fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تمرد “فاجنر” يعيد ترتيب أوراق بوتين في أوكرانيا وإفريقيا

2٬750

تمرد “فاجنر” يعيد ترتيب أوراق بوتين في أوكرانيا وإفريقيا

البداية كانت عام 2014 عندما ظهرت قوات فاجنر لأول مرة وساعدت الانفصاليين شرق أوكرانيا على السيطرة على إقليم دونباس، ومنذ ذلك التاريخ توالى ظهور فاجنر في مناطق عِدَّة، مثل: سوريا، وعدة دول إفريقية؛ لتحقيق أهداف روسيا أينما وجدت، حتى بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كما أطلق عليها فلاديمير بوتين، وهنا ذاع صيت فاجنر التي قاتلت لثمانية أشهر في باخموت حتى سيطرت عليها بالكامل، ووقتها اتضحت صورة فاجنر بشكل أقوى أنها ميليشيات تقوم بكلِّ ما يحقق مصالح روسيا دون أن تتورط فيها موسكو.

وبينما الجميع يتحدث عن الميليشيا العسكرية الخاصة بالكرملين وتنفذ طموحاته، إذ بقائد فاجنر يفجيني بريجوجين يعلن التمرد على الجيش الروسي، بل وأخذ قواته بمعداتهم العسكرية الثقيلة ودخلوا الأراضي الروسية، وأعلنوا تقدمهم نحو موسكو، وتطورت الأحداث سريعًا ونزل الجيش الروسي الشوارع، كما اتجهت كتائب أحمد الشيشانية لمواجهة قوات فاجنر حتى هدأت الأوضاع فجأة وأعلن قائد فاجنر خروجه من الأراضي الروسية وانسحابه بعد توسط الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بعد إعلان بوتين أن ما أقدم عليه بريجوجين طعنة في الظهر.

وبعد التمرد الذي ينسبه البعض لأيادٍ خارجيةٍ، ويشكك فيه آخرون على أنه مسرحية روسية، تُثَار تساؤلات عِدَّة حول مستقبل النفوذ الروسي الذي جمعته فاجنر عبر السنوات الماضية في إفريقيا، وكذلك تأثير التمرد على الحرب الأوكرانية، ومستقبل الشركات العسكرية الروسية الخاصة، ومن بينها: فاجنر، بل وعلى مستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، وقبل الإجابة على تلك التساؤلات؛ فلنقدم لك عزيزي القارئ نبذة عن وقائع هذا التمرد، وما تبعه من أحداث.

ماذا حدث؟

استيقظ الشعب الروسي صباح يوم الجمعة 23 يونيو على إعلان مجموعة فاجنر العسكرية وقائدها بريجوجين التمرد على الجيش الروسي، وبالفعل دخلت قوات فاجنر لأكثر من 200 كيلو متر داخل حدود روسيا واستولوا على مدينة روستوف جنوب روسيا، كما فتحت طائرات هيلكوبتر النار على مجموعة متمردة كانت في طريقها لدخول موسكو بالفعل، وفي المقابل انتشرت مركبات عسكرية روسية بكثافة لحماية المنشآت الحيوية، كما تحركت كتائب أحمد الشيشانية عصر نفس اليوم 23 يونيو وفصائل من الجيش الروسي لمواجهة قوات فاجنر.

وقبل احتدام المواجهة بعد إعلان بوتين حالة مكافحة الإرهاب، تراجع قائد فاجنر يفغيني بريغوجين وأمر مقاتليه بالعودة إلى قواعدهم؛ لتجنب إراقة الدماء بعد وساطة بيلاروسيا، وأعلن بوتين يوم السبت 24 يونيو الماضي نقل قوات فاجنر لبيلاروسيا وعدم ملاحقتهم أمنيًّا؛ إلا أن الأيام التالية لأحداث التمرد الذي لم يستمر إلَّا يومًا واحدًا لم تشهد وجود لقوات فاجنر في بيلاروسيا، وتناولت التقارير الإخبارية وجود قوات فاجنر في روسيا، وكان الظهور الأول لقوات فاجنر أثناء لقاء بريجوجين وقادة فاجنر وعشرات الرؤساء للشركات العسكرية الروسية الخاصة مع بوتين، وبعد يومين سلَّمت قوات فاجنر الجيش الروسي المعدات والمركبات والدبابات، والقطع العسكرية التي كانت لديهم.

وأكد بوتين أن قوات فاجنر تستطيع الانتقال إلى بيلاروسيا، ومَن يريد الاستمرار في روسيا يستطيع التعاقد مع وزارة الدفاع، وهكذا بقية الشركات العسكرية الخاصة.

كما سلَّمت قوات فاجنر أسلحتها وذخائرها لوزارة الدفاع الروسية، وتحتوي على أكثر من ألفي قطعة من العتاد والأسلحة تشمل المئات من الدبابات، ونماذج عديدة من منصات إطلاق الصواريخ المتعددة، ومنظومة دفاع جوي، ومدفعية محمولة، وحافلات أفراد مدرعة من فاجنر، و2500 طن من الذخيرة، و20 ألف سلاح صغير.

 الخلاف بين شويجر وبريجوجين:

تحول يفجيني بريجوجين من رجل أعمال يشق طريقه في الاستثمار الخاص بالمطاعم إلى قائد مجموعة عسكرية ذاع صيتها في عدة بقاع ساخنة من العالم بداية من إفريقيا والشرق الأوسط، وحتى الحرب الأوكرانية، وتحول رجل الأعمال إلى أحد رجالات بوتين المخلصين، ونقلت عدة لقاءات لبوتين مع زعماء العالم بريجوجين وهو يقدِّم لهم الطعام مما يشير إلى ثقة بوتين به، وهنا كان بداية صعود نجم بريجوجين الذي طار سريعًا إلى أعلى قمة رجال المال والأعمال بفضل علاقته ببوتين حتى إنه نال اعتماد تقديم حصص الطعام لكافَّة قطاعات الجيش الروسي، واستمر ذلك حتى جاء وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو عام 2012م، وألغى ذلك الاعتماد وحرم بريجوجين من مكاسب كبيرة.

ويبدو أن اعتماد بوتين على يفجيني بريجوجين وتوليه كثير من المسئوليات والأهداف الروسية في إفريقيا وسوريا ومؤخرًا في أوكرانيا لم يرضِ وزير الدفاع الروسي شويجو، وظهر الخلاف بقوة أثناء الحرب، وخاصة خلال معركة باخموت التي استمرت لـ”8 شهور ونصف”، واتهم خلالها برجوجين الجيش الروسي ووزير الدفاع شويجو بتعمد عدم إمداد فاجنر بالذخيرة، بل وقصف قوات فاجنر عن عمد وقتل الآلاف من رجاله وتعهد بالرد، بل واستمر بريجوجين في نشر المقاطع التي يسب فيها قيادات الجيش الروسي، وعلى رأسهم شويجو، وبعدها انفجرت أحداث التمرد.

التمرد وسلطة بوتين:

واجه بوتين اختبارًا عنيفًا لحظة إعلان التمرد؛ لأن البلاد تعيش حالة حرب، ومواجهة عقوبات اقتصادية من الغرب، وكاد التمرد يعصف بوجود بوتين على رأس السلطة الروسية؛ لولا سرعة تدارك بوتين للأوضاع، وهو ما يؤكده المحلل السياسي الروسي، فلاديمير ماتوزوف الذي قال: إن تمرد قائد فاغنر كاد أن يؤدي إلى انهيار الدولة الروسية لو وجدت حركته استجابة لدى الشارع، أو قوات الجيش والجنود، وكانت روسيا ستدخل في حرب أهلية مثلما حدث خلال الثورة البلشيفية، وما تبعها من أحداث في الاتحاد السوفيتي عام 1917، مشيرًا إلى تحركات بوتين السريعة بتدخل الرئيس البيلاروسي للوساطة واستعانته بكتائب أحمد الشيشانية التي دخلت المدن الروسية بقواتها بالفعل إلى جانب تماسك الجيش الروسي، وإعلان بوتين رفع رواتب الجيش الروسي بالكامل، وكذلك عدم محاسبة جنود فاجنر الذين لم يشاركوا في التمرد.

كما التقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”يفغيني بريغوجين” وبعض قادة فاجنر وبعض رؤساء الشركات العسكرية في الكرملين لأكثر من 3 ساعات، وعرض بوتين خيارات التوظيف على ممثلي الشركات العسكرية الخاصة، وأن استمرارهم لن يدوم إلا بالتعاقد مع وزارة الدفاع كما عرض على قوات فاجنر التي تريد البقاء بإمضاء العقود، كما عرض بوتين عليهم هم وجنودهم إما الانتقال مع بريجوجين إلى بيلاروسيا أو الانضمام إلى الجيش الروسي أو العودة إلى منازلهم، وأكد قادة فاجنر أنهم من أشد المؤيدين للرئيس الروسي، ونقلت قناة بريغوجين على “تليغرام” عن أنطون يليزاروف، وهو قائد في مجموعة “فاجنر” قوله: إن المقاتلين في عطلة حتى أوائل أغسطس بناءً على أوامر بريغوجين، قبل الانتقال إلى بيلاروسيا.

كما اعتقلت خدمة الأمن الداخلي في روسيا عددًا من كبار الضباط العسكريين بعد أيام من التمرد، منهم: الجنرال سيرجى سوروفكين، قائد قوات الفضاء، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”، وقالت: إن سوروفكين، محتجز في موسكو، ويتم استجوابه، ولم يتم اتهامه بارتكاب جريمة.

وأضافت: إن سوروفكين كان على علم بخطط التمرد التي شنتها قوات فاجنر الشهر الماضي، لكن الجنرال لم يكن متورطًا في التمرد، ووفقًا للتقرير، ويواصل الكرملين جهوده لاستبعاد الضباط المشتبه في عدم ولائهم، وأكدت الصحيفة أن نحو 13 من كبار الضباط احتُجزوا للاستجواب وأُطلق سراح بعضهم، كما أن هناك 15 ضابطًا أُوقفوا عن العمل أو طُردوا، كما تم اعتقال نائب سوروفكين، العقيد أندريه يودين، ونائب رئيس المخابرات العسكرية الجنرال فلاديمير أليكسييف، وتم إطلاق سراحهما لاحقًا، وقال أحد الضباط: إنه تم إيقافهما عن العمل، وتقييد تحركاتهما، وهما تحت المراقبة، ومن بين الشخصيات التي تم اعتقالها العقيد السابق الجنرال ميخائيل ميزينتسيف، الذي شغل سابقًا منصب نائب وزير الدفاع، الذي انضم إلى الشركة العسكرية الخاصة لمجموعة فاجنر في أواخر إبريل الماضي.

ويرى الباحث والمختص في الشأن الروسي سمير أيوب: إن هناك إيجابيات للتمرد تخدم بوتين والجيش الروسي، ومنها: أن مختلف المجموعات العسكرية أصبحت تعمل تحت مظلة بوتين وبأوامره، وخاصة أن كل من بقي من مجموعة فاغنر سوق يقومون بإبرام عقود للخدمة في الجيش الروسي، وأن موقف الرئيس بوتين سيصبح أقوى من المرحلة السابقة؛ لأن التمرد كان درسًا سيتعلم منه وسيجد لنفسه مبررًا في التخلص من بعض القيادات القريبة منه؛ سواء إن كانت سياسية أو بوزارة الدفاع، وأن بوتين أمامه فرصة لاستغلال الأزمة في إحداث إصلاحات من أجل الشارع الروسي، وللتعاطي مع الأزمة مع الغرب، ومواجهة التحديات التي تواجه موسكو، وعلى رأسها: حصار العقوبات، وتداعيات الحرب بأوكرانيا.

الدائرة المقربة من بوتين:

هم أقرب الأشخاص للرئيس الروسي كما أنهم مَن يقدِّمون له النصح والمشورة، ويعملون على تنفيذ سياسته، ويحمون وجوده على رأس السلطة، وهم: سيرجي شوييو وزير الدفاع الروسي، ومَن يدير وكالة المخابرات العسكرية، ويقضي مع بوتين بانتظام إجازات قصيرة، ونيكولاي باتروشيف ضابط المخابرات السوفيتية السابق الذي التقى به بوتين في لينينجراد في عام 1970، ويتولى منصب رئيس مجلس الأمن الروسي، وملقب بـ”الصقر”، ويلعب باتروشيف الدور غير الرسمي لمستشار بوتين للأمن القومي، وألكسندر بورتنيكوف رئيس جهاز الأمن الاتحادي الروسي الذي عرفه بوتين أيضًا منذ 4 عقود، ويتولى قيادة الجهاز المسؤول عن الأمن الداخلي والاستخبارات، ويلعب دورًا رئيسيًّا في الحفاظ على سيطرة بوتين، وسيرجي ناريشكين رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي، وعرف بوتين منذ تسعينيات القرن الماضي، عندما كانا يعملان في مكتب رئيس بلدية سان بطرسبرغ، ويعتبر من أكثر المسؤولين ولاءً لبوتين، ويعرف بتشدد أفكاره تجاه الغرب، وفاليري غيراسيموف رئيس أركان الجيش الروسي البالغ من العمر 67 عامًا، والذي جرى تعيينه مطلع العام الجاري قائدًا لـ”العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، حيث اعتبر هذا القرار دعمًا لموقف الجيش الروسي على حساب قوات فاغنر.

تأثير التمرد على الحرب في أوكرانيا:

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز: أن أوكرانيا لم تتمكن من الاستفادة من تمرد فاجنر على جبهات القتال، وأن الجبهات الروسية لم يكن فيها أي ثغرات كي تستفيد منها أوكرانيا في هجومها المضاد، مشددة على أن وحدات الجيش الروسي لم تغادر مواقعها في الجنوب أو الشرق خلال ساعات تمرد فاغنر، وأن الجيش الروسي لم يبطئ القتال، بل أطلق أكثر من 50 صاروخًا على أوكرانيا وقت التمرد، ووفق خبير عسكري أمريكي لـ”سكاي نيوز عربية”؛ فإن تماسك الجيش الروسي في الجبهات، وبينها: باخموت، كان السبب المباشر في الحيلولة دون استغلال كييف ثغرة “تمرد فاغنر”.

وقال وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف: إن التوقعات الحالية بشأن الهجوم المضاد مبالغ فيها ، وأكَّد: أن الهجوم المضاد معقد، والدفاعات الروسية قوية للغاية، وصرحت إدارة الرئيس جو بايدن بأن نتائج الأسابيع الأولى من الهجوم الأوكراني “صادمة”، وذكرت أن كييف “متأخرة” عن “الجدول الزمني” للهجوم.

وقال المهندس أحمد الشحات -الباحث في الشئون السياسية-: إن تمرد فاجنر يمثِّل طعنة قوية في الظهر لبوتين وللجيش الروسي بشكل عام، ولكن حتى الآن لا يبدو أنها ستكون طعنة قاتلة. مضيفًا: أنها مؤثرة وقوية، ولكنها لم تؤثر على الأوضاع حتى الآن سواء في أوكرانيا أو غيرها، ومِن ثَمَّ فستظل التجربة قيد الدراسة للنظر فيها على المدى البعيد: هل بالفعل تمثل ضربة مؤثرة على مسار الحرب الأوكرانية أم لا؟

واعتبر الخبير العسكري الروسي أليكسي ليونكوف: أن الجيش الروسي متماسك في أوكرانيا، والحديث عن انهياره دعاية غربية، وأن القوات الروسية لم تلتفت لدعوات فاجنر، وأظهرت تماسكًا راسخًا بمواقعها.

 تمرد فاجنر وإفريقيا:

أثار تمرد فاجنر عدة تساؤلات عن دور ونفوذ روسيا الذي حصَّلته الميليشيا السنوات الماضية في إفريقيا، وهل ستتنازل موسكو عن وجودها في أكثر من 13 دولة في إفريقيا أم ستتشبث بما تتحكم فيه من ثروات وأهداف في القارة السمراء، حيث تتواجد قوات فاجنر في ليبيا وإفريقيا الوسطى، ومالي ومدغشقر، والسودان وموزمبيق، وغينيا – بيساو، والكونغو الديمقراطية، وأنجولا، وزيمبابوي، وتشاد، وبوركينا فاسو، وجميع تلك القوات تقوم بأكثر من مهمة، ولعل أبرزهم دعم الحكومات أو القوات التي تسيطر على الحكم في تلك الدول، وتقوم بتدريب أفرادهم وتعزز نفوذهم.

وعلى الجانب الآخر: تقوم بعمليات تجارية واقتصادية لصالح موسكو، أبرزها: التهريب والتنقيب عن الذهب والتعدين، وأنشطة نفطية، وغيرها، وتُقدَّر تلك القوات بـ 23 ألف جندي وفق استخبارات غربية؛ ولذلك فإن حكومات تلك الدول الإفريقية تركز بشدة على مستقبل فاجنر بعد التمرد؛ لذلك يعنيهم مستقبلهم هم أيضًا.

وعَدَّد خبراء سيناريوهات وخيارات مستقبلية محتملة لوجود فاجنر في إفريقيا بعد التمرد؛ الأول: أن يتم استبدال بعض قادة وقوات فاجنر المواليين لبريجوجين بقادة وقوات من الجيش الروسي، وقوات شركات عسكرية أخرى، ويتضمن ذلك الخيار وجود بعض قوات فاجنر أصحاب الولاء لبوتين؛ إلا أن ذلك الخيار سيحتاج لوقت وجهد؛ كون فاجنر تعمل تحت أسماء عدة شركات، ولها وجود اقتصادي وتجاري قانوني؛ بالإضافة إلى الوقت الذي ستحتاجه القوات الجديدة للتعامل مع شبكة المصالح، وتثبيت نفسها هناك، كما أن استبدال آلاف من قوات فاجنر بجنود الجيش الروسي صعب في ظل الحرب الأوكرانية؛ لأن الاستبدال يحتاج جنودًا من النخبة، وليس مجندين عاديين.

والخيار الثاني: أن تستعين روسيا بالصين للحفاظ على نفوذها أو أن تترك لها بعض النفوذ مقابل مصالح تجارية، وهذا بسبب العلاقات الروسية – الصينية في مواجهة الغرب؛ ولأن الصين لها بالفعل تواجد كبير في إفريقيا، كما أن بكين لن تقبل وجود غربي في إفريقيا بديلًا عن الروس.

الخيار الثالث الذي ترجحه الأحداث التي جاءت بعد التمرد هو: تمسك الرئيس الروسي بوتين بوجود فاجنر بغالبية قادتها وجنودها في إفريقيا، ويظهر هذا من تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي أكَّد أنه لا يوجد أي تغيير في قادة أو جنود فاجنر في إفريقيا، كما أن قادة فاجنر في لقائهم بالرئيس الروسي أكدوا لبوتين ولائهم وإخلاصهم له، بجانب موافقة قادة من فاجنر إمضاء عقود مع وزارة الدفاع، وقد يحدث بعض التغيير بإرسال قادة جدد لقوات فاجنر في إفريقيا وبعض النخبة من الجنود الروسي بجانب بعض المرتزقة من الشركات العسكرية الروسية لضمان استمرار عمل القوات وضمان ولائهم، وقد يكون التغيير بخلاف ذلك، لكن ما نرجحه: أن بوتين لن يتنازل عن أي نفوذ في إفريقيا، ولن يتشارك نفوذه مع الصين.

وقال المهندس أحمد الشحات الباحث في الشئون السياسية: إنه بعيد عن الاحتمالات العديدة التي طرحها الخبراء والمحليين؛ فإن الاحتمال المؤكد الذي يمكن أن نفهمه من هذه الأحداث: أن مستقبل روسيا في ظل حكم بوتين يواجه خطرًا كبيرًا وتهديدات متتالية؛ وذلك لأن بوتين يسابق وينافس الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة والهيمنة، والتوسع والتمدد العسكري الكبير، مضيفًا: إن القدرات الاقتصادية الروسية الحالية لا تسعفه أن يقوم بهذا الدور.

وقال أحمد عسكر -مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية-: إنه يظل انسحاب فاجنر من إفريقيا قرارًا غير مطروح بالنسبة لموسكو التي لا تريد خسارة موطئ قدمها الإستراتيجي في إفريقيا التي أضحت ساحة إستراتيجية للمواجهة مع الغرب، ويبرر ذلك رغبة موسكو في الحفاظ على نفوذها المتنامي وحماية مصالحها الحيوية هناك، وعدم ترك مساحة للغرب يستغلها في تعزيز نفوذه، والضغط على موسكو، والذي قد يفقدها الدعم الإفريقي في المحافل الدولية؛ لا سيما أن إفريقيا تسهم بشكل كبير في كسر العزلة الدولية المفروضة على موسكو من الغرب وواشنطن بسبب الحرب الأوكرانية؛ لذلك فهي لا تريد خسارة بوابتها الإستراتيجية للعالم الخارجي في هذا التوقيت الحرج لها.

الخلاصة:

تمرد فاجنر بالطبع كان طعنة قوية في ظهر روسيا، وخاصةً بوتين، ولكن زواله سريعًا وتعاطي الرئيس الروسي ووزارة الدفاع معه قَلَّل كثيرًا من تأثيره على الأوضاع في روسيا، كما أن قوة بوتين نجَّته من التمرد، وتركيز الجيش الروسي على الحرب في أوكرانيا وعدم تأثره بأخبار التمرد ساهم في عدم استغلال كييف لما فعله بريجوجين وجنوده، كما أن أوضاع فاجنر في إفريقيا كما هي لم تتغير، وما حدث بعد ذلك من لقاءات مع قادة فاجنر والقرارات التي تم اتخاذها توضح سيطرة بوتين وحكومته على الأحداث، ولا ننكر تأثر روسيا بالتمرد ولو نفسيًّا وإعلاميًّا، ولكن على أرض الواقع ،كان تأثير التمرد على بوتين والحرب في أوكرانيا والوجود الروسي في إفريقيا ضعيفًا حتى وقتنا هذا، ويظل التمرد في حاجة إلى دراسة على المدى الطويل لمعرفة آثاره ونتائجه.

المصادر:

Bbc-روسيا وأوكرانيا: ماذا يمثل تمرد فاغنر لمقاتليهم في إفريقيا؟- 27 يونيو 2023

سكاي نيوز- 5 أزمات.. ماذا جنت روسيا بعد إحباط تمرد “فاغنر”؟-  26يونيو 2023

سكاي نيوز-كيف يؤثر “تمرد فاغنر” على الدائرة القريبة من بوتين؟- 26 يونيو 2023  

الفتح-حملة اعتقالات بين صفوف ضباط الجيش الروسي على خلفية تمرد فاجنر- 14 يوليو 2023

 سكاي نيوز- “نتائج صادمة”.. لماذا فشلت أوكرانيا في استغلال “تمرد فاغنر”؟- 27 يوليو 2023

سكاي نيوز- بعد تمرد فاغنر.. روسيا تعلن زيادة في رواتب الجيش- 30 يونيو 2023

سكاي نيوز- التاريخ يعيد نفسه.. “تمرد فاغنر” يفتح جراح انتفاضة عمرها قرن- 1 يوليو 2023

النيلين- هل يؤثر تمرد “فاجنر” على تراجع دورها في مناطق الصراعات بإفريقيا؟- 26 يونيو 2023

التعليقات مغلقة.