fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

زلزال شرق المتوسط… هل أعاد حقيقة الأمة الواحدة أم أن الأزمات الاقتصادية كان لها رأيُّ آخر؟

36

تأتي المحن والشدائد بين الحين والأخر، لتعيد أمَّة الإسلام وأشقائهم من العرب إلى درب الوحدة والتعاضد، وتثبت الأزمات بشكل راسخ أن تلك الأمة ليس لها إلَّا بعضها، ولن ينفعها سوى أهلها وأبنائها، ولن يعيدها إلى طريق المجد والنصر والرفعة غير التعاون والترابط، وأن يصيروا كتلة واحدة لها هموم وخطط وأهداف واحدة.

وجاءت كارثة زلزال شرق المتوسط، لتؤكد تلك الحقيقة التي في كثير من الأحيان تكون للأسف غائبة، وهي أنه مهما طالت الفرقة والشقاق بين أبناء الأمة، فهم جسدٌ واحدٌ يتداعى لبعضه بالسهر والحمى، وهو ما ظهر جليًّا في الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وخلَّف عشرات الآلاف من الضحايا والمنازل المدمرة، ومعاناة بالغة حرَّكت العالم، وهزت قلوب المسلمين والأشقاء العرب، وهرعت الدول العربية والإسلامية تقدِّم يد العون لإخوانهم بمساعدات مالية وغذائية وفِرَق إنقاذ، وهبطت عشرات الطائرات والسفن المحملة بالدعم على الأراضي التركية والسورية.

خلافات وضغط اقتصادي:

رغم الخلاف الذي كان يتسلل وينزغ بين بعض الدول الإسلامية والعربية وبعضها الآخر أحيانًا، إلَّا أنهم كانوا دائمًا ما ينحون تلك الهفوات جانبًا، وكثيرًا ما كان التعاضد والتآلف هو السبيل بينهم، إلَّا أن فترة ما بعد الربيع العربي شهدت خلافات قد تكون فجة وعميقة بعض الشيء حتى ظن البعض أنه لا تصالح ولا عودة لمجاري المياه الحميدة، وبجانب ذلك أتت الأزمات الدولية لتعمق الأزمات الاقتصادية الداخلية للدول العربية؛ مما ضيق الخناق على أي دعم قد يقدمه الأشقاء لبعضهم البعض، ومنها أزمة كورونا التي عصفت باقتصاد العالم بأسره، وجاءت من بعدها حرب أوكرانيا التي أطاحت بالاقتصاد الداخلي لكثير من دول العالم ومنها الدول العربية والإسلامية، وبات التضخم غولًا كبيرًا يهدد العالم، ما يجعل من الصعب تقديم دعم أو مساعدات من دولة لأخرى؛ إلا أن كل هذا لم يمنع من توجيه كل سبل الدعم والمعونة للأشقاء في سوريا وتركيا، حتى الدول الأقل استقرارًا وتعاني من ظروف اقتصادية بالغة السوء، قدَّمت مساعدات مادية وعينية ولم تتوانَ عن نجدة إخوانهم.

مصر والسعودية والإمارات:

أرسلت القاهرة 5 طائرات عسكرية محملة بمساعدات طبية عاجلة لسوريا وتركيا، ووصل فريق إغاثي وطبي إلى بلدة جندريس بريف عفرين شمالي حلب، لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، وانطلقت في مصرَ حملاتٌ متعددة لدعم منكوبي الزلزال، وأطلق الهلالُ الأحمر المصري حملة لإغاثة المنكوبين، لاقت تجاوبًا كبيرًا، ووفقًا لـ”يورو نيوز”، وصل فريق مصري طبي وإغاثي إلى جندريس المنكوبة في سوريا، ليكون أول فريق من الخارج يصل شمال غربي البلاد التي دمر الزلزال المخيف أجزاء كبيرة منها، ونشرت صفحة “الخوذ البيضاء” (الدفاع المدني) في سوريا، على مواقع التواصل الاجتماعي، “شكرًا لمصر وللشعب المصري”، وحتى الآن أرسلت مصر سفينتي مساعدات لسوريا محملة 1000 طن، من المساعدات، إلى ميناء اللاذقية السوري ضحايا الزلزال وتقديم الإغاثة للمتضررين، وسيرت المملكة العربية السعودية جسرًا جويًّا لتقديم المساعدات لضحايا الزلزال في سوريا وتركيا، ونظَّمت حملة شعبية عبر منصة “ساهم” لمساعدة الضحايا، وتبرع ضمن حملة عطاؤكم يخفف عنهم،  أكثر من 105 ألف سعودي، لتصل المبالغ المقدمة إلى الـ17 مليون دولار، وأرسلت السعودية شحنات إغاثية إلى مدينة حلب السورية للمتضررين من الزلزال وعدة طائرات مساعدات للبلدين ضمن الجسر الجوي، كما تجاوزت تبرعات حملة إغاثة متضرري الزلزال في سوريا وتركيا التي أطلقها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في السعودية، 100 مليون ريال.

وأعلنت الإمارات إرسال 60 طائرة إغاثة لمتضرري زلزال تركيا وسوريا، وبدء عملية “الفارس الشهم 2” لدعم تركيا وسوريا، واثنين من المستشفيات الميدانية بسعة 250 سرير، وأرسلت فريقي بحث مؤلَّف من 132 فردًا، وإمدادات إغاثية عاجلة؛ بالإضافة إلى 177 مليون دولار لإغاثة المتضررين، ، و2107 طنًّا من المساعدات، وجميع الأجهزة والمستلزمات و75 فردًا من الأطقم الطبية، وإطلاق حملة “جسور الخير” بقيادة هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وبمشاركة أكثر من 16 جهة مانحة إماراتية، وقرابة 4 آلاف خيمة لإيواء قرابة 25 ألف شخص.

أبرز مساعدات الدول الإسلامية والعربية لـ “تركيا وسوريا”:

فجر اليوم الثاني للزلزال، أعلنت عدة دول عربية، إنشاء جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية عاجلة لدعم تركيا في مواجهة آثار كارثة الزلزال، ووفقًا للجزيرة مباشر أنشأت قطر جسرًا جويًّا لتقديم مساعدات لتركيا في مقدمته فريق بحث وإنقاذ، وبنت مستشفى ميداني ومساعدات إغاثية وخيم ومستلزمات شتوية ومركبات ومنازل متنقلة ووجبات ساخنة بخلاف أموال المساعدات في مناطق الزلزال، وقررت الكويت إنشاء جسر جوي لإرسال مساعدات وطواقم طبية إلى تركيا، وفريق إنقاذ متخصص بكامل تجهيزاته، ومساعدات طبية طارئة ومواد غذائية، وأرسلت الجزائر فريقين من الحماية المدنية للمساهمة في جهود الإنقاذ، وأرسلت ليبيا فريق من 55 فنيًّا إلى تركيا للمشاركة في جهود البحث والإنقاذ، حتى فلسطين رغم معاناتها من ميليشيات الاحتلال الصهيوني؛ أرسلت فريق للمشاركة في أعمال الإنقاذ لضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، وأرسلت بغداد فرق إغاثة إضافة لمساعدات غذائية ولوجستية للمتضررين من الكارثة، وأرسل الهلال الأحمر العراقي فريق إنقاذ إلى تركيا للمساعدة في عمليات الإنقاذ والإغاثة، وأرسل 60 طنًّا من المساعدات الإغاثية والغذائية والطبية إلى سوريا.

كما سيَّرت عُمان جسرًا جويًّا لنقل المواد الإغاثية للمناطق المتضررة من الزلزال في سوريا وتركيا، وشاركت هيئة الدفاع المدني والإسعاف العمانية في عمليات الإنقاذ في جنوب تركيا، وأرسلت لبنان فريق إنقاذ إلى تركيا للمساعدة في جهود البحث بعد الزلزال، كما نظَّمت الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني حملات شعبية لجمع المساعدات الغذائية والإغاثية إلى السوريين والأتراك، وأرسلت الأردن فريق بحث وإنقاذ للمناطق المنكوبة، وخمس طائرات محملة بمعدات إنقاذ وخيام ومواد لوجستية وطبية وقافلة  من سبع قاطرات تحمل المواد الطبية والغذائية والإغاثية، وأطباء من الخدمات الطبية الملكية، وأطلقت تونس ثلاث طائرات عسكرية باتجاه مطار حلب بسوريا ومطار أضنا في تركيا حاملة مساعدات إنسانية عاجلة وفِرَق نجدة وإنقاذ وفرق طبية مختصة، وجمع الهلال الأحمر التونسي جمع المساعدات من أجل إرسالها للمتضرّرين من الزلزال، كما أطلق نداءات للأطباء والممرضين الراغبين في التطوّع في جهود إسعاف المصابين داخل المناطق المنكوبة جراء الكارثة، وهب الفريق الأول من الحماية المدنية الجزائرية إلى تركيا للمشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة، بأمر من الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ويتكون الفريق من 89 فردًا من أطباء وغيرهم، وأرسل الهلال الأحمر الجزائري 210 أطنان من المساعدات الإنسانية، التي شملت مواد غذائية وخيمًا ومساعدات أخرى، وأرسل المغرب مساعدات طبية ولوجستية وفرق إنقاذ مختصة ووحدات إنعاش عاجلة إلى تركيا، وأرسلت السودان طائرة محمَّلة بـ 30 طنًّا من المساعدات للمتضررين من الزلزال، كما أنشأ رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، صندوق إغاثة لمساعدة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، وناشد شعبه وخاصة رجال الأعمال ورجال الخير التبرع للصندوق بسخاء، وأعلن مجلس الوزراء الاتحادي الباكستاني التبرع براتب شهر واحد من راتب كافة وزرائه لصالح الصندوق، كما تقرر أن يتبرع موظفو الحكومة من الدرجات الوظيفية من 18 إلى 22 براتب يوم واحد للشعب التركي المنكوب.

المساعدات لم تقف عند الحكومات:

دعم الأشقاء والهرع لنجدتهم لم يتوقف عند المساعدات الحكومية الرسمية، حيث سرد البعض قصصًا رائعة في عون ضحايا الزلزال رغم المأساة الشخصية التي يعيشونها، فها هو شاب جزائري مريض بالسرطان محمد لمين عيادي “33 سنة”، أسرع لإنقاذ ضحايا الزلزال، وعمل في صفوف الدفاع المدني الجزائري الحماية المدنية لإنقاذ الضحايا في سوريا، ورغم رفض المسئولين لسفره؛ إلا أنهم وافقوا تحت تأثير ضغط الشاب وتأكيده أنه سيموت من الحسرة إذا لم يذهب لإنقاذ العالقين في سوريا، وبالفعل قضى محمد 7 أيام في حلب، وشارك في مهمة إنقاذ أرواح ضحايا الزلزال في سوريا، ونجح هو والفريق في إنقاذ 27 ضحية منهم طفلة ورجل على قيد الحياة.

وفي مدينة الرقة السورية أسرع الأهالي يجمعون التبرعات للمتضررين من الزلزال رغم أحوالهم الصعبة ومعاناتهم الكبيرة، ومن تبرعات أهالي الرقة تكوَّنت قوافل أدوية وملابس وأغذية؛ بالإضافة إلى عشرات الصهاريج من المحروقات عبرت إلى المناطق المنكوبة، حتى الفلسطينيين تبرعوا بالمال والذهب والدم، لإخوانهم من ضحايا الزلزال، وأطلقت جمعيات ومنظمات فلسطينية حملات تبرع واسعة لدعم المنكوبين وإرسال مساعدات إغاثية لضحايا زلازل بتركيا وسوريا، ومنها حملة “جسد واحد” في غزة للتبرع بالدم لصالح مصابي زلزال تركيا وسوريا، وحملة الفلسطينيين في أم الفحم وأراضي 48 لجمع التبرعات، وحملة أغيثوهم التي جمعت أكثر من 4 مليون شيكل في الضفة الغربية لضحايا الزلزال.

الخلاصة:

تأتي أقدارُ الله شديدة الوقع في ظاهرها؛ إلَّا أنها تحمل في ثناياها حكمُ بالغة لله وبشائر خير وآمال لمستقبل أفضل لأصحاب الابتلاء؛ وقد يكون جزاء الصبر في الدنيا قبل الآخرة، ولعل أهم هذه الحكم والبشائر، تعاضد الأمة الواحدة لنجدة أهلهم وإخوانهم وأبنائهم في سوريا وتركيا رغم ظروفهم الاقتصادية القاسية، وإن كان الدعم لا يكفي، فمشاعر الأخوة تفي بالغرض وتؤكد صفاء القلوب، وتبث الأمل في نفوس وأعضاء جسد الأمة كي تعود “واحدة” كما كانت من قبل.

ونوضح في النهاية: أنه مهما تتابعت الخطوب والكوارث واشتدت الآلام، فلن يشد أزر الأخ إلا أخوه، ومهما علا صوت الخلاف وكَثُر المتآمرون، وقويت شوكة المتربصين؛ فسيبقى لون دماء الأمة الإسلامية واحد، وهذا ما أثبتته محنة الزلزال وجعلته طائرات وسفن المساعدات واقعًا: أن الأمة الواحدة حقيقة كامنة في نفوس أبنائها رغم توالي الأزمات.

مصادر:

الجزيرة -أبرز المساعدات العربية والدولية لدعم تركيا وسوريا في أعقاب الزلزال- 16 فبراير 2023

يورونيوز -تعرّف على المساعدات التي قدمتها الدول العربية إلى سوريا وتركيا بعد الزلزال المدمّر- 11 فبراير 2023

سكاي نيوز -تونس… مساعدات إنسانية وفرق إنقاذ إلى سوريا وتركيا- 9 فبراير 2023

سكاي نيوز -7 أيام في حلب… شاب جزائري تحدى السرطان لإنقاذ ضحايا الزلزال- 24 فبراير 2023

سكاي نيوز -السودان يرسل إلى سوريا طائرة مساعدات للمتضررين من الزلزال- 14 فبراير 2023

سكاي نيوز- الرقة.. الأهالي يجمعون التبرعات للمتضررين من الزلزال- 13 فبراير 2023

التعليقات مغلقة.