fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قراءة حول انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني ودور بكين الصاعد بشكل كبير في المنطقة العربية

49

خلال العقود الأخيرة، نمت الصين بشكل سريع، وبات من الواضح تداعيات ذلك النمو على الساحة العالمية، متمثلًا في حرب باردة جديدة، وتوسع في الشراكات والتعاون الصيني مع العديد من دول العالم؛ إذ استطاعت بكين فرض مكانتها الدولية تدريجيًّا منذ بداية القرن الحالي.

وتأتي المنطقة العربية في مقدمة الإستراتيجيات الاقتصادية والتجارية والتعاون الواسع في السياسة الخارجية الصينية، وقد عكست مباحثات منتدى التعاون العربي الصيني، الذي نُظم في بكين في 30 مايو الماضي، أهمية ومحورية المنطقة العربية في السياسة الصينية، في ظل ما تتمتع به من موارد وثروات طبيعية وبشرية هائلة، وما تشهده بعض البلدان العربية من صراعات وتداعياتها على التجارة العالمية.

وكانت وزارة الخارجية الصينية قد أعلنت عن زيارات سيجريها الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ونظراؤه الإماراتي والتونسي؛ إضافة إلى ملك البحرين.

وتعكس مشاركة قادة مصر والإمارات والبحرين وتونس في فعاليات افتتاح المؤتمر الوزاري العاشر، وجود رغبة مشتركة في دفع العلاقات العربية الصينية إلى مرحلة جديدة من التعاون والتضامن، لا سيما في ظل ما يحيط بالمنطقة العربية من تهديدات متفاقمة.

فما منتدى التعاون العربي الصيني؟ وكيف يساهم في تعزيز العلاقات العربية الصينية وتنويع الشراكات المختلفة، لا سيما في المجالين: الاقتصادي والتجاري؟ وما موقف الولايات المتحدة المتوقع من نمو العلاقات العربية الصينية خلال السنوات الأخيرة؟ وما مستقبل العلاقات العربية الصينية في ظل الصراعات الدولية المحتدمة؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير، عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني ونمو المصالح الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، في ظل الضغوطات الغربية المستمرة والحرب الباردة الجديدة؛ وذلك في السطور التالية:

العلاقات العربية الصينية خلال السنوات الأخيرة:

خارج السياسة وداخلها، تعبر العلاقات العربية الصينية عن مسعى لفهم المتغيرات الدولية، والارتقاء إلى مستوى ما تفرضه تلك المتغيرات من تحديث في الأدوات والأساليب والمفاهيم. وإذا كانت دول عربية عدة قد ارتبطت بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة؛ فإن ذلك الارتباط لا يمنع من الانفتاح على الصين، كونها شريكًا رئيسًا في صنع الاقتصاد العالمي المعاصر.

فمع بَدء القرن الحالي، أخذت العلاقات الاقتصادية العربية الصينية في مزيد من التطور والارتقاء. وفي 30 يناير عام 2004، تم تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني، وفي سبتمبر من العام نفسه، انعقدت الدورة الأولى للمنتدى، حيث تم الاتفاق على تنمية وتعزيز نقاط التلاقي في العلاقات العربية الصينية، ممثلة في توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي، وإنشاء شراكات جديدة متنوعة. (مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية).

ونظرًا للزيارات المتكررة للقادة العرب إلى بكين، حيث استقبل الرئيس الصيني “شي جين بينغ” زعماء فلسطين والجزائر وسوريا وموريتانيا، وغيرها من الدول العربية في الصين؛ إضافة إلى التوسع الاستثماري الصيني في مصر والجزائر والسعودية، وغيرها، فإن بكين ترى في العالم العربي نقطة هامة لتعزيز نفوذها العالمي.

وقد تم إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين و14 دولة عربية، وجامعة الدول العربية حتى الآن، بعد إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين وكل من فلسطين وسوريا.

وتدعم الدول العربية بثبات الجهود التي تبذلها الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية، إذ تتمسك الدول العربية بمبدأ الصين الواحدة وتنتهج سياسة الصين الواحدة في مواجهة المساعي التايوانية للاستقلال عن الصين، وهو ما يتماشى مع مصالح بكين العالمية.

في المقابل، تدعم الصين بثبات جهود الدول العربية لتعزيز الاستقلالية الإستراتيجية، والحفاظ على سيادة البلاد وكرامة الأمة، وتسوية النزاعات والخلافات عبر الحوار والتشاور، والسير على طريق تقوية الذات عبر التضامن لتحقيق الأمن الجماعي.

منتدى التعاون العربي الصيني والقضايا المشتركة:

تتلاقى وجهات النظر العربية والصينية في العديد من القضايا الدولية والمشاريع الاقتصادية والتجارية. وقد بدا ذلك جليًّا في مخرجات اجتماع منتدى التعاون العربي الصيني، حيث تم الإعلان عن 3 وثائق رسمية، هي مشروع بكين، ومشروع البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني (2024-2026)، وأخرى تتعلق بموقف صيني عربي موحد تجاه القضية الفلسطينية.

وجاء في البيان الختامي للاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني، أن جلستي الاجتماع بالإضافة إلى الجلسة الافتتاحية تناولت مباحثات معمقة باتجاه تنفيذ مخرجات القمة الصينية العربية الأولى التي عقدت في الرياض في عام 2022. وأعلن البيان عقد القمة بشكل دوري، إذ ستعقد الثانية في الصين في عام 2026، والثالثة في الكويت في 2030. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

وتصدرت الحرب الإسرائيلية على غزة وتعزيز أفق التعاون بين الصين والدول العربية، ملفات منتدى التعاون العربي الصيني؛ إذ أعرب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عن استعداد بكين لبناء علاقات صينية عربية تكون أساسًا للحفاظ على السلام والاستقرار العالميين؛ بالإضافة إلى تعميق التعاون التجاري والاقتصادي. وفي ظل دعم إدارة الرئيس الأمريكي بايدن للكيان المحتل في الصراع الدائر في قطاع غزة، تتفق الصين مع الدول العربية وتدعم وقفًا فوريًا لإطلاق النار والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ويساعد هذا التحالف بكين على توسيع نفوذها السياسي في البلدان التي كانت حتى وقت قريب تنظر إلى الصين كشريك اقتصادي في المقام الأول، كما يعزز ذلك من تحالفات الصين في صراعها على النفوذ مع الولايات المتحدة. واعتبرت الصين والسعودية زيارة “شي جين بينغ” إلى المملكة في أواخر عام 2022 علامة بارزة في العلاقات العربية الصينية.

وفي العام الماضي، واصلت الصين هذا النهج من خلال التوسط في اتفاق مفاجئ للمصالحة بين الرياض وطهران، وقد صمد هذا الاتفاق حتى وسط الضغوط التي سببتها حرب الكيان المحتل على قطاع غزة، ما أظهر نجاح السياسة الصينية في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير. وتعكس الاتفاقيات الصينية العربية ومخرجات منتدى التعاون مساعي الصين لتطوير قوتها الناعمة في منطقة الشرق الأوسط، في ظل كون العلاقات العربية الصينية تناسب احتياجات الجانبين.

كما تمتد العلاقات العربية الصينية إلى الدعم السياسي المتبادل في المؤسسات العالمية الجديدة؛ فقد رحبت بكين بانضمام مصر والسعودية والإمارات إلى تكتل البريكس في يناير الماضي. وقد أشار نائب وزير الخارجية الصيني “دنج لي” في معرض توضيحه لجدول أعمال الاجتماع المقرر “إلى زيادة التجارة مع الشرق الأوسط بمقدار 10 أضعاف على مدى العقدين الماضيين”. (الشرق للأخبار).

وتلعب الإمارات دورًا محوريًّا في مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني، كما أن السعودية لديها استثمارات جديدة بقيمة 16.8 مليار دولار من الصين في عام 2023، بما في ذلك في صناعات السيارات وأشباه الموصلات، وبينما يتزايد ثقل الصين الاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة، تظل الولايات المتحدة الشريك الأمني الرئيسي لدول الخليج العربية.

إستراتيجية بكين في العالم العربي ومستقبل العلاقات العربية الصينية:

نظرًا لموارد الدول العربية المتنوعة، وقلة التنمية الاقتصادية، وتعدد الصراعات الغربية في العالم العربي، مثل: حرب العراق 2003م، وحرب ليبيا 2011م، وصراع الحوثيين والغرب 2024م؛ سعت بكين إلى استغلال إخفاقات الولايات المتحدة والقوى الغربية في العالم العربي، لإبراز هويتها الإيديولوجية السياسية الجديدة على المسرح الدولي (الاشتراكية ذات الخصائص الصينية)، وتنفيذ سياسة خارجية تجمع بين القوة الصلبة والناعمة في إطار إطلاق مبادرة “البناء المشترك للحزام والطريق”، والتي تُعد منصة مهمة للتعاون الصيني العربي، ووقعت عليها جميع الدول العربية.

ولدى بكين عدة أهداف اقتصادية طويلة الأمد في المنطقة العربية؛ فبالنظر إلى قطاع الطاقة، تُعد منطقة الشرق الأوسط الحجر الأساس في واردات بكين من النفط والغاز، لتعزيز نموها الصناعي والإنتاجي. وعلى الرغم من محاولات بكين لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الحصول على الطاقة؛ إلا أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال أهم مورد للطاقة إلى الصين بنسبة تتجاوز 50%.، وعلى صعيد الاستثمارات والتجارة ومشاريع البنية التحتية؛ تصدرت الصين قائمة الشركاء التجاريين الرئيسيين للعديد من دول العالم العربي، حيث ارتفع حجم التجارة الصينية العربية من 36.7 مليار دولار عام 2004م، إلى 398 مليار دولار أمريكي في عام 2023م، وتجاوز حجم الاستثمار المباشر الصيني العربي 30 مليار دولار، ما يُعد قفزة كبيرة في هذا المجال، كما عملت الصين خلال العام الماضي على توقيع نحو 30 اتفاقية اقتصادية وتجارية بقيمة إجمالية تزيد عن 70 مليار يوان، وجاء ذلك خلال الندوة الاستثمارية الـ8 لمنتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد في المملكة العربية السعودية.

وشهد مجال البنية التحتية تعاونًا قويًّا ومثمرًا بين الجانبين، لا سيما المنطقة التجارية المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ومصفاة “تشونجشا” التي تغطي مساحة تبلغ حوالي 5.2 مليون متر مربع على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية، وبناء أول شبكة (5G) تجارية على مستوى الشرق الأوسط في الكويت، وربط الطريق السريع الجزائري بين الشرق والغرب البالغ طوله 1216 كيلومترًا وغيرها من المشروعات.

وعلى صعيد الطاقة النووية والمتجددة وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية؛ شهد التعاون في هذه المجالات قفزة جديدة بين الدول العربية والصين؛ فقد تم إنشاء مشروع “الطويل” بدولة الإمارات العربية المتحدة في مدينة أبوظبي لتحلية مياه البحر، كما تم الانتهاء من رفع الوحدة الأولى لمشروع طاقة الرياح بقدرة 500 ميجاوات في خليج السويس بمصر، وإنشاء مركز مكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي بين الصين والدول العربية، ونقل التكنولوجيا والطاقة النظيفة والقمر الصناعي (بيدو) ومراكز أخرى، إضافة إلى دور شركة “هواوي” المتزايد في المنطقة.

وامتدت أطر التعاون العربي الصيني خلال السنوات الأخيرة إلى الأحزاب السياسية والصحافة والتعليم والثقافة، وتبادل الأفكار بين الصين والدول العربية، من خلال مركز أبحاث الإصلاح والتنمية الصيني العربي، وبالتالي: يمكن استنتاج أن الصين تؤسس لاستثمارات طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، في ظل موارد المنطقة المتنوعة وافتقار أساليب استغلالها، وفشل الإستراتيجية الأمريكية في العالم العربي.

وضمن إستراتيجياتها طويلة الأمد في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فإن بكين باتت تزاحم الولايات المتحدة في المنطقة، بالرغم من قدم العلاقات العربية الأمريكية والانتشار العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط؛ لذلك يمكن القول إن منطقة الشرق الأوسط ستشهد ازديادًا في حدة التنافس والاستقطابات الدولية، لا سيما الأمريكية والصينية خلال العقود القليلة القادمة، في ظل ما تمثله منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي من محورية في علاقات الصين والولايات المتحدة الخارجية.

تأثير العلاقات العربية الصينية على مصالح الجانبين:

ونتيجة للصعود الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي السريع للصين خلال السنوات الأخيرة؛ تنظر العديد من الدول العربية إلى الصين باعتبارها أحد البدائل المتاحة لتنويع الشراكات والتعاون العربي الدولي، فلم تعد الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة عالميًّا كما كان الحال خلال التسعينيات وأوائل القرن الحالي.

فعند النظر إلى العلاقات التي تجمع الصين ودول المغرب العربي؛ مثل: الجزائر وتونس، نجد نموًا سريعًا للشراكات الاقتصادية والتجارية، خصوصًا في ظل محاولات الجزائر الانضمام إلى تكتل البريكس، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز 10 مليارات دولار خلال العام 2023م.

كما برز حضور الصين الاقتصادي في المشروعات الاقتصادية التي تنفذها الدولة المصرية، وتحديدًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ إذ كشف وزير التجارة والصناعة المصري في مارس الماضي عن إنشاء منطقة صناعية صينية كبرى على البحر المتوسط لتوفير احتياجات السوق المحلي والتصدير للأسواق الأوروبية والأمريكية.

وإلى جانب التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية والصين، برز أيضًا التعاون السياسي الواضح خلال الأشهر الأخيرة؛ إذ أفشلت بكين بالتعاون مع موسكو في 25 أكتوبر، باستخدامها حق النقض “الفيتو”، مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن الدولي، يدين حركة حماس ولا يتضمن دعوة قوية لوقف إطلاق النار.

وقبل ذلك بعدة أيام، وتحديدًا في 13 أكتوبر، قال وزير الخارجية الصيني “وانغ يي”: إن سبب الصراع بين إسرائيل وحركة حماس هو الظلم التاريخي الذي يتعرض له الفلسطينيون والتأخير الطويل في تحقيق تطلعاتهم بإقامة دولة مستقلة، وذلك خلال لقائه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” في بكين.

وترى بكين في تعاونها مع الدول العربية عاملًا مهمًّا في تعزيز مكانتها الدولية، في ظل التوسع الاقتصادي الصيني العالمي عبر مشروع الحزام والطريق من جهة، وتأمين احتياجات الصين من الطاقة القادمة من دول الخليج من جهة أخرى، في ظل ما تعانيه أسواق الطاقة العالمية من شح في الإمدادات، خصوصًا مع حزم العقوبات المتتالية على الاقتصاد الروسي.

وعلى الصعيد السياسي؛ تحشد بكين داعمين دوليين جدد في صراعها مع تايوان، والذي يُعد انعكاسًا لصراعها الأكبر مع الولايات المتحدة. فالتزام الدول العربية بمبدأ “الصين الواحدة” وعدم التدخل في الشأن الصيني الداخلي كان أحد العوامل في تعزيز العلاقات العربية الصينية خلال العقود الأخيرة.

ردود الفعل الأمريكية المتوقعة على نمو العلاقات العربية الصينية:

في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على تأسيس التحالفات والاستقطابات الدولية في أوروبا وشرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، تعمل بكين على التمدد في مناطق أخرى من العالم، منتهجة سياسات خارجية تختلف جذريًا عن السياسات الغربية والأمريكية؛ إذ تستغل الصين تطورها الاقتصادي والتكنولوجي وفائض الإنتاج الصناعي الضخم لديها لتوسيع شبكة التعاون الاقتصادي في مختلف دول العالم، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم العربي عمومًا.

تسعى كلٌّ من الصين والولايات المتحدة إلى تعزيز حضورهما في المنطقة، وصحيح أن الولايات المتحدة هي الأكثر حضورًا وتأثيرًا في الشرق الأوسط؛ سواء من خلال علاقاتها الأمنية والإستراتيجية مع بلدان المنطقة، أو من خلال الحضور العسكري الكثيف في تلك المنطقة الذي يصل لآلاف الجنود المنتشرين في أكثر من دولة عربية؛ إلا أن الحضور الاقتصادي والاستثماري والتكنولوجي الصيني قد تجاوز في بعض الأحيان نظيره الأمريكي؛ ولذلك شهدت الشهور الأخيرة عودة الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط من جديد، وبرز اهتمام واشنطن في إبرام اتفاق دفاعي جديد مع السعودية، والذي من المفترض أن يكون جزءًا من عملية إعادة تنظيم إقليمية أوسع في المنطقة تعزز من النفوذ الأمريكي أكثر.

من الممكن أن يؤدي الاتفاق الدفاعي الأمريكي السعودي وعودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة إلى إبطاء التقدم التجاري للصين في الشرق الأوسط، من خلال زيادة العقبات في قطاعات التكنولوجيا الفائقة. وتقول وكالة “بلومبرغ”: إن هناك دلائل على أن الولايات المتحدة تضغط على الشركات الخليجية لقطع علاقاتها مع بكين في مثل هذه المجالات.

وافقت شركة G42، وهي أكبر شركة للذكاء الاصطناعي في الإمارات، مؤخرًا على سحب استثماراتها من الصين والتركيز على التكنولوجيا الأمريكية، إذ وقعت اتفاقية بقيمة 1.5 مليار دولار مع شركة مايكروسوفت. وأشار صندوق للذكاء الاصطناعي في السعودية تبلغ قيمته 100 مليار دولار إلى استعداده لفعل الشيء نفسه.

فالولايات المتحدة تدرك الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. وبالتالي، فإن الحرب الباردة الجديدة بين الصين والولايات المتحدة، والتي بدت واضحة في تأسيس تحالفات “أوكوس” و”كواد” في شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، قد تمتد خلال الفترة المقبلة إلى منطقة الشرق الأوسط، لمواجهة التأثير الاقتصادي الصيني الصاعد بشكل كبير في المنطقة، وهو ما بدا واضحًا في الضغوطات التي تمارسها واشنطن على العديد من الدول العربية للحد من علاقاتها ببكين، بدءًا بدول الخليج.

يمكن القول: إن التنافس الصيني الأمريكي لم يعد محصورًا في مناطق محددة من العالم، بل بات واضحًا أن الصراع الاقتصادي والتكنولوجي بين واشنطن وبكين قد طال منطقة الشرق الأوسط أيضًا. كما أنه لا يمكن الفصل بين ما تقوم به الصين في جوارها القريب وما تقوم به في شتى أرجاء العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، لكن مع مراعاة التباين الشديد بين حدود ما يمكن أن تصل إليه بكين من تصرفات في جوارها القريب، وما يمكن أن تقوم به في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها من مناطق العالم؛ وفي كل الحالات تبقى الولايات المتحدة، برؤيتها للصين وإستراتيجياتها المعلنة وسياساتها المطبقة، أحد أهم المعوقات أمام الصين، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط.

وإذا كانت الصين حريصة حتى الآن على ألا تصل الأمور في قضايا جوهرية بالنسبة لها، مثل قضية تايوان وقضايا بحر الصين الجنوبي، إلى الصراع والمواجهة المفتوحة مع واشنطن، فإنها أشد حرصًا على ألا يحدث ذلك في مناطق أخرى من العالم، نظرًا لشراكاتها الآخذة في النمو السريع في العديد من المناطق حول العالم.

الخلاصة:

تأتي مخرجات اجتماع منتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد في بكين في الـ30 من مايو الماضي لتعكس مدى تطور العلاقات والمصالح المشتركة التي تجمع كلًا من الصين والعالم العربي، في ظل التوسع الاستثماري والتجاري الصيني في المنطقة، وتصدر الصين لقائمة أكبر الشركاء التجاريين لعدد من الدول العربية. إضافة إلى أن توافق الرؤى العربية الصينية في العديد من القضايا الدولية المختلفة، أبرزها قضية تايوان والحرب على قطاع غزة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، يضمن فعالية الدور العربي والصيني في العديد من القضايا المحورية الهامة عالميًّا.

تزدهر العلاقات العربية الصينية في ظل ازدياد حدة الحرب الباردة الجديدة ما بين واشنطن وبكين، ما جعل منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي إحدى ساحات التنافس الصيني الأمريكي؛ فالتوسع الاقتصادي والتجاري السريع للصين في المنطقة، والمساعي الأمريكية لإبرام اتفاقية دفاعية مع المملكة العربية السعودية، التي تُعد جزءًا من سياسة واشنطن طويلة الأمد في المنطقة، تعكس الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للعالم العربي والشرق الأوسط، في ظل الحرب الباردة الجديدة التي تزداد حدتها ما بين واشنطن وبكين.

تنظر الدول العربية إلى الصين على أنها قوة عظمى في طور التكوين، وتتوقع أن تبقى الصين وجهة رئيسية لصادرات الدول العربية من الطاقة خلال العقدين المقبلين، ومن ثم سيكون من المنطقي للدول العربية تعزيز العلاقات مع هذه القوة الصاعدة.

من ناحية أخرى: من المرجح أن تنمو مصالح الصين ووجودها وتأثيرها في الشرق الأوسط خلال العقدين المقبلين، بالرغم من الضغوط الغربية والأمريكية التي تحد من نمو المصالح العربية الصينية.

المصادر

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

الشرق الأوسط

سكاي نيوز عربية

إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

مركز الدراسات العربية الأوراسية

الشرق للأخبار

قراءة حول انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني ودور بكين الصاعد بشكل كبير في المنطقة العربية

خلال العقود الأخيرة، نمت الصين بشكل سريع، وبات من الواضح تداعيات ذلك النمو على الساحة العالمية، متمثلًا في حرب باردة جديدة، وتوسع في الشراكات والتعاون الصيني مع العديد من دول العالم؛ إذ استطاعت بكين فرض مكانتها الدولية تدريجيًّا منذ بداية القرن الحالي.

وتأتي المنطقة العربية في مقدمة الإستراتيجيات الاقتصادية والتجارية والتعاون الواسع في السياسة الخارجية الصينية، وقد عكست مباحثات منتدى التعاون العربي الصيني، الذي نُظم في بكين في 30 مايو الماضي، أهمية ومحورية المنطقة العربية في السياسة الصينية، في ظل ما تتمتع به من موارد وثروات طبيعية وبشرية هائلة، وما تشهده بعض البلدان العربية من صراعات وتداعياتها على التجارة العالمية.

وكانت وزارة الخارجية الصينية قد أعلنت عن زيارات سيجريها الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” ونظراؤه الإماراتي والتونسي؛ إضافة إلى ملك البحرين.

وتعكس مشاركة قادة مصر والإمارات والبحرين وتونس في فعاليات افتتاح المؤتمر الوزاري العاشر، وجود رغبة مشتركة في دفع العلاقات العربية الصينية إلى مرحلة جديدة من التعاون والتضامن، لا سيما في ظل ما يحيط بالمنطقة العربية من تهديدات متفاقمة.

فما منتدى التعاون العربي الصيني؟ وكيف يساهم في تعزيز العلاقات العربية الصينية وتنويع الشراكات المختلفة، لا سيما في المجالين: الاقتصادي والتجاري؟ وما موقف الولايات المتحدة المتوقع من نمو العلاقات العربية الصينية خلال السنوات الأخيرة؟ وما مستقبل العلاقات العربية الصينية في ظل الصراعات الدولية المحتدمة؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير، عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على انعقاد منتدى التعاون العربي الصيني ونمو المصالح الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، في ظل الضغوطات الغربية المستمرة والحرب الباردة الجديدة؛ وذلك في السطور التالية:

العلاقات العربية الصينية خلال السنوات الأخيرة:

خارج السياسة وداخلها، تعبر العلاقات العربية الصينية عن مسعى لفهم المتغيرات الدولية، والارتقاء إلى مستوى ما تفرضه تلك المتغيرات من تحديث في الأدوات والأساليب والمفاهيم. وإذا كانت دول عربية عدة قد ارتبطت بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة؛ فإن ذلك الارتباط لا يمنع من الانفتاح على الصين، كونها شريكًا رئيسًا في صنع الاقتصاد العالمي المعاصر.

فمع بَدء القرن الحالي، أخذت العلاقات الاقتصادية العربية الصينية في مزيد من التطور والارتقاء. وفي 30 يناير عام 2004، تم تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني، وفي سبتمبر من العام نفسه، انعقدت الدورة الأولى للمنتدى، حيث تم الاتفاق على تنمية وتعزيز نقاط التلاقي في العلاقات العربية الصينية، ممثلة في توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي، وإنشاء شراكات جديدة متنوعة. (مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية).

ونظرًا للزيارات المتكررة للقادة العرب إلى بكين، حيث استقبل الرئيس الصيني “شي جين بينغ” زعماء فلسطين والجزائر وسوريا وموريتانيا، وغيرها من الدول العربية في الصين؛ إضافة إلى التوسع الاستثماري الصيني في مصر والجزائر والسعودية، وغيرها، فإن بكين ترى في العالم العربي نقطة هامة لتعزيز نفوذها العالمي.

وقد تم إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين و14 دولة عربية، وجامعة الدول العربية حتى الآن، بعد إقامة علاقات الشراكة الإستراتيجية بين الصين وكل من فلسطين وسوريا.

وتدعم الدول العربية بثبات الجهود التي تبذلها الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية، إذ تتمسك الدول العربية بمبدأ الصين الواحدة وتنتهج سياسة الصين الواحدة في مواجهة المساعي التايوانية للاستقلال عن الصين، وهو ما يتماشى مع مصالح بكين العالمية.

في المقابل، تدعم الصين بثبات جهود الدول العربية لتعزيز الاستقلالية الإستراتيجية، والحفاظ على سيادة البلاد وكرامة الأمة، وتسوية النزاعات والخلافات عبر الحوار والتشاور، والسير على طريق تقوية الذات عبر التضامن لتحقيق الأمن الجماعي.

منتدى التعاون العربي الصيني والقضايا المشتركة:

تتلاقى وجهات النظر العربية والصينية في العديد من القضايا الدولية والمشاريع الاقتصادية والتجارية. وقد بدا ذلك جليًّا في مخرجات اجتماع منتدى التعاون العربي الصيني، حيث تم الإعلان عن 3 وثائق رسمية، هي مشروع بكين، ومشروع البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني (2024-2026)، وأخرى تتعلق بموقف صيني عربي موحد تجاه القضية الفلسطينية.

وجاء في البيان الختامي للاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني، أن جلستي الاجتماع بالإضافة إلى الجلسة الافتتاحية تناولت مباحثات معمقة باتجاه تنفيذ مخرجات القمة الصينية العربية الأولى التي عقدت في الرياض في عام 2022. وأعلن البيان عقد القمة بشكل دوري، إذ ستعقد الثانية في الصين في عام 2026، والثالثة في الكويت في 2030. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

وتصدرت الحرب الإسرائيلية على غزة وتعزيز أفق التعاون بين الصين والدول العربية، ملفات منتدى التعاون العربي الصيني؛ إذ أعرب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عن استعداد بكين لبناء علاقات صينية عربية تكون أساسًا للحفاظ على السلام والاستقرار العالميين؛ بالإضافة إلى تعميق التعاون التجاري والاقتصادي. وفي ظل دعم إدارة الرئيس الأمريكي بايدن للكيان المحتل في الصراع الدائر في قطاع غزة، تتفق الصين مع الدول العربية وتدعم وقفًا فوريًا لإطلاق النار والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ويساعد هذا التحالف بكين على توسيع نفوذها السياسي في البلدان التي كانت حتى وقت قريب تنظر إلى الصين كشريك اقتصادي في المقام الأول، كما يعزز ذلك من تحالفات الصين في صراعها على النفوذ مع الولايات المتحدة. واعتبرت الصين والسعودية زيارة “شي جين بينغ” إلى المملكة في أواخر عام 2022 علامة بارزة في العلاقات العربية الصينية.

وفي العام الماضي، واصلت الصين هذا النهج من خلال التوسط في اتفاق مفاجئ للمصالحة بين الرياض وطهران، وقد صمد هذا الاتفاق حتى وسط الضغوط التي سببتها حرب الكيان المحتل على قطاع غزة، ما أظهر نجاح السياسة الصينية في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير. وتعكس الاتفاقيات الصينية العربية ومخرجات منتدى التعاون مساعي الصين لتطوير قوتها الناعمة في منطقة الشرق الأوسط، في ظل كون العلاقات العربية الصينية تناسب احتياجات الجانبين.

كما تمتد العلاقات العربية الصينية إلى الدعم السياسي المتبادل في المؤسسات العالمية الجديدة؛ فقد رحبت بكين بانضمام مصر والسعودية والإمارات إلى تكتل البريكس في يناير الماضي. وقد أشار نائب وزير الخارجية الصيني “دنج لي” في معرض توضيحه لجدول أعمال الاجتماع المقرر “إلى زيادة التجارة مع الشرق الأوسط بمقدار 10 أضعاف على مدى العقدين الماضيين”. (الشرق للأخبار).

وتلعب الإمارات دورًا محوريًّا في مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني، كما أن السعودية لديها استثمارات جديدة بقيمة 16.8 مليار دولار من الصين في عام 2023، بما في ذلك في صناعات السيارات وأشباه الموصلات، وبينما يتزايد ثقل الصين الاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة، تظل الولايات المتحدة الشريك الأمني الرئيسي لدول الخليج العربية.

إستراتيجية بكين في العالم العربي ومستقبل العلاقات العربية الصينية:

نظرًا لموارد الدول العربية المتنوعة، وقلة التنمية الاقتصادية، وتعدد الصراعات الغربية في العالم العربي، مثل: حرب العراق 2003م، وحرب ليبيا 2011م، وصراع الحوثيين والغرب 2024م؛ سعت بكين إلى استغلال إخفاقات الولايات المتحدة والقوى الغربية في العالم العربي، لإبراز هويتها الإيديولوجية السياسية الجديدة على المسرح الدولي (الاشتراكية ذات الخصائص الصينية)، وتنفيذ سياسة خارجية تجمع بين القوة الصلبة والناعمة في إطار إطلاق مبادرة “البناء المشترك للحزام والطريق”، والتي تُعد منصة مهمة للتعاون الصيني العربي، ووقعت عليها جميع الدول العربية.

ولدى بكين عدة أهداف اقتصادية طويلة الأمد في المنطقة العربية؛ فبالنظر إلى قطاع الطاقة، تُعد منطقة الشرق الأوسط الحجر الأساس في واردات بكين من النفط والغاز، لتعزيز نموها الصناعي والإنتاجي. وعلى الرغم من محاولات بكين لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الحصول على الطاقة؛ إلا أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال أهم مورد للطاقة إلى الصين بنسبة تتجاوز 50%.، وعلى صعيد الاستثمارات والتجارة ومشاريع البنية التحتية؛ تصدرت الصين قائمة الشركاء التجاريين الرئيسيين للعديد من دول العالم العربي، حيث ارتفع حجم التجارة الصينية العربية من 36.7 مليار دولار عام 2004م، إلى 398 مليار دولار أمريكي في عام 2023م، وتجاوز حجم الاستثمار المباشر الصيني العربي 30 مليار دولار، ما يُعد قفزة كبيرة في هذا المجال، كما عملت الصين خلال العام الماضي على توقيع نحو 30 اتفاقية اقتصادية وتجارية بقيمة إجمالية تزيد عن 70 مليار يوان، وجاء ذلك خلال الندوة الاستثمارية الـ8 لمنتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد في المملكة العربية السعودية.

وشهد مجال البنية التحتية تعاونًا قويًّا ومثمرًا بين الجانبين، لا سيما المنطقة التجارية المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ومصفاة “تشونجشا” التي تغطي مساحة تبلغ حوالي 5.2 مليون متر مربع على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية، وبناء أول شبكة (5G) تجارية على مستوى الشرق الأوسط في الكويت، وربط الطريق السريع الجزائري بين الشرق والغرب البالغ طوله 1216 كيلومترًا وغيرها من المشروعات.

وعلى صعيد الطاقة النووية والمتجددة وتكنولوجيا الأقمار الاصطناعية؛ شهد التعاون في هذه المجالات قفزة جديدة بين الدول العربية والصين؛ فقد تم إنشاء مشروع “الطويل” بدولة الإمارات العربية المتحدة في مدينة أبوظبي لتحلية مياه البحر، كما تم الانتهاء من رفع الوحدة الأولى لمشروع طاقة الرياح بقدرة 500 ميجاوات في خليج السويس بمصر، وإنشاء مركز مكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي بين الصين والدول العربية، ونقل التكنولوجيا والطاقة النظيفة والقمر الصناعي (بيدو) ومراكز أخرى، إضافة إلى دور شركة “هواوي” المتزايد في المنطقة.

وامتدت أطر التعاون العربي الصيني خلال السنوات الأخيرة إلى الأحزاب السياسية والصحافة والتعليم والثقافة، وتبادل الأفكار بين الصين والدول العربية، من خلال مركز أبحاث الإصلاح والتنمية الصيني العربي، وبالتالي: يمكن استنتاج أن الصين تؤسس لاستثمارات طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، في ظل موارد المنطقة المتنوعة وافتقار أساليب استغلالها، وفشل الإستراتيجية الأمريكية في العالم العربي.

وضمن إستراتيجياتها طويلة الأمد في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فإن بكين باتت تزاحم الولايات المتحدة في المنطقة، بالرغم من قدم العلاقات العربية الأمريكية والانتشار العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط؛ لذلك يمكن القول إن منطقة الشرق الأوسط ستشهد ازديادًا في حدة التنافس والاستقطابات الدولية، لا سيما الأمريكية والصينية خلال العقود القليلة القادمة، في ظل ما تمثله منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي من محورية في علاقات الصين والولايات المتحدة الخارجية.

تأثير العلاقات العربية الصينية على مصالح الجانبين:

ونتيجة للصعود الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي السريع للصين خلال السنوات الأخيرة؛ تنظر العديد من الدول العربية إلى الصين باعتبارها أحد البدائل المتاحة لتنويع الشراكات والتعاون العربي الدولي، فلم تعد الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة عالميًّا كما كان الحال خلال التسعينيات وأوائل القرن الحالي.

فعند النظر إلى العلاقات التي تجمع الصين ودول المغرب العربي؛ مثل: الجزائر وتونس، نجد نموًا سريعًا للشراكات الاقتصادية والتجارية، خصوصًا في ظل محاولات الجزائر الانضمام إلى تكتل البريكس، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز 10 مليارات دولار خلال العام 2023م.

كما برز حضور الصين الاقتصادي في المشروعات الاقتصادية التي تنفذها الدولة المصرية، وتحديدًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ إذ كشف وزير التجارة والصناعة المصري في مارس الماضي عن إنشاء منطقة صناعية صينية كبرى على البحر المتوسط لتوفير احتياجات السوق المحلي والتصدير للأسواق الأوروبية والأمريكية.

وإلى جانب التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية والصين، برز أيضًا التعاون السياسي الواضح خلال الأشهر الأخيرة؛ إذ أفشلت بكين بالتعاون مع موسكو في 25 أكتوبر، باستخدامها حق النقض “الفيتو”، مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن الدولي، يدين حركة حماس ولا يتضمن دعوة قوية لوقف إطلاق النار.

وقبل ذلك بعدة أيام، وتحديدًا في 13 أكتوبر، قال وزير الخارجية الصيني “وانغ يي”: إن سبب الصراع بين إسرائيل وحركة حماس هو الظلم التاريخي الذي يتعرض له الفلسطينيون والتأخير الطويل في تحقيق تطلعاتهم بإقامة دولة مستقلة، وذلك خلال لقائه مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” في بكين.

وترى بكين في تعاونها مع الدول العربية عاملًا مهمًّا في تعزيز مكانتها الدولية، في ظل التوسع الاقتصادي الصيني العالمي عبر مشروع الحزام والطريق من جهة، وتأمين احتياجات الصين من الطاقة القادمة من دول الخليج من جهة أخرى، في ظل ما تعانيه أسواق الطاقة العالمية من شح في الإمدادات، خصوصًا مع حزم العقوبات المتتالية على الاقتصاد الروسي.

وعلى الصعيد السياسي؛ تحشد بكين داعمين دوليين جدد في صراعها مع تايوان، والذي يُعد انعكاسًا لصراعها الأكبر مع الولايات المتحدة. فالتزام الدول العربية بمبدأ “الصين الواحدة” وعدم التدخل في الشأن الصيني الداخلي كان أحد العوامل في تعزيز العلاقات العربية الصينية خلال العقود الأخيرة.

ردود الفعل الأمريكية المتوقعة على نمو العلاقات العربية الصينية:

في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على تأسيس التحالفات والاستقطابات الدولية في أوروبا وشرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، تعمل بكين على التمدد في مناطق أخرى من العالم، منتهجة سياسات خارجية تختلف جذريًا عن السياسات الغربية والأمريكية؛ إذ تستغل الصين تطورها الاقتصادي والتكنولوجي وفائض الإنتاج الصناعي الضخم لديها لتوسيع شبكة التعاون الاقتصادي في مختلف دول العالم، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم العربي عمومًا.

تسعى كلٌّ من الصين والولايات المتحدة إلى تعزيز حضورهما في المنطقة، وصحيح أن الولايات المتحدة هي الأكثر حضورًا وتأثيرًا في الشرق الأوسط؛ سواء من خلال علاقاتها الأمنية والإستراتيجية مع بلدان المنطقة، أو من خلال الحضور العسكري الكثيف في تلك المنطقة الذي يصل لآلاف الجنود المنتشرين في أكثر من دولة عربية؛ إلا أن الحضور الاقتصادي والاستثماري والتكنولوجي الصيني قد تجاوز في بعض الأحيان نظيره الأمريكي؛ ولذلك شهدت الشهور الأخيرة عودة الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط من جديد، وبرز اهتمام واشنطن في إبرام اتفاق دفاعي جديد مع السعودية، والذي من المفترض أن يكون جزءًا من عملية إعادة تنظيم إقليمية أوسع في المنطقة تعزز من النفوذ الأمريكي أكثر.

من الممكن أن يؤدي الاتفاق الدفاعي الأمريكي السعودي وعودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة إلى إبطاء التقدم التجاري للصين في الشرق الأوسط، من خلال زيادة العقبات في قطاعات التكنولوجيا الفائقة. وتقول وكالة “بلومبرغ”: إن هناك دلائل على أن الولايات المتحدة تضغط على الشركات الخليجية لقطع علاقاتها مع بكين في مثل هذه المجالات.

وافقت شركة G42، وهي أكبر شركة للذكاء الاصطناعي في الإمارات، مؤخرًا على سحب استثماراتها من الصين والتركيز على التكنولوجيا الأمريكية، إذ وقعت اتفاقية بقيمة 1.5 مليار دولار مع شركة مايكروسوفت. وأشار صندوق للذكاء الاصطناعي في السعودية تبلغ قيمته 100 مليار دولار إلى استعداده لفعل الشيء نفسه.

فالولايات المتحدة تدرك الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. وبالتالي، فإن الحرب الباردة الجديدة بين الصين والولايات المتحدة، والتي بدت واضحة في تأسيس تحالفات “أوكوس” و”كواد” في شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، قد تمتد خلال الفترة المقبلة إلى منطقة الشرق الأوسط، لمواجهة التأثير الاقتصادي الصيني الصاعد بشكل كبير في المنطقة، وهو ما بدا واضحًا في الضغوطات التي تمارسها واشنطن على العديد من الدول العربية للحد من علاقاتها ببكين، بدءًا بدول الخليج.

يمكن القول: إن التنافس الصيني الأمريكي لم يعد محصورًا في مناطق محددة من العالم، بل بات واضحًا أن الصراع الاقتصادي والتكنولوجي بين واشنطن وبكين قد طال منطقة الشرق الأوسط أيضًا. كما أنه لا يمكن الفصل بين ما تقوم به الصين في جوارها القريب وما تقوم به في شتى أرجاء العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، لكن مع مراعاة التباين الشديد بين حدود ما يمكن أن تصل إليه بكين من تصرفات في جوارها القريب، وما يمكن أن تقوم به في منطقة الشرق الأوسط أو غيرها من مناطق العالم؛ وفي كل الحالات تبقى الولايات المتحدة، برؤيتها للصين وإستراتيجياتها المعلنة وسياساتها المطبقة، أحد أهم المعوقات أمام الصين، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط.

وإذا كانت الصين حريصة حتى الآن على ألا تصل الأمور في قضايا جوهرية بالنسبة لها، مثل قضية تايوان وقضايا بحر الصين الجنوبي، إلى الصراع والمواجهة المفتوحة مع واشنطن، فإنها أشد حرصًا على ألا يحدث ذلك في مناطق أخرى من العالم، نظرًا لشراكاتها الآخذة في النمو السريع في العديد من المناطق حول العالم.

الخلاصة:

تأتي مخرجات اجتماع منتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد في بكين في الـ30 من مايو الماضي لتعكس مدى تطور العلاقات والمصالح المشتركة التي تجمع كلًا من الصين والعالم العربي، في ظل التوسع الاستثماري والتجاري الصيني في المنطقة، وتصدر الصين لقائمة أكبر الشركاء التجاريين لعدد من الدول العربية. إضافة إلى أن توافق الرؤى العربية الصينية في العديد من القضايا الدولية المختلفة، أبرزها قضية تايوان والحرب على قطاع غزة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، يضمن فعالية الدور العربي والصيني في العديد من القضايا المحورية الهامة عالميًّا.

تزدهر العلاقات العربية الصينية في ظل ازدياد حدة الحرب الباردة الجديدة ما بين واشنطن وبكين، ما جعل منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي إحدى ساحات التنافس الصيني الأمريكي؛ فالتوسع الاقتصادي والتجاري السريع للصين في المنطقة، والمساعي الأمريكية لإبرام اتفاقية دفاعية مع المملكة العربية السعودية، التي تُعد جزءًا من سياسة واشنطن طويلة الأمد في المنطقة، تعكس الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للعالم العربي والشرق الأوسط، في ظل الحرب الباردة الجديدة التي تزداد حدتها ما بين واشنطن وبكين.

تنظر الدول العربية إلى الصين على أنها قوة عظمى في طور التكوين، وتتوقع أن تبقى الصين وجهة رئيسية لصادرات الدول العربية من الطاقة خلال العقدين المقبلين، ومن ثم سيكون من المنطقي للدول العربية تعزيز العلاقات مع هذه القوة الصاعدة.

من ناحية أخرى: من المرجح أن تنمو مصالح الصين ووجودها وتأثيرها في الشرق الأوسط خلال العقدين المقبلين، بالرغم من الضغوط الغربية والأمريكية التي تحد من نمو المصالح العربية الصينية.

المصادر

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

الشرق الأوسط

سكاي نيوز عربية

إنترريجونال للتحليلات الإستراتيجية

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

مركز الدراسات العربية الأوراسية

الشرق للأخبار

التعليقات مغلقة.