مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
حلف الناتو الآسيوي.. دراسة تحليلية لأبعاد ودوافع التحركات الأمريكية في منطقة المحيطين وتداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية على المنطقة
حلف الناتو الآسيوي.. دراسة تحليلية لأبعاد ودوافع التحركات الأمريكية في منطقة المحيطين وتداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية على المنطقة
وضعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ انتخاب الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما”، منطقة شرق آسيا، كأحد محاور التحركات الأمريكية الخارجية ضمن ما عرف بإستراتيجية إعادة التوازن، لتعزيز الحضور الأمريكي في منطقة جنوب آسيا والمحيطين الهندي والهادي في ظل ما شهدته بلدان المنطقة من نهضة اقتصادية وصناعية شاملة، وظهور لاعبين وكتل اقتصادية كبرى على المسرح الدولي في شرق آسيا خلال العقدين الأخيرين.
ويأتي في سياق ذلك التوجه، ما يمكن وصفه “بحلف الناتو الآسيوي”؛ حيث تقوم الإستراتيجية الأمريكية، بصفة عامة، على محورين أساسيين: “التكتل الاقتصادي”؛ مثل: مجموعة السبع الصناعية الكبرى، “والحلف العسكري” مثل حلف شمال الأطلسي الناتو. وفي ظل التنافس مع الصين وروسيا والذي يزداد حدة، أخذت الولايات المتحدة بانتهاج ذات الإستراتيجية في صياغة علاقاتها وتحركاتها في منطقة المحيطين الهندي والهادي، مع بروز تحالفات مثل أوكوس وكواد وغيرها، غير أن تصريح رئيس الوزراء الياباني “شيجيرو إيشيبا” الداعي لضرورة صياغة سياسات للدفاع الجماعي في شرق آسيا، تعكس رغبة عدة قِوَى آسيوية للسير في إطار الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة.
ما حلف الناتو الآسيوي؟ وما المتوقع من وجوده وردود الفعل؟ وما تفاصيل حلف الناتو الآسيوي؟ وما علاقته بإستراتيجية إعادة التوازن الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي؟ وكيف يمكن تفسير التحركات الأمريكية الحالية في شرق آسيا في ظل الصراع الروسي الغربي؟ وما أبعاد ودوافع تلك التحركات؟ وكيف سيكون رد فعل روسيا والصين وكوريا الشِّمالية على تلك التحركات؟ ماذا عن موقف القِوَى الإقليمية ومستقبل العلاقات الإقليمية والدولية في المنطقة؟
يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على حلف الناتو الآسيوي والتحركات الأمريكية في المنطقة وتداعياتها على الأمن الإقليمي في ظل تصاعد حدة الصراع بين بكين وموسكو وبيونغ يانغ من جهة، وواشنطن من جهة أخرى. في هذه السطور الآتية.
تفاصيل حلف الناتو الآسيوي:
تصاعد الحديث إعلاميًّا وسياسيًّا في الآونة الأخيرة، حول مقترح تأسيس حلف الناتو الآسيوي، والذي ينطوي على سياسات دفاعية جماعية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والذي طالمَا نادى به “شيجيرو إيشيبا” رئيس الوزراء الياباني على مدار العقد الماضي. (اليابان بالعربي).
فاليابان تُعد لاعبًا أساسيًّا في منطقة شرق آسيا، وشريكًا محوريًّا في صناعة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، إلى جانب أستراليا وكوريا الجنوبية. وفي ظل تصاعد حدة التوترات الإقليمية، فإن دعوة إيشيبا، بحسب وسائل إعلام يابانية، تهدف لردع تهديدات الصين وكوريا الشِّمالية وروسيا في المنطقة. وقد جاء طرح إيشيبا لهذا المقترح، في إطار أهدافه الرامية إلى إقرار سياسات للدفاع الذاتي الجماعي في آسيا، وهي السياسات القائمة على ضرورة توسيع الدفاع الجماعي ليشمل الدول التي تتقاسم القيم الديمقراطية والحرية، ولا سيما شركاء الولايات المتحدة في هذه المنطقة.
كما يسعى هذا التحالف إلى مواجهة النفوذ الصيني المتزايد، والتهديدات الكورية الشِّمالية، والتعاون الآخذ بالنمو بين الصين وروسيا وكوريا الشِّمالية والذي قد أثار امتعاض عدة قِوَى إقليمية منها كوريا الجنوبية والفلبين، فضلًا عن التعامل مع التحديات الأمنية المتطورة في منطقة الهندوباسيفيك.
وبالنظر إلى دوافع الطرح الياباني في هذا التوقيت، فيمكن القول: إنها تنطلق من التحديات الأمنية المتصاعدة في المنطقة، وخاصة البرامج النووية والصاروخية المتقدمة لكوريا الشِّمالية، والنزعة العدوانية المتنامية للصين، بحسب خصومها الإقليميين، في ظل التوترات المتصاعدة بشأن تايوان، والتوغلات المتكررة التي تقوم بها السفن الصينية بالقرب من جزر سينكاكو المتنازع عليها مع اليابان، وعسكرة بكين لبحر الصين الجنوبي.
وسبق أن قارن رئيس الوزراء إيشيبا، صراحة، بين الوضع في تايوان والوضع الراهن في أوكرانيا. محذرًا من أن الفشل في ردع الصين قد يؤدي إلى عواقب إقليمية وخيمة، ومن ثم يرى إيشيبا أن هذا التحالف سيكون بمنزلة مقاومة جماعية لأي عدوان صيني محتمل تجاه دول المنطقة الحليفة.
الناتو الآسيوي وإستراتيجية إعادة التوازن الأمريكية:
لا يمكن الفصل بين تصريحات رئيس الوزراء الياباني إيشيبا، والتحركات الأمريكية في منطقة شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي طوال العقد الماضي. حيث أن تطور العلاقات الأمريكية بدول المنطقة، في إطار الحرب على الإرهاب في آسيا الوسطى وما رافقها من تعاون أمريكي مع كلٍّ من الهند وإستراليا والفلبين، وغيرها، قد أنتج ما عرف بتحالفات إستراتيجية جمعت الولايات المتحدة وشركاءها في المنطقة. والتي تزامنت مع الصعود المتنامي للصين، ونمو علاقاتها بالاتحاد الروسي خلال السنوات الأخيرة.
حيث باتت تلك التطورات تشكل تحديًّا للمصالح الأمريكية إقليميًّا وعالميًّا، بالنظر إلى أن منطقة المحيطين تشكل مجال النفوذ الأساسي الأول للصين. حيث وضعتها بكين في صُلب مشروعها العالمي العملاق “الحزام والطريق”، وبالتالي فإن منطقة المحيطين تُعد أول منطقة تسعى الصين إلى إحداث توسع جيوسياسي فيها، من خلال الهيمنة الإقليمية على المنطقة، ومن ثم الهيمنة العالمية.
فالصين الصاعدة سلميًّا، تنتهج سياسات ضبابية في علاقاتها بدول شرق آسيا وجنوبها، وتجمع ما بين دبلوماسية حسن الجوار، وبين سياسات تصعيدية في مسائل تتعلق بالأمن القومي والنزاعات الحدودية. وبالتالي دفع نهجها المُبهم الولايات المتحدة لموازنة نفوذها في منطقة المحيطين، وعقد تحالفات إقليمية قوية من شأنها توسيع الفجوات بين الصين وجوارها الإقليمي.
فالإستراتيجية الأمريكية المسماة “بإعادة التوازن”، والتي صيغت خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما”، قد وضعت التكتلات العسكرية إلى جانب الاقتصادية محورًا في التحركات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي. ولذلك فإن الناتو الآسيوي، أو الدفاع الجماعي في المنطقة، يندرج بشكل واضح في سياق التوجه الأمريكي الراهن.
أبعاد التحركات الأمريكية والإقليمية في منطقة المحيطين في ظل الصراع الروسي الغربي:
تستغل الولايات المتحدة الحرب الروسية الأوكرانية في كافة القمم الاقتصادية، مثل قمة مجموعة العشرين ودول السبع الصناعية الكبرى، أو القمم العسكرية مثل قمة حلف الناتو، بهدف إحداث تغيير جيوسياسي عالمي واسع النطاق لا يقتصر فقط على شرق أوروبا وشمالها، مثل ضم فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. بل يطال التغيير أيضًا منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
فلا شك أن الوجود الروسي واسع النطاق في تلك المناطق، قد تعرض لهزات وانتكاسات كبرى خلال أعوام الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة مع تمرد مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة ومصرع قائدها “يفغيني بريغوجين” وعدد من مرافقيه في حادث سقوط طائرته. (الجزيرة).
وعلى إثر ذلك، من الملاحظ أن الوجود الروسي في إفريقيا قد تأثر بشكل لافت، مع هجوم المنظمات الإرهابية على الجيش المالي وقوات فاغنر في شمال مالي في يوليو 2024م، هذا إلى جانب سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024م، ما عُد ضربة للدور الروسي في الشرق الأوسط. إذ إن الكرملين، منذ عصر القياصرة، سعى جاهدًا للوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، واليوم، ومع سقوط النظام السوري، بات استمرار الوجود الروسي في سوريا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، محل تساؤل من قِبَل مراقبين.
وفيما يتعلق بمنطقة شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي، فالشأن الآسيوي كان حاضرًا هو الآخر، وتم توظيف السياسة الصينية في شرق آسيا إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية، في كافة الاجتماعات والقمم المختلفة. وجرى الربط بين الشأن الآسيوي والحرب في أوكرانيا بشكل لافت.
فخلال القمة الـ47 لمجموعة دول السبع الصناعية الكبرى، بحث قادة مجموعة السبع الصعود المتنامي للصين عسكريًّا واقتصاديًّا، وناقشوا تقديم مشروعات للبنية التحتية منافسة لما تقدمه الصين في مشروعها المسمى “حزام واحد طريق واحد”، وأُعلن خلال القمة، إطلاق مبادرة (إعادة بناء عالم أفضل) الموجهة للدول الفقيرة، وهي تتضمن مجالات التفاوت الاجتماعي والنمو الصديق للبيئة والاقتصاد الرقمي. والتأكيد على رفض التحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي والشرقي، والمناورات الصينية المستمرة حول جزيرة تايوان. (بوابة الشروق).
وخلال قمة حلف الناتو في يوليو الماضي، جاء حديث الحلف عن الصين في بيانه الأخير. إذ لم يكتفِ حلف الناتو باعتبار الصين تمثل تحديًّا لقيمه، وإنما ذهب إلى أنها تمثل كذلك تحديًّا لأمنه ومصالحه، بحكم ما وصفه بالسياسات القسرية الصينية وطموحاتها الجيوسياسية الإقليمية والعالمية المعلنة وغير المعلنة. وقد ذهب بيان القمة إلى أن الشراكة الإستراتيجية بين الصين وروسيا، وسعيهما إلى ما أسماه بتقويض النظام الدولي القائم على القواعد، يسبب قلقًا عميقًا للحلف. (الشرق الأوسط).
فقد اعتبر الحلف أن الصين تدعم بشكل كبير الصناعات العسكرية الروسية، عبر المواد ذات الاستخدام المزدوج والمواد الخام والمعدات والمكونات التي يمكن أن تدخل جميعها في تصنيع السلاح الروسي. ومن ثم مساعدة روسيا على الاستمرار في الحرب، وزيادة ما اعتبره الحلف تهديدًا روسيًّا للجيران ولمجمل الأمن الأوروأطلسي.
ونفس الاتهام وجه لكلٍّ من كوريا الشمالية وإيران، لكن من حيث تقديمهما دعمًا عسكريًّا مباشرًا لروسيا، ممثلًا في مُعَدَّات عسكرية وذخائر وطائرات مسيرة، مع إضافة كونهما مصدري تهديد للنظام الدولي لمنع الانتشار النووي. وكما هو معلوم، فإن الحلف منزعج جدًّا من التطورات الإيجابية على صعيد العلاقات الروسية الكورية الشِّمالية، والتي كُللت بزيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لبيونغ يانغ في يونيو 2024م، بعدما كان “كيم جونغ أون” قد زار روسيا في سبتمبر 2023م.
ومما زاد من الانزعاج، تقديم روسيا مساعدات خاصة ببرنامج إطلاق الأقمار الصناعية الكورية الشِّمالية، واتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تضمنت بندًا خاصًّا بتقديم المساعدة في حال تعرض أحد الطرفين لعدوان، ودخول كوريا الشِّمالية على خط الحرب الروسية الأوكرانية عبر إرسال قوات كورية شمالية إلى جبهات القتال في مقاطعة كورسك الروسية، بحسب مسؤولين غربيين.
وفي الوقت الذي وصل الحال بالرئيس الكوري الجنوبي “يون سيوك يول” إلى مطالبة روسيا بالاختيار بين بلاده وكوريا الشِّمالية، على خلفية تطور العلاقات بين كوريا الشِّمالية والاتحاد الروسي، فإنه قد تعهد ورئيس وزراء اليابان الأسبق “فوميو كيشيدا”، بتعزيز التعاون مع حلف الناتو في شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي. (فرنسا 24).
وبالتالي: وبالنظر إلى تعقد مشهد الصراع والتنافس الدولي منذ بداية العام 2024م، وزيادة سياسة الاستقطاب والاستقطاب المضاد، ومحاولات إحداث تغيير جيوسياسي واسع النطاق، فإن تصريحات إيشيبا لا يمكن اعتبارها دعائية في سياق التنافس الحزبي خلال الانتخابات اليابانية، وإنما تُعد جزءًا من السياسة الأمريكية القائمة حاليًّا في منطقة شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي، في ظل القلق الإقليمي مع مثلث العلاقات الروسية الصينية الكورية الشِّمالية وتداعياته على دول الإقليم.
السياسة الأمريكية في منطقة الهندوباسيفيك وردود الفعل الإقليمية:
أدى طرح رئيس الوزراء الياباني الجديد “شيجيرو إيشيبا”، إلى إحداث انقسام في وجهات النظر الإقليمية، كونها تُعد جزءًا من إستراتيجية أمريكية أوسع في المنطقة. ففي حين تهدف اليابان إلى توحيد حلفائها الإقليميين وتخفيف اعتمادها المفرط على الولايات المتحدة، تظل العديد من الدول الآسيوية، ومنها القِوَى الرئيسية مثل دول رابطة آسيان، مترددة في الانضمام إلى أي تحالف مناهض للصين؛ إذ تعطي هذه الدول الأولوية للحياد والتعاون الاقتصادي على التحالفات العسكرية، التي قد تعطل استقرار المنطقة. والدليل على ذلك، أنه في الوقت الذي تتصاعد فيه فكرة إنشاء حلف الناتو الآسيوي أو أي تحالف عسكري مشابه، أعلن زعماء الصين ودول آسيان، خلال القمة السابعة والعشرين للصين وآسيان في 10 أكتوبر 2024م، عن التوصل إلى اتفاق لترقية منطقة التجارة الحرة بينهما.
الأمر الذي يشير إلى الجهد المشترك لقيادة التكامل الاقتصادي في شرق آسيا. ما يدل على الدعم القوي من الجانبين للتعددية والتجارة الحرة، وأن السعي إلى الاستقرار والتعاون والتنمية سيظل التيار الرئيسي الذي لا يتزعزع في المنطقة، كونه يُعد الأولوية في السياسة الإقليمية لمنظمة آسيان.
فبالنظر إلى ردود فعل الدول الأعضاء بمنظمة آسيان، فقد أعلن العديد من المسؤولين في ماليزيا وإندونيسيا والفلبين عن معارضتهم الشديدة لهذا التحالف، وذلك بالرغم من العداء الصريح القائم بين بكين ومانيلا تحديدًا على مدار الأشهر القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، انتقد وزير الخارجية الماليزي الاقتراح، محذرًا من أن الناتو الآسيوي من شأنه أن يؤجج التوترات بدلًا من تعزيز السلام. وتردد صدى هذه المخاوف في وسائل الإعلام الإندونيسية، التي زعمت أن دول رابطة دول جَنُوب شرق آسيا تنظر إلى اليابان كشريك تجاري، لا كحليف عسكري. (بوابة أخبار اليوم).
وفيما يتعلق بالهند، فقد أعربت نيودلهي، باعتبارها قِوَى رئيسية في منطقة الهندوباسيفيك، عن تحفظاتها تجاه هذه الفكرة، مؤكدة عقيدة الاستقلال الذاتي الإستراتيجي التي تتبناها نيودلهي، القائمة على مبدأ “عدم الانحياز”، وهو ما أكده وزير الشؤون الخارجية الهندي “سوبراهمانيام جايشانكار”، حيث صرح بأن “الهند لا تتفق مع رؤية إيشيبا بشأن إنشاء حلف الناتو الآسيوي”.
ويبدو أن موقف الهند ينطلق من إستراتيجية نيودلهي الساعية للتحرك بحرية إقليميًّا ودوليًّا، والتحول لقطب عالمي جديد بعيدًا عن أي تحالفات، سواء مع الشرق أو الغرب، ومنافسة اللاعبين الإقليميين والدوليين الحاليين. ومن جانبه أيضًا، رفض رئيس الوزراء الإسترالي “أنتوني ألبانيز” دعوات إيشيبا لإنشاء هيئة أمنية إقليمية آسيوية مماثلة لحلف شمال الأطلسي، وقد يكون هذا هو ما يفسر عدم طرح الفكرة خلال قمة الآسيان الأخيرة.
ورغم الرفض المُعلن والضبابية التي تحيط بالمشهد؛ إلا أن إستراتيجية التكتلات العسكرية تُعد محورًا أساسيًّا في السياسة الخارجية الأمريكية، ولا شك أن واشنطن ستعمل على تقديم صيغة مختلفة لتحالف عسكري إقليمي في منطقة الهندوباسيفيك، في ظل القلق الأمريكي من التعاون الواسع بين الاتحاد الروسي والصين وكوريا الشِّمالية.
الموقف الروسي الصيني الكوري الشمالي ومستقبل العلاقات الإقليمية:
أثار اقتراح إيشيبا حول الناتو الآسيوي معارضة شديدة من جانب الصين، التي ترى فيه جزءًا من إستراتيجية أوسع نطاقًا تقودها الولايات المتحدة لاحتواء صعودها. حيث انتقد المسؤولون الصينيون اليابان لتضخيمها التهديدات الأمنية، وحذروا من التحالفات العسكرية التي قد تعطل السلام الإقليمي. كما سعت بكين إلى الاستفادة من الشراكات الاقتصادية مع رابطة دول جَنُوب شرق آسيا وغيرها من الدول الآسيوية لموازنة هذا الاقتراح، معتبرةً أن هذه العلاقات هي ركيزة الاستقرار الإقليمي.
من جانبها: تخشى العديد من القِوَى الإقليمية أن يترتب على تشكيل هذا الحلف عواقب اقتصادية كبيرة، وخاصة أن العديد من دول رابطة آسيان تعتمد على الصين كشريك تجاري رئيسي. حيث حافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري لآسيان لمدة 15 عامًا متتالية، وكانت آسيان أكبر شريك تجاري للصين لمدة أربع سنوات متتالية. وباعتبارها صديقًا جديرًا بالثقة للآسيان، تدعم الصين بقوة بناء مجتمع آسيان، وتدعم الدور المركزي للكتلة في التعاون الإقليمي، بل تدعو آسيان أيضًا إلى لعب دور أكبر في الشؤون الدولية.
وفيما يتعلق بالاتحاد الروسي وامتداده الآسيوي للحدود اليابانية والكورية الجنوبية، ودوره كلاعب رئيسي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، فقد كان الموقف الروسي أكثر حدة. إذ حذر وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” اليابان، من أن تقود مساعيها لتشكيل حلف آسيوي على غرار “الناتو” أو تكتلات عسكرية أخرى في المنطقة إلى مواجهة ساخنة.
قائلًا: “أي عسكرة وأفكار لحشد التكتلات تحمل دائمًا في طياتها خطر مواجهة قد تتحول إلى ساخنة”. وكان وزير الخارجية الروسي قد أكد في وقت سابق: “أن حلف الناتو يتوسع عسكريًّا باتجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لتقويض البنية المتمركزة حول رابطة دول جَنُوب شرق آسيا والقائمة على مبادئ المساواة”.
في حين جاءت التصريحات الكورية الشِّمالية، حول التحركات الأمريكية وسياسات واشنطن في شرق آسيا، لتشير إلى أن “واشنطن تسعى من خلال مناوراتها العسكرية المستمرة مع طوكيو وسيئول إلى إنشاء حلف ناتو آسيوي، مشددة على أن هذا التحالف يمكنه الدخول في أي وقت في نزاع عسكري بإيعاز من واشنطن”.
ويبدو أن منطقة المحيطين: الهندي والهادي غير مستعدة حاليًّا لتحالف عسكري كهذا؛ حيث يواجه تشكيل تحالف عسكري مشابه للناتو في آسيا تحديات كبرى، نظرًا إلى اختلاف الأنظمة السياسية والأولويات الأمنية بين الدول الآسيوية، وذلك على عكس الناتو، الذي نشأ على أسس ثقافية وتاريخية مشتركة.
ومن ثم، فإن نجاح الحلف يتطلب في البداية تخطي انعدام الثقة بين الدول، وحل المخاوف المتعلقة بالسيادة، إضافةً إلى ذلك، تنظر بعض الدول الآسيوية إلى حلف شمال الأطلسي كعامل للفوضى، ما يُعقد فكرة تبني نموذج مشابه له في آسيا، إلى جانب ذلك، تخشى العديد من الدول الإقليمية من الانخراط في تحالفات قد تفرض عليها الانحياز في التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
حيث تسعى أغلب الدول الآسيوية، خاصة في جَنُوب وجنوب شرق آسيا، إلى تجنب التصعيد الإقليمي. حيث يُحتمل أن يؤدي تأسيس الحلف إلى تعميق الانقسامات وإحياء أنماط السياسة التكتلية، كما تعتبر الدول الآسيوية أن محاولات تصدير “عقلية الحرب الباردة” إلى المنطقة أمر غير مقبول، ولا ترغب في وضع الصين كعدو مستهدف، ناهيك عن تبني هذه الدول نهج الشراكات المرنة بدلًا من الالتزامات الدفاعية الجامدة التي قد تضعف سيادتها.
الخلاصة:
– عكست تصريحات رئيس الوزراء الياباني الجديد “شيجيرو إيشيبا”، دخول إستراتيجية واشنطن في منطقة شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادي مرحلة جديدة. كون طرح إيشيبا يندرج ضمن إستراتيجية إعادة التوازن الأمريكية في المنطقة، ويؤشر على رغبة واشنطن في حشد حلفائها في الإقليم للتصعيد ضد الصين، على غرار ما جرى في شرق أوروبا؛ غير أن مشهد العلاقات السياسية والاقتصادية في شرق آسيا يبدو أكثر تعقيدًا، في ظل ما يربط دول المنطقة من علاقات اقتصادية وتجارية متشابكة ومتداخلة مع الصين. فبرغم الشد والجذب في العلاقات الصينية الإقليمية، إلا أن الصين تُعد شريكًا تجاريًّا موثوقًا للعديد من دول المنطقة، وعاملًا أساسيًّا في تحقيق التنمية والاستقرار الاقتصادي في المنطقة.
كلمات مفتاحية: حلف الناتو الآسيوي – تصريحات إيشيبا – إستراتيجية إعادة التوازن – التحركات الأمريكية في منطقة الهندوباسيفيك – التحالف الروسي الصيني الكوري الشمالي.
المصادر: