fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

القصف التركي على ريفي حلب وإدلب… الأهداف والدوافع

359

القصف التركي على ريفي حلب وإدلب… الأهداف والدوافع

 

فإذا صحّت التّقارير التي بثّتها وزارة الدفاع التركيّة، وأكّدت فيها أنّها “حيّدت”، أيّ: قتلت 101 جندي سوري كردٍّ على مقتل خمسة جُنود أتراك في قصفٍ للجيش العربي السوري لنُقطة مُراقبة تركيّة في ريف إدلب، فإنّ هذا إشعال فتيل حرب سوريّة تركيّة قد يتدخّل الجيش الروسي فيها إلى جانب حُلفائه السوريين.

إنّها أوّل مُواجهة عسكريّة مُباشرة بين الجيشين: السوري والتركي مُنذ الأزَمة السوريّة مُنذ تسعة أعوام؛ ممّا يعني أنّ مُواجهات أخرى ربّما تكون أوسع نِطاقًا إذا لم يتم تطويق هذا التّصعيد بتدخّل روسي مُباشر، ومن قبل الرئيس فلاديمير بوتين على وجه التّحديد، وتَفِي تركيا بالتِزاماتها التي تعهّدت بتنفيذها في قمّة سوتشي في أيلول (سبتمبر) عام 2018.

قوات النظام السوري وتكثيف القصف:

كثفت قوات النظام السوري هجماتِها على ريفي حلب وإدلب في شمالي البلاد، وذلك غداة إحكام سيطرتها على مدينة سراقب في وقت يدفع الجيش التركي بتعزيزات عسكرية جديدة إلى داخل الأراضي السورية.

وقال مراسل الجزيرة: “إن مناطق في ريف حلب تعرضت لقصف أسفر عن مقتل شخصين، مضيفًا أن الغارة الجوية استهدفت بلدة كفر نوران (غربي حلب) كما أصيب -في وقت سابق- عدد من المدنيين في غارات جوية شنتها قوات النظام وحليفه الروسي على ريف المدينة.

من جهة ثانية: نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المرصد السوري لحقوق الإنسان قوله: “إن قوات النظام على وشك السيطرة على الطريق الدولي حلب دمشق، ولم يبقَ أمامها سوى كيلومترين لاستعادته كاملًا، إثر تقدم حققته شمال غرب البلاد”.

وفي الأثناء قال الناطق باسم قوات النظام علي ميهوب: “إن محاولات الدول “الداعمة للإرهاب” لن تفلح في الحد من انهيار “التنظيمات الإرهابية” موضحًا أن قواته سيطرت على مساحة تبلغ أكثر من ستمئة كيلومتر مربع تضم بلدات وقرى وتلالًا إستراتيجية في ريفي إدلب الشرقي وحلب الجنوبي”.

وفي سياق متصل قام عناصر من قوات النظام بهدم وحرق مقابر المدنيين في مناطق استولوا عليها مؤخرًا بمحافظة إدلب، وقاموا بتصوير ممارساتهم تلك ونشروا تلك المقاطع على حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي.

وتظهر المقاطع المصورة عناصر تابعة لقوات النظام يهدمون القبور في قرية خان السبل التي سيطروا عليها بعد تهجير سكانها(1).

أردوغان وضرورة المواصلة في مسيرته السورية:

أوّلًا: حالة “الأنفَة” و”العِناد” التي تُسيطِر على الرئيس أردوغان، وتجعله يرفض الظّهور بمظهر المهزوم، أو القُبول بالحُلول الوسط، وتقديم التّنازلات لخُصومه الألدّاء، وخاصّةً الرئيس السوري بشار الأسد الذي فَشِل في الإطاحة به بعد تِسع سنوات من الحرب.

ثانيًا: الأولويّة العُظمى للرئيس أردوغان في الوقت الرّاهن ليس تغيير النظام في سورية، فهذا الهدف بات مُستَحيلًا، وإنّما منع تدفّق المزيد من اللّاجئين إلى تركيا، سواءً بإقامة “إمارة إسلاميّة” في إدلب تستوعب هؤلاء وجميع الجماعات المتشدّدة المُصنّفة إرهابيًّا والأُخرى “المُعتدلة”، أو باستِعادة جميع المناطق التي سيطَر عليها الجيش السوري في الأسابيع القليلة الماضية، وبِما يُؤدّي إلى إعادة مِليون لاجِئ “يتكوّمون” حاليًّا قُرب الحُدود التركيّة ونسبة كبيرة منهم من مُدن وقُرى ريف إدلب التي استعادها الجيش السوري.

ثالثًا: يُواجِه الرئيس أردوغان مُعضلةً كبيرةً جدًّا في إدلب عُنوانها الأبرز كيفيّة التّعاطي مع منظّمات وحركات إسلاميّة متشدّدة بادر إلى تشكيلها من مُقاتلين أتراك، أو من أصولٍ تركيّة، من مُنطلقات عِرقيّة، مِثل: كتائب السلطان مراد، كتائب السلطان محمد الفاتح، لواء الشهيد زكي تركماني، لواء سمرقند، أجناد القوقاز، وبعض هذه الفصائل اندمج في هيئة تحرير الشام (النصرة)، أو كتائب السلطان مراد، والمُعضلة تَكمُن في أنّه لا يُريد السّماح لهؤلاء بدُخول الأراضي التركيّة؛ خوفًا من أن ينقلبوا عليه لتخلّيه عن إدلب، وعدم السّماح لهم بتحقيق طُموحاتهم في الإطاحة بالرئيس الأسد وتغيير النظام في سورية، وإقامة دولة إسلاميّة في إطار الإمبراطوريّة العثمانيّة الجديدة، وفي الوقت نفسه لا يُريد تصفيتهم على يد الجيش العربي السوري المدعوم روسيًّا.

وفوق هذا وذاك، الحرَج الكبير من الفصائل السوريّة التي دعمها ووعدها بإطاحة النظام السوري في بداية الأزمة، وباتت هذه الفصائل تُوجِّه انتِقادات عنيفة ضدّه.

رابعًا: “تنمّر” المُعارضة التركيّة، وحُدوث حالة من التذمّر في أوساط الرأي العام التركي، وهُناك مَن يقول بأنّ حالة التذمّر وصَلت إلى بعض قِطاعات الجيش التركي، فهذه المُعارضة تتحدّث بصوتٍ عالٍ هذه الأيّام عن خُطورة الزّج بالجيش التركيّ في سورية، وتزايُد أعداد القتلى في صُفوفه، وتُطالب بالتّسليم ببقاء الرئيس الأسد والاعتِراف بحُكومته، وإعادة العُلاقات مع سورية(2).

تحليل للموقف التركي:

تقول رانيا مصطفى في “العرب” اللندنية: “إن الموقف التركي في إدلب شديد التعقيد والغموض”.

وترى أن تفسير ذلك يعود إلى عدة عوامل، أهمها: “تصاعد تهديدات أردوغان مع بدء الحملة العسكرية للنظام (السوري) وحلفائه على إدلب منتصف تشرين الأول / أكتوبر الماضي، حول انهيار اتفاقات أستانة وسوتشي إذا لم يتوقف الهجوم، واشتراط انسحاب النظام من المناطق التي استولى عليها بين شهري نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس العام الماضي، في ريف إدلب الجنوبي وفي ريف حلب.

وتضيف: “يبدو أن هذا التصعيد التركي الكلامي للرئيس أردوغان يتعلق باعتباراته الداخلية التركية، وللمحافظة على ولاء الفصائل السورية التابعة له، فيما بدا أنه لا يملك القدرة على فرض موقفه على الروس”.

في السياق ذاته، يقول عبد الله السناوي في “الشروق” المصرية: إن توغل الجيش السوري في إدلب هو “تحول استراتيجي ميداني لعله الأهم منذ بداية الصراع قبل نحو تسعة أعوام”.

ويضيف: “لم يكن الرئيس التركي أردوغان مستعدا أن يتقبل التطور الميداني الجديد، حاول أن يضغط على الحليف الروسي المفترض فلاديمير بوتين؛ لإنهاء عمليات الجيش السوري، الذي يوفر له الغطاء الجوي والاستشارات العسكرية، لكن دون جدوى هذه المرة.

ويرى الكاتب: “أن خسارة معركة إدلب بالنسبة لتركيا “تقوض دور أردوغان في سوريا تمامًا، وتهز صورته أمام حلفائه المسلحين وتنال من وزنه في أية تسوية محتملة بالجولة الأخيرة”.

ويتابع: “وبالنسبة لبوتين، فهو يرى أن تركيا لم تلتزم بما تعهدت به في تفاهمات سوتشي بينهما، بنزع الأسلحة الثقيلة للمجموعات المسلحة في المنطقة العازلة، وتحاول تكريس الأمر الواقع بمنع الجيش السوري من استعادة أراضيه بذريعة خشيتها من نزوح مئات الآلاف إلى حدودها”.

وفي مقال بعنوان: “إدلب… معركة الحسم”، تقول عائشة المري في موقع “إيلاف” السعودي: “تبدو معركة إدلب ورقة الاختبار الأخير للحكومة السورية في سبيل إعادة سوريا إلى المربع صفر، بعد حرب أهلية دولية استمرت نحو تسع سنوات، فالرئيس السوري مصمم على استعادة السيطرة على كافة الأراضي السورية، وإنهاء جيوب المعارضة المسلحة في إدلب ومحيطها لاستعادة الأرض التي بقيت خارج سيطرته، لينهي سنوات من الحرب الأهلية”.

وتضيف: “إن التطورات العسكرية على أرض إدلب، والاشتباك المباشر بين الجيشين السوري والتركي، أديا لخلق واقع ميداني وسياسي جديد، ونقلا المواجهة لتصبح مباشرة بين دمشق وأنقرة، لأول مرة، وليس حربًا بالوكالة كما ظلت لسنوات بين دمشق والمعارضة السورية المدعومة من تركيا”(3).

تعزيزات وخطة بديلة:

وفي سياق التعزيزات التركية: أفاد مراسل الجزيرة على حدود تركيا أن القوات التركية استقدمت مزيدا من قواتها العسكرية إلى مواقعها في إدلب.

وقد عبرت قوافل ضخمة من المركبات العسكرية التركية التي تحمل الدبابات وناقلات الجنود المدرعة وجرافات وآليات البناء المصفحة إلى نقاط المراقبة التركية البالغة 12 نقطة في منطقة إدلب السورية وسط إجراءات أمنية واسعة.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الحرب: “إن 1240 مركبة عسكرية تركية عبرت إلى إدلب خلال الأسبوع الماضي إلى جانب خمسة آلاف جندي”.

في غضون ذلك، حذر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار من أن بلاده لديها خطط بديلة في حال عدم التزام الأطراف بالاتفاقيات بشأن إدلب، مؤكدًا أن أنقرة ستقوم بما يلزم إذا لم تنسحب قوات النظام من مناطق خفض التصعيد نهاية الشهر الجاري.

وقال أكار في مقابلة مع صحيفة حرييت التركية: “إذا تواصل خرق الاتفاق، لدينا خطة ثانية، وخطة ثالثة”، مضيفًا: “نقول كل مناسبة: لا تضغطوا علينا، وإلا فإن خطتنا الثانية والثالثة جاهزتان”.

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان أمهل دمشق حتى آخر الشهر الحالي لتنسحب من النقاط التركية، وحضّ موسكو على إقناع النظام بوقف عمليته العسكرية في إدلب.

وكان وفدان تركي وروسي أنهيا أمس محادثات استمرت ثلاث ساعات في أنقرة، لبحث التطورات الميدانية المتسارعة في إدلب، وسبل دفع العملية السياسية.

وقال مراسل الجزيرة: “إن الجانبين اتفقا على ضرورة التوصل إلى تهدئة بأسرع وقت ممكن، وعقد مباحثات إضافية خلال الأسابيع المقبلة(4).

السيناريوهات القادمة:

لا نستطيع أن نتكهّن بِما يُمكن أن يحدث في اليومين المُقبلين، ولكن ما يُمكن قوله: إنّ إقدام الجيش التركيّ على حربٍ مُوسّعةٍ لتنفيذ تحذير الرئيس أردوغان بإخراج الجيش العربي السوري من المواقع التي سيطَر عليها مُؤخّرًا في ريف إدلب بالقوّة، سيكون مُكلِفًا وغالي الثّمن، ومن دِماء وأرواح الجيش السوري ونحن نتحدّث هُنا عن الخسائر الكبيرة التي يُمكن أن تقع في صُفوفه، كذلك مراكز المُراقبة التركيّة العسكريّة (12 موقعًا) المُحاصَرة من قبل الجيش العربي السوري في ريف إدلب وأُقيمت بمقتضى اتّفاق قمّة سوتشي في أيلول عام 2018 والتي يُمكن أن يُدمَّر ومن فيها بالكامِل.

الجيش الروسيّ ما زال يتحكّم بالمجال الجويّ السوريّ، وفوق إدلب خاصّةً، ورفض كُل المطالب بالسّماح للطّائرات الحربيّة التركيّة باختِراق هذه الأجواء في جميع جوَلات المُفاوضات، الأمر الذي يعني أنّ القوّات التركيّة في حالِ هُجومها على مواقع الجيش السوري لن تتمتّع بأيّ غِطاء جويّ، وربّما تكون هدفًا لغاراتٍ جويّةٍ سوريّةٍ وروسيّةٍ، ناهِيك عن الصّواريخ والمدفعيّة الأرضيّة، وقد بَدأت هذه الغارات فِعلًا في سراقب ومُحيطها.

الرئيس أردوغان يقف حاليًّا في موقفٍ صعب، وحَرِجٍ للغاية، وقد يُقدِم على مُغامرةٍ “انتحاريّةٍ” ويُعلِن حربًا واسِعةً على سورية بخَوضِها وحده، بعد أن تخلّى عنه جميع حُلفائه بِما في ذلك الأمريكان، مِثلما قال بمرارةٍ للصِّحافيين الذين رافقوه على متن الطّائرة عائدًا من زيارته الرسميّة لأذربيجان، فمِن الواضِح أنّه يرفض الاستِسلام، والرّوس لا يُريدون إلقاء طوق النّجاة له، وإذا شنّ هذا الهُجوم فإنّه سيُواجِه دولةً عُظمى اسمُها روسيا.

التنبّؤات عديدة حول النّهاية المُحتَملة أو المُتوقّعة لأزَمة إدلب بعضها توقّع بحلٍّ في اللّحظةِ الأخيرة يُبعِد المُواجهة العسكريّة، والبعض الآخر يقول بهُجومٍ تركيٍّ قد يتجاوز حدود ريف إدلب، ولكن أهمّها في رأينا ما قاله أحد الخُبراء الغربيين المُتابع للشّأن السوري: الأسد سيَخرُج بالمزيد من الأراضي في نِهاية المطاف، وأردوغان بالمزيد من اللّاجئين… واللُه أعلم(5).

آراء إعلام النظام السوري:

تقول لميس عودة في “الثورة السورية”: “إن أردوغان يتأرجح على حبال التخبط والإفلاس والعجز الميداني في هذه المرحلة المفصلية والحرجة جدًّا بالنسبة له من معارك الشمال، والتي ضاقت فيها كثيرًا مساحة مناوراته وأحكم طوق الإنجاز الميداني للجيش العربي السوري قبضته على خناق أدواته وعلى تحركاته العدوانية”.

كذلك يرى وسام جديد في “الوطن” السورية: أن أردوغان يسعى فعليًّا لإحداث صدام مباشر مع الجيش العربي السوري؛ لإظهار وجوده الميداني في رسالة مباشرة للروسي مفادها: هل ستقفون ضدنا؟! وهنا قد يلجأ الأخير إلى قرارات من الممكن أن تكون شبيهة لما سبق من إعلان جديد لوقف إطلاق النار.

ويرى عبد الله بن بجاد العتيبي في “الاتحاد” الإماراتية: “أن اجتياح القوات التركية لشمال سوريا يُعد “انتهاكًا صارخًا للسيادة السورية وتجاوزًا للقوانين الدولية”.

وفي انتقاد واضح للتحركات التركية في المنطقة، يقول الكاتب: “حرب في سوريا وحرب في ليبيا، ودعم غير محدود لجماعات وتنظيمات ورموز الإرهاب في كل مكانٍ، والتكفل بتنقلات الإرهابيين برًّا وبحرًا وجوًّا، وتأمين الأماكن الآمنة لقيادات الإرهاب من شتى بلدان العالم لكي يخططوا للتخريب في الدول العربية وضرب استقرارها، وقتل شعوبها لتغطية الأطماع المكشوفة لتركيا العثمانية”.

من جانبه يقول إسماعيل ياشا في “العرب” القطرية: “إن التطورات الأخيرة التي شهدتها محافظة إدلب ما هي إلا نتيجة خروقات النظام السوري لاتفاقي أستانة وسوتشي؛ إلا أن النظام السوري لم يكن ليتجرأ على تلك الخروقات لولا الغطاء الروسي وتحريضه عليه“.

ويرى أن هناك مؤشرات “تشير إلى استعداد الجيش التركي للقيام بعملية عسكرية واسعة في محافظة إدلب من أجل حمايتها، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية، ولا رغبة لدى أنقرة على الإطلاق في الانسحاب من محافظة إدلب”.

ويضيف الكاتب: “الملف السوري عمومًا “وملف محافظة إدلب على وجه الخصوص” من الملفات الحساسة المرتبطة بمصالح تركيا العليا وأمنها القومي”(6).

1_ فلسطين الآن

2_ الرأي

3_ بي بي سي

4 _ فلسطين الآن

5_ الرأي

6_ بي بي سي

التعليقات مغلقة.