fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

بعد فوز بوتين بالرئاسة.. نظرة على مستقبل العلاقات الروسية في الداخل والخارج

53

بعد فوز بوتين بالرئاسة.. نظرة على مستقبل العلاقات الروسية في الداخل والخارج

ما زال يحصد فلاديمير بوتين فوزه بفترات رئاسية متتالية بعد فوزه الأخير في انتخابات لم يُواجه فيها منافسة حقيقية، عززت تربعه على “كرسي الكرملين” لستِّ سنوات أخرى، في وقت تواجه موسكو تحديات خارجية هائلة ترتبط بالأساس بحرب أوكرانيا، والانتخابات الأميركية، وتهديدات الغرب بتوسيع نطاق حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

ويعد هذا الفوز هو للمرة الخامسة من العام 2000؛ إلا أن فوزه هذه المرة يبدو مغايرًا لكل المرات السابقة؛ خاصة مع التحديات الموجودة والمخاوف التي تشمل روسيا والعالم من الوصول إلى النقطة الحرجة، أي: استخدام الأسلحة غير التقليدية في الصراع، حال قام الناتو بإرسال قوات برية أو أسلحة متقدمة يمكنها أن تغير من موازين القوى والانتباه العسكري بين الجانبين.

انتخابات الكرملين:

وصلت الانتخابات الرئاسية في روسيا لعام 2024 إلى محطتها الأخيرة بعد فرز 100% من بطاقات الاقتراع، وكشف الشعب الروسي عن اختياره فلاديمير بوتين لولاية رئاسية جديدة بإجماع 87.28% منهم.

وقد أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية نتائج الفرز إلى فوز المرشح المستقل فلاديمير بوتين بنسبة 87.28%، وبحسب بيانات اللجنة، حل في المركز الثاني مرشح “الحزب الشيوعي الروسي” نيكولاي خاريتونوف بنسبة 4.31%، ثم مرشح “حزب الناس الجدد” فلاديسلاف دافانكوف بنسبة 3.85%، وحل رابعًا مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي ليونيد سلوتسكي بنسبة 3.20% من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات الرئاسية(1).

المتنافسون في الانتخابات:

تقدر الهيئة الناخبة الروسية بما يقرب من 112.3 مليون ناخب في الداخل، 1.9 مليون ناخب في الخارج، ويتنافس في الانتخابات الرئاسية الروسية 2024 أربعة مرشحين بعد إغلاق باب الترشح في 11 فبراير 2024، وهم:

 1_ الرئيس الحالي فلاديمير بوتين:

يخوض الرئيس الحالي فلاديمير بوتين الانتخابات الرئاسية الروسية 2024، وهو يبلغ من العمر 71 عامًا، ولد في 7 أكتوبر 1952، وحصل على شهادة كلية الحقوق من جامعة لينينجراد في عام 1975، وتولى العديد من المناصب العليا في روسيا، منها مدير جهاز الأمن الفيدرالي، ورئيس الوزراء، وبهذا سوف يبقى في السلطة حتى 2030 كولاية جديدة مدتها ست سنوات بعد التعديلات الدستورية التي أدخلت على الدستور الروسي في يونيو 2020 لتعديل الفترات الرئاسية وتعزيز صلاحيات الرئيس، لتعطى بذلك بوتين الفرصة للترشح في الولايتين الرئاسيتين المقبلتين في انتخابات 2024، وانتخابات 2030، وهو ما يعني احتمالية بقائه في السلطة حتى 2036.

ليتفوق على كل الحكام الروس في مدد البقاء في السلطة منذ جوزيف ستالين؛ إذ إنه تفوق علي ليونيد بريجينيف الذى قاد البلاد لمدة 18 عامًا، وقد وصل بوتين إلى السلطة ليتولى منصب رئيس الدولة بالإنابة خلفًا لبوريس يلتسين بعد إقالته في ديسمبر 1999، وبعد ثلاثة أشهر في 26 مارس 2000، فاز في الانتخابات الرئاسية المبكرة بنسبة 52.94 % من الأصوات. ويسعى بوتين لتعزيز مكانة روسيا على المستوى الدولي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية؛ فضلًا عن توجهه لتعزيز الروابط الاقتصادية مع القوى البازغة في آسيا، وفي: مقدمتها الصين وروسيا.

2_ نيكولاي خاريتونوف:

يبلغ خاريتونوف من العمر 75 عامًا، ويخوض السباق الانتخابي الرئاسي مرشحًا عن الحزب الشيوعي، وكان قد سبق له منافسة يوتين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2004، وحل في المرتبة الثانية بعد حصوله 14% من الأصوات.

3_ ليونيد سلوتسكي:

يعد سلوتسكي البالغ من العمر 56 عامًا، ويحمل درجة الدكتوراة في الاقتصاد زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي القومي الموالي للكرملين، ورئيس كتلة الحزب ورئيس لجنة العلاقات الدولية في الدوما، كما يترأس مجلس إدارة مؤسسة السلام الروسية، وتم تكليفه بالعديد من المهام لتمثيل روسيا في وفود رسمية لمجلس أوروبا وفرنسا والشيشان.

وتتركز اهتماماته أيضًا على قضايا البيئة والاستدامة البيئية، وإدارة النظام البيئي، والحفاظ على التنوع البيولوجي.

4_ فلاديسلاف دافانكوف:

يعد دافانكوف البالغ من العمر 40 عامًا نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، وعضو حزب الناس الجدد، وقد ساهم في مصادقة مجلس الدوما على القرارات التي تقضي بضم دونيتسك ولوجانسك لروسيا(2).

وقد جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية بأكثر مما يشتهي الرئيس فلاديمير بوتين، وأصبح “الدب الروسي” رئيسا لست سنوات قادمة ليكون حكمه الأطول بعد جوزيف ستالين (1922-1953)، لكن صعود بوتين لم يخلُ من انتقادات، ومن تحذيرات بشأن ملفات عدة شائكة تنتظره.

وبالنظر إلى المستقبل فلربما يعني هذا استمرار الحرب في أوكرانيا، والمواجهة مع الغرب؛ بالإضافة إلى حملة أيديولوجية على الجبهة الداخلية، في حين يواصل بوتين جهوده الرامية إلى تحويل روسيا إلى مجتمع عسكري على نحو متزايد.

أبرز التحديات التي تواجه بوتين:

استطاع بوتين خلال هذه الفترات الرئاسية المتلاحقة والسابقة أن يعبر العديد من التحديات والأزمات الطاحنة؛ لذا ينظر له الرأي العام الروسي على أنه الزعيم القوي الذي وقف بوجه الغرب، والمحافظ على الأمن القومي الروسي، وتوضح النقاط التالية أبرز التحديات التي قد تواجه بوتين خلال توليه فترة الرئاسة الخامسة حال فوزه في الانتخابات كما يلي:

الأزمة الأوكرانية:

في خطاب الأمة الذي ألقاه في 27 فبراير2024، وعد بوتين بالنصر المبين في أوكرانيا، وقال: “جنودنا لن يتراجعوا إلى الوراء وسينتصرون”، وأضاف: “القوات المسلحة لن تتراجع إلى الوراء ولن تفشل ولن تخون”.

لكنه في نفس الوقت لم يقدم أي نظرة مستقبلية بخصوص هذه الحرب، سواء تعلق الأمر بفتح مفاوضات مع الجانب الأوكراني أو حسم الأمر نهائيًّا على الأرض أو حتى بشأن عودة الجنود الروس إلى بلدهم من جبهات القتال. واكتفى بالقول إنه جاهز لإيجاد حل تفاوضي للحرب، فبعد مرور عامين على الحرب الروسية الأوكرانية، وبرغم من طول أمد الحرب، يمكن القول إنه على الرغم من الإمدادات والدعم الغربي لأوكرانيا إلا أن بوتين حقق نجاحات عسكرية في أوكرانيا؛ إذ ضم لروسيا أربعة أقاليم مهمة، وهي: “زاباروجيا، وخيرسون، ودونيستك ولوغانسيك”، وهذه المناطق تمثل نحو 19.4% من الأراضي الأوكرانية، واستحوذت روسيا على  نحو 18% منها، وفقًا لتقديرات معهد دراسات الحرب “Institute for the Study of War“، هذا إلى جانب النجاح الأخير الذي حققه الجيش الروسي بالسيطرة على مدينة “افدييفكا” الإستراتيجية الواقعة في منطقة دونيستك شرقي أوكرانيا، وهي السيطرة التي اعتبرها بوتين نجاحًا مطلقًا للجيش الروسي، ويروج لها في الداخل الروسي على  أنه انتصار في ساحة المعركة يحسب للرئيس بوتين قبل الانتخابات الرئاسية. 

وبشكل عام يعد استمرار الحرب الروسية الأوكرانية من أبرز التحديات التي تواجه بوتين في فترة الرئاسة القادمة، في ظل سعيه للانتصار في هذه الحرب والانتصار على  محور الغرب “حلف الناتو”، وإخضاع أوكرانيا للقبول بشروط روسيا، وتغيير نظامها الحالي، ونزع سلاحها، وإجبارها على أن تكون في وضع حيادي ولا تنضم لحلف الناتو، فوفقًا لرؤية الرئيس بوتين “تعد المجريات على جبهة القتال في أوكرانيا مسألة حياة أو موت بالنسبة لروسيا وتحدد مصيرها.

ومع ذلك يظل الهدف النهائي لبوتين غير واضح، وما زالت سيطرته على المناطق الأربعة بشكل جزئي، لكن ربما يعتقد بوتين أن الوقت لصالحه في هذه الحرب، حيث يأمل أن يتقلص الدعم الغربي لتمويل وتسليح أوكرانيا، وخاصة إذا أعادت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم دونالد ترامب للبيت الأبيض؛ هذا إلى جانب تنامي اعتراضات الرأي العام الأوروبي على تأثير دعم دولهم لأوكرانيا على  اقتصاد دولهم ومعيشتهم(3).

السياسة الخارجية وإضعاف الغرب:

تعهد الرئيس فلاديمير بوتين حال فوزه بالانتخابات الرئاسية بجعل روسيا قوة سيادية تتمتع باكتفاء ذاتي، فيما تركز وثيقة مبادئ سياسته الخارجية على  إقامة نظام عالمي عادل ومستدام، وهو تحدٍ كبير على عاتق الرئيس بوتين الذي يسعى لإعادة روسيا كقطب عالمي كما كانت خلال عهد الاتحاد السوفيتي، وإنهاء الهيمنة الأمريكية على العالم، فيما تستمر مساعي الغرب تجاه تقليص النفوذ الروسي، ودعمهم لأوكرانيا، وسعي أمريكا الدؤوب للحفاظ على مركزها على رأس النظام الدولي.

فمنذ اتخاذ الرئيس بوتين لقرار خوض العملية العسكرية في أوكرانيا تدهورت وقطعت علاقاته مع الغرب، لكن الرئيس بوتين واجه هذا التحدي ولم يرضخ لمحاولات الغرب لفرض العزلة عليه، ووضع هدف أساسي للدبلوماسية الروسية يتمثل في إضعاف العالم الغربي، وقاد حملة لكسر الهيمنة الأمريكية على العلاقات الدولية لبناء ما يسميه “عالم متعدد الأقطاب“، وهي التوجهات التي تتقارب بشكل كبير من توجهات حلفائه لا سيما الصين وكوريا الشمالية وإيران، وفي هذا الإطار عمل الرئيس بوتين على  زيادة التقارب مع العديد من الدول، ومن أبرزها: الصين والهند، كما عمل على تنمية وتوطيد علاقاته مع العديد من الدول الإفريقية، ودول الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية؛ هذا إلى جانب التقارب مع زعماء كلٍّ من: كوريا الشمالية وإيران اللذين يشاركانه العداء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ويمتلكان القدرة على إمداد جيشه في أوكرانيا؛ لذا من المرجح أن تشهد ولاية بوتين الجديدة تركيزًا متزايدًا على تحقيق هذا الهدف الذي يشكل تحديًا كبير في ظل مواجهته من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية(4).

دول البلقان.. ساحة نزال جديدة:

أعاد غزو أوكرانيا في فبراير 2022 تشكيل علاقات موسكو مع جيرانها؛ مما أدى إلى ظهور بؤر جديدة للتوتر خصوصًا مع دول البلطيق (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا) التي كانت خاضعة لموسكو في الفترة السوفييتية، ودول البلقان.

وتشكل مسألة الحدود التاريخية لروسيا، نقطة إستراتيجية في السياسة الخارجية للكرملين وسبق للرئيس الروسي أن أكد ذلك في فعالية طلابية عام 2016، إذ قال: إن حدود روسيا “لا نهاية لها”، وهو ما اعتبره الغرب تهديدًا جديًّا يعكس طموحات موسكو التوسعية.

وتعود هذه العبارة التي استخدمها الزعيم الروسي إلى كاثرين الثانية (1762-1796)، أحد أعظم الفاتحين في التاريخ الروسي، وهي نفس العبارة قالها الزعيم السوفيتي الراحل جوزيف ستالين بعد بضعة قرون بطريقة أكثر تدقيقًا: “ليس لدي طريقة أخرى للدفاع عن حدودي سوى توسيعها”، وفق صحيفة “لوموند” الفرنسية.

وعلى النقيض من الدولة التركية الحديثة التي انبثقت عن الإمبراطورية العثمانية، أو بريطانيا التي شكلت إمبراطورية ثم خسرتها، لم تكن لروسيا قط هوية منفصلة عن الإمبراطورية.

ولا شك أن الحرب في أوكرانيا أيقظت الأوروبيين الذين رأوا أن التهديد الروسي أصبح ملموسًا، ولم يكن نظريًّا فقط، وهذا يعني أنه يجب على الاتحاد الأوروبي تسريع عملية التكامل مع دول غرب البلقان، وإدراج هذه البلدان في التكتل كوسيلة للسيطرة عليها بشكل أفضل وتوجيهها وحمايتها من الخطر الروسي.

ورغم إلحاح بروكسل بضرورة ضم دول البلقان، يرى كريسافي أن هذه الدول ليست مستعدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فهي تعاني من مشاكل كثيرة فيما يتصل بسيادة القانون، والمنافسة في السوق، والانتخابات، وما إلى ذلك. ولعل البوسنة هي الأسوأ؛ إذ إنها مقسمة إلى ثلاثة أجزاء عمليًّا، وهو ما يعقد عملية الانضمام.

ويعتقد أن البوسنة بعيدة جدًّا عن معايير الاتحاد الأوروبي، وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى تصبح البلاد جزءًا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يخدم مصالح بوتين وأهدافه الإستراتيجية.

ويرى بعض الخبراء: أن بوتين حاول استغلال الانقسام الأوروبي دون جدوى، فالانقسام الأوروبي ليس متجليًّا في القرارات، ولكن في غرب البلقان، فإن قسمًا كبيرًا من السكان في صربيا، والجبل الأسود، والبوسنة، ومقدونيا الشمالية، لديهم وجهة نظر متعاطفة تجاه روسيا، بسبب الارتباط التاريخي والديني مع موسكو، وهذا ما تحاول روسيا استغلاله من أجل إبعاد هذه الدول عن الاتحاد الأوروبي، وهذا هو السبب الذي يجعل الاتحاد يريدهم أن يكونوا جزءًا من التكتل.

واعتبر أن هناك “دعاية روسية واسعة النطاق” تجري في المنطقة بهدف جذب المزيد من الناس نحو روسيا، وحتى الآن لم يكن هذا ناجحًا كثيرًا، وعلى الرغم من أن جزءًا من السكان لديهم مشاعر مؤيدة لروسيا؛ إلا أنهم يريدون أن يكونوا جزءًا من الاتحاد الأوروبي بسبب الفوائد الاقتصادية القادمة من الاتحاد الأوروبي.

وتؤكد لوفا رينيل الباحثة المشاركة في مؤسسة البحوث الإستراتيجية الفرنسية في تصريحاتها لـ”الشرق”: أن “بوتين يطمح إلى استرجاع أمجاد الاتحاد السوفيتي من خلال تقسيم أوروبا الضعيفة، واستغلال ضعف دول أوروبا الشرقية التي لا تعرف كيف تدافع عن نفسها في أفق استرجاع الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية التي أصبحت تميل أكثر إلى الغرب”(5).

تعزيز التعاون داخل مجموعة البريكس:

عملت روسيا خلال الفترة الماضية على توسيع وتنمية علاقاتها مع مجموعة دول البريكس، كما تتطلع لتطويرها إلى ما هو أبعد من التجارة لتشمل مجالات جديدة مثل التعاون في الفضاء، وغيرها، وفي هذا الإطار تخطط روسيا خلال رئاستها لمجموعة البريكس عام 2024، لتعزيز التعاون داخل بريكس في ثلاثة مجالات رئيسة، وهي: “السياسة والأمن، والاقتصاد والمالية، والاتصالات الثقافية والإنسانية”؛ هذا إلى جانب العمل على زيادة دور بريكس في النظام النقدي والمالي الدولي وتعزيز التسويات الأكثر نشاطًا بالعملات الوطنية، مما يشكل تحديًا يتطلب المزيد من الجهود للرئيس الروسي خلال هذا العام لتحقيق هذه الأهداف(6).

الاقتصاد الروسي والسياسات الغربية المنحازة ضد موسكو:

ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بتداعيات اقتصادية كبرى على العالم، ومع دخول الحرب في العام الثالث لها ما زالت تلقي بضغوط واسعة على الاقتصاد العالمي، ومع ذلك وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية الغربية على الاقتصاد الروسي والتي بلغت نحو 13 حزمة عقوبات، تغطي أكثر من نحو 2000 فرد وكيان ومنظمة مرتبطة بالحكومة الروسية، مما جعل روسيا تتصدر قائمة الدول الأكثر تعرضًا للعقوبات حول العالم بأكثر من نحو 19 ألف عقوبة.

منهم نحو 16.587 عقوبة منذ 22 فبراير 2022، إذ تصدرت أمريكا قائمة الدول الأكثر فرضًا للعقوبات على روسيا بـ3585 عقوبة، تليها كندا بـ2765، ثم سويسرا بـ2403، أما الاتحاد الأوروبي فقد فرض 1785 عقوبة، فيما فرضت بريطانيا 1.749 عقوبة، وفرنسا 1.731 عقوبة، وأستراليا 1.326 عقوبة، واليابان 1.234 عقوبة.

لذا على الحكومة والرئيس الروسي مهمة كبرى خلال الفترة القادمة تتمثل في الحفاظ على وتيرة هذا النمو الاقتصادي، والتوسع في توجيه صادرات النفط ومنتجاته إلى أسواق جديدة، وضمان استقرار الاقتصاد الكلي، والسيطرة على التضخم، ونفقات الخزانة، وغيرها في ظل الحرب والعقوبات الغربية، وخاصة أن هناك عددًا من القطاعات بالاقتصاد الروسي تأثرت بسبب هذه العقوبات، ومنها قطاع التكنولوجيا؛ فضلًا عن تراجع قيمة الروبل الروسي، حيث كان يبلغ سعر صرف الدولار نحو 75 روبل قبل الحرب والآن نحو 90: 94 روبل، حيث تراجعت قيمة العملة الروسية نحو 12% أمام الدولار، وبرغم اتخاذ روسيا لإجراءات اقتصادية لكبح تراجع سعر الصرف؛ إلا أن بعض التوقعات تشير لتخطي الدولار عتبة الـ 100 روبل عقب الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة، كما تراجع احتياطي روسيا من النقد الأجنبي نحو 62.8 مليار دولار بعد عامين من الحرب؛ إذ كان يبلغ 643.2 مليار دولار في فبراير 2022، وبلغ نحو 580.4 مليار دولار في مطلع فبراير 2024.

هذا إلى جانب بعض التوقعات بانخفاض احتياطات النقد الروسي خلال عامين قادمين في حال إقدام الغرب على  خفض اعتماده الكامل على  مصادر الطاقة الروسية مما قد يشكل عامل في إبطاء وتيرة نمو الاقتصاد الروسي؛ هذا إلى جانب ما يتردد بشأن عدم تلبية الإنتاج الروسي المحلي من الذخيرة لاحتياجات الحرب، نتيجة تأثر قطاع الصناعات العسكرية الروسية بالعقوبات، مما يشكل تحديًا وإن كان محدودًا أمام الرئيس الروسي خلال الفترة القادمة(7).

العلاقات مع الصين والجنوب العالمي:

منذ غزو أوكرانيا تحسنت علاقات روسيا مع الصين ودول الجنوب العالمي، فقد دعمت بكين روسيا منذ بداية الحرب، ورغم استمرار النزاع، لا تزال بكين شريكًا تجاريًّا ودبلوماسيًّا بالغ الأهمية لروسيا التي تشاركها طموحًا يتمثل في تحقيق التوازن مع النفوذ الغربي على الساحة الدولية.

وتعمل موسكو وبكين معًا على الترويج لنظام “ما بعد الغرب” مع تقليص دور الديمقراطيات الغربية، حتى رغم أنهما قد لا تتفقان على الهيئة التي قد يبدو عليها هذا النظام.

ووفق معهد الولايات المتحدة للسلام الذي توقع أن تستمر العلاقات الروسية الصينية في التطور خلال فترة ولاية بوتين الخامسة، على الرغم من التباينات في العلاقة.

ورفض  جزء كبير من دول الجنوب العالمي إدانة روسيا أو فرض عقوبات عليها منذ غزوها الشامل لأوكرانيا، وتنظر هذه الدول إلى الحرب باعتبارها صراعًا أوروبيًّا لا ينبغي أن يشملها، وينظر الكثيرون إلى روسيا كزعيم للحركة المناهضة للإمبريالية وتستعد روسيا لأن تصبح أكثر نشاطًا في إفريقيا والشرق الأوسط.

كما عززت حرب غزة، موقف روسيا في جزء كبير مما يسمى بالجنوب العالمي،؛ لأن موسكو تدعم “حماس” والفلسطينيين، ونأت بنفسها عن إسرائيل التي طور بوتين علاقات أوثق معها في العقدين الماضيين، وفق معهد الولايات المتحدة للسلام(8).

النقص الحاد في العمالة الماهرة:

فمع زيادة روسيا للإنفاق على  التصنيع العسكري لزيادة الإنتاج العسكري، عانت قطاعات أخرى لا سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات والصناعات التحويلية، وغيرها، من نقص العمالة  والموظفين مما يعيق الإنتاجية حيث تجاوزت نحو 4.8 مليون عامل وموظف عام 2023، مع توقعات لتفاقم هذه الأزمة عام 2024، كما تتفاقم هذه الأزمة أيضًا بسبب التعبئة العسكرية والهجرة، حيث تعاني روسيا من أكبر موجة هجرة في تاريخها بسبب الحرب والعقوبات والتي قدرت بنحو مليون شخص، وفي هذا الإطار صرح مكسيم أوريشكين المستشار الاقتصادي لبوتين في نوفمبر الماضي: “إن روسيا تحتاج إلى المزيد من العمال المهرة والمديرين والمهندسين ذوي الجودة العالية للوصول إلى المستوى المرغوب من السيادة التكنولوجية في الصناعات التحويلية”(9).

التجارة والطاقة:

مع اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا فقدت روسيا معظم سوق الطاقة المربحة لها في أوروبا، لكن سرعان ما عوضت روسيا هذا الأمر، وتعول على  ثلاثة مشاريع جديدة كبرى، وهي: إنشاء مركز غاز جديد في تركيا لتمكين روسيا من إعادة توجيه صادراتها من الغاز، وكذلك إنشاء خط أنابيب جديد “قوة سيبيريا 2″، الذي سيمكن روسيا من نقل نحو 50 مليار متر مكعب أخرى سنويًّا من الغاز الروسي إلى الصين عبر منغوليا؛ هذا إلى جانب توسيع طريق بحر الشمال، وذلك لربط مورمانسك بالقرب من حدود روسيا مع النرويج بمضيق بيرنج بالقرب من ألاسكا؛ لذا سيشكل تقدم روسيا في هذه المجالات خلال فترة ولاية بوتين الجديدة مقياسًا مهمًّا لمدى نجاح بوتين في تخفيف تأثير العقوبات الغربية على  الاقتصاد الروسي، وتوجيه التجارة الروسية نحو الشرق(10).

أميركا اللاتينية وإفريقيا:

في الآونة الأخيرة وسعت روسيا مجال نفوذها ليشمل دول أميركا اللاتينية، وفي أواخر مارس وصل حوالي 100 عسكري روسي إلى فنزويلا لتقديم التدريب والمساعدة اللوجيستية لنظام مادورو، وهناك تقارير تفيد بأن متعاقدين عسكريين خاصين من روسيا ينشطون بالفعل على الأرض وفق صحيفة “الجارديان” البريطانية.

 كما ظهر المرتزقة الروس في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مع الحفاظ على وجود المقاولين في جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان.

وتترك موسكو بصمتها في إفريقيا من خلال اتفاقيات مبيعات الأسلحة والتدريب، بطريقة لم يسبق لها مثيل منذ ذروة الحرب الباردة عندما تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على النفوذ، ورَعَت مجموعات بالوكالة في جميع أنحاء القارة وفق معهد هامبورج للدراسات الإفريقية.

وبينما تقوم الولايات المتحدة بسحب قواتها من الشرق الأوسط وإفريقيا، يملأ الكرملين فراغ السلطة ويظل عازمًا على إعادة ترسيخ التفوق العسكري، والوصول إلى القواعد والموارد التي تدعم السياسة الأمنية الروسية وفقًا للمعهد.

وبالاعتماد على مجموعة من الأساليب التقليدية وغير التقليدية، من نشر القوات والمدربين والمستشارين إلى حملة التضليل واسعة النطاق والحرب السيبرانية، أعادت روسيا فرض نفسها في الساحة الدولية، محاولة بناء عالم جديد يقوم على تعدد الأقطاب وينهي الهيمنة الأميركية(11).

وبناءً على ما سبق، فقد ذكرت مجلة بوليتيكو الأميركية 5 سيناريوهات قد تواجهها روسيا خلال فترة رئاسة بوتين الجديدة التي ستنتهي في عام 2030.

السيناريو الأول: ازدهار الحركات المؤيدة للديمقراطية في روسيا، وتعتبر احتمالية حدوثه: 5 – 10 في المائة كما تبين في الثورات المناهضة للشيوعية في عام 1989 بجميع أنحاء أوروبا الشرقية، يمكن للأنظمة الشمولية أن تنهار بسرعة في مواجهة الحركات الديمقراطية.

السيناريو الثاني: تفكك روسيا، وتعتبر احتمالية حدوثه: 10 – 15 في المائة على خلفية الحرب المدمرة التي تشنها روسيا على أوكرانيا، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من الجنود، قد يخرج الروس للاحتجاج بشكل جماعي على بوتين وسياسته، ويسعون للإطاحة به، وقد تنتشر الاحتكاكات وتظهر الإحباطات المدفونة منذ فترة طويلة في جميع أنحاء البلاد للعلن، وتتفكك وتنقسم الأمة التي يفترض أنها موحدة في قبضة بوتين، فجأة على أسس عرقية قومية.

السيناريو الثالث: التمرد والانشقاق العسكري، وتعتبر احتمالية حدوثه: 15 – 20 في المائة، قبل عام مضى كانت فكرة انشقاق أو تمرد قوميين أو جنود روس وزحفهم إلى موسكو فكرة خيالية مثيرة للضحك، لكن في يونيو 2023 أطلق زعيم مجموعة فاغنر الراحل يفغيني بريغوجين الذي كان يعرف بقربه الشديد من بوتين تمردًا عسكريًّا واسع النطاق، ودفع جنوده باتّجاه موسكو؛ الأمر الذي مثَّل أكبر تحدٍّ مباشر لسلطة الرئيس الروسي منذ وصل إلى السلطة، وأحدث زلزالاً داخليًّا في روسيا.

السيناريو الرابع: مطالبة بوتين بالتقاعد، وتعتبر احتمالية حدوثه: 20 – 25 في المائة، لقد مر عامان الآن على غزو موسكو لأوكرانيا؛ الأمر الذي ترك تأثيرًا سلبيًّا على كثير من المواطنين في روسيا، وعلى وضعهم الاقتصادي، وسوف تستمر تكاليف الحرب في التراكم وفقًا للمحللين؛ سواء من حيث الاقتصاد المتراجع أو ارتفاع أعداد القتلى من الجنود.

السيناريو الخامس: إحكام بوتين قبضته على السلطة، وتعتبر احتمالية حدوثه: 45 – 50 في المائة؛ كان هذا دائمًا هو السيناريو الأكثر ترجيحًا(12).

الخلاصة:

إن الانتخابات الرئاسية الروسية 2024، فرصة مواتية للرئيس فلاديمير بوتين ليعزز من دور ومكانة روسيا عالميًّا، من خلال تعزيز التنمية في الداخل الروسي بالاستفادة من مقومات الاقتصاد الروسي المتنوعة، وخارجيًّا من خلال الانحياز للقضايا العادلة، والقيم الأخلاقية التي تتفوق بها روسيا على الغرب، وتعزيز المسؤولية المشتركة للمجتمع الدولي، لتحقق التنمية الشاملة والمستدامة لكافة الدول من دون هيمنة تخدم مصالح الأطراف الكبرى في تفاعلات النظام الدولي الجديد الذى لا يزال قيد التشكيل.

خاصة وأن الرئيس فلاديمير بوتين يتمتع بشعبية كبيرة في المشهد السياسي الروسي، وانتخابه بهذه الطريقة هو أكبر تفويض من الشعب لمحو أي خلاف داخلي بشأن النزاع في أوكرانيا، وخاصة أن الحملة العسكرية الروسية الطويلة في أوكرانيا، والتمرد الفاشل الذي قاده قائد مجموعة فاجنر “يفجيني بريجوجين” في يونيو 2023، لم يفلحا في التأثير في معدلات التأييد المرتفعة لبوتين، والتي تظهرها حتى استطلاعات الرأي المستقلة.

1_ روسيا اليوم

2_ القاهرة الإخبارية

3_ فرانس24

4_ سي إن إن

5_ الشرق

6_ الشرق الأوسط

7_ سكاي نيوز

8_ الشرق

9_ الاندبندت

10_ سي إن إن الاقتصادية

11_ سبوتنك

12_ الشرق الأوسط

التعليقات مغلقة.