fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

البيتكوين… رسالة العالم الافتراضي لتغيير النظام الاقتصادي

194

البيتكوين… رسالة العالم الافتراضي لتغيير النظام الاقتصادي

 

البيتكوين غير قانونية، وتخضع للمضاربة، ويتم استخدامها في العمليات “القذرة” وغسل الأموال.

دار الإفتاء: لا يجوز التعامل بها… وحَوَتْ أكبر قدرٍ من الغرر.

 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن العملات الرقمية أو المشفرة، بعد أن تجاوزت “البيتكوين” حاجز الـ50 ألف دولار، ولأول مرة في تاريخها مدعومة بالتوترات الجيوسياسية التي سببتها جائحة كورونا خلال العام المنقضي 2020.

وخلال الأيام القليلة الماضية ارتفع حجم الإقبال على البيتكوين -العملة الافتراضية- وسط تخوفات من أن يشكِّل هذا الإقبال تهديدًا للعملات للعملات المغطاة بالذهب أو المعدن الأصفر الذي يُطلق عليه -الملاذ الآمن أو الأخير- وقت الأزمات والأوبئة.

العملات الرقمية أو الإلكترونية كثيرة ومتنوعة، من نظائرها: الريبل، نيمكوين، بيركوين، فزركوين، ولعل أشهرها: “البيتكوين”، وتستحوذ على قرابة 65% من حجم التعاملات الرقمية؛ أما القيمة التسويقية للعملة المشفرة أو الرقمية: فتزيد عن نصف تريليون دولار في العام الواحد حول العالم، وتتمتع بالسرية في التعاملات، فلا تظهر بيانات المرسل للتحويلات أو المستقبل لها، ويصعب تتبعها؛ لذا لا تعترف بها البنوك المركزية، ولا تخضع للرقابة المالية أو المصرفية، وتخضع لقوى العرض والطلب، وليس لها غطاء نقدي من الذهب يحميها من أي هزات سياسية أو اقتصادية.

مصطلح (بيتكوين) يطلق عليه بالإنجليزية  Bitcoin ويعرف بعملة معماة ونظام دفع إليكتروني رقمي تتداول عبرالإنترنت، وتعتمد على التشفير بكل جوانبها، وتختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، وتتم المعاملات بشبكة الند للند بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير.

البيتكوين عملة رقمية ذات مجهولية، حيث إن عملية التحويل عبرها يتطلب فقط معرفة رقم محفظة الشخص المحول إليه ويتم تخزين عملية التحويل في سلسلة الكتل برقم تسلسلي خاص، ولا يتضمن هذا اسم المرسل أو المتلقي أو أي بيانات أخرى خاصة بهما، مما يجعل منها فكرة رائجة لدى كل من المدافعين عن الخصوصية، أو بائعي البضائع غير المشروعة (مثل المخدرات) عبر الإنترنت على حدٍّ سواء.

تمويل الإرهاب العابر للحدود:

تقوم على التعاملات المالية وتستخدم شبكة الند للند – Peer-to-Peer-‏ والتوقيع الإلكتروني والتشفير بين شخصين مباشرة دون وجود هيئة وسيطة تنظم هذه التعاملات، حيث تذهب النقود من حساب مستخدم إلى آخر بشكل فوري ودون وجود أي رسوم تحويل (باستثناء رسوم الشبكة التي تدفع للمعدنين) ودون المرور عبر أي مصارف أو أي جهات وسيطة من أي نوع كان.

block chain يُطلق هذا المفهوم وصف السلسلة للترابط المتواجد ما بين الكُتل، حيث تحتوي كل كُتلة على هاش الكُتلة التي تسبقها ويتواصل الأمر إلى غاية الوصول إلى الكُتلة الأولى التي يُطلق عليها اسم “كتلة التكوين genesis block) ) ‏حيث إن تغيير أي كُتلة يتطلب تغيير كل الكُتل التي تليها بسبب الحاجة إلى إعادة حساب هاش كل كُتلة لتحديث قيمة هاش الكُتلة السابقة فيها؛ هذه الخاصية هي ما يجعل من مُشكل الإنفاق المُتكرر لنفس العُملات في غاية الصعوبة على بِتكُيِن، بل ويُمكن اعتبار سلسلة الكُتل العمود الفقري الذي لا يُمكن لعُملة بِتكُيِن الوقوف من دونه.

مالكو عملات بيتكوين ليس لديهم خيارات كثيرة لإنفاق أموالهم من خلالها، وهو ما يدفع ببعضهم إلى استبدالها مقابل العملات التقليدية، وعملية التبديل تتم بين المستخدمين أنفسهم الراغبين ببيع بيتكوين، وشراء عملات حقيقية مقابلها أو العكس.

الأجهزة المستخدمة تقارب في كفاءتها Radeon 5870 video card والتي يتم اعتبارها كإحدى أعلى البطاقات مردودية، وبإمكان بطاقة Radeon 5870 أن تُنفذ 402 ميجا هاش في الثانية وتُكلف حوالي 1.2 دولار لليوم الواحد.

أما عن الاستخدام فلها أوجه عديدة من بينها شراء السلع الآجلة أوالحصول عليها بشتى صورها، ويمكن تحويلها لليورو أوالدولار، وَفْقًا لأسعار البورصات ووقت التحويل، وتنتهي بغسل الأموال والتمويل المشبوه أو القذر كالرشا وعمليات الإرهاب العابر للحدود، والاغتيال، والمخدرات، والسلاح المحرَّم أوالمجرَّم استخدامه دوليًّا؛ ولا يوجد سلطات مالية أو رقابية عليها، وتصدرها جهات مجهولة وتحمل أسماءً وهمية.

مطلع 2008 بدأ الحديث عن فكرة العملات المشفرة للمرة الأولى خلال إحدى مناقشات آثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية، وَفْقًا لورقة بحثية تقدَّم بها شخص أَطْلَق على نفسه اسمًا رمزيًّا “ساتوشي ناكاموتو”، وتحدث عن العملات الرقمية والبيتكوين، ووصف النظام النقدي الإلكتروني بأنه يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند للند  -Peer-to-Peer‏-، وهو مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط (كالتورنت).

ويعتقد القائمون على عملة “البتكوين”: أن الهدف من وراء ذلك هو تغيير نمط الاقتصاد العالمي، ليتماشى مع آليات العولمة والتكنولوجيا الرقمية، بنفس الطريقة التي غير بها الويب أساليب النشر للمطبوعات والكتب -PDF-، وكانت الـ100 وحدة تساوي الواحد دولار، ولكنها قفزت في طفرات غير مسبوقة بفعل المضاربة خلال العالم الافتراضي، ما يشير إلى أن مخاطرها عالية حيث تقوم على المشاركة بشكل أساسي.

وهو ما جعل قيمتها التسويقية تتضاعف عدة ملايين من المرات منذ تدشينها للمرة الأولى، بخلاف أن الغطاء الرسمي أو القواعد الأساسية للعملة الرقمية غير واضحة، فهي ليست مدعومة بسلعة أو بأصول أو بغطاء من الذهب، أسوة بالعملات الأخرى المدعومة، فالدولار أو اليورو المدعوم بالاقتصاد الأمريكي أقوى اقتصادات العالم.                          

تحمل العملات المشفرة أو الرقمية -البيتكوين- مخاطرة ملحوظة؛ فهي ليست قانونية حتى تاريخه؛ وغير معتمدة من السلطة النقدية، وبالتالي: ليس لها قانون يحكم التداول عليها، ويصعب تتبع المسارات التي تتجه نحوها.

الرقابة المالية في مصر لم تعترف بها حتى الآن، وكذلك البنك المركزي -فبحسب الباب الخامس مادة 6- فيوجد فصل خاص لتنظم العملات الدرجة بالسوق المصري والمعترف بها رسميًّا، عكس اقتصادات دول أخرى تسمح بالتداول عليها كبعض الدول في شرق آسيا، وأمريكا، ألمانيا، والصين، وروسيا، والهند وفنزويلا، بفعل المضاربات الوهمية حيث يعتبرها أصحاب الأموال (أداة أو وسيلة للتهرب الضريبي) لتحقيق مكاسب خيالية في فترة وجيزة، لكن إذا كانت العملة الرقمية أو الافتراضية ليس لها غطاء نقدي، ولا قيمة مادية محسوسة أو ملموسة؛ فكيف يمكن الحصول عليها؟ يتم ذلك باستخدام أجهزة وحاسوبات حديثة ذات قدرات تكنولوجية هائلة موزعة على بلدان العالم يتم توصيلها مع بعضها للقيام بمهمة فك مجموعة من شفرات -البلوك تشين- (ويقصد به السجل الكبير الذي يتم تسجيل جميع العمليات) وتسمَّى هذه المجموعة بالمعدنين، وعند التحويل ينشأ شفرة، ويتم إرسالها لأجهزة المعدّنين لفك اللوغاريم الخاص بها بهدف المحافظة على سرية وتعقيد العملية، مقابل خدمات التأمين هذه، ويتم مكافأة المعدنين بحصولهم على البيتكوين، ويتم توزيع هذه العملات عليهم .

وانتعشت العملات الرقمية أو المشفرة -البيتكوين- خلال العام المنقضي 2020 والذي كان مليئًا بالمفاجئات والانهيارات، فوباء كورونا لم يحصد الأرواح فحسب، بل سبَّب انهيار الاقتصادات جراء الإغلاقات العامة والقيود الاجتماعية التي فرضت للحد من انتشار الوباء، وفي ظل هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية ارتفع الطلب على العملة الرقمية، وأطلقت عدة دول مشاريع لإصدار عملة رقمية خاصة بها تكون خاضعة للرقابة الحكومية من البلد المنشأ، حتى اعترفت بها بعض الدول خاصة منطقة اليورو، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا اللاتينية؛ بخلاف بعض المتاجر، ومناطق في الدول العربية، حتى إن المملكة العربية السعويدة والإمارات اتفقتا فيما بينهما على تدشين عملة إلكترونية رقمية باسم (عابر)؛ لتسهيل حركة التجارة البينية، وتسريعها بين دبي والرياض.

بيد أن الأنظمة المالية “الرأسمالية” بالتحديد تتخوف من التوسع في استخدام العملات الرقمية أو المشفرة؛ خاصة وأن التعامل معها يتم دون رابط، وقد تتغير أسعارها على مدار الساعة بين الهبوط الملحوظ أو الارتفاع القياسي فيما تشبه “الفقاعة”، وقد تنتفخ أو تنهار في لحظات، لكن تظل المشكلة الأكبر الارتفاع القياسي وربما الجنوني في قيمتها.

ووَفْقًا لموقع “Coin Market Cap” التي تحسب متوسط السعر للعملات المشفرة؛ فإن “البيتكوين” أصبحت تهدد اقتصاديات عالمية حاليًا، حسب ما يرى الكثير من خبراء الاقتصاد، غير أن هناك كثر لا يعرفون تفاصيل عن هذه العملة الجديدة، فهي دائمًا ما تخضع لسرية التعاملات والتحويلات.

وبحسب مصرف “جولدمان ساكس”، فإن العملات الرقمية شهدت تقلبات عديدة خلال عام جائحة كورونا ما بين الصعود والهبوط في مستوى 30.36 إلى 28.45 ألف دولار خلال الساعات القليلة الماضية، مرجعًا ذلك إلى عدة أمور من بينها الارتفاع القياسي للنحاس مسجلًا 28%، ليصل الطن الواحد نحو 8 آلاف دولار، بخلاف ارتفاع سعر أوسنة الذهب مسجلة نحو 1900 دولار مع ارتفاع حالات الإصابة بكورونا واتجاه الدول لمزيد من الإغلاق على الرغم من طرح اللقاحات.

الإفتاء: لا يجوز شرعًا التعامل على البيتكوين:

أما عن الحكم الشرعي: فقد أكَّدت دار الإفتاء المصرية على أنه لا يجوز شرعًا تداول عملة “البيتكوين”، والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراء، والإجارة، وغيرها، بل يُمنع من الاشتراكِ فيها؛ لعدمِ اعتبارِها كوسيطٍ مقبولٍ للتبادل من الجهات المخُتصَّة، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ، والغشِّ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، فضلًا عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عاليةٍ على الأفراد والدول.

وأوضحت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي: أن العملات المشفَّرة عبارة عن وحداتٍ رقَمية ليس لها وجودٌ فيزيائيٌّ في الواقع، ويمكن مقارنتها بالعملات التقليدية: كالدولار أو اليورو مثلًا.

وخلص مفتي الجمهورية الدكتور “شوقي علام” إلى أنه بعد الاستماع لأساتذة الاقتصاد والتمويل، نصل للآتي:

1- أن عملة البيتكوين تحتاجُ إلى دراسةٍ عميقةٍ لتشعبها وفنياتها الدقيقة؛ كشأن صور العملات الإلكترونية المتاحة في سوق الصرف؛ إضافة إلى الحاجة الشديدة لضبط شروط هذه المعاملة والتكييف الصحيح لها.

2- أن مِن أهم سمات سوقِ صرفِ هذه العملات الإلكترونية التي تميزها عن غيرها من الأسواق المالية أنها أكثرُ هذه الأسواق مخاطرةً على الإطلاق؛ حيث ترتفع نسبةُ المخاطرة في المعاملات التي تجري فيها ارتفاعًا يصعب معه -إن لم يكن مستحيلًا- التنبؤ بأسعارها وقيمتها؛ حيث إنها متروكةٌ لعوامِلَ غيرِ منضبطةٍ ولا مستقِرَّة، كأذواق المستهلكين وأمزجتهم، مما يجعلها سريعةَ التقلُّب وشديدةَ الغموضِ ارتفاعًا وهبوطًا.

وهذه التقلبات والتذبذبات غير المتوقَّعة في أسعار هذه العملات الإلكترونية تجعل هناك سمة لها هي قرينة السمة السابقة؛ فعلى الرغم من كون هذه السوق هي أكبرَ الأسواقِ المالية مخاطَرَةً، فهي أيضًا أعلاها في معدلات الربح، وهذه السمة هي التي يستعملها السماسرة ووكلاؤهم في جذْب المتعاملين والمستثمرين لاستخدام هذه العملات، مما يؤدي إلى إضعاف قدرة الدول على الحفاظ على عملتها المحلية والسيطرة على حركة تداول النقد، واستقرارها وصلاحيتها في إحكام الرقابة؛ فضلًا عن التأثير سلبًا بشكل كبير على السياسة المالية بالدول، وحجم الإيرادات الضريبية المتوقعة، مع فتح المجال أمام التهرُّب الضريبي.

3- أن التعامل بهذه العملة بالبيع أو الشراء وحيازتها يحتاجُ إلى تشفير عالي الحماية، مع ضرورة عمل نسخ احتياطية منها من أجل صيانتها من عمليات القرصنة والهجمات الإلكترونية لفَكِّ التشفير، وحرزها من الضياع والتعرُّض لممارسات السرقة أو إتلافها من خلال إصابتها بالفيروسات الخطيرة، مما يجعلها غيرَ متاحةِ التداول بين عامَّة الناس بسهولة ويسر، كما هو الشأن في العملات المعتبرة التي يُشترط لها الرواج بين العامَّة والخاصَّة.

4- أنه لا يُوصَى بها كاستثمار آمن؛ لكونها من نوع الاستثمار عالي المخاطر، حيث يتعامل فيها على أساس المضاربة التي تهدف لتحقيق أرباح غير عادية من خلال تداولها بيعًا أو شراءً، مما يجعل بيئتها تشهد تذبذبات قوية غير مبررة ارتفاعًا وانخفاضًا، فضلًا عن كون المواقع التي تمثِّل سجلات قيد أو دفاتر حسابات لحركة التعامل بهذه العملة بالبيع أو الشراء غير آمنة بَعْدُ؛ لتكرار سقوطها من قِبل عمليات الاختراق وهجمات القرصنة التي تستغل وجود نقاط ضعف عديدة في عمليات تداولها أو في محافظها الرقمية؛ مما تسبب في خسائر مالية كبيرة.

5- أن مسئولية الخطأ يتحملها الشخص نفسه تجاه الآخرين، وربما تؤدي إلى خسارة رأس المال بالكامل، بل لا يمكن استرداد شيء من المبالغ المفقودة جرَّاء ذلك غالبًا، بخلاف الأعراف والتقاليد البنكية المتبعة في حماية المتعامل بوسائلِ الدفع الإلكتروني التي تجعل البنوك عند الخلاف مع المستثمر حريصةً على حل هذا النزاع بصورة تحافظ على سمعتها البنكية.

6- أن لها أثرًا سلبيًّا كبيرًا على الحماية القانونية للمتعاملين بها من تجاوزِ السماسرة أو تعدِّيهم أو تقصيرهم في ممارسات الإفصاح عن تفاصيلِ تلك العمليات والقائمين بها، وتسهيل بيع الممنوعات، وغسل الأموال عبر هؤلاء الوسطاء، فأغلب الشركات التي تمارس نشاط تداول العملات الإلكترونية تعملُ تحت غطاء أنشطة أخرى؛ لأن هذه المعاملةَ غيرُ مسموحٍ بها في كثيرٍ مِن الدول.

 وبناءً على ما سبق؛ فإنه لا يمكنُ اعتبارُ هذه العملة الافتراضية وسيطًا يصحُّ الاعتمادُ عليه في معاملات الناس وأمور معايشهم؛ لفقدانها الشروطَ المعتبرةَ في النقود والعملات؛ حيث أصابها الخللُ الذي يمنع اعتبارها سلعةً أو عملةً: كعدم رواجها رواجَ النقود، وعدمِ صلاحيتها للاعتماد عليها كجنس من أجناس الأثمان الغالبة التي تُتخَذُ في عملية “التقييس” بالمعنى الاقتصادي المعتبر في ضبط المعاملات والبيوع المختلفة والمدفوعات الآجلة من الديون، وتحديد قيم السلع وحساب القوة الشرائية بيسر وسهولة، وعدم إمكانية كَنْزها للثروة واختزانها للطوارئ المحتملة مع عدم طريان التغيير والتلف عليها؛ فضلًا عن تحقق الصورية فيها بافتراض قيمة اسمية لا وجود حقيقي لها مع اختلالها، وكونها من أكثرِ الأسواق مخاطرة على الإطلاق.

وبيَّن المفتي: أن العملة الرقمية مجهولةٌ وغير مرئيةٍ أو معلومةٍ مع اشتمالها على معاني الغش الخفيِّ والجهالة في معيارها ومَصْرِفها، مما يُفْضي إلى وقوع التلبيس والتغرير في حقيقتها بين المتعاملين؛ فأشبهت بذلك النقودَ المغشوشة ونفاية بيت المال، وبيع تراب الصاغة وتراب المعدن، وغير ذلك من المسائلِ التي قرَّر الفقهاءُ حرمةَ إصدارِها وتداولها والإبقاء عليها وكنزها؛ لعدم شيوع معرفتها قدرًا ومعيارًا ومَصْرفًا، ولما تشتمل عليه من الجهالة والغش، وذلك يدخلُ في عموم ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: “مَن غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا”؛ هذا بالإضافة إلى أن التعامُلَ بهذه العملة يترتَّبُ عليه أضرارٌ شديدةٌ ومخاطرُ عاليةٌ؛ لاشتماله على الغرر والضرر في أشد صورهما:

والغرر هو: (ما انطوت عنا عاقبته أو تردَّد بين أمرين أغلبهما أخوفهما)، كما عرَّفه العلامة البجيرمي الشافعي في “حاشيته على الإقناع” (3/ 4، ط، دار الفكر).

حَوَتْ أكبر قدر من الغرر في العملات:

قد اتفق الاقتصاديون وخبراء المال على: أن هذه العملة وعقودها حَوَتْ أكبر قدرٍ من الغرر في العملات، والعقود المالية الحديثة على الإطلاق، مع أن شيوعَ مثلِ هذا النمط من العملات والممارسات الناتجة عنها يُخِلُّ بمنظومة العمل التقليدية التي تعتمدُ على الوسائطِ المتعددة في نقل الأموال، والتعامل فيها كالبنوك، وهو في ذات الوقت لا يُنشِئُ عملة أو منظومة أخرى بديلة منضبطة ومستقرة، ويُضيِّق فرص العمل.

مقامرة وخراب مالي:

تُشْبِه المقامرة وتؤدي وبشكل مباشر إلى الخراب المالي على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات من إفساد العملات المتداولة المقبولة، وهبوط أسعارها في السوق المحلية والدولية، وانخفاض القيمة الشرائية لهذه العملات بما يؤثر سلبًا على حركة الإنتاج والتشغيل والتصدير والاستيراد، وتؤثِّر على مدخرات الأفراد المتعاملين بها؛ حيث تقف الدولُ عاجزةً أمام الأضرارِ التي تقعُ على عملاتها من جرَّاء هذه الخسائرِ، بل يؤدي النظام الذي يُنَظِّم ممارسات استخدام هذه العملة حاليًّا إلى اتخاذها وسيلةً سهلةً لضمان موارد مالية مستقرة وآمنة للجماعات الإرهابية والإجرامية، وتيسير تمويل الممارسات المحظورة وإتمام التجارات والصفقات الممنوعة: كبيع السلاح والمخدرات، واستغلال المنحرفين للإضرار بالمجتمعات؛ نظرًا لكونه نظامًا مغلقًا يصعبُ خضوعُه للإشراف وعمليات المراقبة التي تخضع لها سائر التحويلات الأخرى من خلال البنوك العادية في العملات المعتمدة لدى الدول، والقاعدة الشرعية تقول: “لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ”.

التعليقات مغلقة.