ردود الفعل الإثيوبية:
تتضمن ردود الفعل الإثيوبية على التحركات المصرية عدة خطوات:
1. تصريحات رسمية: أصدرت الحكومة الإثيوبية بيانات تعبر عن قلقها من التحركات العسكرية المصرية، محذرة من العواقب السلبية على الاستقرار الإقليمي.
2. تعزيز الوجود العسكري: قامت إثيوبيا بتعزيز وجودها العسكري على الحدود مع الصومال كإجراء احترازي ضد أي تهديدات محتملة، مع اتخاذ تدابير لحماية الأمن الوطني.
3. تصعيد دبلوماسي: عيّنت إثيوبيا سفيرًا في إقليم أرض الصومال، مما يعكس رغبتها في تعزيز نفوذها في المنطقة والاستجابة للتحركات المصرية(6).
خيارات مواجهة التوترات:
الخيارات المتاحة لمصر:
يمكن لمصر أن تتبنى عددًا من الخيارات الإستراتيجية لمواجهة التوترات:
1. تعزيز التعاون الإقليمي: من خلال تعزيز العلاقات مع دول القرن الإفريقي عبر مبادرات دبلوماسية واقتصادية، يمكن لمصر أن تسهم في تحقيق الاستقرار وتعزيز التعاون المشترك.
2. اللجوء إلى المنظمات الدولية: قد تتوجه مصر إلى الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة للحصول على دعم دولي لتدخلها في الصومال، مما قد يعزز موقفها على الساحة الدولية(7).
الخيارات المتاحة لإثيوبيا:
يمكن لإثيوبيا أيضًا اتخاذ عدة خطوات إستراتيجية:
1. تعزيز الحوار الدبلوماسي: فتح قنوات حوار مع مصر لمعالجة المخاوف المشتركة يمكن أن يسهم في تقليل حدة التوترات.
2. التحرك في المنظمات الإقليمية: يمكن لإثيوبيا التوجه إلى الاتحاد الإفريقي لتقديم شكوى رسمية ضد التحركات المصرية، في محاولة للحصول على دعم إقليمي وتحقيق موقف أقوى.
تحليل شامل للتوترات الإقليمية:
الآثار الاقتصادية:
تتجاوز آثار التوترات بين مصر وإثيوبيا الصراع السياسي والعسكري لتشمل الجوانب الاقتصادية، فقد تؤثر الاضطرابات في الصومال على التجارة بين الدول، مما يزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة.
كما أن القلق من تدهور الأوضاع الأمنية قد يقلل من الاستثمارات الأجنبية والمحلية في القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز والتجارة.
الأمن الإقليمي:
تعتبر منطقة القرن الإفريقي نقطة إستراتيجية من الناحية الأمنية، حيث تتداخل فيها التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة والاتجار بالبشر، قد يؤدي تدخل الدول الكبرى في الشأن الصومالي إلى تصعيد الوضع الأمني، مما يستدعي من المجتمع الدولي العمل على معالجة هذه القضايا بشكل جماعي.
وقد تؤدي هذه التوترات إلى اشتباكات عسكرية بين الأطراف المعنية، مما يؤثر سلبًا على الأمن والاستقرار في المنطقة(8).
أبعاد زيارة الرئيس الصومالي لمصر:
تأتي زيارة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، لمصر بعد فشل الجولة الثانية من المفاوضات في تركيا كحدث يحمل دلالات استراتيجية عميقة، تعكس التوترات والتحولات الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي.
وتشهد هذه المنطقة تنافسًا حادًا بين قوى إقليمية ودولية متعددة، حيث تتصدر مصر وتركيا المشهد كأبرز الفاعلين، وتسعى تركيا لتعزيز نفوذها في الصومال عبر استراتيجيات طويلة الأمد، بينما تركز مصر على بناء علاقات قوية مع دول البحر الأحمر وخليج عدن، لحماية مصالحها الإستراتيجية.
دلالات الزيارة:
إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية:
تمثل زيارة الرئيس الصومالي إشارة إلى احتمالات إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في القرن الإفريقي، حيث تسعى الصومال لتحقيق توازن جديد في علاقاتها مع القوى الكبرى بما يتماشى مع مصالحها الوطنية؛ كما أن هذه الزيارة تعكس رغبة الصومال في الاستفادة من العلاقات المصرية لتعزيز استقرارها الداخلي ومواجهة التحديات الإقليمية.
مواجهة الأطماع الإثيوبية:
يتجلى التوتر في العلاقات بين الصومال وإثيوبيا بعد توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع حكومة إقليم أرض الصومال الانفصالية، وتتيح هذه المذكرة لإثيوبيا استخدام واجهة بحرية على الأراضي الصومالية وتطوير قاعدة بحرية، مما يهدد سيادة الصومال.
قوبل هذا الاتفاق برفض واسع من دول الجوار ومن قبل مصر، التي اعتبرت أن هذه الخطوة تمثل تهديدًا لوحدة الصومال وأمنه.
فشل المفاوضات في تركيا:
أطلقت تركيا مبادرة للوساطة بين الصومال وإثيوبيا، حيث عقدت جولتين من المفاوضات، انتهت الجولة الثانية بالفشل بسبب عدم توافق الجانبين حول الاتفاق السابق مع إقليم أرض الصومال.
ويشير هذا الفشل إلى وجود خلافات عميقة، وقد تكون زيارة الرئيس الصومالي إلى مصر بمثابة رد فعل على هذه التوترات، حيث تسعى الصومال لتقوية علاقاتها مع القاهرة في ظل التنافس مع تركيا.
التنافس الإقليمي:
يمثل القرن الإفريقي ساحة تنافس إقليمي ودولي حاد، حيث تسعى قوى مثل مصر وتركيا وإثيوبيا لتعزيز نفوذها.
وتعتبر مصر هذه المنطقة إستراتيجية، نظرًا لمصالحها المرتبطة بمياه النيل وسد النهضة، بينما تتبنى تركيا استراتيجيات تحالف مع الدول الصومالية.
هذا التنافس يعكس التحولات الجيوسياسية في المنطقة ويعزز من أهمية العلاقات الصومالية المصرية(9).
القضايا الأمنية:
التعاون الأمني والعسكري:
تعتبر القضايا الأمنية محورًا مهمًّا في العلاقات المصرية الصومالية، حيث تسعى الصومال للحصول على دعم أمني من مصر.
جاء التوقيع على بروتوكول الدفاع المشترك بين البلدين كخطوة إستراتيجية لتعزيز التعاون العسكري والأمني، مما يعكس إدراك مصر لأهمية الصومال كحليف إستراتيجي.
ويعكس هذا التعاون أيضًا رغبة مصر في مواجهة التهديدات المحتملة، خاصة في ظل تنامي النفوذ الإثيوبي.
تأثيرات زيارة الرئيس الصومالي:
قد تؤدي زيارة الرئيس الصومالي إلى تعزيز التعاون بين مصر والصومال في مجالات متعددة، بما في ذلك الأمن والدفاع.
هذا التعاون قد يُنظر إليه في إثيوبيا كتحجيم لدورها في المنطقة، ويعكس استعداد الصومال لتحدي الهيمنة الإثيوبية(10).
التوقعات المستقبلية:
من المتوقع أن تسفر زيارة الرئيس الصومالي إلى مصر عن تداعيات مهمة على العلاقات الصومالية الإثيوبية، حيث قد تعزز التعاون العسكري بين الصومال ومصر.
هذا التعاون قد يسهم في تعزيز موقف الصومال في المفاوضات مع إثيوبيا ويُعيد تشكيل التوازنات العسكرية في المنطقة.
مستقبل العلاقات المصرية – الإثيوبية:
يعتمد مستقبل العلاقات بين مصر وإثيوبيا بشكل كبير على كيفية إدارة هذه التوترات.
إذا استمرت التصعيدات، فقد تتجه المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار، بينما قد يؤدي الحوار والتعاون إلى تقليل النزاعات.
الحلول السلمية يجب أن تكون من أولويات الدولتين، حيث إن المصالح الاقتصادية والأمنية لكل منهما تعتمد على استقرار المنطقة(11).
الخلاصة:
تشكل التحركات المصرية في الصومال وتصاعد القلق الإثيوبي جزءًا من التوترات المتزايدة في منطقة القرن الإفريقي. وتعكس هذه التطورات تنافسًا إقليميًّا على النفوذ، مما يستدعي ضرورة التعامل معها بحذر.
ويجب على مصر وإثيوبيا العمل من خلال قنوات الدبلوماسية والتعاون الإقليمي لتجنب تداعيات سلبية على الأمن والاستقرار، فبوسع كلا البلدين من خلال الحوار والتفاهم، التوصل إلى حلول وسط تعزز من مصالحهما وتضمن استقرار المنطقة.
في النهاية: إن السلام والاستقرار في القرن الإفريقي يتطلبان جهودًا متواصلة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المجتمع الدولي، لضمان تحقيق التنمية المستدامة ورفع مستوى معيشة السكان.
أخيرًا: تبقى أزمة الغاز في المغرب اختبارًا حقيقيًّا للقيادة السياسية وقدرتها على مواجهة التحديات، ويتطلب الأمر رؤية إستراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والجيوبوليتيكية.
ومع تزايد التحديات العالمية في مجال الطاقة، يكون مستقبل المغرب في الطاقة بين يديه، ومن خلال استثمار الموارد بشكل ذكي وإستراتيجيات مدروسة.
تتسم زيارة الرئيس الصومالي لمصر بتعقيدات السياسة الإقليمية والدولية في القرن الإفريقي، حيث تحمل دلالات تتعلق بالتوازنات الإقليمية والعلاقات الثنائية.
ففي ظل المنافسة المتزايدة، يتضح أن هذه الزيارة ستكون لها تأثيرات ملموسة على مستقبل العلاقات في المنطقة، وقد تعيد تشكيل معالم الصراع والهيمنة في القرن الإفريقي.
المصادر:
2_ بي بي سي
3_ مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية
4_ مركز المستقبل للدراسات والأبحاث
6_ بي بي سي
7_ الشرق الأوسط
10_ مركز الصومال للأبحاث والدراسات
11_ مركز رع للدراسات
التعليقات مغلقة.