fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قراءة تحليلية في برنامج انتخابات البرلمان الأوروبي 2024م

0 42

قراءة تحليلية في برنامج انتخابات البرلمان الأوروبي 2024م

تكتسب انتخابات البرلمان الأوروبي 2024 أهمية خاصة، في ظل التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه القارة الأوروبية.

وتُعد هذه الانتخابات فرصة للأحزاب السياسية لتقديم رؤاها وبرامجها لحل القضايا الملحة، وقد شارك حوالي 400 مليون شخص في انتخابات البرلمان الأوروبي لانتخاب 720 عضوًا في البرلمان، الذي يمثل الهيئة التشريعية للاتحاد الأوروبي ويعمل مع المجلس الأوروبي لتمرير القوانين بناءً على مقترحات المفوضية الأوروبية، وكذلك للموافقة على الميزانية أو رفضها.

ويمكن القول: إن الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي، الذي يتكون من ممثلين منتخبين عن مواطني الاتحاد الأوروبي، والذين ينقسمون بدورهم إلى كتل سياسية بناءً على الانتماء السياسي، قد أعادت تشكيل المشهد السياسي في الاتحاد الأوروبي باتجاه يميني أكبر.

فقد حقق المحافظون الأوروبيون، المتمثلون في حزب “الشعب الأوروبي” (EPP)، فوزًا واضحًا بحصولهم على 189 مقعدًا، بينما حافظ “الاشتراكيون والديمقراطيون” (S&D) على مواقعهم بـ135 مقعدًا، بالإضافة إلى اليسار الذي حصل على 39 مقعدًا.

على الجانب الآخر: كان الخاسرون هم الخضر والليبراليين (تجديد أوروبا)، الذين فقدوا أكثر من 40 مقعدًا في البرلمان، بينما حققت الكتل الشعبوية اليمينية – “المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون”(ECR) –  واليمينية المتطرفة – “الهوية والديمقراطية “(ID) – مكاسب كبيرة بحصولهم على 76 و58 مقعدًا على التوالي، بزيادة 7 و9 مقاعد عن الانتخابات السابقة.

ورغم المكاسب التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية؛ إلا أن يمين الوسط حافظ على مكانته كأكبر تجمع وضَمِنَ الحصول على مقاعد عديدة؛ فقد حققت أحزاب يمين الوسط تقدمًا في دول مثل ألمانيا واليونان وبولندا وإسبانيا، كما حققت نتائج قوية في المجر.

بداية تأسيس البرلمان الأوروبي:

تعود فكرة إنشاء البرلمان الأوروبي إلى عام 1951 على يد الجمعية المشتركة للجماعة الأوروبية للفحم والصلب، فقد اجتمعت الجمعية لأول مرة في سبتمبر / أيلول 1952 بحضور 78 ممثلًا من الدول الست الأولى الأعضاء فيها؛ وهي: فرنسا وإيطاليا وألمانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا، وفي ذلك الوقت لم تكن للجمعية أي صلاحيات حقيقية وكان دورها يقتصر على المناقشة والتشاور. وعندما تم إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية، والجماعة الأوروبية للطاقة الذرية، أخذت هذه الجمعية اسم “الجمعية البرلمانية الأوروبية”، واستقرت في مدينة ستراسبورغ الفرنسية.

ونصت معاهدة روما لعام 1957 (المادة 138) على إجراء الانتخابات واتباع قواعد موحدة في جميع الدول الأعضاء، وبعدها تم تغيير اسم المجلس إلى “البرلمان الأوروبي” في عام 1962.

وفي يونيو 1979، جرت أول انتخابات بالاقتراع العام المباشر، وكانت الفرنسية سيمون فيل أول نائب يتم انتخابه رئيسا للبرلمان الأوروبي، وأدت المعاهدات المتعاقبة إلى زيادة سلطة هذه المؤسسة حتى أصبح لها دور أساسي وصلاحيات كبيرة في مجال الرقابة على الميزانية والسياسة الأوروبية.

منذ 7 يوليو 1981، اعتمد البرلمان عدة قرارات تتعلق بمقره، يطلب فيها من حكومات الدول الأعضاء احترام التزامها بموجب المعاهدات بإنشاء مقعد واحد للمؤسسات؛ ونظرًا لفشل هذه الدول في الوفاء بهذا الالتزام، اتخذ البرلمان قرارات متعلقة بتنظيمه وأماكن عمله في ستراسبورغ وبروكسل ولوكسمبورغ. وتعقد الجلسات العامة الشهرية في ستراسبورغ، بما في ذلك الجلسة التي يتم خلالها تحديد الميزانية السنوية للاتحاد الأوروبي؛ كما تعقد جلسات عامة مصغرة واجتماعات اللجان البرلمانية في بروكسل نظرًا لقربها من المجلس والمفوضية الأوروبية، بينما تبقى الأمانة العامة وخدماتها في لوكسمبورغ، ولدى البرلمان الأوروبي أيضًا مكتب اتصال واحد على الأقل في كل دولة عضو(1).

الأهداف التأسيسية للبرلمان الأوروبي:

باعتباره المؤسسة التمثيلية للمواطنين الأوروبيين، يشكل البرلمان الأوروبي الأساس الديمقراطي للاتحاد الأوروبي. ومن أجل ضمان هذه الشرعية الديمقراطية، يرتبط البرلمان بالعملية التشريعية الأوروبية ويمارس -نيابة عن المواطنين- السيطرة السياسية على مؤسسات الاتحاد الأخرى.

وعلى عكس البرلمانات الوطنية، لا يقدم البرلمان الأوروبي مقترحات تشريعية؛ بل يناقش المقترحات المقدمة من المفوضية الأوروبية/ ومع التصديق على معاهدة لشبونة، أصبح مشرعًا مشاركًا مثل مجلس الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، يتخذ البرلمان قراره في القراءة الأولى بشأن اقتراح المفوضية الأوروبية، ثم يعرض موقفه على المجلس، وإذا وافق على جميع التعديلات (المحتملة) من أعضاء البرلمان الأوروبي، فيمكن اعتماد القانون، ولكن إذا تبنى المجلس موقفًا مغايرًا، فلدى البرلمان 3 أشهر (يمكن تمديدها شهرًا واحدًا عند الطلب) للرد، ثم يقرر في القراءة الثانية قبول موقف المجلس أو تعديله أو رفضه. وبالتعاون مع المجلس الأوروبي، يضع البرلمان الميزانية السنوية للاتحاد الأوروبي وله صلاحية التحكم في أدوات التمويل المختلفة والتأثير على إنفاقها، فإذا وافق على موقف المجلس أو امتنع عن الحكم، يتم اعتماد الميزانية؛ ولكن إذا أقر البرلمان تعديلات، يتم إرسال مشروع الموازنة مرة أخرى إلى المجلس والمفوضية.

وبعد ذلك، تنعقد لجنة مسؤولة عن التوصل إلى مشروع الميزانية المشترك في غضون 21 يومًا، ويكون الأمر متروكًا للبرلمان في نهاية المطاف للرفض أو الموافقة (بأغلبية الأصوات المدلى بها)؛ أما فيما يتعلق بالميزانية طويلة الأمد (على مدى سنوات) للاتحاد الأوروبي، فيتم اعتمادها عن طريق إجراء تشريعي خاص يتطلب إجماع المجلس بعد موافقة البرلمان(2).

هيكلة البرلمان الأوروبي:

يتكون البرلمان من أربعة أجهزة أساسية:

الرئاسة: يتولى الرئيس إدارة كافة أعمال البرلمان الأوروبي وهيئاته، ويساعده 14 نائبًا. يُنتخب لمدة سنتين ونصف السنة قابلة للتجديد، ويدير أنشطة البرلمان ويرأس الجلسات العامة واجتماعات المكتب ومؤتمر الرؤساء، ويمثل البرلمان في العلاقات الخارجية. وبمجرد اعتماد ميزانية الاتحاد من قبل البرلمان، يوقعها الرئيس وتصبح نافذة، كما يوقع مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي على جميع القوانين التشريعية المعتمدة بموجب الإجراء التشريعي العادي.

مؤتمر الرؤساء: الهيئة السياسية للبرلمان الأوروبي. ويجتمع فيها رؤساء المجموعات السياسية الممثلة في البرلمان من أجل تحديد تنظيم العمل والبرمجة التشريعية، بما في ذلك جدول أعمال الجلسات العامة، وتكوين اللجان والوفود وتوزيع الصلاحيات فيما بينها.

المكتب: يتكون من رئيس البرلمان الأوروبي ونواب الرئيس الـ14 و5 مراقبين. ومن مهامه حل جميع المسائل الإدارية وشؤون الموظفين والقضايا التنظيمية وتحديد توقعات ميزانية البرلمان.

الأمانة العامة: تخضع لسلطة الأمين العام، ويكون الموظفون المدنيون الذين يتم تعيينهم في جميع دول الاتحاد والوكلاء الآخرون في خدمة البرلمان الأوروبي (الإدارة، المترجمون الفوريون، المترجمون التحريريون)(3).

عضوية البرلمان الأوروبي والتمثيل الدبلوماسي:

تنص القواعد العامة المتعلقة بتكوين البرلمان الواردة في المادة 14 من معاهدة الاتحاد الأوروبي على ألا يضم البرلمان أكثر من 751 ممثلًا لمواطني الاتحاد (750 نائبًا والرئيس). ويتم ضمان هذا التمثيل بطريقة “تنازلية نسبيًّا”؛ أي: بحد أدنى يبلغ 6 نواب لكل دولة عضو، ولا يجوز لأي دولة عضو الحصول على أكثر من 96 مقعدًا.

وبعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عام 2020، انخفض عدد النواب إلى 705. وقد أعيد توزيع جزء من المقاعد الـ73 التي كان يشغلها النواب البريطانيون سابقًا على الدول الأعضاء الأخرى التي كانت “ناقصة التمثيل” نظرًا لعدد السكان، وبعد انتخابات يونيو / حزيران 2024، وصل عدد أعضاء البرلمان الأوروبي إلى 720.

دور وأهمية البرلمان الأوروبي:

أ. الدور التشريعي:

– السلطة التشريعية المشتركة: يعتبر البرلمان الأوروبي أحد الأركان الأساسية في العملية التشريعية للاتحاد الأوروبي، حيث يشارك في صياغة القوانين واللوائح التي تؤثر على حياة ملايين الأوروبيين.

– المساءلة الديمقراطية: يلعب البرلمان دورًا حيويًّا في مساءلة المفوضية الأوروبية ومراقبة تنفيذ السياسات الأوروبية.

ب. التمثيل الشعبي:

– التعددية الحزبية: يعكس البرلمان تنوع التوجهات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي، مما يضمن تمثيل مختلف الآراء والمصالح.

– الدفاع عن حقوق المواطنين: يعمل البرلمان على حماية حقوق المواطنين الأوروبيين وتعزيزها من خلال التشريعات والسياسات.

ج. الدور الرقابي:

يلعب البرلمان دورًا حاسمًا في تنصيب المفوضية الأوروبية؛ إذ ينتخب رئيس هذه المؤسسة بالأغلبية المطلقة، بناءً على اقتراح من المجلس الأوروبي. وبعد ذلك، يمكن لأعضاء البرلمان الموافقة أو رفض بقية الفريق (هيئة المفوضين)، بعد اختيار كل مرشح رشحته الدول الأعضاء.

كما يمكن للبرلمان توجيه اللوم إلى المفوضية (بأغلبية ثلثي الأصوات المدلى بها وبأغلبية أعضاء البرلمان)، والتي يجب عليها بعد ذلك تقديم استقالتها بشكل جماعي.

وفي إطار دوره الرقابي أيضًا، يمكن للبرلمان الأوروبي طرح أسئلة مكتوبة أو شفهية على المجلس والمفوضية، وتلقي الالتماسات من المواطنين الأوروبيين، وتشكيل لجان تحقيق مؤقتة في حال حدوث انتهاكات أو سوء تطبيق لقانون المجموعة، كما لديه الحق في الاستئناف أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي(4).

قراءة في نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي:

على مستوى الدول، حققت الأحزاب السياسية نتائج حمل بعضها مفاجآت كبرى، وخاصة أحزاب اليمين المتطرف والشعبوي. وجاءت أهم النتائج كالتالي:

في النمسا، حصل “حزب الحرية” اليميني المتطرف (FPÖ) على 25.4% من الأصوات، ليتصدر الانتخابات الأوروبية في البلاد. ثم حل حزب “الشعب النمساوي” (ÖVP) ثانيًّا (24.5%). وحصل حزب “الخضر” من جهته على 11.1%. وكان حزب “الحرية” قد فاز بثلاثة مقاعد فقط في البرلمان الأوروبي في انتخابات عام 2019، وهو رقم تضاعف في البرلمان الجديد.

وفي إيطاليا، تصدر حزب “إخوة إيطاليا” (FdI) اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني النتائج بنسبة 28.76% من الأصوات. ويشكل التقدم الذي أحرزته ميلوني مقارنة بالانتخابات الأوروبية لعام 2019 أمرًا لافتًا؛ ذلك أن حزب “إخوة إيطاليا” لم يحصل آنذاك سوى على 6.44% من الأصوات. ومن شأن هذه النتيجة أن تتيح لميلوني تعزيز ثقلها في بروكسل.

وحل “الحزب الديمقراطي” (يسار الوسط)، حزب المعارضة الرئيسي، في المرتبة الثانية بحصوله على أكثر من 24.11%، تليه حركة “خمس نجوم” الشعبوية بقيادة رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي بنسبة 9.98%. وحصل شريكا ميلوني في الائتلاف الحكومي – حزب “الرابطة” المناهض للمهاجرين بزعامة ماتيو سالفيني وحزب “فورسا إيطاليا” المحافظ الذي أسسه سيلفيو برلسكوني – على 8.98% و9.59% من الأصوات.

ورغم فوز حزب “الاتحاد المدني” المجري (فيدس) بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان في انتخابات البرلمان الأوروبي، إلا أنه حقق أسوأ نتيجة له في الانتخابات الأوروبية منذ عقود، وجاء الحزب في المقدمة بنسبة 44.9%.

وتصدر اليمين المحافظ النتائج في إسبانيا متقدمًا على “الحزب الاشتراكي” بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، فيما حقق اليمين المتطرف مكاسب.

وبحسب النتائج الرسمية، حصل “الحزب الشعبي” – التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية – على نحو 34% من الأصوات و22 مقعدًا في البرلمان الأوروبي، مقارنة بنحو 30% من الأصوات و20 مقعدًا للاشتراكيين.

وحقق حزب “فوكس” اليميني المتطرف نتيجة أفضل من عام 2019 بحصوله على 6 مقاعد مقارنة بأربعة قبل خمس سنوات (9.62% من الأصوات مقابل 6.21%). أما مفاجأة هذه الانتخابات فتتمثل في حزب “انتهى الحفل” – وهو تشكيل جديد يصنف على أنه يميني متطرف وأسسه ناشط مثير للجدل على يوتيوب – وقد حصل على حوالي 4.5% من الأصوات وسيدخل البرلمان الأوروبي بثلاثة نواب.

أما في بولندا، فقد تقدم “الحزب الوسطي” – الائتلاف المدني المؤيد لأوروبا بزعامة رئيس الوزراء دونالد تاسك – بنسبة 37.06% على حزب “القانون والعدالة” القومي الشعبوي بنسبة 36.16%، وهو فارق ضئيل. كما أن اليمين المتطرف، المتمثل في حزب “كونفيديراجا”، حصل على أقل من 6 مقاعد في البرلمان الأوروبي بنسبة 12.08%.

وعزز الهولنديون موقف حزب خِيرت فيلدرز اليميني المتطرف “حزب من أجل الحرية” بـ17.7%، مما يعطيه 6 مقاعد، حتى وإن اكتفى بالمركز الثاني خلف ائتلاف “الديمقراطيين الاشتراكيين” و”الخضر” الذي حصد 21.6%.

أما المفارقتان الأهم والأكثر صدمة في النتائج هذا العام، فجاءتا في ألمانيا وفرنسا. ففي ألمانيا، منيت “الحزب الديمقراطي الاشتراكي” للمستشار الألماني أولاف شولتز والتحالف الحاكم بهزيمة على يد “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” من يمين الوسط الذي تصدر القائمة بنسبة 30%، وحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف الذي حل ثانيًّا بنسبة تصويت 15.9%، ارتفاعًا من 11% في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019.

وبنسبة 13.9% فقط من الأصوات، حصل حزب المستشار الألماني على أسوأ نتيجة له في انتخابات وطنية منذ أكثر من قرن، وحل في المرتبة الرابعة حزب “الخضر” بحصوله على 11.9%، متراجعًا من 20.5% التي سجلها في 2019. كما حصل “الحزب الديمقراطي الحر” (الليبرالي) – الشريك الثالث الأصغر في الائتلاف الحاكم – على 5.2%؛ ولذلك، يواجه شولتز دعوات من قوى المعارضة على اختلاف أطيافها للقيام بما فعله ماكرون والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهو ما رفضه المستشار بشكل قاطع.

والجدير بالذكر: أن الحزب الشعبوي الذي تأسس حديثًا “تحالف سارا فاغنكنشت” حصل على نسبة 6.2%، في حين حصل حزب “اليسار” على 2.7% فقط،لكن الحدث الأبرز في هذه الانتخابات هو تصويت أكثر من ثلث الناخبين الفرنسيين لصالح حزب يميني متطرف، حيث احتل حزب “التجمع الوطني” المركز الأول بنسبة 31.37%.

ومن هنا، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تعرض حزبه الوسطي “النهضة” وحلفاؤه لهزيمة ثقيلة بنسبة 14.6%، حل البرلمان على الفور، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، على جولتين في 30 يونيو و7 يوليو 2024. وقد صرح الرئيس في خطابه المتلفز قائلًا: “إن صعود القوميين والديماجوجيين هو خطر على فرنسا”(5).

تشكل التحالفات بين الكتل داخل البرلمان الأوروبي:

في السابق، كان حزب “الشعب الأوروبي”(EPP)  و”الاشتراكيون والديمقراطيون”(S&D) يتعاونان لتمرير التشريعات بدعم من “تجديد أوروبا” – حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون – وهي الكتل الثلاث الأكبر في البرلمان. ومع ذلك، فقد قللت الانتخابات بشكل كبير من تأثير مجموعة “تجديد أوروبا”، التي كانت سابقًا لاعبًا رئيسيًّا، لكن حزب “الشعب الأوروبي” (EPP) سعى مؤخرًا إلى تقارب أوثق مع “المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين “(ECR) اليميني المتطرف بقيادة رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، مما أثار استياء الأحزاب داخل مجموعة “الاشتراكيين والديمقراطيين”(S&D)  بشكل خاص؛ لذا قد يتغير هذا التفاعل في البرلمان الجديد.

وعلى العكس من ذلك، تم تعزيز حضور المجموعات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك “المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين “(ECR) ومجموعة “الهوية والديمقراطية “(ID) – التي تضم مارين لوبان وحزبها “التجمع الوطني”(RN) –  في البرلمان. ومن المرجح أن تنضم مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة الجديدة، التي ليس لديها بعد كتلة سياسية، إلى صفوف هاتين المجموعتين.

كما سيشارك حزب “البديل من أجل ألمانيا “(AfD) في البرلمان لأول مرة بـ15 مقعدًا، ويسعى “فيدس” المجري (10 مقاعد) للعثور على كتلة جديدة بعد مغادرته حزب “الشعب الأوروبي” في 2021. هذه الأحزاب الشعبوية معًا، إلى جانب “المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين”(ECR) و”الهوية والديمقراطية”(ID)، تمتلك حوالي 156 مقعدًا، أي أكثر من مجموعة “الاشتراكيين والديمقراطيين”(S&D). ، وقد تكهنت بعض الجهات بإمكانية ظهور مجموعة يمينية متطرفة كبيرة، تجمع بين (ECR) و(ID)، لكن ذلك غير مرجح نظرًا للاختلافات الأيديولوجية بين الأحزاب في كل مجموعة.

وفي الواقع، من المرجح أن تستمر عضوية المجموعات اليمينية المتطرفة، وأيضًا إلى حد أقل المجموعات الوسطية، في التحول والانقسام في الأسابيع والأشهر القادمة بسبب الخلافات الداخلية المستمرة، مما يؤثر على قدرتها على التأثير. وتناقش مجموعة “تجديد أوروبا” حاليًّا ما إذا كانت ستطرد “الحزب المحافظ” الهولندي بسبب ائتلافه المحلي مع حزب “الحرية” اليميني المتطرف، على الرغم من أن القيام بذلك سيقلل من عدد مقاعد “تجديد” بشكل أكبر.

وبشكلٍ عام، ستتأثر قدرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على ممارسة تأثير حقيقي في البرلمان بمدى توحدها. فهي ليست متوافقة على القضايا الرئيسية مثل دعم أوكرانيا والمسؤوليات المالية؛ كما أن إبرام الاتفاقيات الأوروبية الشاملة بشأن القضايا السياسية يتعارض مع النزعات القومية للعديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة، خاصة تلك الموجودة في مجموعة “الهوية والديمقراطية (ID). وكان مستوى مشاركتها في البرلمان أيضًا منخفضًا في الماضي، حيث فشل نواب البرلمان الأوروبي اليمينيون المتطرفون بانتظام في الحضور للتصويت(6).

فضائح لحقت انتخابات البرلمان الأوروبي:

ومؤخرًا، هزت البرلمان الأوروبي فضيحة فساد عرفت باسم: “قطرغيت”، طالت قطر والمغرب ولطخت -بصورة خاصة- نوابًا اشتراكيين.

وأوقف 3 نواب في البرلمان الأوروبي ضمن إطار التحقيق الذي نفذت خلاله الشرطة في ديسمبر 2022 عمليات تفتيش عثر خلالها على 1.5 مليون يورو (1.6 مليون دولار) نقدًا في عناوين مختلفة بالعاصمة بروكسل.

وتركز التحقيق البلجيكي على كشف محاولات مزعومة من قبل قطر والمغرب لشراء نفوذ في البرلمان الأوروبي، خاصة في إطار الجهد لتخفيف الانتقادات الموجهة للإمارة الخليجية بشأن سجلها في حقوق العمال قبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.

ونفى البلدان بشدة أي علاقة لهما في ارتكاب مخالفات من هذا النوع. وإثر فضيحة “قطرغيت”، أقر البرلمان الأوروبي في سبتمبر 2023، تعديل نظامه الداخلي لتعزيز ضوابط النزاهة والشفافية التي تحكم عمل هذه المؤسسة. وهذا التعديل الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر 2023، أُقر بأغلبية 505 نواب مقابل 93 صوتوا ضده، بينما امتنع 52 نائبا عن التصويت. ومن أبرز الإصلاحات التي نص عليها التعديل إلزام أعضاء البرلمان الأوروبي بأن يدونوا في سجل مخصص لهذا الغرض كل اجتماع يعقدونه مع أي ممثل لمصالح جهات أو دول ثالثة، فضلًا عن إلزامية تصريح كل النواب عن كامل ثروتهم في مستهل ولايتهم النيابية وفي نهايتها أيضًا، وذلك لمكافحة أي إثراء غير مشروع.

كذلك تضمن التعديل توضيحًا لمبدأ تضارب المصالح، كما فرض حظرًا على ممارسة النائب أي نشاط يندرج في إطار “اللوبيينغ” (ممارسة الضغط) طوال فترة عضويته في البرلمان. ونص التعديل كذلك على وضع قواعد جديدة تتعلق بالمجموعات النيابية غير الرسمية، وذلك خصوصًا بهدف منع النواب من استخدام اسم البرلمان أو شعاره تجنبًا لأي التباس يمكن أن يحصل بشأن صلة هذه المؤسسة بهذا النشاط أو ذاك(7).

أبرز القضايا المتأثرة بتشكيل البرلمان الأوروبي:

داخليًّا يواجه الاتحاد الأوروبي تحدي الحفاظ على التماسك بين الدول الأعضاء؛ إذ يمكن أن تؤدي الاختلافات السياسية المتزايدة والضغوط التي تمارسها الحركات الشعبوية إلى إضعاف التضامن داخل الاتحاد الأوروبي، على نحو سوف يفرض أزمة جديدة في وقت يحتاج فيه إلى بذل المزيد من الجهود المشتركة للتصدي للتحديات العالمية. وتتمثل أبرز القضايا التي يمكن أن تتعرض لتأثير مباشر من جانب اليمين المتطرف في:

1- توسع الاتحاد الأوروبي: يشكل صعود أحزاب اليمين المتطرف تحديًّا محتملًا لمشاريع توسيع الاتحاد الأوروبي، مما قد يُعيق ضم دول جديدة، مثل أوكرانيا، خلال الدورة البرلمانية الحالية (5 سنوات).

2- قضايا الهجرة واللجوء: سيؤدي صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، على الأرجح، إلى فرض مزيد من القيود على الهجرة، بما يتماشى مع سياسات هذه الأحزاب الرامية إلى الحد من الهجرة غير الشرعية وطلبات اللجوء.

3- حرب أوكرانيا: تؤسس بعض الأحزاب اليمينية الصاعدة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة علاقات وثيقة مع روسيا، مما قد يُؤدي إلى تبني “نهج أوروبي جديد ومختلف” في التعامل مع حرب أوكرانيا. وكانت تلك الحرب قد فاقمت من الأزمات الاقتصادية في أوروبا، مما أدى إلى خروج مظاهرات تطالب بوقف المساعدات الضخمة التي تُقدم لأوكرانيا من قِبل الدول الأوروبية. وقد صوّت العديد من أحزاب اليمين المتطرف لوقف دعم الحرب. إلا أن تقارير أوروبية تشير إلى انقسام اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين بشأن الموقف من روسيا، إذ يُعد رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، من أكثر السياسيين اليمينيين صراحةً في التعبير عن عدم رضاه عن الحرب وعن العقوبات المفروضة على روسيا. وكذلك أكد زعيم حزب الحرية النمساوي، هربرت كيكل، على “حياد” فيينا، منتقدًا الدعم المقدم لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو، وذلك بعد تحقيق حزبه تقدمًا في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. وعلى النقيض من ذلك، تبدي زعيمة حزب “أخوة إيطاليا”، جورجيا ميلوني، التي حقق حزبها أيضًا تقدمًا في انتخابات البرلمان الأوروبي، تأييدها للعقوبات على روسيا.

4- قضايا الطاقة والمناخ: أدت حرب أوكرانيا إلى اندلاع أكبر أزمة طاقة تشهدها أوروبا في هذا القرن، وذلك نتيجة لقرارات الاتحاد الأوروبي بالاستغناء التدريجي عن الغاز والنفط الروسيين، مما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار الطاقة. وقد دفعت هذه الأزمة بعض الدول، وعلى رأسها ألمانيا، إلى اتخاذ إجراءات لإحياء وتعزيز استخدام المفاعلات النووية، وهو ما حظى بدعم من فرنسا. كما اتجه الاتحاد الأوروبي بشكل عام إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والبديلة، مثل الهيدروجين والميثان الحيوي. وفي هذا السياق، يحذر بعض المراقبين من احتمال تراجع برامج تحول الطاقة في أوروبا مع صعود الأحزاب اليمينية، التي يُعارض العديد منها العقوبات المفروضة على روسيا، بما في ذلك وقف استيراد الغاز والنفط منها.

5- السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي: يكشف نجاح اليمين المتطرف الانفصال المتزايد بين أولويات المشرعين في الاتحاد الأوروبي وأولويات العديد من الأوروبيين الذين يواجهون ضغوط تكلفة المعيشة. ويرى بعض الخبراء أنه من المرجح أن تشكل الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة عائقًا أمام العديد من الخطوات التي يسعى الاتحاد لاتخاذها لتحسين الوضع الاقتصادي. وربما يدعم البرلمان – الذي يميل إلى اليمين – أيضًا التدابير الاقتصادية غير المدروسة؛ فعلى سبيل المثال: قد ترحب بعض الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة بالمزيد من استخدام إعانات الدعم على المستوى الوطني، لحماية الصناعة المحلية والشركات الوطنية الرائدة.

وربما تدعم أيضًا مقترحات؛ مثل: السماح بالمزيد من عمليات الاندماج في قطاعات مثل الاتصالات، والتي قد تنتج شركات وطنية أكثر قوة من خلال تقويض قوانين المنافسة في الاتحاد الأوروبي. ويبدو اليمين المتطرف أيضًا متعاطفًا مع تحول الاتحاد الأوروبي نحو سياسة تجارية أكثر حمائية(8).

الخلاصة:

تشكل انتخابات البرلمان الأوروبي 2024 محطة مهمة في تحديد مستقبل الاتحاد الأوروبي، وتتطلب التحديات الكبيرة التي تواجه القارة الأوروبية برامج شاملة ومتكاملة من الأحزاب السياسية.

ويمكن للبرلمان القادم أن يلعب دورًا محوريًّا في مواجهة هذه التحديات واغتنام الفرص المتاحة، لتحقيق الاستقرار والازدهار لأوروبا ومواطنيها؛ كما يمكن القول: إن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه الآن في مرحلة يحتاج فيها إلى إعادة ضبط التوازنات السياسية، بعد التغييرات التي فرضتها نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي. وربما تكشف الشهور القادمة إلى أي اتجاه سيتطور الاتحاد، وكيف يمكنه التفاعل مع الواقع السياسي الجديد الذي أنتجته الانتخابات؛ كما أن استحواذ اليمين المتطرف على مقاعد البرلمان الأوروبي 2024 هو أمر حتمي وغير مُستغرب لدى المتخصصين في الشأن الأوروبي الداخلي ودراسات المجتمعات الأوروبية؛ فالوضع منذ 2015، الفترة التي استقبلت فيها أوروبا – ولا سيما غربيها – آلاف اللاجئين والمهاجرين من دول عالم الجنوب؛ يعكس تسارع غضب الناخبين الأوروبيين وخوفهم إزاء العبث بالقيم الأوروبية، وأن تتحول مجتمعاتهم إلى وطن لغرباء يحملون قيمًا وأولويات ومطالب منافسة.

فصعود اليمين المتطرف في أوروبا ما هو إلا انعكاس لما يريده المواطن الأوروبي العادي بعد ما مُررَت له العديد من الخطابات والسيناريوهات المُتخيلَة حول مستقبل أوروبا في ظل كل التهديدات والأحداث المتصارعة الجارية.

ويتطلب الأمر وقتًا لفهم نتائج إدارة اليمين المتطرف للبرلمان الأوروبي الحالي وكيف سيؤثر في مدى تماسك التشريعات والقرارات المُستخرجة.

وقد يكون من التبسيط عدم الأخذ في الاعتبار المقاربة القائمة على أنه كلما تصاعد وجود وحكم اليمين المتطرف على المستوى الأوروبي الفوق قومي والقومي المحلي، كلما تباعدت المساحات السياسية المشتركة بين المصالح الأوروبية المتباينة داخل الاتحاد الأوروبي ككل، وكلما أصبح احتمالات تكرار تجربة “البريكست” وانفصالات متتالية عن الاتحاد أمرًا ليس بمستبعد مثلما فعلت المملكة المتحدة في 31 يناير 2020، مُعلنة بذلك عن أولوية مصالحها القومية ونزعتها الهوياتية الوطنية على المجموع الأوروبي الفوق قومي. وبالطبع سيؤثر ذلك في البلدان الأوروبية التي ستظل بعيدة عن الاستحواذ اليميني على برلماناتها المحلية أو حصتها في البرلمان الأوروبي.

المصادر:
1_ الحرة

2_ سكاي نيوز

3_ D.W

4_ الشرق

5_ فرانس 24

6_ مركز الأهرام للدراسات

7_ مركز المستقبل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.