fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

سوق الذهب في مصر بين الاستغلال والرغبة في الاستثمار الآمن

153

سوق الذهب في مصر بين الاستغلال والرغبة في الاستثمار الآمن

يحظى سوق الذهب في مصر باهتمام كبير من المواطنين باختلاف شرائحهم؛ نظرًا لارتباطه بعادات وتقاليد موروثة في الخِطبة والزواج، والتهادي به في المناسبات الاجتماعية، حتى إنه صار الجائزة الأفضل في المسابقات الثقافية -الجنية الذهب- وهو ما يعطينا إشارة لأهمية الذهب بالنسبة للمواطن المصري.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي أصابت العالم أجمع، حدث اضطراب شديد في أسواق الذهب -عالميًّا ومحليًّا-، وسجلت أسعار الذهب مستويات تاريخية لم يصل لها من قبل، وهو ما دفع كثيرًا من المواطنين لدخول سوق استثمار الذهب، بل والمضاربة فيه، ولا شك أن آثار الأزمة الاقتصادية في مصر المتراكمة من بداية الإصلاح الاقتصادي مرورًا بجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وبالتوازي مع هذه الأزمات، انخفضت قيمة العملة الوطنية لتساوي 56% من قيمتها، فجعل هذا الذهب ملاذًا آمنًا للجميع حتى إن مَن يمتلك قيمة جنيه ذهبي أصبح يسارع ليحفظ نقوده في وعاء ادخاري يكسب ولا يخسر -كما هو الشائع بين المواطنين-، ومن أجل هذا نستعرض في هذا التقرير “سوق الذهب المصري”، وما يحيط به من فرص وتحديات.

إنتاج مصر من الذهب:

تنتج مصر نحو 15.8 طنًّا من الذهب سنويًّا وَفْق آخر إحصائيات مجلس الذهب العالمي، وتحتضن مصر نحو 270 موقع ذهب، بينها 120 موقعًا ومنجمًا تم استخراج الذهب منها قديمًا، وتتوزع إلى 4 قطاعات، وفي يوليو 2021، وقَّعت مصر 4 عقود جديدة للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها في 15 قطاعًا جديدًا بين الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، وشركتي: سنتامين Centamin الأسترالية وبي2 گولد B2 Gold الكندية العالميتين باستثمارات تتعدى 17 مليون دولار.

وفي فبراير 2021 حصلت شركة مملوكة لرجل أعمال مصري على 4 عقود للتنقيب عن الذهب في 9 قطاعات بالصحراء الشرقية، كما وقعت مصر 4 عقود مع شركة AKH gold بإجمالي استثمارات بنحو 4.1 مليون دولار للبحث عن الذهب في 9 قطاعات بالصحراء الشرقية.

وكثفت مصر خلال السنوات الأخيرة مزايدات البحث والتنقيب عن الذهب، وتستهدف استثمارات أجنبية مباشرة بـ 375 مليون دولار في قطاع التعدين خلال عامين، وسط توقعات بزيادة الاستثمارات المباشرة لتبلغ مليار دولار عام 2030، كذلك أعلنت عن إنشاء مدينة الذهب على مساحة 150 فدانًا مطلع 2021، وأيضًا كشفت عن بناء أول مصفاة معتمدة للذهب في منطقة مرسى علم، ضمن خطط وإصلاحات اقتصادية لرفع مساهمة قطاع التعدين في اقتصاد مصر؛ لا سيما أنها لا تتعدى نسبة 0.5% حاليًا(1).

احتياطي مصر من الذهب:

كشف تقرير لمجلس الذهب العالمي عن ارتفاع احتياطي البنك المركزي المصري من الذهب بنحو 700 كيلو جرام خلال فترة عام انتهت في نهاية مارس الماضي، ووصلت مساهمة الذهب في احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري إلى 125.7 طنًّا في نهاية مارس الماضي مقابل 125 طنًّا بنهاية مارس 2022، و أصبح الذهب يمثِّل بذلك 25% من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي المصري بنهاية مارس الماضي (البالغ وقتها 34.447 مليار دولار) مقابل 19% في نهاية مارس 2022.

ويأتي ذلك بعد أن كانت مصر أكبر مشترٍ للذهب، على مستوى البنوك المركزية، خلال الربع الأول من عام 2022، وهو ما تزامن وقتها مع اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا في فبراير الماضي، حيث زادت احتياطيات البنك المركزي من الذهب في نفس الشهر فبراير بحوالي 44 طنًّا بنسبة 54% عن حجم احتياطيه من الذهب في نهاية يناير 2022، وفقًا لبيانات سابقة للمجلس.

وكانت بيانات البنك المركزي المصري، كشفت مؤخرًا، عن أن قيمة الذهب في احتياطي النقد الأجنبي لمصر زادت بنحو 624 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة بما كانت عليه في نهاية ديسمبر، حيث سجلت في نهاية مارس 7 مليارات و950 مليون دولار (قبل أن تسجل أعلى مستوياتها وتتجاوز مستوى 8 مليارات دولار بنحو 31 مليون دولار في نهاية إبريل)، و زادت قيمة الذهب في الاحتياطي في نهاية مارس الماضي بذلك بنحو 143 مليون دولار فقط خلال عام مقارنة بما كان عليه في نهاية مارس 2022(2).

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تشتري مصر ذهبًا وترفع الاحتياطي؟

يرى عبد المنعم السيد، ومصطفى أبو زيد من مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية: أن البنوك المركزية تسعى لزيادة احتياطاتها من الذهب في أوقات الأزمات العالمية والتطورات الجيوسياسية، بهدف دعم عملاتها المحلية، من التقلبات التي تشهدها الأسواق بشكل عام، مشيرًا إلى أن مصر لجأت إلى زيادة الذهب ضمن احتياطاتها بغرض دعم العملة، فمساعي مصر تأتي بهدف التنوع والتحوط في مكونات الاحتياطي النقدي بمواجهة تذبذبات سعر صرف الدولار، إذ إن المعدن الأصفر مخزن للقيمة، ومن ثم التحوط به نهج معمول به من جميع البنوك المركزية في العالم، التي تقوم بعمليات شراء الذهب ضمن مكونات الاحتياطيات النقدية لديها، للتحوط على المدى الطويل إزاء أي متغيرات اقتصادية قد تحدث، مشيرين أن نمو احتياطي الذهب لدى مصر خطة تساهم، على المدى الطويل، في دعم الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي ودعم العملة الوطنية، وتسعى الدولة راهنًا إلى زيادة حجم الإنتاج المحلي من منجم السكري، فضلًا عن طرح مناقصات عالمية للتنقيب عن الذهب، وكذلك الاكتشافات الجديدة(3).

وعقَّب الدكتور ناجي فرج، مستشار وزير التموين لشؤون صناعة الذهب، على المسار الذي تتبعه مصر قائلًا: تعزيز نمو احتياطي مصر من الذهب توجه إستراتيجي من شأنه دعم العملة المحلية مقابل التقلبات الاقتصادية الراهنة؛ كذلك فإن نمو احتياطي الذهب حائط الصد للاقتصاد المصري الذي تسعى القيادة السياسية إلى التحوط به، مؤكدًا على أن البنك المركزي المصري لديه خطة لرفع الاحتياطي الإستراتيجي من الذهب ليتخطى حاجز 200 طن، في إطار مساعٍ لتوفير مشتقات أخرى بخلاف الدولار، وبينها الذهب(4).

أسباب ارتفاع أسعار الذهب محليًّا:

إن أسباب ارتفاع أسعار الذهب في مصر متداخلة، ولا عجب قولنا بأن بالسوق المصري من أشد الأسواق اضطرابًا خلال الفترة الماضية؛ وذلك نتيجة قلة المعروض وزيادة الطلب، وتحكم تجار الخام في الأسعار وتحرير سعر الصرف، مع الأخذ بالتحوط في العقود الآجلة للشراء وحركة السوق السوداء غير المنضبطة للدولار، وحتى نفهم كيف تُدار عملية الأسعار عالميًّا فإن الذهب يتم تسعيرة على البورصة بالأونصة وتزن 31.1جرام وتسعيرها يكون بالدولار، والطبيعي أن يكون التسعير مرتبطًا بسعر صرف الدولار في كل دولة، ولكن الحقيقة أننا في مصر نجد تسعيرة الذهب على سعر مضاعف للدولار في بعض الأوقات، فسعر جرام الذهب عيار 21 الأكثر شيوعًا في مصر يساوي 2350 جنيهًا وعالميًّا يساوي 50 دولارًا أي: 1556 جنيهًا، وهذا نتيجة المضاربة بالذهب للبيع السريع والشراء السريع، كذلك نتيجة تسعير الدولار على 47 جنيهًا للعقود الآجلة.

وسبب زيادة التسعيرة عن 47 جنيهًا للدولار هو: زيادة الطلب على الذهب، وقلة المعروض؛ مما يجعل التجار المستوردين للذهب الخام يطرحونه للعرض والطلب كسلعة متداولة دون ارتباط بسعر عالمي أو سعر صرف محلي، ونتج عن ذلك أن الدولار وصل لـ 85 جنيهًا بهذه الأسعار، فزيادة الطلب على الذهب هو سلوك غريب للمستهلك المصري؛ إذ إن المستوى الاجتماعي المنخفض للمستهلك لا يجعله يستهلك هذه الكميات الكبيرة من الذهب، ولكن لو راجعنا هذا السلوك سيتضح: أن المستهلك يفعل ذلك للمحافظة على رأس المال الذي معه بعد التعويم الذي خفض قيمة العملة 58٪، ولهذا السبب نجد إقبالًا تاريخيًّا على شراء السبائك والجنيهات الذهب، والذهب القديم؛ لأن الذهب وعاء ادخاري يحافظ على قيمته.

ورغم أن المحللين لا يحبون أسهم الذهب؛ لأن ربحها الوحيد يكون عند تحريك الأسعار؛ إلا أن المستهلك وصلته رسالة: أن الدولة ليس أمامها خيار إلا الاقتراض وتخفيض قيمة العملة وزيادة سعر الفائدة، وبالتالي تحويل السيولة المالية لذهب هي الضمانة لعدم خسارتهم أمام سياسة التعويم، والحقيقة أن هذا السلوك يضر بالاقتصاد أعظم الضرر؛ لأن الاتجاه للتجارة في الذهب يغلق أبواب كثير للاستثمار، ويُحدث ركودًا في دوران رأس المال، وكذلك من يمتلك مبالغ بسيطة لن يصبر على تخزين الذهب، وسيضطر لبيعه بالمضاربة، ويخسر أو تتأزم أموره المالية فيقترض أو يستدين، وينتج عن ذلك مشاكل اجتماعية وأسرية لا حصر لها.

استهلاك المصريين من الذهب:

أظهر تقرير مجلس الذهب العالمي: أن مشتريات المصريين من الذهب خلال الشهور الثلاثة الأخيرة بلغت 7 أطنان من الذهب، وتحديدًا خلال الربع الأول من العام الجاري، وحسب تقرير مجلس الذهب، فإن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه دفع البعض إلى الاستثمار في الذهب للحفاظ على مدخراته والتحوط من ارتفاع الأسعار، مشيرًا إلى أن النسبة الأكبر من عمليات البيع كانت للسبائك والجنيهات الذهبية، وصنف التقرير مصر في المرتبة الخامسة عالميًّا من حيث ارتفاع الطلب على السبائك والعملات الذهبية، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، بعد تركيا، والصين، واليابان، وإيران، وقفز سعر الذهب عيار 21 قيراطًا الأكثر شعبية في مصر 58% منذ بداية 2023، وبأكثر من 167% خلال 12 شهرًا، ليسجل 2600 جنيه للجرام الواحد، وفقًا لمتعاملين في السوق المحلية، في حين يقترب سعر الجنيه الذهبي من 21 ألف جنيه.

بينما كان متوسط استهلاك المصريين من الذهب يتراوح بين 23 و30 طنًّا سنويًّا، حسب بيانات رسمية لشعبة الذهب، التي صنفت العام 2021 بأنه الأكثر إقبالًا على شراء الذهب بصورة مختلفة، وخلال العام 2021 سجلت مشتريات المصريين 52.7 طن من الذهب بنسبة ارتفاع بلغت 55%، وتتضمن 33.6 من المشغولات، و19.2 طن من السبائك، وارتفع فيها نصيب الفرد من الذهب بنسبة 0.5%. (5)

بعد استعراض هذه المعلومات الرسمية عن الناتج المحلي والاحتياطي والاستهلاك من الذهب، يثور تساؤل حول ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني؛ فلماذا لا يساهم إنتاج الذهب في خفض الأسعار؟

الحقيقة: أن إنتاج مصر الكبير من الذهب -والمتوقع أن يتضاعف في السنوات المقبلة عن طريق مزيد من الاكتشافات- هو من الذهب الخام، وليس الذهب المصنوع؛ لذلك نستورد ذهبًا مشغولًا؛ بالإضافة إلى أن الدولة تتجه إلى زيادة الاحتياطي من الذهب في البنك المركزي لتأمين العملة ولتلافي الصدمات الاقتصادية أو على الأقل التقليل من آثارها، وهذه السياسة نتفق أو نختلف معها فهي ليست عاملًا من عوامل ارتفاع أسعار الذهب؛ لأن الذهب له سعر عالمي من المفترض عدم تجاوزه؛ إذًا فالإشكالية في التسعير تتلخَّص في نقاط واضحة كالتالي:

  • مرونة سعر صرف العملة.
  • التحوط من زيادة أسعار الدولار بطريقة عشوائية.
  • التحكم في واردات الذهب وسيطرة مجموعة من رجال الأعمال عليها.
  • سلوك المواطن في المضاربة بالذهب.
  • عدم توفير الدولة أوعية ادخارية مناسبة لحفظ الأموال كالذهب.
  • اتجاه البنك المركزي في رفع أسعار الفائدة، وما يترتب عليه من زيادة التضخم.

مميزات وعيوب الاستثمار في الذهب:

يتميَّز الاستثمار في الذهب أنه كونه واحدًا من الأصول المالية الأكثر رواجًا وطلبًا على مستوى العالم، ويتمثل ذلك في التالي:

  • يحظى الذهب بقدر أكبر من الاستقرار السعري مقارنة بمعدلات التقلبات الكبيرة في الأصول الأخرى.
  • يمكن الاعتماد على الذهب كوسيلة للتحوط في مواجهة التضخم في الدول.
  • سهولة وبساطة تحليل أسعار الذهب وتوقع اتجاهات أسعاره لارتباطه بسعر الدولار الأمريكي.
  • مثبت بشكل تاريخي أنه الأصل المالي الأكثر ثباتًا وصمودًا في أوقات الركود الاقتصادي.
  • تعدد آليات الاستثمار في الذهب التي تمت إتاحتها عن طريق الإنترنت.
  • إمكانية التعرف على أسعار الذهب، والاستفادة منها عن طريق الصناديق الاستثمارية.

ومع وضوح هذه الميزات، فإن هناك عددًا من العيوب تحيط بالاستثمار في الذهب يمكن تلخيصها في التالي:

  • التأثر بشكل مباشر وكبير بالأوضاع الجيوسياسية.
  • لا تنتج عن الاستثمار في الذهب، أي: تدفقات نقدية بشكل مباشر، مثل: العوائد أو توزيعات الأرباح.
  • يحتمل تراجع سعر الذهب عند أي زيادة في حجم الإنتاج في المناجم.
  • يتطلب تداول معدن الذهب إلى دراسة دائمة ومتابعة دقيقة للأحداث السياسية والأوضاع الاقتصادية في العالم بشكل عام(6).

ومع استعراض مميزات وعيوب الاستثمار في الذهب، فإن نصيحة الخبراء لمن يريد الاستثمار في الذهب من المواطنين أن يبتعد عن المضاربة والإضرار بالسوق وباقتصاد الدولة، ويحتفظ بأمواله في الذهب كادخار متوسط وطويل الأجل وذلك في فائض أمواله؛ لأن سلوك المواطنين في الآونة الأخيرة من بيع أملاكهم واستدانتهم والاقتراض من البنوك لأجل الاستثمار في الذهب والربح السريع له أعظم الضرر على الفرد والمجتمع، وكذلك فإن الاستثمار يكون في الذهب المستعمل أو السبائك والجنيهات الذهبية حتى لا يكون هناك مصنعية تُخصم عند البيع، وهذا هو الملاذ الآمن في استثمارات الذهب.

مضاربات وهمية على أسعار الذهب:

كشفت تفاصيل قضية تم ضبطها مؤخرًا عن ممارسة مافيا شركات السبائك بالسوق المحلي للمضاربة على الذهب من خلال التطبيقات أو الإبليكشينات داخل سوق الذهب، وأظهرت المعلومات تعرض مواطنين للنصب والاستيلاء على أموالهم ورفع قضايا ضد الشركة المتهمة.

أوراق التحقيقات كشفت عن مفاجأة من العيار الثقيل، منها: أن الشركة لم تحصل على ترخيص من هيئة الرقابة المالية للاحتفاظ بالأموال أو الذهب والتداول به على منصات الفوركس غير المصرَّح لها قانونيًّا بالسوق المصري، كما تتم عملية التداولات على أرصدة وهمية، وكذلك التخلف عن تسديد مستحقات العملاء عن مطالبتهم بذلك وفقًا للعقد المبرمة بين الطرفين، وهي سابقة لم تحدث من قبل.

وكشفت المعلومات أيضًا: أن هذه التطبيقات تعد تقنينًا لأوضاع أنشطة “مضاربات الهوا”، التي تمارس داخل الصاغة، وأدَّت إلى إفلاس كثير من المتعاملين بها، وهى مضاربات يتلاعب فيها مجموعة من التجار في آن واحد، على “رصيد وهمي” من الذهب – بمعنى أن الصفقات تعقد دون غطاء حقيقي للذهب؛ لذلك يطلقون عليها “الهوا”، ويدفع العميل تأمين على كل كيلو لمن يديرون هذه المضاربات داخل السوق، ويتم البيع والشراء على ارتفاع وانخفاض أسعار الذهب؛ هذه المضاربات عَرَّضت كثيرًا من التجار والمواطنين لخسائر كبيرة، وهي أشبه بلعبة القمار.

وفي أوراق التحقيقات ذكر الضحايا أنهم تعرضوا للنصب والاستيلاء على أموال من الشركة المتهمة، وأضافوا أن أحد الأسباب التي دفعتهم للدخول في الاستثمار في الذهب من خلال تطبيق شركة “بير إيه إكس – سوق الذهب”، هي أن أصحاب الشركة كانوا يروجون عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلانات المدفوعة أنهم أول تطبيق في مصر حاصل على التراخيص الرسمية اللازمة للتداول في الذهب وتوظيف مدخرات المواطنين بطريقة آمنة وبأرباح مضمونة 100 %عن طريق البنك المركزي المصري والبورصات العالمية.

وكشفت التحقيقات مفاجأة جديدة، وهي: أن الشركة استغلت جهل المواطنين في الترويج لذلك من خلال إنشاء شركة للتجارة في السبائك والجنيهات، وترديدهم بالحصول على تراخيص رسمية من وزارة الاستثمار والغرف التجارية، ومصلحة الدمغة والموازين، والتجارة الإلكترونية، ما يمنحهم الحق في التداول عبر الإبليشكين في سوق الذهب، وما هي إلا وسيلة لإخفاء نشاط المضاربات، وجمع وتوظيف الأموال بغير وجه حق، بطريقة مضاربات الفوركس، ولكن بالجنيه المصري، ثم يستدرجون الضحايا للاشتراك في حسابات بالدولار الأمريكي، ويقومون أثناء ذلك ببيع الدولارات لهم وشرائها منهم بفرق 10 قروش بين سعر البيع وسعر الشراء.

وقال الضحايا: إنهم كانوا يترددون على الشركة أو بعض المحلات التجارية لشراء الذهب بالطريقة التقليدية، لكنهم أقنعوهم بفرصة الاستثمار والتداول في الإبليكشين التابع للشركة والمرخص من دبي، لتحقيق مكاسب أكبر مضمونة، مع إمكانية استلام أموالهم أو الذهب في أي وقت، كما أنهم اكتشفوا أن التداول يتم على أرصدة وهمية من الذهب.

تحريات المباحث وأحكام محكمة الجمالية، بدورها أكدت على تلاعبهم في فتح وغلق صفقات تداول الذهب على التطبيق دون علم العملاء، ووقع ذلك كثيرًا مع العملاء خاصة مع إتمام صفقات رابحة، مدعين أن هناك مشكلة في السيستم أو من الشركة الرئيسية في دبي .

كما أضاف الضحايا: أن شركة سوق الذهب فتحت لمعظم العملاء تطبيق منصة التداول “ميتاتريدر 4” الدولية، لكن المفاجأة أن شركة “ميتا كوتس” الإنجليزية التي تمتلك صندوق الاستثمار ميتاتريد 4، قد أوقفت التعامل عليه منذ عام 2015؛ ما يعني أن هذه الشركة تخدع المتعاملين عليها؛ لأن التداول يتم عبر حسابات مزيفة وهمية وغير موصولة بأي بنك أو أي صناديق استثمار .

حلول حكومية للسيطرة على سوق الذهب:

اتخذت الحكومة المصرية عدة قرارات للسيطرة على سوق الذهب وكان من بينها، تعاقد البورصة المصرية مع شركة سبائك “سام” المصرية الإماراتية والمختصة بتنقية وتكرير الذهب، لتحديد أسعار الذهب بالأسواق المحلية، كما ستقوم الشركة بتسعير الذهب في بورصة السلع فور طرحه، مع العلم أن الأسعار المعلنة داخل البورصة ستكون الأسعار القابلة للتنفيذ داخل السوق المحلي، حتى يتحول سعر البورصة الي سعر استرشادي ويخلق سعرًا موازيًا بالأسواق المحلية.

قرار الحكومة المصرية الصادر في 11 مايو الماضي بإعفاء واردات الذهب من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى لمدة 6 أشهر بخلاف ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14%، ومنذ صدور القرار شهدت المنافذ الجمركية دخول أكثر من ١٩٤ كيلو جرامًا من الذهب بصحبة الركاب القادمين من الخارج في الفترة من ١١ مايو الماضي إلى ١١ يونيو الحالي، أي: خلال شهر واحد من تطبيق قرار رئيس الوزراء بالإعفاء من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى ما عدا القيمة المضافة، على نحو يعكس إقبال المقيمين بالخارج على الاستفادة من هذه التيسيرات الخاصة بالذهب الوارد بصحبتهم.

قال الشحات غتوري رئيس مصلحة الجمارك: إن قرار رئيس الوزراء بالإعفاء الجمركي للذهب الوارد بصحبة الركاب القادمين من الخارج، يُسهم في ضبط الأسواق، واستعادة الاستقرار والتوازن للأسعار؛ اتساقًا مع الأسعار العالمية، حيث يؤدى إلى زيادة الكميات المعروضة في مواجهة الطلب المتزايد خلال الفترة الأخيرة، كما يُسهم أيضًا في الحد من محاولات التهرب الجمركي بمختلف المنافذ الجمركية، مشيرًا أنه يجب على الركاب القادمين من الخارج الإفصاح عن المشغولات الذهبية التي بصحبتهم، للابتعاد عن دائرة التهرب الجمركي، والاستفادة من قرار رئيس الوزراء بالإعفاء من الضريبة الجمركية ورسوم الدمغ والتثمين الذى يمتد لستة أشهر اعتبارًا من ١١ مايو الماضي.

وأوضح أن قرار الإعفاء من الضريبة الجمركية ورسوم الدمغ والتثمين شمل واردات الذهب بأشكال نصف مشغولة، والذهب المُعد للتداول النقدي، والحُلي والمجوهرات وأجزائها من معادن ثمينة، وإن كانت مكسوة أو مُلبسة بقشرة من معادن ثمينة، لافتًا إلى أن هذه الإعفاءات لا تسري على أصناف اللؤلؤ الطبيعي، أو المزروع، أو الأحجار الكريمة، أو شبه الكريمة المركبة، أو المُرصعة على الحلي والمجوهرات وأجزائها، التي ترد بصحبة القادمين من الخارجين.

الخلاصة:

سوق الذهب في مصر يمر بمرحلة اضطراب شديدة نتيجة سياسات حكومية تأخرت كثيرًا حتى وصلت الأزمة إلى ما وصلت إليه من تسعيرات غير منضبطة للدولار، ووقوع المواطنين فريسة سهلة لمافيا النصب في الذهب، كذلك وجد المواطنون أنفسهم “مضاربين في الذهب” بدون مقدمات ولا سابق إنذار نتيجة للاضطراب الحادث في السوق وخوفهم الشديد على فقدان أموالهم مع ارتفاع أسعار الدولار.

رغم ذلك، فإن القرارات الرشيدة التي اتخذتها الحكومة مؤخرًا ساهمت في الحد من الأزمة وضبط الأسعار، وها نحن قد وصلنا إلى مرحلة متقاربة في الأسعار بين السوق العالمي والسوق المحلي، ولا يتبقى إلا تفعيل قرارات أكثر حكمة وعقلانية لتتساوى الأسعار على أقل تقدير، كما أن الحكومة عليها عبء كبير في الاستفادة من إقبال المواطنين على الاستثمار في فتح أبواب آمنة لهم لدخول أسواق الذهب بلا مخاطرة أو خطوات غير محسوبة العواقب.

المصادر:

  •  

التعليقات مغلقة.