fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

دلالات سيطرة الصين على جنوبي المحيط الهادئ

180

دلالات سيطرة الصين على جنوبي المحيط الهادئ

تتجه عيون الكثيرين نحو أوكرانيا وروسيا؛ خاصة وأن الحشد الإعلامي يركِّز على هذه البقعة من الصراعات الأرضية، ولكن الحقيقة أن هناك العديد من التحركات الصينية التي تقلق العالم الأوروبي والغربي، فتارة نجد الصين توجه الدفة نحو تايان، وأخرى نجدها نحو جزر المحيط الهادئ، فما دلالات ذلك؟ وما المتوقع أثناء الانشغال العالمي بما يحدث من روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية؟

فإن أحد الأحداث الرئيسية الذي حرَّك سلسلة من التفاعلات تمثَّل في الإعلان الرسمي عن توقيع كلٍّ مِن: الصين وجزر سليمان على اتفاق أمني، قبل التوقيع كانت هناك تسريبات حول هذا الاتفاق على مدار الأسابيع القليلة الماضية.

ردود فعل أمريكية وأسترالية ونيوزيلندية بالأساس تنظر بريبة وشك في هذا الاتفاق، وفي الوقت نفسه تكثفت التحركات الأمريكية بخصوص إعادة افتتاح سفارة واشنطن في هونيارا عاصمة جزر سليمان، بطبيعة الحال تفاعلت كلٌّ مِن: الصين وجزر سليمان مع ردود الفعل تلك.

بعض ما تم تسريبه من مسودة الاتفاقية:

أثارت مسودة الاتفاقية التي تم تسريبها قلقًا في جميع أنحاء المنطقة بشأن البنود التي تسمح بنشر قوات الأمن والبحرية الصينية في هذه الدولة الواقعة على جزيرة في المحيط الهادئ، والتي ضربتها أزمة داخلية مؤخرًا.

ووفقا للاتفاقية، يمكن نشر الشرطة الصينية المسلحة بناءً على طلب حكومة جزر سليمان للحفاظ على النظام الاجتماعي، كما يمكن للصين وفقًا لحاجاتها وبموافقة جزر سليمان، إجراء زيارات للسفن والقيام بعمليات تموين لوجستية والتوقف والعبور فيها، ويمكن لجزر سليمان أيضًا أن تطلب من سلطات بكين إرساء النظام الاجتماعي فيها، عبر إرسال عناصر من الشرطة والجيش، وغير ذلك من عناصر القوات المسلحة.

كما سيكون لبكين أيضًا سلطة حماية سلامة الموظفين الصينيين والمشاريع الكبرى، بمجرد وصولهم إلى الجزر(1).

دلالة التوقيت:

التوقيت الذي أعلن فيه عن الاتفاق الأمني بين الصين وجزر سليمان يحمل دلالات من بينها:

1- إن الاتفاق جاء في ذروة الانشغال العالمي بما يجري في أوكرانيا، وما يشهده العالم من عملية فرز وتصنيف أمريكية وغربية بالنسبة للدول ومواقفها مما يجري، مع ملاحظة التركيز الغربي على الصين، حيث تتوالى التحذيرات الموجهة لبكين من مساعدة روسيا في التغلب على أثر العقوبات أو تعويضها عن خسائرها في الحرب.

الصين من جانبها لا تكتفي بتفنيد كل ما يطرح بخصوص سياستها حيال القضية الأوكرانية، وإنما تؤكد صحة موقفها، والأكثر من ذلك؛ تتهم الولايات المتحدة وحلفاءها بتحمل جزءٍ كبيرٍ من المسئولية عما آلت إليه الأمور في أوكرانيا، ومن ثم سعيهم لتعقيدها بعد اندلاع الحرب وليس تهدئتها.

وهذا يعني أن الملف الأوكراني وتداعياته لم يشغل الصين عن باقي الملفات، وهو الأمر نفسه بالنسبة لواشنطن، وإذا كانت الأخيرة تعمل جاهدة مع حلفائها في المنطقة سواء بشكل ثنائي أو جماعي في تحرك واضح الهدف منه الصين، فإنها تتعامل هي وحلفاؤها مع الهند بشكل مختلف تمامًا على صعيد القضية الأوكرانية، على الرغم من أن موقف نيودلهي قريب جدًّا من موقف بكين من هذه القضية. والهدف من ذلك أيضًا: هو أن تكون الهند ضمن الجهود الأمريكية في تطويق الصين.

2- الاتفاق الأمني جاء في ظل سعي أمريكي تجاه جزر جنوبي المحيط الهادئ، تمثَّل في زيارة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في فبراير الماضي، وإعلان عن السعي لإعادة افتتاح السفارة الأمريكية في جزر سليمان، والتي أصبح التمثيل الدبلوماسي الأمريكي فيها غير مقيم منذ تم إغلاق السفارة الأمريكية هناك في العام 1993.

3- أعلن عن الاتفاق بعد شهور قليلة من اضطرابات شهدتها جزر سليمان، استدعت معها مساعدة أمنية من دول مجاورة مثل أستراليا ونيوزيلندا؛ إذ أرسلت الدولتان إلى جانب فيجي وغينيا الجديدة قوات للمساعدة في حفظ الأمن، واللافت أنه من بين ما قيل بشأن مضمون الاتفاق إمكانية إرسال الصين قوات من أجل حماية ما أطلق عليه النظام الاجتماعي في جزر سليمان. فهل يعني ذلك أن الأخيرة لم تعد تثق في المساعدات التقليدية التي كانت تأتيها من الدول المشار إليها أم أنها اعتبرت تلك المساعدة غير كافية، وأن هناك حاجة للبحث عن مصادر أخرى أكثر موثوقية ويمكنها تقديم ما يكفي عند الحاجة؟

4- من الأمور اللافتة بالنسبة لدلالات التوقيت أنه لم تمر على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وجزر سليمان سوى عامان وسبعة أشهر تحديدًا، فقبل سبتمبر 2019 كانت جزر سليمان تعترف بتايوان كدولة، وتقيم معها علاقات دبلوماسية، وتتلقى منها مساعدات. وكانت جزر سليمان من بين المدافعين عن مطالب تايوان بالمشاركة في اجتماعات بعض المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية، أي: أن جزر سليمان لم تكن حتى ذلك التاريخ تعترف بسياسة الصين الواحدة.

من الواضح أن العلاقات بين الجانبين قد شهدت حراكًا واسعًا بما يجعل جزر سليمان تضع ثقتها في بكين، وقد كان من بين ما وجه من انتقادات داخلية للحكومة الأسترالية على خلفية هذا الاتفاق أن الحكومة الحالية قد أهملت تلك المنطقة التي تقع فيها جزر سليمان والقريبة جدًّا من أستراليا، وأن الحكومة لم تنصت إلى التحذيرات التي طرحت منذ شهر أغسطس من العام 2021 بخصوص المؤشرات المتنامية في العلاقات بين الصين وجزر سليمان، بما في ذلك فرص التوصل إلى اتفاق أمني(2).

بزوغ الصين التدريجي:

بعد انتهاء الحرب الباردة، بدأ المجتمع الدولي بفتح المؤسسات الكبرى أمام “الصين الشعبية” لتلتحم مع الأسواق العالمية والقانون الدولي، وبمساعدة إدارة بيل كلينتون، تم قبول بكين في صندوق النقد الدولي وتمتين العلاقة مع البنك الدولي، فبدأت الصين بالتحول إلى دولة تتقن الصناعة النوعية، لكثرة اليد العاملة، والتصدير الواسع، وشراء المحروقات بشكل أكثف، فدخلت خلال عقدين باب التجارة العالمية وسرعان ما أصبحت عضوًا في نوادي الدول الاقتصادية الكبرى، وبخاصة “مجموعة العشرين”، ومع صعودها الاقتصادي، الذي تكلل بالتحول إلى دولة تملك ديونًا خارجية هائلة لعشرات الدول بما فيها الولايات المتحدة.

الصعود الاقتصادي للقوة الصينية سمح لها بدخول قارات عدة عبر مساعدات مالية، وعقود اقتصادية، واتفاقيات تجارية، في إفريقيا وأميركا اللاتينية، وآسيا، جاعلًا من بكين قوة اقتصادية تتسابق مع الغرب وأميركا واليابان(3).

الصين والغرب وجزر سليمان:

إن الاتفاقية التي تمت بين بكين وجزر سليمان أمس الثلاثاء، تسمح للبحرية الصينية لرسو السفن الحربية في الجزر، ما جعل الولايات المتحدة وحلفاءها في أستراليا ونيوزيلندا في سباق دبلوماسي لوقفها.

وتنص الاتفاقية على إجراءات تسمح بانتشار أمني وعسكري صيني في الجزيرة التي تشهد اضطرابات والواقعة في جنوب المحيط الهادئ؛ كذلك تضمنت مقترحًا بأن “يمكن للصين، وفقًا لحاجاتها وبموافقة جزر سليمان، إجراء زيارات للسفن والقيام بعمليات تموين لوجستية والتوقف والعبور في جزر سليمان.”

ويمكن أيضًا وفق المسودة، لجزر سليمان أن تطلب من قوات الأمن الصينية إرساء “النظام الاجتماعي”.

كما سيكون لبكين أيضًا سلطة “حماية سلامة الموظفين الصينيين والمشاريع الكبرى” بمجرد وصولهم إلى الجزر.

والجدير بالذكر: تشكل جزر سليمان وهي أرخبيل في جنوب المحيط الهادئ يقل عدد سكانها عن 700 ألف نسمة؛ بالإضافة إلى جزر فيجي وفانواتا وبابا غينيا الجديدة، مناطق إستراتيجية مهمة في المحيطين: الهادئ والهندي، تتسابق عليها كل من أميركا والصين للتوسع والتمدد فيها، لكن حتى الآن تدور هذه الجزر في فلك المحور الأميركي الأسترالي(4).

علامات دولية واضحة:

لم تعد أبعاد التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين خافية؛ فالأولى صنفت الثانية في وثائقها الأمنية الرسمية على أنها من بين المصادر التي تهدد مصالحها وأمنها القومي. والثانية تشكك في كلِّ ما تطرحه واشنطن، وتؤكد أنها تعتمد نهج التنمية السلمية الذي يعود بالفائدة ليس فقط على الصين، وإنما على باقي دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه تقول بكين: إنه بينما تبحث واشنطن عن الهيمنة، والعودة إلى التصرف بعقلية الحرب الباردة، والاهتمام بمصالحها الأمنية فقط دون أي اعتبار لمصالح الآخرين، فإنها تطرح منظورًا شاملًا ومستدامًا للأمن، وتؤكد في الوقت نفسه أنها لا تتدخل في الشئون الداخلية للدول كما تفعل واشنطن.

وإذا كانت إدارة دونالد ترامب قد أعلنتها حربًا تجارية مفتوحة مع الصين، فإن إدارة جو بايدن سارت على الخطى ذاتها التي وضعت حينما كان بايدن نائبًا لأوباما، والذي اعتمد إستراتيجية الانعطاف نحو آسيا، بما يعني تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ووصلت الأمور في ظل الإدارة الحالية إلى تشكيل تجمعات ذات صبغة أمنية غير مسبوقة، مثل: “أكوس” و”كواد”، الأول يضم كلًّا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، والثاني يضم الأولى والأخيرة؛ إضافة إلى كل من الهند واليابان، كما أن بايدن قد عمل على إصلاح الهزة التي أحدثها ترامب في العلاقات مع الحلفاء؛ سواء في أوروبا أو في آسيا.

وتضيف الصين: بأن اتفاقها الأمني مع جزر سليمان لا يستهدف أطرافًا ثالثة، وليس الهدف منه “استبدال أي آلية أمنية قائمة ثنائية أو متعددة الأطراف”، وهذا خلاف المنطق الأمريكي الذي يريد أن يقصر التعاون الأمني لتلك الدول على واشنطن وحلفائها، واعتبار ما عدا ذلك من تعاون أمني بمثابة تهديد.

وهكذا بينما يتواصل السعي الأمريكي سواء من حيث الرؤية الإستراتيجية أو من حيث التطبيقات على الأرض بخصوص ما بات يعرف بمنطقة “الإندوباسفيك”؛ جاء هذا الاختراق الصيني في منطقة كان يعتقد أنها بعيدة عن النفوذ الصيني(5).

أسباب القلق الأمريكي والغربي من الاتفاق:

تخشى العديد من الدول الغربية -وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية- من الاتفاق بين الصين وجزر سليمان؛ لما قد يوفره للجيش الصيني من موطئ قدم في جنوب المحيط الهادئ.

والتقى وفد أمريكي برئاسة كورت كامبل منسق مجلس الأمن القومي لشؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ مع رئيس وزراء جزر سليمان ماناسيه سوجافاري أمس الجمعة في العاصمة هونيارا، وأوضح البيت الأبيض أن الوفد الأمريكي حدد جوانب واضحة مثيرة للقلق فيما يتعلق بالغرض ونطاق وشفافية الاتفاقية.

وقال البيت الأبيض في بيان: “إذا تم اتخاذ خطوات لإنشاء وجود عسكري دائم بحكم الأمر الواقع، أو قدرات لاستعراض القوة، أو منشأة عسكرية، على حد وصف الوفد، فإن الولايات المتحدة ستكون لديها عندئذٍ مخاوف كبيرة وسترد وفقًا لذلك”(6).

الخلاصة:

لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم من الإعلان الرسمي عن توقيع الاتفاق، والتأكيد على أنه لا توجد بنود سرية؛ إلا أن نص الاتفاق الرسمي لم يتح بعد، وهذا في حد ذاته يفتح الباب واسعًا أمام كل التأويلات، وربما تشهد الأيام القادمة إفراجًا عن نص الاتفاق وبنوده، وعندها قد تكون هناك جولة جديدة من المبارزات الدبلوماسية، والتي قد تزداد حدتها إذا ما أرفق ذلك بإجراءات تنفيذية على أرض الواقع.

ولعله من أبرز المعلومات وما يميز جزر سليمان الأتي:

– جزر سليمان هي دولة تقع في جنوب المحيط الهادئ، وعاصمتها: هونيارا.

– تتألف من أكثر من 990 جزيرة، مجموع مساحتها: 28450 كم2.

كما تعرف جزر سليمان باسم الأرخبيل الميلانيزي، وتقسم إلى عشر محافظات رئيسية.

– تضم العديد من الجزر المهمة، منها: سورتلاند، وتشويسيول، وسانت إيزابيل، وجورجيا الجديدة، وروسل، وجوادالكانال، وماراماسيك، وكي، ولوا، وسانتا كروز، وفاتاكا، وغيرها.

– يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة، واللغة الرسمية فيها هي اللغة الإنجليزية.

– حصلت على استقلالها من بريطانيا في سنة 1978.

– بها نحو 74 لغة، والدولار هو العملة المتداولة.

– يعد الدين الرسمي في هذه الجزر هو الدين المسيحي.

– فيما يعمل سكانها بالصيد والرعي؛ إضافة إلى التنقيب عن الذهب واستخراجه من مجاري الأنهار ومصباتها.

وتنتشر في جزر سليمان الغابات الاستوائية، كما تحتوي على مساحات من المراعي الواقعة في مناطق السهول الشمالية من الجزيرة المعروفة باسم: جزيرة جوادالكنال.

– تنشط بها البراكين في عددٍ مِن الجزر من وقتٍ لآخر.

1_ الدستور

2_ مركز الأهرام للدراسات

3_ اللواء

4_ صدى البلد

5_ الشرق

6_ الحرة

 

التعليقات مغلقة.