fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الهدنة الإنسانية في تيغراي … الدوافع والتحديات

128

الهدنة الإنسانية في تيغراي … الدوافع والتحديات

بعد شهور من الحرب ووسط أزمة إنسانية متصاعدة في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا، أعلنت الحكومة الإثيوبية فى 24 مارس 2022، الهدنة من جانبها كمقدمة لإجراء مفاوضات أوسع، وكخطوة لاتخاذ مزيد من التدابير لبناء الثقة، الذي يمكن أن يساعد في إنهاء الصراع الذي استمر أكثر من 17 شهرًا.

هذه الخطوة أيضًا تعزز الاعتراف من الحكومة الإثيوبية بأن لا سبيل للخروج من الأزمة إلا عبر الحوار والمفاوضات بين طرفي النزاع في شمال البلاد، بعد أن ثبت أن التعويل على الخيار العسكري فحسب لم يحقق نتائج بارزة.

بيان الحكومة:

قررت الحكومة الإثيوبية تطبيق “هدنة إنسانية مفتوحة” في نزاعها مع متمردي تيغراي؛ لإفساح المجال أمام “حرية وصول المساعدة الإنسانية إلى هؤلاء الذين يحتاجونها” في هذه المنطقة الواقعة في شمال البلاد.

ولفتت الحكومة في بيان إلى أن الهدنة “سارية بمفعول فوري” مسوغة قرارها “بضرورة اتخاذ إجراءات استثنائية؛ لإنقاذ أرواح وخفض المعاناة الإنسانية”، لكنها حذَّرت أن “الالتزام الذي لن يكون له الأثر المرجو بتحسين الوضع الإنساني على الأرض؛ إلا إذا قام الطرف الآخر بالشيء نفسه”؛ داعية متمردي تيغراي إلى “الامتناع عن أي عمل عدواني جديد، والانسحاب من المناطق التي يحتلونها في المناطق المجاورة لتيغراي”.

وذكر في البيان أن “حكومة إثيوبيا تأمل في أن تؤدي هذه الهدنة إلى تحسين الوضع الإنساني بشكل كبير على الأرض، وأن تمهد الطريق أمام حل النزاع في شمال اثيوبيا بدون حمام دم إضافي”(1).

بيان جبهة تيجراي:

تعهدت “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، باحترام وقف إطلاق النار، بعد ساعات من إعلان الحكومة الإثيوبية “هدنة إنسانية مفتوحة”.

وقالت الجبهة التي يخوض مقاتلوها صراعًا على الإقليم مع الحكومة المركزية الإثيوبية منذ 17 شهرًا، في بيان صدر صباح الجمعة: “إن حكومة تيغراي تلتزم تنفيذ وقف الأعمال العدائية بشكل فوري”.

ودعا بيان الجبهة الحكومة الإثيوبية إلى “اتخاذ إجراءات ملموسة لتسهيل الوصول غير المقيد إلى منطقة تيغراي”، الواقعة في شمال إثيوبيا، حيث يواجه مئات الآلاف خطر المجاعة(2).

السعي نحو حلٍّ سياسي:

قال رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد: “إن إعلان الحكومة الإثيوبية هدنة إنسانية مفتوحة، وقبول جبهة تحرير تيغراي إيصال المساعدات الإنسانية إلى الإقليم قد يكون مؤشرًا لسعى أطراف الصراع نحو إيجاد حل سياسي للحرب في إثيوبيا، في ظل الترحيب السريع بالهدنة من قِبَل الأمم المتحدة والاتحادين الأفريقي والأوروبي وأميركا وبريطانيا وتركيا”.

وأضاف أحمد: “بتقديري؛ فإن دوافع الحكومة الإثيوبية للهدنة الإنسانية تكمن في تخفيف معاناة الشعب الإثيوبي الإنسانية في تيغراي والعفر والأمهرا، كذلك لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية هي البحث عن سبل السلام، ونزع فتيل الحرب والمواجهات العسكرية، وحماية عملية الحوار الوطني الشامل، الذي أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبي لتعزيز الوحدة الوطنية، وحتى تكون سدًّا منيعًا أمام محاولات الضغوط الخارجية، وبخاصة العقوبات الاقتصادية الأمريكية على بلاده، بينما تكمن دوافع جبهة تحرير تيغراي لقبولها الهدنة في مخاوف قيادتها مِن تدهور الأوضاع الإنسانية وحالة المجاعة المحتملة التي ربما تقود شعب تيغراي إلى أن يقوم بثورة جياع على الحكومة المحلية للإقليم، إلى جانب الضغوط الخارجية التي تتعرض لها قيادة الجبهة، خصوصًا من قبل المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي”(3).

حسابات طرفي الصراع:

يمكن تفسير إقدام الحكومة على إعلان الهدنة في ضوء دوافع عديدة يتمثَّل أبرزها في:

1- تصاعد حِدَّة الأزمة الاقتصادية: تعاني الحكومة الإثيوبية من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية؛ خاصة المساعدات التي تقدمها مؤسسات مالية ودولية وهيئات إنمائية أمريكية لإثيوبيا؛ خاصة أن ذلك توازَى مع اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية بداية من 24 فبراير الماضي، والتي كان لها دور في تفاقم الأزمة الداخلية.

2- تردي الأوضاع الإنسانية: تواجه الدولة الإثيوبية واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والغذائية، حيث إن 30% من السكان في حاجة إلى مساعدات غذائية، ولا يمكن لإثيوبيا أن تواجه تلك الأزمة بدون مساعدات خارجية من المنظمات الدولية.

3- اتساع نطاق الضغوط الغربية: سعت الحكومة عبر تلك الخطوة إلى التماهي مع الاهتمام الدولي بالأزمة الداخلية، حيث كان لافتًا أن إعلان الهدنة جاء بعد وقت قصير من زيارة المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي ديفيد ساترفيلد للعاصمة أديس أبابا، وقد واجهت الحكومة ضغوطًا متزايدة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة؛ خاصة في ظل الاتهامات التي توجه لها بالعمل على عرقلتها.

ومن جانبها: وافقت قيادات قومية تيغراي على الهدنة، في ضوء الدوافع التالية:

1- الخوف من الهزيمة العسكرية: سعت قوات دفاع تيغراي إلى عدم تكرار الحملة التي شنتها الحكومة على الإقليم والتي كبدتها خسائر هائلة، حيث ترى أن وقف إطلاق النار سوف يسهم في حماية الإقليم الذي مزقته الحرب، وقد أعاقت المعارك الدائرة حاليًا في إقليم العفر عبور القوافل والمساعدات الغذائية، بعد قطع الطريق الوحيد الرابط بين سمرا عاصمة الإقليم العفرى، وميكيلي عاصمة إقليم تيغراي.

2- تفاقم الأزمة الإنسانية في الإقليم: يشهد الإقليم أسوأ كارثة إنسانية بسبب نقص الغذاء والمواد الأساسية، حيث لا تصل المساعدات الإنسانية لقرابة 4.6 ملايين شخص.

وقد تسبب الحصار المفروض على الإقليم من قِبلَ القوات الحكومية في انعدام الأمن الغذائي، وأصبحت أغلب مناطق الإقليم متأثرة وعرضة للجفاف، ولهذا وافقت قيادات تيغراي على الهدنة من أجل السماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين من الأشخاص الذين يواجهون المجاعة.

ويمكن القول: إن ثمة متغيرات عديدة تسهم في تحديد المسارات المحتملة للهدنة الحالية، منها: تحديد النطاق الزمني والجغرافي معًا للهدنة لأسباب إنسانية خلال الفترة الأوّلية، بحيث يجب أن تطبق على جميع مناطق تيغراي، وبعض الأجزاء من إقليمي: أمهرا والعفر؛ فضلًا عن أنه على طرفي النزاع الالتزام بحماية المدنيين العزل، والامتثال للقوانين الدولية، والإفراج عن جميع أسرى الحرب وإعادتهم إلى مناطقهم، إلى جانب وقف أي تحركات عسكرية، كبادرة حسن نية، والحصول على ضمانات، ومراقبة دولية وإقليمية للهدنة، كتمهيدٍ لإجراء مفاوضات مستقبلية، والالتزام بنزع سلاح بعض المناطق المعينة، مع الكشف عن حالة بعض الأصول العسكرية ومواقعها، على نحو قد يساعد في استمرار الهدنة حتى الوصول إلى تسوية شاملة للنزاع، واتخاذ مزيد من التدابير فيما يتعلق بحسن النوايا(4).

تطلعات لوقف دائم لإطلاق النار:

تزيد الهدنة من احتمالات التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم برأي محللي مجموعة أوراسيا، غير أن السيناريو الذي يرجِّحونه على المدى القريب يبقى تجدد المعارك على نطاق ضيق “حتى لو أن الطرفين الرئيسيين لم يعودا يتوقعان انتصارًا عسكريًّا تامًّا”.

وأوضحوا: “أن هدف الهدنة محاولة بناء الثقة بين جبهة تحرير شعب تيغراي والحكومة الفدرالية؛ غير أن وقف إطلاق نارٍ كاملٍ ودائمٍ، يبقى غير مرجَّح على المدى القريب؛ بسبب تصلُّب مواقف الطرفين حول بعض المسائل”.

وستشكل إعادة الخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات، ومصارف بشكل سريع في تيغراي، وشطب متمردي الجبهة عن قائمة “المجموعات الإرهابية”، اختبارًا لحسن نوايا الحكومة الإثيوبية.

ولخص أويت ويلدمايكل أن الهدنة قد “تكون منعطفًا، كل شيء يتوقف على ما إذا كانت مبنية على نوايا حسنة”، مضيفًا: “آمل أن تكون هذه نقطة انطلاق لمفاوضات، لكن الوضع ليس واعدًا جدًّا”(5).

تحديات على أرض الواقع:

حتى إذا أعلن وقف إطلاق نار دائم مع جبهة تحرير شعب تيغراي، فإن الجبهة ليست الطرف الوحيد في شمال إثيوبيا.

تواجه الحكومة الفدرالية معارضة متزايدة من قسم من نخب إتنية الأمهرة الذين يتواجهون مع متمردي الجبهة حول مناطق متنازع عليها في غرب تيغراي تنتشر فيها قوات محلية من أمهرة غير خاضعة مباشرة للحكومة الفدرالية.

وأوضح رينيه لوفور أنه “بالنسبة لقسم من أمهرة، يجب المضي حتى ميكيلي لسحق جبهة تحرير شعب تيغراي؛ إلا أن السماح بعبور قوافل إنسانية إلى تيغراي يعني التخلي عن هذه الحملة العسكرية، وبالتالي: ترك جبهة تحرير شعب تيغراي في موقعه”، مشيرًا إلى “الخطر العسكري” الذي يمثِّله جيش تحرير أورومو(6).

الخلاصة:

إن هذا الوقف المؤقت للعمليات القتالية في تيغراي يبدو واعدًا إلى حدٍّ ما، لكن من غير الواضح إذا كانت لدى الحكومة الإثيوبية خطة لإطلاق عملية سلام ذات مغزى؛ ناهيك عما إذا كان أي من طرفي الصراع على استعداد لتقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق، ولكن نعود ونقول: إنه من غير المرجَّح أن تؤدي هذه الهدنة إلى سلام دائم، فعادةً ما تفشل الهدنة في ظل غياب الثقة بين طرفي الصراع.

وتلك الخطوة تحديدًا كانت تتطلب تهيئة الظروف المناسبة لتطبيقها، على غرار اتخاذ إجراءات متبادلة لبناء الثقة، وربما يمكن القول: إن أخطر ما يمكن أن يفرضه فشل الهدنة من تداعيات يتمثَّل في تعزيز احتمالات تجدد الصراع من جديد بشكل أكثر ضراوة.

1_ فرانس24

2_الميادين

3_الإندبندت

4_ مركز الأهرام للدراسات

5_ مونت كارلو

6_ بي بي سي

التعليقات مغلقة.