fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

إفلاس لبنان ماذا يعني؟ ولماذا الآن؟

166

إفلاس لبنان ماذا يعني؟ ولماذا الآن؟

كشفت تصريحات سعادة الشامي، نائب رئيس الحكومة اللبنانية بإعلان إفلاس لبنان، عن عمق الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها البلاد، برغم صدور تصريحات أخرى تنفي كلام “الشامي”، وإفلاس الدولة يعني فشل الحكومة في سداد مدفوعات أقساط الدين والفائدة عند استحقاقها، وقد يكون الفشل في سداد الديون المستحقة للدائنين مصحوبًا بإعلان رسمي من الحكومة بأنها لن تسدد الديون المستحقة، أو قد يحدث أحيانًا بدون أي إعلان رسمي.

وقد خلّفت هذه التصريحات هزة كبيرة في الرأي العام اللبناني، وتوالت التصريحات الرسمية لمسئولين لبنانيين تعليقًا على هذا التصريح، فمن جانبه عقّب رياض سلامة –حاكم مصرف لبنان المركزي- قائلًا: «ما يتم تداوله بشأن إفلاس البنك المركزي غير صحيح».

وأضاف: إن البنك لا يزال يقوم بواجباته المنصوص عليها في المادة 70 من قانون المال والائتمان، من حيث الحفاظ على سلامة العملة اللبنانية والاستقرار الاقتصادي للبلاد، بينما أكّد رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، بأنه يعتقد أن نائبه كان يتحدث عن «السيولة وليس الملاءة».

إن التصريحات المتضاربة تشي بتعقد أكبر لأزمة الديون اللبنانية، ليس فقط في القدرة على السداد، ولكن أيضًا في كفاءة إدارة الدين والتنسيق بين الحكومة والبنك المركزي، من أجل الوصول إلى خطة سداد ممكنة وبأقل فاتورة خسائر.

ماذا يعني إفلاس لبنان؟

قال الدكتور محمد الماوي الخبير الاقتصادي في مجال البورصة: إن إعلان البنك المركزي اللبناني إفلاسه يعني أنه أصبح لا يملك مقدرة مالية على سداد أموال وديون العملاء؛ سواء كانت ودائع أو فوائد أو استثمارات، وغيرها.

وأضاف «الماوي» في تصريحات خاصة لـ«الوطن»: إن إعلان المركزي اللبناني ذلك جاء بسبب إخفاقات كثيرة في إدارة القطاعين المالي والبنكي في لبنان، حيث كان هناك تخبطًا كبيرًا في إدارة القطاع المصرفي، جعل هناك نفورًا كبيرًا من الاستثمار داخل الدولة.

وأشار إلى أن المستثمرين الأجانب رأوا أن هناك تخبطًا وعدم استقرار في القطاع المصرفي اللبناني، وهو ما تسبب في قلة الاستثمارات الأجنبية في لبنان، وكذلك انخفاض كبير في العملة الأجنبية التي تمثِّل عمودًا أساسيًّا في اقتصاديات الدول(1).

وقف سداد أقساط الديون:

في حقيقة الأمر: إن إفلاس لبنان أعلن سابقًا في مارس 2020 عندما قررت الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب التخلف لأول مرة عن سداد أقساط الدين الخارجي.

ومِن ثَمَّ بدأ لبنان في إجراءات جدولة الدين العام مستفيدًا من مشورة صندوق النقد الدولي، ولكن هذه المشورة اصطدمت سابقًا بتعدد متخذي القرار الاقتصادي في لبنان، حيث تتخذ الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء جزءًا من القرار الاقتصادي ومخصصات الموازنة، بينما يتخذ حاكم مصرف لبنان القرارات المالية الخاصة بالقطاع المصرفي، وأيضًا الخاصة بتوفير الدولار وتحديد سعره لدفع الأموال اللازمة لاستيراد المواد الأساسية من غذاء ووقود ودواء.

ونظرًا لأن ذلك يعني تعددية للأصوات في التفاوض مع الصندوق، فقد سبق أن جمَّد هذا الأخير مشورته إلى لبنان في يوليو 2020 لغياب القرار الاقتصادي الموحد، ولكن مع تشكيل الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي في سبتمبر الماضي، روعي أن يتم تشكيل وفد تفاوضي متجانس كي يتمكن من التفاوض مع صندوق النقد بشكل يضمن جدية التزام لبنان ويسيطر على فوضى القرار الاقتصادي في البلاد، وهو الوفد الذي يتولى حاليًا التباحث مع صندوق النقد حول أهم القوانين التي يجب أن تعلنها الحكومة ويوافق عليها مجلس النواب خلال شهرين قبل أن تنتهي ولايته استعدادًا لعقد انتخابات نيابية جديدة.

مفاوضات لبنان مع صندوق النقد اصطدمت سابقًا بتضارب المصالح الذي يعبر عنها كل طرف يمسك بالقرار الاقتصادي والمالي في لبنان، فمن المعروف أن الدين اللبناني يموله مجموعة من الدائنين الدوليين؛ بالإضافة إلى البنوك التجارية اللبنانية ممثلة بجمعية المصارف التي أقرضت الدولة من أموال المودعين طوال عقود.

وقد تسببت هذه السياسة الخاطئة التي تغاضت عن تنويع أوعية استثمار القطاع المصرفي وعمدت إلى التوسع في إقراض الدولة في الأزمة المصرفية الحالية، فعندما عجزت الدولة عن دفع أقساط الدين اهتز النظام المصرفي وعجز بدوره عن الاستجابة لطلبات المودعين بسحب أموالهم من البنوك؛ ولذا من المفترض أن يتم تقييم الخسائر ثم توزيع هذه الخسائر بين الدائنين الدوليين والبنوك التجارية والمودعين والدولة ممثلة في المصرف المركزي.

ويعد توزيع الخسائر هو جوهر المفاوضات التي يجريها لبنان مع صندوق النقد الدولي؛ إذ يسعى الأخير إلى تمرير خطة تقوم بتوزيع عادل للخسائر، بينما تسعى الحكومة -حسب تقارير عديدة- إلى تحميل المودعين أكبر الخسائر الناجمة عن تعثر النظام المصرفي؛ ولذا عندما سُئل الشامي يوم الأحد الماضي عن حصص توزيع الخسائر بين الدائنين قال: إن “الدولة والمصرف المركزي أفلسا وليس بمقدورهما تحمل حصة كبيرة من الخسائر”، قاصدًا بذلك تبرير التوجه الحكومي بتقليص ما تتحمله الدولة من خسائر وتحميلها للمودعين بدلًا من ذلك(2).

مأساة تاريخية في لبنان:

الاقتصاد اللبناني يعاني تضخمًا مفرطًا مع انخفاض العملة بعد أن تخلفت الحكومة عن سداد ديون دولية تزيد على 30 مليار دولار، وبلغت خسائر النظام المالي للبلاد 69 مليار دولار.

وانهارت الاحتياطيات الدولية للبلاد بأكثر من الثلث في عام إلى أقل من 12 مليار دولار في الوقت الذي تواجه فيه صدمة تضخم أخرى من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.

بدأ لبنان محادثات الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي بعد التخلف عن سداد ديونه وصاغ خطة لإعادة هيكلة رصيد ديونه بالكامل الذي يزيد على 90 مليار دولار، وهو ما كان سيقضي إلى حدٍّ كبيرٍ على رؤوس أموال البنوك في البلاد.

تضخم مفرط وهبوط عملة:

إن الاقتصاد اللبناني يعاني من تضخم مفرط، وهذا التضخم يسير بالتوازي مع انخفاض العملة، وذلك مع عجز الحكومة عن سداد يونها التي وصلت إلى ما يزيد عن 30 مليار دولار، وبلغت خسائر النظام المالي للبلاد 69 مليار دولار، وانهارت الاحتياطيات الدولية للبلاد بأكثر من الثلث في عام إلى أقل من 12 مليار دولار في الوقت الذي تواجه فيه صدمة تضخم أخرى من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.

بدأ لبنان محادثات الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي بعد التخلف عن سداد ديونه وصاغ خطة لإعادة هيكلة رصيد ديونه بالكامل الذي يزيد على 90 مليار دولار، وهو ما كان سيقضي إلى حدٍّ كبيرٍ على رؤوس أموال البنوك في البلاد.

توقفت المحادثات في السابق بعد ما شن المقرضون المحليون والبنك المركزي، أكبر حاملي الديون في البلاد، حملة من أجل نهج مختلف لتقييم الخسائر وتوزيعها.

يحتاج لبنان لمساعدة الصندوق لدعم مهمة للحكومة التي تسمح لعملتها بالانهيار بعد تضاؤل ​​التدفقات الدولارية في عام 2019، كان النظام المصرفي في أزمة منذ ذلك الحين، مع فرض ضوابط فعلية على رأس المال لكن دون أي دعم رسمي.

ويقول كبير الاقتصاديين في بنك “عودة” مروان بركات: “بدون اتفاق، لبنان مهدد بتدهور اقتصادي أكثر حدة هذا العام، وقد يشهد المزيد من الانخفاض في قيمة العملة بعد أن خسرت بالفعل 90% من قيمتها. ستكون الفوضى على كل الجبهات”(3).

دوافع الأزمة اللبنانية:

إن العجز عن سداد المديونيات يرجع –بالأساس- لأسباب تمويلية ومالية، ناتجة عن السياسة النقدية داخل الاقتصاد، مثل: سياسات سعر الصرف وسعر الفائدة والسيولة المحلية وغيرها، لكن الأكثر تأثيرًا وأهميةً هي الأسباب الهيكلية المتعلقة بالاقتصاد الحقيقي وكيفية إدارته.

وبمعنى أدق، فإن الاختلالات الهيكلية داخل الاقتصاد الحقيقي هي التي أنتجت الاختلالات المالية والنقدية، والتي بدورها قادت إلى العجز عن السداد.

1- الاختلالات الهيكلية:

إن بناء هيكل الاقتصاد اللبناني يجعله تابعًا وضعيفًا، وغير قادر على مواجهة الأزمات؛ إذ لا يعتمد الاقتصاد اللبناني في حصوله على النقد الأجنبي على مصادر إنتاج حقيقية، كالصادرات الزراعية أو الصناعية أو الاستثمار الأجنبي بنوعيه المباشر وغير المباشر، لكنه يعتمد على مصادر لا تصمد أمام الصدمات وغير مستقلة، وهي الخدمات، لا سيما عائدات السياحة وتحويلات اللبنانيين من الخارج وأموال المنح والقروض، وكلها مصادر لا ترتبط بالإنتاج الوطني.

علاوةً على ذلك، فإن الاقتصاد اللبناني هو ضحية للإدارة الفاسدة التي يمتد فسادها لعقود، والقائمة على الطائفية وتزاوج المصالح؛ إذ يتورط مسئولون حكوميون كبار وعدد من قادة الطوائف والأحزاب في ممارسة أعمال فساد وتحقيق أرباح طائلة من وراء نفوذهم، دون الخضوع لرقابة ومحاكمة فاعلة من الجهات المنوطة بذلك.

2- الأسباب المالية والنقدية:

تتصل الأسباب المالية والنقدية بسياسات مصرف لبنان وكيفية تعامله مع الاختلالات الهيكلية وسوء إدارة الحكومات اللبنانية المتعاقبة لاقتصاد البلاد؛ إذ كان جزءًا أصيلًا من تفاقم الأزمة ومتواطئًا مع الحكومات.

وفيما يلي نتناول أهم هذه الأسباب:

مخطط بونزي:

بهدف رفع حجم النقد الأجنبي؛ لجأ مصرف لبنان إلى اعتماد سياسة أسعار الفائدة المرتفعة لجذب أموال المودعين عمومًا، وعلى الإيداعات الدولارية خصوصًا، حتى تجاوزت الـ 15%.

وفي المقابل: فإن آلية البنوك الأساسية في الوفاء بشروط الفائدة المرتفعة والتزاماتهم تجاه المودعين هي سداد أموال المودعين الأوائل بأموال المودعين الجدد؛ وعليه فإنه عند انخفاض حجم الإيداعات الجديدة فإن البنوك سوف تجد نفسها متعثرة وغير قادرة على سداد حقوق المودعين. وذلك فيما يعرف بـ «المخطط البونزي».

على الجانب الآخر: أدَّت أسعار الفائدة المرتفعة إلى ارتفاع كلفة تمويل الاستثمارات الجديدة، وبالتالي تراجعت الاستثمارات الوطنية في القطاعات الحيوية والخالقة للوظائف مثل الصناعة والزراعة والطاقة، بينما نمت الاستثمارات في القطاع العقاري تحديدًا، قاد ذلك إلى فقاعة عقارية على حساب دعم القطاعات الإنتاجية.

وفي المحصلة؛ فإن اعتماد مخطط بونزي نتج عنه تعثر البنوك في سداد مستحقات المودعين، بالتزامن مع ضعف الأرباح وتراجع الاستثمارات في القطاعات القائدة للنمو الاقتصادي.

فشل الهندسة المالية:

في محاولة جديدة لبناء احتياطي من النقد الأجنبي ورفع قيمة الليرة اللبنانية، قام مصرف لبنان باعتماد سياسة «الهندسة المالية» في العام 2016، حيث قرر أولًا استبدال سندات دين من الخزينة اللبنانية بالعملة المحلية -تُقدر بحوالي 2 مليار دولار أمريكي- بسندات دين بالعملات الأجنبية (اليورو بوندز وشهادات إيداع)، وذلك بفائدة تتراوح ما بين 6.25-6.85%؛ بالإضافة إلى ذلك قام المصرف بشراء سندات الخزينة اللبنانية من المصارف الخاصة بقيمتها الاسمية وباستحقاقات أقل من 12 سنة؛ بالإضافة إلى فوائدها غير المستحقة، والتي تتراوح ما بين 7.08-8.74%..

ومقابل ذلك يبيع مصرف لبنان سندات العملة الأجنبية للمصارف الخاصة (2 مليار دولار) وشهادات إيداع أصدرها بالدولار (بقيمة 11 مليار دولار)، مقابل تدفقات مالية من الخارج بالعملات الأجنبية تحوّلها المصارف الخاصة.

باءت هذه السياسة بالفشل، وانتهت إلى تفاقم الديون الخارجية للبنان، ثم أعلن لبنان عدم قدرته على سداد الدفعة الأولى من مستحقات اليورو بوندز عقب حوالي ثلاثة أعوام من إصدارها(4).

لبنان ليست الأولى:

وسبق أن أعلنت دول إفلاسها؛ لعدم قدرتها على الوفاء بالتزامات ديونها الخارجية، سواء فائدة أو أقساط دين، وهناك دول أفلست أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، مثل: الأرجنتين التي عادت للاقتصاد العالمي بعد ذلك.

وخلال أزمة جائحة فيروس كورونا أعلنت البرازيل إفلاسها، عندما قال الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو: “البرازيل مفلسة، ليس هناك ما يمكنني القيام به، السبب فيروس كورونا الذي غذاه الإعلام”.

ولبنان ليست الدول الأولى التي تتعرض للإفلاس أو تكون على وشك حدوثه، فالبيانات الاقتصادية، تشير إلى أن نحو نصف دول القارة الأوروبية، و40% من دول إفريقيا، و30% من دول آسيا أعلنت خلال القرنين السابقين إفلاسها.

بل أن الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان، والمملكة المتحدة البريطانية، والصين كانت أبرز الدول التي أعلنت إفلاسها وعجزها عن سداد ديونها الداخلية أو الخارجية خلال القرنين الماضيين، فقد عانت ألمانيا من الإفلاس 8 مرات خلال أكثر من مائتي عام وهي تتصدر الدول الكبرى التي تعرضت للإفلاس، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية بـ5 مرات، والصين وبريطانيا بـ4 مرات، واليابان مرتين.

وتصدرت الإكوادور دول العالم الأكثر وقوعًا في الإفلاس، التي أعلنت إفلاسها بمعدل 10 مرات، وبعدها تأتي البرازيل والمكسيك، وأوروجواي، وتشيلي، وكوستاريكا، وإسبانيا، وروسيا، بإعلان إفلاسها 9 مرات خلال القرنين الماضيين، وقبل أقل من 24 عامًا، وتحديدًا في 17 أغسطس في العام 1998، أعلنت روسيا إفلاسها، بعد عجزها عن سداد الديون الخارجية المتراكمة جراء إصدارات سندات حكومية قصيرة الأجل، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 25 ديسمبر 1991، وفي عام 2001 أعلن الرئيس الأرجنتيني أدولفو رودريجز، التوقف عن سداد الديون الأجنبية الهائلة المترتبة على بلاده، وذلك بعد  كساد أربع سنوات، وبلوغ الديون 132 مليار دولار، لتعلن الأرجنتين وقتها إفلاسها(5).

لماذا الآن؟

وحول توقيت إعلان الحكومة اللبنانية إفلاسها رجَّح المحلل الاقتصادي اللبناني، محمد زبيب، أن حديث الحكومة اللبنانية يأتي في سياق الصراع الجاري بين الأطراف المعنية، بتحمّل الخسائر الاقتصادية للبلاد، في محاولة لتحميل القسط الأكبر منها للشعب اللبناني، لا سيما من أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة؛ وذلك لحماية أصحاب رساميل المصارف وكبار المودعين والنافذين، الذين استفادوا من «أكبر عملية نهب منظّم شهدها لبنان في السنوات الثلاثين الماضية»، على حدِّ وصفه.

إلى هنا أكد الخبير المالي والاقتصادي اللبناني، جهاد الحكيم، لـ«المصري اليوم» أن أموال المودعين، بُددت ولم يتبقَّ منها سوى 17%، وهو ما كان يجب مصارحة المودعين به منذ بداية الأزمة، قبل عامين(6).

تنازع مصرفي قضائي حول مصير أموال المودعين:

كان مشروع القانون ينص أيضًا على تعيين لجنة تقوم بمراجعة هذه الاشتراطات كل فترة وتغييرها بحسب الحاجة بالنظر لتحسن رصيد الدولار أو تدهوره، وقد اختلف على تشكيل هذه اللجنة إلى أن تم الاستقرار على تكوينها من حاكم مصرف لبنان ووزير المالية وخبيرين اقتصاديين مستقلين وقاضٍ، ويخضع تشكيلها لمجلس الوزراء.

ولعل إضافة قاضي إلى تشكيل اللجنة يعد مفارقة غريبة في تشكيل لجنة مالية بالأساس، ولكن المتابع لمجريات القرار المالي اللبناني مؤخراً يجد حالة تنازع كبير بين السلطات القضائية وبين سلطات المصرف المركزي، فبعد وضع قيود على سحب أموال المودعين من البنوك، لجأ الكثير من هؤلاء إلى رفع دعاوى قضائية أمام القضاء اللبناني والأجنبي لإلزام البنوك بصرف مستحقاتهم المالية طبقًا لأرصدتهم بالبنوك، وهو ما انعكس سلبًا على حالة تكافؤ الفرص في السحب من الأرصدة بين المودعين ووجه ضربة إلى حد السحب الذي حدده مصرف لبنان على أن يسري على الجميع.

في مقابل ذلك: عمدت النائبة العامة الاستئنافية بجبل لبنان القاضية غادة عون -وهي على صلة قرابة وولاء سياسي للرئيس ميشال عون- إلى فتح تحقيق بتهم التربح غير المشروع وغسيل الأموال بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأخيه رجا، واستدعت الأخير للتحقيق وصدر بحقه أمر بالحبس على ذمة التحقيقات، بينما يعتبر حاكم المصرف ملاحقًا من القضاء حاليًا لحين مثوله للتحقيق، كما تم التواصل مع بعض السلطات الأوروبية لتجميد أصول عائدة إلى الأخوين سلامة بكلٍّ من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورج تقدر بنحو 120 مليون يورو لحين البت في التحقيقات الجارية.

وقد دفعت هذه الإجراءات المصارف إلى الاحتجاج وتنفيذ إضراب تحذيري يومي: 21 و22 مارس الماضي، لوقف ما اعتبرته تدخلات أجهزة قضائية غير مختصة في العمل المصرفي. وإذ اعتبر البعض أن هذه الإجراءات القضائية إيجابية وتستهدف مكافحة الفساد في القطاع المصرفي، يعتبر البعض الآخر أنه تدخل “شعبوي” من جانب جهات قضائية غير مختصة وغير واعية بتفاصيل الإدارة المصرفية لا ينم عن محاربة الفساد، ولكن يدل على استهداف بعض خصوم الرئيس بقصد تصفية الحسابات السياسية قبل الانتخابات الوشيكة؛ ولذا اقترح مشروع القانون تعيين دائرة قضائية محددة تكون مختصة بالتحقيق بالمخالفات المصرفية كي لا يصبح الأمر خاضعاً للولاء السياسي للقضاة.

وكان الرئيس عون قد حاول أكثر من مرة إقالة حاكم مصرف لبنان وتحميله بالكامل فشل القطاع المصرفي، ولكن هذه الرغبة اصطدمت برفض رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الذي يعتبر أن الثقة بالقطاع المصرفي ستهتز أكثر فأكثر إذا ما تم تغيير قيادة مصرف لبنان في هذه الظروف الدقيقة.

المعركة السياسية بين معارضي ومؤيدي حاكم مصرف لبنان امتدت إلى ساحة المزايدات السياسية قبل الانتخابات؛ إذ يعتبر البعض أن النواب الذين أسقطوا مشروع قانون تقييد حركة الأموال كانوا يستهدفون بالأساس إرضاء ناخبيهم قبل الانتخابات، متغاضين عن أهمية إقرار هذا القانون بالسرعة اللازمة كي يتم إنجاح توقيع اتفاق أوّلى مع صندوق النقد يساعد لبنان على الخروج من أزمته الاقتصادية.

فيما يرى آخرون: أن أهمية الاتفاق مع صندوق النقد على حزمة القوانين الإصلاحية لا يجب أن تتقدم على موافقة نواب الشعب على هذه الإصلاحات، وأنه لابد من دراسة مشروعات القوانين بشكلٍ كافٍ في اللجان البرلمانية قبل إقرارها لما لها من إلزامية ستمس المصالح الاقتصادية للشعب اللبناني كله.

والأهم من ذلك: أن لا يتحمل المودعون وحدهم خسائر القطاع المصرفي الذي تسببت بها السياسات الخاطئة للنخبة الحاكمة طوال العقود الثلاثة الماضية(7).

الخلاصة:

ليست هذه المرة الأولى التي تعلن عنها الحكومة اللبنانية عدم مقدرتها على سداد الديون، ولكن تكرار مثل هذه التصريحات يوحي بالعديد من العلامات الدالة والنوايا اللبنانية في تحقيق أهداف مدروسة مسبقة معدودة، إن الحكومات لا يمكن الحجز على ممتلكاتها لصالح الدائنين، وعليه فإن الحل الأمثل لمعالجة الأزمة هو إعادة جدولة الديون، وتخفيض قيمة السندات بالتنسيق بين الحكومة من جهة والدائنين من الجهة الأخرى.

وقد بدأت لبنان في ذلك قبل نحو العامين، وتصدرت فرنسا هذه الجهود؛ إلا أنها قد باءت بالفشل، فخلال العامين الماضيين تعرّض اقتصاد لبنان لضربات قوية أودت بما تبقى لديه من قوة، ويأتي على رأسها جائحة كوفيد – 19، والتي أدَّت إلى ركود حاد للناتج المحلي الإجمالي، كذلك أدى انفجار مرفأ بيروت إلى تدمير مخزون السلع والواردات الإستراتيجية في لبنان، وخلّف دمارًا هائلًا بوسط بيروت، احتاج إلى أموال ضخمة لإعادة الإعمار وتعويض الضحايا.

ولا شك أن الحلول الدولية تكمن في زيادة الاعتمادات المالية لتطوير البنية التحتية، وزيادة وتطوير الإنتاج المحلي، ولكن قبل هذه الحلول الاقتصادية، لابد من نبذ الفرقة والتشعب الطائفي، لأنه ليس هناك دولة تقوم على فرقة وطائفية، خاصة مع وجود الشيعة الذين يسعون دائمًا إلى خلق المشاكل؛ لأنه يعيشون عليها.

1_ الوطن

2_ مركز الأهرام للدراسات

3_ سبوتنك

4_ إضاءات

5_ البوابة نيوز

6_ المصري اليوم

7_ روسيا اليوم

التعليقات مغلقة.