fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

نُذُر حرب بين روسيا وأوكرانيا … الدوافع والأسباب

152

نُذُر حرب بين روسيا وأوكرانيا… الدوافع والأسباب

أمريكا تستدعي سنوات الحرب الباردة… والبحر الأسود مسرح العمليات

أوروبا لن نسمح باجتياح “كييف”… وموسكو تهدد بوقف الملاحة

نُذُر حرب تدور رحاها الآن على الحدود الروسية الأوكرانية، ويتخوَّف السكان من شبح حرب أذاقتهم الويلات قبل سبعة أعوام، فبعد سنوات من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عاودت روسيا التوسع في نشر الجنود حتى وصلوا إلى 120 ألف جندي مدعومين بالدبابات، والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة.

وفي المقابل: دفعت أوكرانيا بآلاف الجنود والمجنزرات على طول الشريط الحدودي؛ تحسبًا لأي عمل عسكري من الجانب الروسي؛ فهل هذه نذر حرب أم جولة جديدة من التصعيد السياسي؟

موسكو وكييف يتبادلان التصعيد على خط التماس والمواجهة، فالأولى تضع الخطوط الحمراء، وتهدد بوقف الملاحة في البحر الأسود، وأن هذا الحشد ضمن تدريبات عسكرية مدته لاختبار جاهزية القوات، لكنها لم تنفِ إمكانية أن تنجر إلى العمل العسكري إذا اقتضت الحاجة.

في حين تعاني “كييف” المأزومة اقتصاديًّا من تداعيات جائحة كورونا، وتراجع صادراتها الأولية من الحاصلات والفولاذ؛ بسبب سياسة الغلق الكلي والجزئي، والذي فرضه العالم على نفسه؛ إضافة إلى اقتطاع ما يزيد عن 45.6% من احتياطات الطاقة الأحفورية في منطقة الدونباس، وبالتالي: فإغلاق الملاحة في هذا التوقيت يعد بمثابة تهديد عسكري لها.

جذور الأزمة:

تعود بداية الأزمة إلى أطماع روسا في الهيمنة على الأراضي الأوكرانية، منذ تأسيس الاتحاد السوفيتي “1922-1991” وصولًا إلى انحياز بعض القوات الأوكرانية وقتالهم بجاب الألمان ضد السوفيت خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945، حتى استقلال أوكرانيا.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي 1991 وتوقيعها مع كلٍّ مِن: روسيا وبيلاروسيا على وثيقة الخروج من الاتحاد في 8/12/ 1991، والتحوُّل في تأسيس رابطة مستقلة في 20 من نفس الشهر لم تتخلَّ موسكو عن تقويض أوكرانيا التي ورثت ثلث سلاح الردع النووي.

ثلث السلاح النووي:

ثمَّنت أمريكا وحلف شمال الأطلسي ما قامت به أوكرانيا عام 1994 بالتوقيع على معاهدة بودابست بتدمير منظومة الردع النووي الذي ورثته من ترسانة الاتحاد السوفيتي، والتي كانت قابعة في مخابئها وعلى أراضيها؛ شريطة أن تتجنب روسيا التهديد باستخدام القوة.

حتى إن روسيا وقَّعت هي الأخرى على اتفاقية الأمن الأوربي عام 1999 في إسطنبول، ولكن في 2014 كلا الطرفين قام بخرق المعاهدة.

إرث أوكرانيا النووي يزيد عن ثُلُث منظومة الردع السوفيتية، وهي عبارة عن قاذفات وصواريخ باليستية “130 صاروخًا” عابرة للقارات من نوع “UR100N” بستة رؤوس حربية، و46 صاروخًا باليستيًّا عابرًا للقارات من نوع “RT-23” مع عشرة رؤوس حربية؛ بالإضافة إلى 33 قاذفة ثقيلة، ونحو 1700 رأس حربي؛ إلا أن موسكو لم تنسَ هذا الأمر، وتريد إحياء إمبراطوريتها من جديد.

بوتين وحلم الإمبراطورية:

مع مجيء فلاديمير بوتين، والذي كان يعمل كعميل سري لدى الاستخبارات الروسية خلال الفترة من 1975-1990، عمل لدى الكرملين 1996، ثم تولى رئاسة جهاز الاستخبارات الروسية 1998 إلى أن وَقَع عليه اختيار الرئيس بوريس يلتسين ليتولى منصب رئاسة الوزراء 1999.

وعام 2000 انتخب فلاديمير بوتين رئيسًا للبلاد، وحتى تاريخه بالتبادل مع رئيس وزرائه ديمتري ميدفيديف؛ للتغلب على نصوص الدستور والذي تم تعديله فيما بعد!

الطاقة والاقتصاد الروسي:

اعتمد بوتين خلال رئاسته على تصدير الطاقة، لكنه يواجه اليوم تحديات سياسية تتمثل في تراجع شعبية الإدارة الحاكمة على وقع سياستها القمعية الداخلية بحق المعارضين، وفي مقدمتهم: السجين أليكسي نافالني، بخلاف التمدد العسكري خارج الحدود وحتى المياه الدافئة “سوريا / ليبيا”، ويطمع في عودة إمبراطورية تهاوت وسقطت دون طلقة واحدة؛ لذا قام بحرب في جورجيا عام 2008، كما قام بضم شبه جزيرة القرم في 2014، وتدخل في سوريا 2015، ثم عقد اتفاقًا مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالتواجد في ليبيا.

والآن يراوده الأمل ببسط السيادة على المياه الاقتصادية في أوكرانيا ومناطق الجرف القاري، وهو ما ترقبه كلٌّ مِن: تركيا ورومانيا.

وفي ظل هذا وذاك يواجه الاقتصاد الروسي العديد من التحديات، أبرزها: تقلبات أسعار النفط والغاز بصورة ملحوظة، وهو القطاع الذي تعول عليه إدارة بوتين في تمويل مشروعات البنية التحتية، وتحديث المنظومة العسكرية للقوات المسلحة، وبشكل مستمر وسط تفشٍّ خطير لجائحة كورونا.

أما التحديات السياسية؛ فقد انخفضت شعبيته نتيجة القمع الداخلي للمعارضة، وعلى رأسها: السجين أليكسي نافالني؛ لذا تحاول موسكو لملمة جراحها ولو كان ذلك على حساب جيرانها!

فمنذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم قامت بدعم الانفصاليين في إقليم الدونباس الأوكراني بداعي أنهم يتحدثون اللغة الروسية، ومِن ثَمَّ وجب عليها إضعاف حكم الرئيس فلودومير زيلنسكي، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي للوقوف بجانب أوكرانيا، حتى إن الرئيس الأمريكي جو بايدن وصف بوتين بـ”القاتل” في ردة فعل ربما لم تحدث منذ سنوات الحرب الباردة.

كما ضاعفت موسكو من محاولتها بتقويض إستراتيجية أوكرانيا الرامية إلى الاستقلال، فرفعت شركة جاز بروم سعر توريد الطاقة عدة مرات، وهو القرار الذي لم يلقَ قبولًا لدى الأوكرانيين والاتحاد الأوروبي، ووصفوا القرار الروسي بالسياسي، وجاء من باب “فرق تسد”، لكن هذا القرار أودى بتقديم المساعدة من قِبَل الاتحاد الأوروبي عن طريق الاستخدام العكسي لأنابيب الطاقة عبر بولندا والمجر.

الاتحاد الأوروبي ومسارات الطاقة:

الكرملين وعبر متحدثيه زعموا أن الاتحاد الأوروبي لن يستطيع التخلي عن صادرات الطاقة الروسية والبالغ نسبتها 30%؛ ولكن مسئولو قطاع الأمن أو الحرس القديم في روسيا دائمًا ما يُطلقون على ذلك بـ”الاعتماد المتبادل غير المتكافئ”، حيث يرون أن روسيا لا يمكنها العيش بعيدًا عن الاستثمارات الغربية في ظل وجود محطات غاز مسال في كلٍّ مِن ليتوانيا وبولندا وكرواتيا.

ولهجة الاتحاد الأوروبي تعيد إلى الأذهان أن ما حدث يعد انقلابًا في مسار الطاقة حول العالم؛ خاصة وأن ثلث إمداداتهم تأتي من روسيا، والتحكم في مسارات الطاقة بهذا الوضع يعيد إلى الأذهان ما حدث خلال حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وهو ما يعيه الغرب جيدًا، بل ربما لن يسمح بتكراره، والدليل ما نراه في قرارات “أوبك”.

ولذا يساند الاتحاد الأوروبي مسارات الطاقة حول العالم لكسر حالة الاحتكار، وهناك مشروعات جاري الانتهاء منها كما في بحر قزوين ونور ستيم 1و2، وهذه الخطوط قد تؤدي إلى وجود خيارات جديدة لاستيراد الغاز من حقول آسيا أو شرق المتوسط، وتسعى تل أبيب وواشنطن في الاستفادة من ذلك عن طريق اليونان وقبرص.

ضم جزيرة القرم:

أصدر الكرملين تعليماته بضم شبه جزيرة القرم 18/3/2014 قبل التصديق على نتائج الاستفتاء وَفْقًا لشبكة “بي بي سي”؛ ففي تعليقات لها على فيلم وثائقي حمل عنوان: “الطريق إلى الأرض الأم” بثَّه التليفزيون الروسي ومفاده: أن بوتين قد أمر بضم القرم قبل إجراء الاستفتاء، وأن السلاح النووي كان في وضع تأهب.

موسكو التي تنتهج سيادة محدودة لأوكرانيا، قامت بتأمين وإخراج رئيسها فيكتور يانوكوفيتش عقب ثورة الميدان الأوروبي 2014، لتخرج مظاهرات مؤيدة للضم من قبل الانفصاليين في مدينة دونياس، مما أدَّى إلى حدوث صراع مسلح بين الحكومة الأوكرانية والجماعات الانفصالية إلى أن عبرت المدرعات الروسية حدود دونيتسك ولوهانسيك من عدة مواقع أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 14 ألف شخص، وأحكمت روسيا سيادتها على شبه جزيرة القرم.

خطوة ضم القرم استقبلها الغرب والاتحاد الأوروبي بعقوبات وتنديد، بينما رد الروس بإرسال مسلحين لدعم الانفصاليين في منطقتي: دونيتسك / لوهانسك في إقليم دونباس التي يقطنها مواطنون يتحدثون اللغة الروسية، واتهم حلف شمال الأطلسي موسكو بالضلوع في هذا الأمر، والذي راح ضحيته نحو 14 ألف شخص؛ بيد أن موسكو أكَّدت أنهم جنود متطوعون.

ومع ارتفاع وتيرة التصعيد الأخيرة مارس 2021 تبادل الطرفان إطلاق النار على الشريط الحدودي، وسقطت أعداد كبيرة مِن القتلى على مدار الأسابيع والأيام الماضية، وأسفر عن تحريك سفن وبارجات حربية، وحاملة طائرات أمريكية إلى البحر الأسود استقبلتها طائرات السوخوي 300 الروسية في تحرش عسكري بحري بين القوتين النوويتين.

هذه التحركات قد تنذر بعواقب غير محسوبة، من جانب حلف الناتو وروسيا؛ خاصة وأن فرنسا والمجر ما زال يعرضان ضم أوكرانيا إلى الحلف، فيما تعارض تركيا ضم جزيرة القرم، باعتبار أن سكان هذه الجزيرة من الأصل التتري وأنهم تابعون لها.

وعلى الصعيد الدولي: أعلنت كلٌّ مِن: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، تضامنها مع أوكرانيا بشأن النزاع الحدودي، فيما اتهم وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا موسكو بالتهديد علنًا بتدمير كييف، في حين أكَّدت روسيا أن توتر الأوضاع في المنطقة يرجع إلى التدريبات الأميركية والأطلسية قرب حدودها.

وفي المقابل: حذَّر الكرملين من تفاقم الأوضاع في المنطقة؛ بسبب التدريبات الأميركية والأطلسية قرب الحدود مع روسيا، مشددًا من ضرورة اتخاذ إجراءات إضافية لحماية سكان شبه جزيرة القرم، والمصالح الروسية في المنطقة.

أوكرانيا … وحلف الأطلسي:

تسعى أوكرانيا إلى التقارب مع الغرب؛ أملًا في الانضمام إلى الحلف الأطلسي، والخروج من إرث العباءة الروسية، والذي استمر زهاء قرن من الزمان؛ بيد أن موسكو تراهن على الانفصاليين في إقليم الدونباس بجمهوريتهم التي أعلنوها وغير المعترف بها، والتي تضم ثاني أكبر حقل صخري في أوروبا 45.6% من إنتاج الفحم والمسمى بيوسفسكا؛ لذلك سعت “كييف” نحو تحقيق الاستقلال وتنويع مصادر الطاقة بحلول عام 2035، لكن هل ستستطيع أوكرانيا ذلك؟ وهل سيقف معها حلف الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل ستقف روسيا تجاه هذا الأمر؟ هذا ما ستسفر عنه الفترات القادمة؛ خصوصًا بعد اللقاء المرتقب بين بايدن وبوتين.

الغرب يطالب بالتهدئة والروس يهددون بمذبحة مشابهة لسربرنيتسا:

على صعيد آخر: طالبت فرنسا بتحديد خطوط حمراء مع موسكو، وأن الهجوم على أوكرانيا أمر غير مقبول، ولن يبقى دون عواقب، فيما وصف البيت الأبيض الوضع شرقي أوكرانيا بالخطير والمقلق للغاية؛ خاصة في ظل الدعم الروسي للانفصاليين في إقليم دونباس، كما وجَّهت ألمانيا وإيطاليا، وبريطانيا، نداءً إلى موسكو بتهدئة التوتر وخفض التعزيزات العسكرية، وبسط السيادة الأوكرانية على أراضيها.

وهدد مسئول بالكرملين: أنه حال محاولة أوكرانيا استراد إقليم الدونباس، فإن الوضع سيشبه إلى حدٍّ كبيرٍ ما حدث في مذبحة في سربرنيتسا؛ المدينة الواقعة في البوسنة والهرسك، والتي شهدت مقتل 8000 مسلم على يد قوات صرب البوسنة في عام 1995.

التوتر الأخير بين الجارتين حوَّل السواحل البحرية لروسيا وأوكرانيا في كلٍّ مِن: أوديسا على ساحل البحر الأسود، وماريوبول على ساحل بحر آزوف وحتى مضيق كيرتش، “الذي يربط الطرف الشرقي من شبه جزيرة القرم بالبر الرئيس الروسي” – إلى مناطق استهداف يصعب الإبحار خلالها؛ ناهيك عن المناطق الملتهبة التي تكمن في الطرف الغربي للقرم؛ فضلًا عن منطقة الجنوب من سيفاستوبول إلى جورزوف، والمنطقة الأخيرة قبالة جزيرة كيرتش.

أيضًا: ما زاد الأمور تعقيدًا هو الجسر الذي دشَّنته موسكو، والذي يمتد لمسافة 19 كيلومترًا وبارتفاع ارتفاع 33 مترًا وسط اتهامات متبادلة بإعاقة الملاحة البحرية؛ خاصة مع احتجاز كلا البلدين لعددٍ مِن السفن البحرية، أعقبه إبحار ما يزيد عن 20 قطعة بحرية روسية تجاه البحر الأسود على سبيل التدريب، وردًّا على عرقلة الناتو بسط الاستقرار في الشرق الأوسط والقوقاز “بحسب وزير الدفاع الروسي” سيرجي شويجو.

الرئيس الأوكراني: “نحتاج للدعم وليس الكلمات”:

وفي مقابلة لشبكةCNN  مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي على خط التماس نُقِل خلالها بمروحية على ارتفاع منخفض، وفي زيارة كانت محفوفة بالمخاطر، قال: “إن الروس يخططون للغزو العسكري منذ سبع سنوات، وتحديدًا منذ 2014. إن المواجهة مع الروس أطول من الحرب العالمية الثانية”.

وتابع: “الأمر جد مروع، فأوكرانيا تحتاج مزيدًا من الأسلحة، ومزيدًا من تدفقات الأموال، والمزيد من الدعم، فالكلمات الداعمة من الرئيس بايدن لم تعد كافية، فالشعب الأوكراني بحاجة إلى أكثر من الكلمات، لا أعرف ما سيحدث غدًا، لكن لدينا دولة مستقلة هي مَن تقرر أن تكون أو لا تكون.

ووجَّه الرئيس الأوكراني زيلينسكي، دعوة إلى نظيره الروسي بوتين لعقد قمة في دونباس، لافتًا إلى أنه مستعد للذهاب فيما هو أبعد من ذلك.

هل يصمد الاقتصاد الروسي تجاه العقوبات؟

  • من المرجَّح أن قدرة الاقتصاد الروسي لن تتحمل الصمود أو المعاناة طويلًا، خصوصًا بعد تلويح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض مزيدٍ مِن العقوبات على روسيا، تجاه تصرفاتها المتهورة والعدائية بنشر عشرات الآلاف من الجنود على خط التماس مع جمهورية أوكرانيا.
  • على صعيد آخر: كانت موسكو قد وعدت سكان شبه جزيرة القرم بتوفير الأمن العسكري والغذائي، وهو ما لم يتحقق؛ فما زالت عمليات القنص والاستهداف تحدث بصورة متكررة وشبه يومي.
  • أما على مستوى الأمن الغذائي، فما زالت مشكلة الأمن المائي قائمة؛ إذ يعتمد أغلب سكان جزيرة القرم على محطات تحلية المياه باهظة التكلفة والثمن، وقد يكون لهذه المشكلة أثر في التواجد العسكري الروسي.
  • تحريك روسيا أكثر من 120 ألف جندي، وَضَعَ المجتمع الدولي أمام عِدَّة احتمالات؛ أقلها: مزيد من العقوبات، وأوسطها: البحث عن مصادر أخرى للطاقة عبر مسارات جديدة؛ خصوصًا مع اقتراب الروس من خط الغاز الجديد: “نورستيم – 2″، وأوجعها: الصدام العسكري.

التعليقات مغلقة.