fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تفاقم الليرة التركية وسط تدهور الوضع الاقتصادي بعد تغيير رابع محافظ للبنك المركزي في غضون عامين

157

تفاقم الليرة التركية وسط تدهور الوضع الاقتصادي بعد تغيير رابع محافظ للبنك المركزي في غضون عامين

خلفية عامة:

شهد الاقتصاد التركي تراجعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، زادت حدته على إثر جائحة كورونا، فقد واصل معدل التضخم ارتفاعه إلى نحو 15.6% في فبراير 2021، كما واصلت الليرة التركية تراجعها أمام الدولار مسجلة أكثر من 8 ليرات مقابل الدولار في إبريل 2021، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًّا ضعيفًا في 2020 بنسبة 1.8%، وبلغ معدل البطالة 13.2%، بحسب معهد الإحصاء التركي.

المصدر: https://www.xe.com/currencycharts/?from=USD&to=TRY&view=2Y

كما أثرت العلاقات المتوترة لأنقرة مع دول المنطقة سلبًا على الاقتصاد التركي، حيث تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول المنطقة في 2020 إلى 51.6 مليار دولار مقارنة بـ63.8 مليار دولار في 2012، بحسب معهد الإحصاء التركي، وتم تدشين “الحملة الشعبية لمقاطعة تركيا” في السعودية في سبتمبر 2020، ردًّا على عداء أنقرة للمملكة، وقد أدَّى ذلك لانخفاض قياسي في الواردات السعودية من تركيا في ديسمبر 2020، حيث بلغت 50.6 مليون ريال سعودي مقارنة بـ1.06 مليار ريال في ديسمبر 2019، بحسب الهيئة العامة للإحصاء السعودية.

وقد تسببت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في تقليل إمكانية تمويل مساهمات تركيا في مختلف صراعات المنطقة؛ بالإضافة إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في الداخل وتنامي الأصوات المعارضة لسياسة الحكومة الخارجية التي كبدت البلاد خسائر كثيرة، دفعت رجال الأعمال الأتراك إلى تحميل الحكومة التركية مسؤولية عدم قدرتهم على تصدير منتجاتهم للسوق السعودية([1]).

كما تسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية أيضًا في إقالة محافظ البنك المركزي ناجي إقبال من منصبه، وتعيين الاقتصادي والسياسي صهاب كافجي أوغلو بدلًا منه، وذلك بعد أن رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرئيس إلى 19 بالمائة في 19/3/2021، في محاولة لمواجهة التضخم الذي ارتفع بنسبة 15,6 بالمائة على أساس سنوي في فبراير؛ إلا أن أردوغان يرفض أسعار الفائدة المرتفعة، ويصفها بأنها: “أم وأب كل الشرور”، وأنها تتسبب في ارتفاع مؤشر التضخم السنوي، والذي يرغب في تخفيضه إلى أقلِّ مِن 10% بحلول نهاية العام المقبل، وإلى 5% بحلول الانتخابات المقبلة المقرّر إجراؤها في 2023.

ويُعدّ كافجي أوغلو رابع محافظ للبنك المركزي منذ يوليو 2019، وهو خبير اقتصادي ونائب سابق عن الحزب الحاكم، ويوافق أردوغان في عدم استحبابه لسياسة الفوائد المرتفعة التي تتسبب في زيادة التضخّم([2]).

وقد دفع تعيين أوغلو، المستثمرين للتنبؤ بخفض سريع للفائدة وهبوط الليرة مباشرةً.([3])

وبعد تغييرمحافظ البنك المركزي للمرة الثالثة في أقل من عام، فإن بنك غولدمان ساكس الأميركي، توقع أن تتعرض الليرة التركية لسلسلة من التراجعات بالتزامن مع كل خفض فعلي لأسعار الفائدة يعلن عنه محافظ البنك المركزي الجديد.([4])

وعلى خلفية تلك الأحداث؛ دعت الكتلة النيابية لحزب المعارضة الرئيس “الشعب الجمهوري” البرلمان، لإجراء تحقيقاتٍ حول أسباب وتداعيات تلك الإقالات المتكررة؛ وبخاصة ما حدث من شبهة فساد وتسريب تلك المعلمات قبل حدوثها لبعض الجهات التي استخدمت معرفتها بهذه الإقالة قبل حصولها لتحقيق أرباح من خلال جمع كميات كبيرة من الدولارات.

وجديرٌ بالذكر: أن تركيا تعاني من مشكلة فسادٍ عميقة، بحسب منظمة الشفافية العالمية، فهي احتلت المرتبة 86 من أصل 130 دولة”([5]).

وقد تبيَّن أنه جرَّاء الانهيار الحاد للعملة التركية (الدولار = 8.166 ليرة، بل وصل إلى 8.72 مقابل الدولار)؛ أدَّى ذلك إلى الفشل الاقتصادي للبلاد، واعتبرت المعارضة: أن السبب يكمن في تركيز السلطة في يد رئيس الدولة، وأن المشاكل تتعلق بسياسات أردوغان وضغوطه على البنوك المركزية لتخفيض أسعار الفائدة، الأمر الذي قاد اقتصاد البلاد إلى تضخم مهول على مدى السنوات الثلاثة الماضية، كما أنه وبسبب تلك السياسة؛ تخلص العديد من المستثمرين الأجانب من الأصول التركية؛ حيث باعوا ما قيمته 29.2 مليون دولار في صناديق السندات المقومة بالليرة التركية في الأسبوع المنتهي في 24 مارس الماضي، وكذلك باعوا ما قيمته 26.2 مليون دولار في صناديق الأسهم التي تستثمر في تركيا، مسجلين صافي مبيعات للأسبوع السادس على التوالي؛ مما قد يدفع إلى انتهاج تركيا سياسات اقتصادية غير تقليدية، مثل: فرض قيود على رؤوس الأموال لحماية عملتها.

وتنبأت وكالة التصنيف الائتماني موديز بأن تؤثر تلك القرارات سلبًا على تدفقات رأس المال إلى تركيا وتجدد الضغوط على سعر الصرف، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم.([6])

أسباب انخفاض الليرة([7]):

وبنظرة أكثر عمقًا لأسباب انهيار الليرة التركية، فإنه يمكن إيجازها فيما يلي:

·يُرجِع معظم المعلقين والمحللين الأتراك والأجانب أسباب الإقالات المتتالية لمحافظي البنك المركزي خلال الفترة الأخيرة -على الرغم من تباين الأسباب في كل مرة- إلى أن الرئيس أردوغان يرى عكس كل قواعد الاقتصاد المعروفة أن رفع سعر الفائدة يزيد التضخم، مع أنه في العالم أجمع تستخدم البنوك المركزية أداة سعر الفائدة لكبح جماح التضخم في الاقتصاد، فترفع الفائدة حين يزيد معدل التضخم كي ينخفض، وتلجأ البنوك المركزية إلى تخفيف السياسة النقدية، أي: خفض سعر الفائدة، حين يكون معدل التضخم منخفضًا([8]).

·تعتبر السياسة الخارجية التركية في سوريا، وليبيا، ومع حزب العمال الكردستاني ومع مصر وغيرها؛ بالإضافة إلى السياسة الداخلية والتضييق على المعارضين السياسيين فيما يخص الحريات المدنية والممارسات السياسية، واشتداد القبضة الأمنية، عنصرًا مهمًّا مؤثرًا على قيمة الليرة.

·تزايد عجز الميزان التجاري؛ مما يقود إلى تراجع العملة التركية أمام العملات الأخرى، والذي كان سببه ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة التي تتحملها الحكومة، وكل ذلك يؤدي إلى زيادة الضغط على القدرة التنافسية التركية. 

·أدَّت خسائر الليرة التركية إلى تراجع ثقة وكالات التصنيف الائتماني بالاقتصاد التركي، نتيجة لانخفاض ثقة المستثمرين، وتصاعد حالة عدم اليقين تجاه الاقتصاد التركي. حيث يجب أن توفر تركيا ما يعادل حوالي 200 مليار دولار سنويًّا لتمويل عجز الحساب الجاري الواسع والدائن المستحق، وهو أمرٌ في غاية الصعوبة؛ في ظل توافر احتياطيات إجمالية من العملات الأجنبية نحو 85 مليار دولار فقط.

· قيام المدخرين بتحويل مدخراتهم بالعملة المحلية إلى الدولار الأمريكي وعملات أجنبية أخرى خوفًا من انخفاض قيمتها وقدرتها الشرائية؛ باعتبار تلك العملات الأجنبية ملاذًا آمنًا بالنسبة لهم.

·امتدادًا للنقطة السابقة؛ فقد أدَّت خسائر الليرة التركية أمام العملات الأجنبية إلى تراجع قوتها الشرائية، وبالتالي: ارتفاع معدل التضخم الذي يُعد من أكبر المخاطر التي تواجه الاقتصاد التركي.

·تتسبب الاخفاقات المتتالية لليرة التركية في ارتفاع قيمة القروض والديون (بالعملات الأجنبية)، فالقطاع الخاص لديه قروض بالعملة الأجنبية قدرها 295 مليار دولار، فيما تبلغ قيمة الديون المترتبة على البنوك التركية 600 مليار دولار طبقًا لبنك التسويات الدولية BIS في سويسرا، ومن المتوقع -حسب شركة الأبحاث المستقلة Autonomous Research – ارتفاع نسبة الديون المعدومة في البنوك التركية.

مسارات الخروج من الوضع الحالي:([9])

·اللجوء إلى الحصول على تمويل من بعض الشركاء مثل: روسيا، والصين بجانب فرنسا وألمانيا لدعم الاقتصاد التركي في المدى القصير، وذلك لحين انتهاء التوترات مع شريكها الإستراتيجي الذي تحقق معه مكاسب أكبر؛ الولايات المتحدة الأمريكية.

·تطبيق نموذج اقتصادي جديد يهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام (3 -4 % سنويًّا)، مع تخفيض معدلات التضخم إلى خانة الآحاد، وخفض العجز التجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4%، والحد من العجز في الميزانية ليكون في حدود 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

ختامًا: فإنه يمكن القول بأن عودة الأداء الإيجابي لليرة التركية يتوقف على مجموعة من العوامل، مثل: تخفيض عجز الميزان التجاري، والاستفادة من انخفاض الدولار الأمريكي في بعض الأوقات؛ بالإضافة إلى استعادة تركيا مصداقية سياستها الاقتصادية دوليًّا، وذلك بجانب تطبيق آليات قصيرة وطويلة الأمد لتحقيقها، من خلال ضمان حرية المؤسسات الاقتصادية، وكذلك توسيع نطاق المشاركة في صنع القرار الاقتصادي، والانفتاح على الشركاء الأجانب، وتعزيز قدرات القطاعات الإنتاجية الموجهة للتصدير والقطاع التكنولوجية أيضًا، فضلًا عن توافر نظام سياسي يدعم الحريات العامة وحقوق الإنسان، وبما يعزز من تحسين علاقاتها مع شركائها الرئيسيين، ومِن ثَمَّ دعم استقرار الاقتصاد الكلي.



التعليقات مغلقة.