fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري بين التحسن والتحديات

103

النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري بين التحسن والتحديات

يعتبر الاقتصاد المصري أحد أكبر اقتصاديات العالم العربي؛ إلا أنه ما زال يواجه العديد من التحديات والصعوبات في الوقت الحالي؛ ولذلك تعمل الحكومة المصرية بجد لتحسين الوضع الاقتصادي وتغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، ويأتي ذلك في ظل العديد من الإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها في السنوات الأخيرة، ومن خلال تنفيذ العديد من الإصلاحات والخطط، مثل: برنامج التنمية المستدامة 2030 الذي يهدف إلى زيادة الاستثمار، وتحسين الأوضاع المالية والاقتصادية، ومع ذلك فإن الحكومة المصرية قد قدَّمت خططًا وبرامج اقتصادية لتحسين الاقتصاد وتغيير النظرة المستقبلية له، ومن بين هذه الخطط تعزيز البنية التحتية وتحسين الأداء المالي والاقتصادي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية وتعزيز الإنتاجية، وتحسين بيئة الأعمال.

وفي السطور التالية، يستعرض مركز “رواق” تقييم المؤسسات الدولة المعنية للاقتصاد المصري، ونظرتهم المستقبلية له، مع سرد جانب من التوقعات المتعلقة بمعدلات النمو؛ فضلًا عن سرد بعض التحديات التي تواجهه، ثم نعرِّج بعدها على خطة الحكومية لتغيير النظرة المستقبلية الاقتصاد المصري.

تقييم الاقتصاد المصري:

أعلنت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” عن تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من “مستقرة” إلى “سلبية”، وذلك نتيجة تدهور وضع السيولة الخارجية للبلاد. ورغم أنها أبقت على التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى (+B)؛ إلا أنها حذرت من أنها قد تخفض التصنيف خلال الأشهر المقبلة في حال استمرار ضغوط التمويل الخارجي أو في حال عدم قدرة الحكومة على خفض العجز وتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ويعكس التخفيض “تدهور وضع السيولة الخارجية، وتراجع آفاق الوصول إلى سوق السندات، ما يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الجاري وآجال استحقاق الديون الخارجية”(1).

في الأشهر السابقة، قامت وكالات التصنيف الائتماني الأخرى، مثل: “موديرز”، و”ستاندرد أند بورز”، بتعديل نظرتها المستقبلية لمصر إلى “سلبية” أيضًا، وتعكس هذه التغييرات التحديات الاقتصادية التي يواجهها البلد، ومن بينها: ارتفاع الديون الخارجية والعجز في الميزانية؛ بالإضافة إلى الضغوط التمويلية الخارجية، ومع ذلك يتوقع الخبراء: أن يستمر النمو الاقتصادي القوي في مصر، بفضل المشروعات الكبرى التي تنفذها الحكومة، والتي تستهدف تحسين البنية التحتية وتشجيع الاستثمارات الخاصة والأجنبية، ومن المحتمل أن تحصل مصر على تمويلات إضافية من صندوق النقد الدولي ودول الخليج، ما يمكن أن يخفف من الضغوط التمويلية(2).

النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري:

قامت وكالة التصنيف الائتماني “موديز إنفستورز سيرفيس” بخفض تقييم إصدارات الحكومة المصرية طويلة الأجل بالعملتين: الأجنبية والمحلية من “B2” إلى”B3″، وقامت بتغيير النظرة المستقبلية من “سلبية” إلى “مستقرة”، كما خفضت تقييم الإصدارات بالعملة الأجنبية غير المضمونة إلى”B3″، وبرنامج إصدار السندات غير المضمونة متوسطة الأجل بالعملة الأجنبية إلى (P) “B3” (3).

ويعزى هذا الخفض في التصنيف الائتماني إلى قلة قدرة البلاد على تحمل الصدمات في ظل انحسار المساندة الخارجية، وتغيرات هيكلية في الاقتصاد تتمثَّل في اعتماد نموذج للنمو يقوده القطاع الخاص ويعتمد بشكل كبير على التصدير؛ إضافة إلى نظام مرن لأسعار الصرف، ومنذ إعلان “موديز” نظرتها السلبية في مايو 2022، شهدت الاحتياطيات السائلة من النقد الأجنبي تراجعًا، كما تدهورت معدلات تغطية السيولة الأجنبية في النظام النقدي؛ مما زاد من التعرض للمخاطر الخارجية في ظل التقلبات العالمية والهشاشة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي.

توقعات بالنمو:

ورغم ما سبق إلا أن هذا لم يكن كل ما يتعلق بالنظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، بل إن هناك توقعات إيجابية، توقَّعت أن يشهد الاقتصاد المصري نموًّا خلال الفترة المقبلة، فقد أفاد استطلاع لرويترز بأن الاقتصاد المصري من المتوقع أن ينمو بنسبة 4.0% خلال السنة المالية الحالية و4.5% خلال السنة المالية القادمة، رغم تحديات خفض قيمة العملة التي تواجهها البلاد، وبلغت متوسط التوقعات في الاستطلاع 4.0% في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو، و4.5% في السنة المالية 2023-2024، و5.0% في 2024-2025، وتتماشى هذه التوقعات التي تم الحصول عليها من 13 اقتصاديًّا خلال المدة من السادس وحتى 26 إبريل، مع توقعات الحكومة  المصرية التي أعلنت عنها للعام الحالي(4).

ووفقًا لتوقعات البنك الدولي، فإنه يتوقع ارتفاع معدل النمو الاقتصادي لمصر إلى 4.7% خلال العام المالي 2024-2025، بدعم من قطاع الخدمات وتحديدًا السياحة؛ بالإضافة إلى انتعاش قطاع الإنشاءات، ورغم تخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري؛ إلا أن البنك الدولي يتوقع أن يظل النمو أعلى من معدلات النمو لدول الجوار، وذلك بفضل زيادة التنافسية بعد انخفاض قيمة الجنيه المصري، وارتفاع قطاع الخدمات وتحديدًا السياحة، والنمو في قطاع الإنشاءات، وقناة السويس، وتتوافق هذه التوقعات مع خطة الحكومة المعلنة في خطاب النوايا المقدم إلى صندوق النقد الدولي في نوفمبر الماضي، التي تستهدف نموًّا بنسبة 4.0%، في حين أعلنت الرئاسة في مارس الماضي عن هدف للنمو يبلغ 5.0% في موازنة 2023-2024(5).

التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري:

تخفيض تصنيف الاقتصادي المصري وتغيير النظرة المستقبلية له، في نفس الوقت الذي تتواجد فيه توقعات بحدوث نمو في الاقتصادي المصري، يوضح أن مصر بحاجة ملحة إلى مزيد من الإصلاحات الاقتصادية، وبحاجة إلى تحسين النظرة المستقبلية لاقتصادها حتى يتماشى ذلك مع توقعات النمو التي تدور بالاقتصاد المصري.

وقبل ذلك يجب على الحكومة المصرية أن تدرك جيدًا حجم التحديات التي تواجه اقتصادها، ومن ثم العمل على مواجهة تلك التحديات، وفي هذه السطور تستعرض “رواق” بنظرة سريعة أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري ومنها:

  1.  التضخم: تعاني مصر من معدلات تضخم مرتفعة جدًّا، وتعتبر أعلى من معدلات التضخم في العالم العربي، حيث وصل المعدل السنوي للتضخم في مصر إلى 21.3% في يوليو 2021، وهو أعلى معدل منذ 8 سنوات، ويعود ذلك إلى عوامل عدة، من بينها ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمحروقات، وتراجع قيمة الجنيه المصري.
  2.    يعتبر الدَّين العام أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد المصري، حيث بلغ حجم الدين العام في مصر نحو 1092 مليار جنيه مصري (69.6 مليار دولار) في يونيو 2021، وهو ما يمثل 90٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
  3. البطالة: تعاني مصر من معدلات بطالة مرتفعة، حيث بلغ معدل البطالة الرسمي في الربع الأول من عام 2021 حوالي 7.4%، ويتوقع أن يرتفع المعدل بشكل أكبر في ظل تداعيات جائحة كوفيد – 19 على الاقتصاد.
  4. قطاع الأعمال: تعاني مصر من قطاع الأعمال الذي يعاني من صعوبات عديدة، بما في ذلك البيروقراطية وقلة الشفافية، وتراجع الثقة بين المستثمرين الأجانب.
  5.     التمويل الخارجي: يعد التمويل الخارجي من أهم المصادر التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري لتمويل مشاريع التنمية، وتعاني مصر من تحديات في جذب التمويل الخارجي، خاصة بعد انسحاب بعض المستثمرين الأجانب في أعقاب أحداث ثورة يناير 2011.
  6. انخفاض قيمة العملة: تأثر الاقتصاد المصري بشكل كبير بانخفاض قيمة العملة المحلية، حيث تراجعت قيمة الجنيه المصري بنسبة 13٪ مقابل الدولار الأمريكي خلال العام الماضي، وهو ما أثر سلبًا على القدرة التنافسية للاقتصاد المصري.
  7. تراجع الاستثمار الأجنبي: يعتبر الاستثمار الأجنبي أحد المحفزات الرئيسية للتنمية الاقتصادية في مصر؛ إلا أنه شهد تراجعًا حادًّا خلال الفترة الماضية، وذلك نتيجة للظروف السياسية والأمنية غير المستقرة وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي بسبب جائحة كورونا، وفي عام 2020، انخفضت صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر بنسبة 39٪ مقارنة بعام 2019، ووفقًا لبيانات بنك الدولة المصري، تراجعت قيمة الاستثمارات الأجنبية إلى 2.7 مليار دولار في الربع الأول من عام 2021 مقابل 3.5 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي(6) و(7).

خطة الحكومة لتحسين النظرة المستقبلية للاقتصاد:

تتعهد الحكومة المصرية ببذل المزيد من الجهود والإصلاحات خلال الفترة المقبلة بهدف الوصول إلى حالة من الاستقرار للاقتصاد المصري، على أن تعقب تلك الحالة مرحلة أخرى من النمو والتقدم؛ لذلك أعلنت الحكومة في تصريحات وبيانات رسمية أنها سوف تعمل على تحسين النظرة المستقبلية للاقتصاد، والعمل على كسب ثقة المؤسسات المالية الدولية، من أجل تجنب خفض تصنيفها الائتماني خلال المرحلة المقبلة، وتعديل النظرة السلبية للاقتصاد المصري إلى مستقرة.

ومن بين التحركات الحكومية لتحسين الاقتصاد المصري، هو ما أعلنه وزير المالية المصري، محمد معيط، عن خطة مالية ونقدية وهيكلية لمواجهة المخاوف التي دفعت مؤسسة “ستاندرد أند بورز” لتعديل النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سلبية، مؤكدًا: أن الحكومة المصرية ستتخذ إجراءات قوية لمواجهة الضغوط التضخمية الحالية، وتداعيات النزاع المسلح في أوروبا، وتداعياته الاقتصادية السلبية العالمية، وتعهد الوزير بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي، وأكَّد على أن مصر ماضية في تنفيذه، موضحًا: أن الحكومة ستواصل تطبيق إصلاحات هيكلية خاصة ببرنامج الطروحات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وستستكمل سياسات الضبط المالي، ومشيرًا إلى أن “ستاندرد أند بورز” تتوقع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي في المتوسط 4% سنويًّا، خلال الثلاثة أعوام المقبلة، مع التركيز على قطاعي البناء والتشييد والطاقة؛ بالإضافة إلى قطاعات أخرى مثل: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتجارة الجملة والتجزئة، والصناعات التحويلية، والزراعة، والصحة(8).

كما أكدت الحكومة المصرية: أنها الآن في مسار تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مدعوم من صندوق النقد الدولي، وسوف تقوم الحكومة بتنفيذ مجموعة من الإجراءات المالية والنقدية والهيكلية لمواجهة المخاوف المتعلقة بارتفاع الاحتياجات التمويلية الخارجية للاقتصاد المصري، وقد دفع هذا الارتفاع مؤسسة ستاندرد آند بورز إلى تعديل توقعاتها المستقبلية للاقتصاد المصري من مستقرة إلى سلبية، ويقدر هذا الارتفاع بنحو 17 مليار دولار خلال العام المالي الحالي و20 مليار دولار خلال العام المالي القادم 2023-2024(9).

الخلاصة:

  • إن الاقتصاد المصري يعاني حالة من عدم الاستقرار؛ الأمر الذي دفع مؤسسات مالية كبرى إلى تغيير نظرتها لمستقبل الاقتصاد المصري وتغير التصنيف الائتماني له من حالة مستقرة إلى سلبية؛ إلا أن هذا لم ينفِ أن هناك مؤسسات مالية أخرى توقعت بأن يشهد الاقتصاد المصري حالة من النمو على مدار السنوات القادمة.
  • الحكومة تعهدت ببذل المزيد من الجهود للارتقاء بالاقتصاد المصري، ويحسب لها أنها لم تتأخر في إصدار البيانات والردود الرسمية للرد على المؤسسات العالمية التي خفضت من تصنيف مصر الائتماني، وتوضيح موقف الحكومة وسعيها لطمأنة المؤسسات المختلفة المعنية بالاقتصاد المصري.
  • مع أنه يُحسب للحكومة أنها لم تتأخر في الرد على المؤسسات المالية التي خفضت التصنيف الائتماني لمصر، إلا أن الحكومة ملزمة ببذل المزيد من الجهود واتخاذ عدد من التحركات لتغيير وتحسين النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، لا أن تتوقف عند مجرد الرد والبيان.
  • هناك العديد من التحركات التي يجب على الحكومة اتخاذها لتغيير وتحسين النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري، نذكر منها ما يلي:
  • تبني برنامج للإصلاح الاقتصادي يستهدف تعزيز النمو الاقتصادي، وخفض التضخم والعجز في الميزانية، ويشمل إجراءات متنوعة وأنشطة اقتصادية مختلفة.
  • الحد من سياسة الاقتراض، والعمل على جدولة الدَّين العام بطريقة لا ترهق كاهل الميزانية المصرية.
  • تبني خطة لزيادة الإنتاج وفتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد المصري بهدف توفير العملة الخضراء؛ مما يخفف من الضغوط على الجنيه المصري.
  • 4-    تحسين بيئة الأعمال في مصر عن طريق تبسيط الإجراءات والتراخيص وتحسين البنية التحتية والخدمات اللوجستية.
  • 5-    دعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات الخاصة في مصر عن طريق إنشاء مناطق حرة، وتقديم الحوافز، وتحسين القوانين المتعلقة بالاستثمار.
  • 6-    تطوير البنية التحتية بهدف تحسين البنية التحتية في مصر من خلال تحديث الطرق والجسور، والموانئ والمطارات، والسكك الحديدية، والاتصالات.

مصادر يمكن الاستعانة بها:

  1. إندبندنت عربية، ما مصير التضخم والجنيه المصري بعد خفض النظرة المستقبلية للاقتصاد؟ نشر في الأربعاء 9 نوفمبر 2022.
  2. مصراوي، بعد تغير النظرة المستقبلية… كيف تتجنب مصر خفض تصنيفها الائتماني؟ الإثنين 30 مايو 2022.
  3. الشرق بلومبرج، “موديز” تخفض تقييم مصر الائتماني وتعدل النظرة المستقبلية من “سلبية” إلى “مستقرة”، نشر في 08 فبراير 2023.
  4. موقع البيان، استطلاع يتوقع نمو الاقتصاد المصري 4٪ ويكشف مستقبل الجنيه، نشر في 27 إبريل 2023.
  5. العربية، رغم خفض التوقعات… البنك الدولي: مصر ستقود النمو في الشرق الأوسط، نشر في 09 إبريل 2023.
  6. موقع الجزيرة نت، “تقرير: تحديات اقتصادية تواجه مصر خلال الفترة المقبلة”، 25 يوليو 2021.
  7. موقع بوابة الأهرام، “أحدث تقرير للبنك المركزي… 4 تحديات تواجه الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة”، 24 يوليو 2021.
  8. روسيا اليوم، مصر تعلِّق على تعديل “ستاندرد أند بورز” النظرة المستقبلية لاقتصادها، تاريخ النشر:22-4-2023.
  9. الشرق الأوسط، مصر لتطبيق حزمة إجراءات مالية ونقدية لخفض المخاوف الدولية بشأن ديونها، 23 إبريل 2023 م.

التعليقات مغلقة.