fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الموازنة العامة للدولة 2019/2020م والأسئلة المشروعة

259

فمع كل موازنة عامة للدولة تُثار عدة أسئلة؛ بعضها لم يجد حلًّا ولا إجابة على مرِّ عقودٍ طويلةٍ، وبعضها نتج عن دستور مصر 2014م.

ولكن جدير بنا قبل أن نعيد تكرار نفس التساؤلات علنا ننبِّه الحكومة لضرورة التفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول جذرية وإجابات إستراتيجية لهذه الأسئلة المزمنة.

لا بد لنا من التعريف السريع بالموازنة العامة وبعض تشريعاتها واستخداماتها كما يلي:

الموازنة العامة تعني (على أنها بيان تقديري تفصيلي معتمد يحتوي على الإيرادات العامة التي يتوقع أن تحصلها الدولة، والنفقات العامة التي يلزم إنفاقها خلال سنة مالية قادمة؛ فالموازنة تعتبر بمثابة البرنامج المالي للخطة عن سنة مالية مقبلة من أجل تحقيق أهداف محددة في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية)(1).

وهي بذلك عكس الحساب الختامي للدولة، والذي يعني: التعبير الحقيقي عن الإيرادات الفعلية والنفقات الفعلية للدولة عن السنة المنصرمة، وهو المسمى بالميزانية العامة أيضًا

والسنة المالية للدولة تبدأ في 1-7 وتنتهي في 30-6 من كل عام.

وقد ألزم الدستور في مادته: (124) الحكومة (السلطة التنفيذية) عرض الموازنة العامة على مجلس النواب، ولا تسري ولا تنفذ إلا بعد موافقته، وأعطاه الحق في تعديلها، فنص على:

“ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل مِن بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها، ويتم التصويت عليه بابًا بابًا… ويجوز للمجلس أن يعدل النفقات الواردة في مشروع الموازنة، عدا التي ترد تنفيذًا لالتزامٍ محددٍ على الدولة”.

وتشمل الموازنة على جانبين رئيسين: الجانب الأول يطلق عليه: “الاستخـــــــدامات“، والذي يشمل كافة أوجه الصرف التي تقوم بها الدولة خلال العام المالي، سواء كانت مصروفات جارية “أي استهلاكية” أو مصروفات رأسمالية “أي استثمارية”؛ بالإضافة إلى ما تنفقه الدولة على حيازة الأصول المالية، وما تسدده من أقساط القروض.

أما الجانب الثاني للموازنة العامة للدولة: فيسمي بجانب “الموارد” والذي يشتمل على كافة المصادر التي تحصل من خلالها الدولة على الأموال اللازمة لتمويل أوجه نشاطها ومصروفاتها المختلفة، ويشمل هذا الجانب على كافة الضرائب والرسوم والمنح من الجهات المختلفة والإيرادات الأخرى التي تحققها الدولة نتيجة للنشاط الذي تقوم به؛ بالإضافة الي المبالغ التي تحصلها من مبيعات الأصول التي تملكها (لأسباب مختلفة) والاقتراض، وكل جانب من الجانبين يتكون من عدة أبواب”(2).

وتصدر الموازنة العامة للدولة وفق التصنيف الاقتصادي، مما يعني تقسيم مصروفات الحكومة ومواردها وفقًا لنوع الانفاق أو الإيراد والهدف منه، ويتفرع عنه في جانب الاستخدامات التقسيم الوظيفي، والذي يعني تصنيف النفقات وظيفيًّا أو قطاعيًّا وفق أهداف الحكومة الاجتماعية والاقتصادية.

ولقد بدأت الحكومة في 2016م وضع خطط إستراتيجية للتنمية المستدامة بدأتها بخطة طويلة الأمد، وهو ما يُعرف برؤية مصر 2030 -ومتوسطة الأجل في موازنة 2018- وحتى 2021م.

كانت المرحلة الأولى منها في موازنة العام المنصرم 2018 / 2019، والجزء الثاني في الموازنة الحالية 2019 / 2020.

وقد أقر البرلمان (مجلس النواب) الموازنة التقديرية العامة للدولة بالجلسة المنعقدة يوم الاثنين 24 / 6 / 2019 – مع مجموعة من توصياته تحت قانون رقم: (79)(3).

وقد قدرت حجم مصروفاتها 1.978.937.243 (تريليون وتسعمائة وثماني وسبعون مليار وتسعمائة وسبعة وثلاثون ومائتان وثلاث وأربعون ألف جنيه).

وقدرت إيراداتها بـ: 1.157.981.147.000 (تريليون ومائة وسبعة وخمسون مليار وتسعمائة وواحد وثمانون مليون ومائة وسبغة وأربعون ألف جنيه).

وهذه الملاحظة الهامة للموازنة الأضخم في تاريخ مصر، فكما أنها أضخم في نفقاتها وإيراداتها فهي أضخم أيضًا في كابوسها المزمن مِن ناحيتين:

  • الأولى: بعجزها الضخم، بما يُقدر حوالي 830 مليار جنيه (الفرق ما بين الاستخدامات والإيرادات).

وتقديرات الموازنة تستهدف تخفيض العجز المستهدف إلى الناتج المحلي الإجمالي 7.2%، مقارنة بعجز سابق بلغ 8.4% في العام المالي المنصرم. 

 والسؤال الأول هو: كيف سيتم هذا التخفيض في ظل هذا العجز الضخم؟

إذ إن كابوس سد هذا العجز، والذي ليس له سبيل عند الحكومة سوى أن تمد الحكومة يدها للاقتراض والاستدانة، وهذه كارثة بحق؛ لأنها لا تعني سوي تسخير غالب الناتج المحلي لسداد الدين.

مما يعني زيادة الأعبــاء على مصر التي في الأساس قدرت سدادها للديون وفوائدها في هذه الموازنة حوالي 944.700.899.000 (تسعمائة وأربع وأربعون مليار وسبعمائة مليون وثمانمائة وتسعة وتسعون ألف جنيه) من إيرادات موازنة العام الحالي (3- الباب الثالث والثامن من الموازنة العامة المنشورة في العدد المذكور من الجريدة الرسمية).

هذا العبء هو العائق الأول للتنمية الحقيقية في مصر، وعدم القدرة على توجيه مواردها للاستثمار والإنتاج.

  • الثانية: مع أن الموازنة التي تم إقرارها تستهدف:

تقليص حجم الدين العام إلى 89% من إجمالي الناتج المحلي، تمهيدًا لاستكمال الخفض إلى 80% في العام المالي 2021/ 2022م.

والسؤال الثاني الذي لا إجابة عليه أيضًا: كيف سيتم تحقيق هذا التخفيض في ظل العجز المذكور؟

خاصة في ظل عدم التفكير خارج الصندوق، واستمرار الحلول التقليدية التي انتهجتها الحكومات السابقة، وهي الاستدانة أو مد يدها في جيوب المواطنين وتحمليهم سد العجز بمزيدٍ مِن الضرائب أو خفض الدعم -مما يزيد من الأعباء على كاهل المواطن الفقير، بل والطبقة الوسطي في مجملها- دون التفكير في الاتجاه للاستثمار والإنتاج الحقيقي.

ويتأكد لنا السؤال في ظل صدور تقرير البنك الدولي الأخير والذي ذكر أن: ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 106.2 مليار دولار بنهاية مارس الماضي مقابل 96.6 مليار دولار بنهاية 2018، بزيادة 9.6 مليار دولار خلال 3 شهور وخلال الاثنين عشر شهرًا المنتهية في مارس 2019 ارتفع الدين الخارجي لمصر 20.4% – فضلًا عن الدين الداخلي الذي تجاوز 4 تريليون جنيه.

والسؤال الثالث عن دستورية موازنة التعليم والصحة في الموازنة الحالية؟

حيث قُدرت موازنتي التعليم والصحة في العام الحالي بـ 326.8 مليار جنيه، مقابل 257.7 مليار جنيه في ميزانية العام الماضي، حيث بلغت اعتمادات قطاع الصحة للسنة المالية 2019/ 2020، نحو 124.9 مليار جنيه، كما بلغت حوالي 134.8 مليار جنيه لقطاع التعليم قبل الجامعي، و67 مليار جنيه لصالح التعليم العالي.

ولا شك أن هذا تقدم هائل في توفير وتقدير موازنة التعليم والصحة، ولكن مع ذلك هي تقديرات مخالفة للدستور!

وقد نص على وجوب إنفاق 10 % للتعليم والصحة من الناتج القومي، والذي يتوقع أن يصل إلى حجم الناتج المحلى الإجمالي المصري 6.458 تريليون جنيه خلال العام المالي القادم 2019 – 2020م(4).

وفي تقرير البنك الدولي الأخير ذكر(5): أن مخصصات الرعاية الصحية والتعليم انخفضت في الموازنة بالقيمة الحقيقية؛ إذ تراجع الإنفاق على التعليم من 3.6% من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي في 2016 إلى 2.5% في 2018م، ومقرر له 2.2% في الموازنة الجديدة.

والسؤال الرابع: ما هو المدي الزمني المحدد الذي سيشعر فيه المواطن بجني ثمار التقشف الذي تفرضه عليه الحكومة؟

وخاصة أنها في هذه الموازنة تغنت كثيرًا برعاية الفقراء والبسطاء ومحدودي الدخل في حين أنها خفضت دعم المزارعين ليصل لـ 565 مليون جنيه فقط بمشروع الموازنة بعد أن كان 1.065 مليار جنيه بموازنة العام المالي المنصرم، بتخفيض بلغ 563.9 مليار جنيه بنسبة 47%، وهذه مِن غرائب الموازنات على مرِّ العصور.

إذ إنه لم يُتصور أن تتجه الدولة لرفع يدها عن الفلاح المصري بهذا الخفض الفج، والفلاح هو قاعدة هذا المجتمع!

تجميد دعم تنمية الصعيد عند 0.2، تجميد دعم الإنتاج الصناعي عند الصفر، وخفضت دعم المواد البترولية من 89 إلى 53، ودعم الكهرباء من 16 إلى 4 مليارات.

والحُجة الخادعة للحكومة في ذلك: أن الدعم يلتهم الإيرادات مما يمنع التقدم في الاستثمار والتنمية، والصحيح أن الملتهم الأكبر للإيرادات هي الدين وخدمته المقيتة (أقساطه وفوائده)، والسبب المباشر في ذلك السياسات الخاطئة منذ عقود والمستمرة حتى الآن.

ــــــــــــــــــــــــ

(1) ttps://ar.wikipedia.org/wiki/ الموازنة العامة للدولة في مصر.

(2) دليل الموازنة العامة – إصدار بيت الحكمة للدراسات الإستراتيجية.

(3) الجريدة الرسمية عدد: 25 مكرر في 26 / 6 / 2019م.

(4)  https://akhbarelyom.com/news/newdetails/2831030//

(5) تقرير البنك الدولي تحت عنوان: “مرصد الاقتصاد المصري يوليو/ تموز 2019 تحت عنوان: التعليم والصحة لم يستفيدا مِن ثمار الإصلاح… والحماية الاجتماعية السبب – البنك الدولي في تقرير أطلقه يوم الثلاثاء تحت اسم: “مرصد الاقتصاد المصري يوليو/ تموز 2019م.

التعليقات مغلقة.