fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الآثار السلبية لحرب غزة على الاقتصاد المصري

99

الآثار السلبية لحرب غزة على الاقتصاد المصري

لا يزال العدوان الصهيوني على غزة يفتك بالعديد من المقدرات الإسلامية والعربية، ومما لا شك فيه أن المسلمين يتألمون بتألم إخوانهم في كل قطر من هذه الكرة الأرضية، ولا سيما إن كان هذا الألم مقره الأقصى الجريح، ولا يستطيع أن ينكر أحد مدى أهمية الأقصى وفلسطين في نفوس المسلمين على العموم؛ إلا أن الكيان الصهيوني يحاول انتزاعه من قلوب الملايين من الأمة الإسلامية، ويعده ضمن التراثيات الهامشية في حياتنا! إلا أن إخواننا في فلسطين كانت لهم كلمتهم الخاصة، وهي رفض هذه المزاعم الصهيونية والتخطيط اليهودي، فكانت عملية طوفان الأقصى خير دليل أن الحرب بيننا وبينهم عقدية من الطراز الأول؛ مما ترتب على ذلك قصف المستشفيات ودور العبادة، وقتل وتشريد لما وصفوه بالحيوانات؛ إلا أن فلسطين ستظل دائمًا وأبدًا في رباط إلى أن يشاء الله.

كانت هذه المقدمة ضرورية ومهمة، للتثبيت والتأكيد على وحدة الأمة الإسلامية من جهة، وإعلان لما نحن نقف عليه من أن قضيتنا مع الفلسطينيين واحدة ولا تتجزأ، وبالتالي حينما نخوض في تفاصيل هذا التقرير بالتأثر المصري جراء الحرب على المستوى الاقتصادي فهذا موضوع التقرير، ولكن التأثر على كل الأصعدة وعلى الصعيد الديني خاصة؛ إلا أن المقام يسرد لنا التفاصيل الاقتصادية.

ومن المعترف به: أن مصر تعاني اقتصاديًّا من قبل الحرب الصهيونية على غزة، وهذا التأثر كان له عدة عوامل لعل أهمها: سياسة القروض التي دائمًا كان يحذر منها الخبراء والمحللون، وبعض أعضاء مجلس النواب، وعلى رأسهم: الكتلة البرلمانية لحزب النور، وعلى الرغم من ذلك فإن مصر كانت تحاول التماشي مع الوضع القائم والظروف الصعبة، ولكن هذه الحرب الصهيونية زادت من المعاناة الاقتصادية، وظهر ذلك خلال تعليق الخبراء والمحللين، ولكن قبل الحديث عن التأثر المصري لا بد أن نتابع التأثر العالمي، وهذا ما نشرته صحيفة “The New York Times” الأميركية.

الاقتصاد العالمي:

ذكرت التايمز الأميركية: أن تحول الحرب الموجودة على أرض فلسطين المحتلة، إلى صراع إقليمي أمر وارد ولا يمكن تهميشه، وهذا الأمر يلقي بظلاله على آفاق الاقتصاد العالمي، ويهدد بإضعاف النمو الاقتصادي، وإعادة إشعال أسعار الطاقة والغذاء.

ولعله من الحاضر على طاولة الإقتصاد العالمي سلسلة الصدمات الاقتصادية والتي استمرث على مدار الثلاث سنوات الأخير، وجائحة كورونا والحرب الأوكرانية، هذه الكوارث الاقتصادية تعصف بالاقتصاد العالمي لا محالة، مما أدَّى إلى موجة من التضخم العالمي والتي طالت جميع بلدان العالم، وعلى رأسهم أكبر قوة اقتصادية في العالم، وهي الصين، وبالتالي العالم أمام قنبلة اقتصادية موقوتة(1).

وعلَّق جريجوري داكو، كبير الاقتصاديين في مؤسسة EY Parthenon، متخوفًا من السيناريو الأسود والأسوأ عالميًّا، وهو في حالة اتساع نطاق الحرب الفلسطينية؛ مما قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارًا للبرميل، من حوالي 85 دولارًا حاليًا.

وحذر كبير الاقتصاديين في مؤسسة  EY Parthenon، من أن العواقب الاقتصادية العالمية لهذا السيناريو وخيمة، مستشهدًا بالركود المعتدل وانخفاض أسعار الأسهم وخسارة الاقتصاد العالمي بقيمة 2 تريليون دولار(2).

هذا وقد صرحت كريستالينا جورجييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، أمام منتدى للاستثمارفي السعودية، بأن الحرب بين إسرائيل وحماس تؤثر بشكل سلبي على اقتصادات الدول المجاورة في المنطقة، إذا نظرت إلى الدول المجاورة، فإن التأثيرواضح بالفعل(3).

هذه التصريحات للمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي تزامنت مع تحذير قادة في قطاع المصارف الدولي من أن الحرب بين إسرائيل وحركة حماس قد توجه ضربة قوية للاقتصاد العالمي: “ما نراه هو المزيد من التوتر في عالم يعاني من القلق، ولدينا دول تعتمد على السياحة، وعدم اليقين أمر قاتل لتدفق السياح، وسيشعرالمستثمرون بالتردد من الذهاب إلى ذلك المكان، تكلفة التأمين، في حال نقل بضائع، سترتفع مخاطر وجود المزيد من اللاجئين في البلدان التي تستضيف أساسًا الكثير”(4).

هذه الشواهد التي ذكرت هي دليل واضح وصريح على حجم التخوف الكبير لدى المحللين من الاقتصاد العالمي، وارتفاع معدل التضخم، وانهيار بعض الأنظمة الاقتصادية، والمتسبب في هذا كله هو الغشم الصهيوني والإرهاب اليهودي بقيادة أميركية وغربية، وهي أبعد ما تكون عن العدالة والنزاهة، وبالتالي لا بد على دول العالم تحميل هذه الخسائر العالمية والتدهور الاقتصادي لأمريكا وإسرائيل، ولكن بمقولة العرب: قد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا.

الاقتصاد المصري:

إن الاقتصاد المصري يعاني من الكثير من العثرات والمخاطر، وكما ذكرنا آنفًا أن الوضع في مصر يعاني من قبل الحرب على غزة، ولا يخفى على أحدٍ أن مصر تربطها حدود كبيرة مع الأراضي الفلسطينية الإسلامية، وكذلك تربطها حدود مع ما يسمى بدولة الكيان المحتل والمغتصب لأرض فلسطين، وهذه الحدود مشتركة في محافظة سيناء، والتي بها العديد من الدخل السياحي لمصر ودخول العملة الصعبة للبلاد، وهذا الجزء تأثر بالحرب؛ مما سبب تراجع العائد الدولاري المصري.

أعلن مجلس الوزراء أن حرب غزة لها آثار سلبية على الاقتصاد المصري، وبصفة خاصة أسعار السلع، وقطاعي: السياحة والبترول؛ جاء ذلك خلال اجتماع ترأسه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للمجلس التنسيقي للسياسات النقدية والمالية، بحضور حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي، والدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، وأحمد كجوك، نائب وزير المالية للسياسات المالية، ورامي أبو النجا، نائب محافظ البنك المركزي، ومحمد الإتربي، عضو المجلس من ذوي الخبرة، والدكتور حسين عيسى، عضو المجلس من ذوي الخبرة.

وقال المستشار سامح الخِشن، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء: إن هذه الأحداث أثرت سلبًا على معظم الاقتصادات العالمية، وظهر ذلك جليًّا في ارتفاع أسعار السلع؛ لا سيما المنتجات البترولية(5).

السياحة في مصر:

دونت وكالة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني العالمي، دراسة توضح فيها التأثر السياحي في المنطقة بالحرب الموجودة بين الكيان المحتل وبين أصحاب الأرض الفلسطينية، وذكرت هذه الدراسة بأنه من المرجح أن تتسبب الحرب بين اليهود وحماس في غزة، بتقليص عدد السياح القادمين لمصر، خاصة مع تزايد توترات المنطقة، واحتمالية امتداد الصراع لمناطق أخرى كجنوب لبنان وسوريا.

وقد جاء ذلك في حين أن الحكومةالمصرية تستهدف زيادة الإيرادات من السياحة إلى نحو 17 مليار دولار، خلال العام المالي الجاري، مقابل 13.6 مليار دولار حققتها خلال العام المالي الماضي 2022-2023(6).

توقف إمدادات الغاز:

يعتبر الغاز من الجوانب الرئيسية التي ستعاني في الفترة المقبلة بسبب الحرب الفلسطينية؛ وذلك لأن مصر تعتمد في استهلاكها للغاز الطبيعي على الورادات القادمة مما يسمى بدولة الكيان المحتل الصهيوني، وأيضًا إعادة تصدير ما يمكن تصديره مع تحقيق أرباح من ذلك.‏

وقد علق الصهاينة الإنتاج في حقل غاز (تمار) في التاسع من أكتوبر، ‏مما أدى إلى انخفاض الغاز المرسل إلى مصر في بعض الأوقات إلى الصفر، على ‏الرغم من استئناف تدفق كميات صغيرة منه، وقد ذكرت مصادر مطلعة وتعمل في هذا المجال إلى انخفاض إمدادات الغاز لبعض ‏الصناعات كثيفة الاستخدام للغاز مثل الأسمدة، وذلك بحسب المصدر الذي تم النقل عنه.

وقال سياماك أديبي، المستشار الرئيسي ورئيس فريق غاز الشرق الأوسط لدى ‏شركة (إف.جي.إي): إن مصر كانت تستورد 860 مليون قدم مكعب يوميًّا، أو نحو ‏‏15%، من إمداداتها من إسرائيل قبل اندلاع الحرب.‏

وتضاءلت الآن آمال مصر في زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى ‏أوروبا بعد أن قطعتها بالكامل في الفترة من مايو أيار إلى سبتمبر أيلول، فيما ‏طبقت نظامًا لمناوبة قطع الكهرباء مكانيًّا وزمانيًّا في الداخل.‏

وقال أولوميد أجايي، كبير محللي الغاز الطبيعي المسال لدى (إل.إس.إي.جي): إن ‏مصر استوردت شحنة من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يؤكد الخلل الحالي في ‏توازن الغاز في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا”(7).

واردات النفط:

مما لا جدال فيه وليس محلًّا للشطط: أن الحرب تسببت في ارتفاع أسعار النفط الذي تستورده مصر لتلبية احتياجاتها من الوقود، لكن الزيادة في الأسعار لم تصل بعد السعر المتوسط المقدر في موازنة العام المالي الجاري عند 90 دولارًا للبرميل.

وكان الخامان القياسيان قد ارتفعا أكثر من 3.50 دولار يوم الاثنين؛ إذ أثارت الحرب العسكرية مخاوف من أن الصراع قد يمتد إلى ما هو أبعد من قطاع غزة(8).

التجارة مع أميركا والكيان الصهيوني:

هذا الجزء مرتبط بالبيانات التي صدرت من وزارة الاقتصاد الصهيونية، فإن الجانبين المصري واليهودي كانا يستهدفان أن يصل حجم التجارة السنوية (باستثناء صادرات السياحة والغاز الطبيعي) إلى نحو 700 مليون دولار بحلول عام 2025، ارتفاعًا من نحو 300 مليون دولار في عام 2021.

وسجلت صادرات مصر عبر اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة “QIZ” التي أبرمتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل 1.5 مليار دولار وَفْق بيانات غرفة التجارة الأميركية في مصر.

وتم إقرار بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) من قبل الكونغرس الأميركي في عام 1996 لبناء العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وجيرانها.

ومنذ أن دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في فبراير 2005، سمحت للمنتجات المصنعة بشكل مشترك من قبل مصر وإسرائيل بدخول الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية.

ويجب أن تحتوي المنتجات المؤهلة على 35% على الأقل من قيمتها المضافة من قبل مصانع المناطق الصناعية المؤهلة، ويجب أن تساهم مصر بما لا يقل عن ثلث هذه القيمة المضافة 12%، في حين يجب أن تساهم إسرائيل بنسبة 11%.

وبينما عقدت الحكومة المصرية محادثات طوال عام 2017 لخفض متطلبات المدخلات الإسرائيلية إلى 8% وتوسيع نطاق البرنامج ليشمل شركات التكنولوجيا، ظل البروتوكول دون تغيير منذ بدايته.

يتم تصنيع المنتجات بموجب البروتوكول وتصديرها من أكثر من 20 منطقة صناعية مؤهلة في مصر تقع في القاهرة الكبرى والإسكندرية، ومنطقة قناة السويس، ووسط الدلتا، وبني سويف والمنيا.

وطلبت وحدة المناطق الصناعية المؤهلة بوزارة الصناعة المصرية من الشركات التابعة لبروتوكول “الكويز” ملء استمارات المراجعة الدورية للربع الثالث من عام 2023 والتي بدأت اعتبارًا من 1 إلى 15 أكتوبر 2023.

ولم يفصح أي من الجانبين المصري أو الصهيوني عن تأثير للحرب على حركة الصادرات والواردات بينهما، وإن كانت ستتضرر بالطبع في ظل الظروف القائمة(9).

ومع ذكر هذا الجانب الثقيل في التقرير؛ لأنه يحتوي على تعامل مباشر مع دولة الكيان المغتصب لحقوق إخواننا لا بد من التنويه على أن هذه الخسارة يا مرحبًا بها، ويا مرحبًا بقطع جميع العلاقات مع هذه الشرذمة الصهيونية؛ إلا أن ذكرها قد جاء وفق الخسائر المصرية التي تضررت؛ لأن هذه الخسائر عبارة عن عائدات دولارية وعملات صعبة تنعش الصندوق المالي المصري، وتوقفه خسارة كبيرة لهذا الصندوق في ظل احتياج كبير له، وبالتالي الأضرار كبيرة، والأزمة صعبة تخيم على الاقتصاد المصري.

ومع سرد هذه الخسائر والتي باتت واضحة أنها ستلقي بظلالها على المواطن المصري؛ إلا أن أكبر الخسائر الحقيقية هي أرواح أبنائنا وأمهاتنا وأخواتنا وشبابنا الفلسطينيين، ونحن لا نملك لهم إلا الدعاء في ظل هذه الظروف الصعبة، وكذلك نأمل من القيادة المصرية تفادي كل هذه الخسائر وتحويلها إلى مكاسب، وذلك عن طريق الآتي:

1- الاهتمام بالسياحة العلاجية في مصر، وتطوير هذا القطاع المهم والكبير.

2- إدخال أنواع وأغراض سياحية تنقذ هذا القطاع، ولكن هناك مجالات سياحية من الممكن أن تعوِّض هذا القطاع عن الخسائر الكبيرة والموجودة فيه.

3- كذلك من الممكن أن تعمل مصر على إقامة شركات إسالة للغاز والخامات البترولية المستخرجة لإنتاج ما يكفي؛ لأن الشركات الحالية لا تكفي، وليس لديها القدرة على تعويض مصر عن الخارج، وهذه بداية قوية وجيدة للاعتماد على النفس.

4- استغلال ما يمكن استغلاله من خبرات وقدرات شباب مصر في البترول، وتحويل الخسائر إلى مكاسب، ودعم الصناعات التحويلية البترولية.

5- التجارة هي عمود الاقتصاد، وبالتالي لا يمكن الوقوف على ما يسمى بدولة الكيان المحتل، ولا بد للقيادة المصرية من فتح الأسواق العالمية بطريقة ترويجية للمنتجات المصرية.

6- لا بد من تشجيع الصناعات المحلية في ظل المقاطعات والهجوم على المنتجات الداعمة للكيان الصهيونية، وكذلك لا بد من العمل على إحلال منتجات مصرية قادرة على المنافسة.

7- العمل على تعويض الأسواق العربية بالمنتجات المصرية عوضًا عن المنتجات الإسرائيلية والصهيونية، والداعمين لها، وليس هناك وقت أنسب من الوقت الراهن.

8- الاهتمام بالصناعات المحلية وجودتها، والتأكيد على قدرتها لغزو الأسواق العالمية.

9- الدخول إلى أسواق الأسمدة والمبيدات الزراعية العالمية؛ وذلك لأن الكيان الصهيوني كان مميزًا في هذا الجانب، وبالتالي مع تعثره وتوقفه عن العالم لا بد لمصر أن تتصدر المشهد العالمي في هذه الصناعة.

وفي النهاية، نرجو من الله أن ينصر إخواننا في غزة ويتقبَّل شهداءهم.

الكويتية:

1_ سكاي نيوز

2_ القاهرة الإخبارية

3_ العربية

4_ الجريدة الكويتية

5_ الشروق

6_ الإندبندت

7_ سي ان بي سي العربيه

8_ تنسيقية شباب الأحزاب

9_ العربية

التعليقات مغلقة.