fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قراءة في تعثرات ترامب في فترته الرئاسية

لماذا أقدم الديموقراطيون على تلك الخطوة؟!

305

فمنذ قرابة الأربعة أعوام قرر رجل أعمال أمريكي غريب الأطوار ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة عن الحزب الجمهوري؛ قوبل عزمه الترشح بحملاتٍ من السخرية والاستهجان؛ فكيف يجرأ مثله أن يسعى لنيل ثقة الحزب الجمهوري فضلًا عن ثقة المجمعات الانتخابية الأمريكية في انتخابات الرئاسة؟!

لكن العجيب أن ذلك الرجل نجح في الترشح عن الحزب الجمهوري!

تلقى الديموقراطيون الخبر في حبور واستبشار، فيا لها من معركة انتخابية باردة الوطيس، مَن ذا الذي سيفضِّل ذلك الرجل على وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون صاحبة الكفاءة والقبول؟!

ولكن حدثت المفاجأة… فاز “ترامب” بالانتخابات، واعتلى سدة حكم أقوى دولة في العالم!

هاج الجميع وماجوا، وأخذوا يبحثون عن سبب تلك المفاجأة المدوية، فظهرت دلائل على تلاعب في النتائج ومساندة جلية من روسيا لترامب، بدأت التحقيقات واستمرت لعامين، وبالكاد نجا ترامب من الإدانة المباشرة وإن تم الإطاحة بمقربين له، وبقي وضعه نصف بريء ونصف متهم.

أغلق التحقيق؛ لعدم وجود أدلة كافية لعزل الرئيس، ولكن ترامب تطلع إلى المزيد، لقد حركته عقلية رجل الأعمال الانتهازي الشره فأعلن عزمه الترشح لولاية ثانية بعد أن قدَّم فروض الولاء والطاعة للوبي الصهيوني المتوغل في مراكز صناعة القرار عبر حزمة من القرارات المناصرة لرغباتهم؛ كان أحدها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ممارسات ترامب أثارت استياء الكثيرين، وبدا عبئه أكبر من أن يحتمل، وزلاته أكثر من أن تغفر؛ لذا بدأ المجتمع الأمريكي في تهيئة نفسه للتخلص من ذلك الجاثوم الرابض على قلب بلاد العم سام، ولكن كان لترامب رأي آخر، فبدأ المعركة مبكرًا بمحاولة تشويه خصمه الديموقراطي في الانتخابات المقبلة عبر الضغط على رئيس الوزراء الأوكراني لتحريك قضايا فساد تتعلق بنشاط ابن جو بايدن في أوكرانيا، وهنا حدث ما لم يتوقعه ترامب.

شكوى تقدَّم بها أحد العاملين في المخابرات الأمريكية للكونجرس، فحواها أن الرئيس الأمريكي أجرى مكالمة مريبة مع رئيس الوزراء الأوكراني يوم 25 يوليو دون اتخاذ الإجراءات المتعارف عليها، ومنها حضور أعضاء من مجلس الأمن القومي، كما أن المكالمة تم تصنيفها بـ”سرية جدًّا”، وبناءً عليه تم إخفاؤها وعدم السماح لأحدٍ بالاطلاع عليها، وكان هذا لسببٍ سياسيٍ شخصيٍ، وليس لسببٍ متعلق بالأمن القومي الأمريكي كما تقتضي القواعد.

تحرك الكونجرس وشكَّل لجنة للتحقيق قوبلت برفض من الرئيس ومعاونيه، فتحرك الديموقراطيون ممارسين مزيدًا مِن الضغوط أدَّت لنشر ترامب لنص المكاملة على حسابه بتويتر، ولم يكن ما نشره ببعيدٍ عما أثير، وعزز مِن سوء موقف ترامب ما نشرته بعض الصحف أنه تعمد تعطيل مساعدات بعدة ملايين من الدولارات لأوكرانيا قبل تلك المكالمة بأسبوع واحد، مما دفع بنانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب أن تصرِّح بأن ترامب استغل أموال دافعي الضرائب من أجل مصلحة شخصية.

بدأت المعركة حامية بين الديموقراطيين تتزعمهم نانسي بيلوسي وبين معسكر ترامب الجمهوري، وقررت نانسي بدء إجراءات عزل ترامب، حاول الجمهوريون في مجلس النواب إيقاف إجراءات عزل الرئيس؛ إلا أن رغبتهم قوبلت برفض 222 نائب في مقابلة تأييد 184 نائب، وأضحى ترامب في مأزق.

ولكن كل ما سبق لا يعني أن عزل ترامب هو الاحتمال الأغلب، بل على العكس، سيفشل الأمر؛ لأنه حتى يتم عزل ترامب فلا بد من موافقة مجلسي: النواب والشيوخ، ويمتلك الديموقراطيون أغلبية مجلس النواب بـ 235 نائبًا من أصل 435 نائبًا؛ إلا أن الجمهوريين يمتلكون أغلبية مجلس الشيوخ بـ 53 نائبًا من أصل مائة؛ لذا فمن المستبعد أن يستطيع الحزب الديموقراطي عزل ترامب.

ويعضد ذلك: خلو التاريخ الأمريكي مِن واقعة عزلٍ لأي رئيس رغم تعرض اثنين من الرؤساء لما يتعرض له ترامب الآن.

إذًا لماذا أقدم الديموقراطيون على تلك الخطوة؟!

إنها مجرد خطوة استباقية لتقليل فرص فوز ترامب في الانتخابات التي تلوح في الأفق، فالمعركة الانتخابية مباراة تحسم بالنقاط لا بالضربة القاضية، وبالطبع محاولة عزل ترامب ستفقده الكثير من النقاط التي إن أحسن الديموقراطيون استثمارها فستمكنهم مِن جديدٍ مِن العودة لسدة الحكم، فهل ينجح الديموقراطيون في مساعيهم الحثيثة بقيادة نانسي بيلوسي أم يفلت ترامب ويقلب المائدة فوق رؤوسهم؟!

هذا ما ستسفر عنه الأشهر المقبلة إن شاء الله.

تعليق 1
  1. م عبدالفتاح يقول

    تحليل منطقي.
    وموقعكم موقع هادف ويثري ببحوث واقعية وعميقة.

التعليقات مغلقة.