fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الحراك اللبناني… إلى أين؟

349

الحِراك اللُبناني… إلى أين؟

فالجمهورية اللُبنانية دولة عربية أسيوية، تقع في غرب القارة، وتحدها سوريا مِن الشمال والشرق، وفلسطين المحتلة -إسرائيل- مِن الجنوب، وتطل مِن جهة الغرب على البحر الأبيض المتوسط.

ولعل هذه الأبعاد الجيوسياسية توضح أهمية لبنان على المستوى الإقليمي والدولي.

يبلغ عدد السكان حوالى ستة ملايين نسمة، ويشكل المسلمون نسبة 54% منه.

خاض لُبنان حربًا أهلية مِن عام 1975 إلى عام 1990، أسفرت عن مقتل حوالى مائة وعشرين ألف شخص، فضلًا عن نزوح ما يقرب مِن مليون شخص مِن لبنان، وتشرد عشرات الألاف داخل لبنان(1).

وكان اتفاق الطائف بداية النهاية للحرب الأهلية اللُبنانية، ووضع أسس النظام السياسي الحالي.

ويعيش لُبنان حاليًا أزمة سياسية حادة، تجلت في المظاهرات الحاشدة خلال هذا الأسبوع، والتي عمت معظم مناطق البلاد، واتسمت بالتجاوز النسبي للطائفية، مع عدم بروز قيادة، ومطالب موحدة لها.

فبينما يرفع الجميع عَلَم لُبنان، يُطالب البعض بإلغاء الطائفية السياسية، ويطالب البعض الأخر باستقالة الرئاسات الثلاث “الجمهورية – والحكومة – والنواب” مع حل المجلس النيابي، ويطالب فريق ثالث بتعديل حكومي، مع تعديل في مسار السياسات، لمواجهة الفساد، وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت حتى باتت عصية على الحل في ظل النظام الحالي.

فقد بلغ مستوى العجز في ميزان التجارة الخارجية والمدفوعات 27% مِن الناتج المحلى الإجمالي، لتصبح لُبنان الدولة الرابعة عالميًّا في هذه النسبة، أي أن اللُبنانيين يستهلكون أكثر مما ينتجون، ويستوردون أكثر مما يُصدرون.

كما وصلت مديونية لُبنان إلى 151% مِن الناتج الإجمالي المحلى، وهي ثالث أعلى نسبة عالمية.

أما عجز الموازنة الحكومية في الوقت الراهن فقد وصل إلى 11% مِن الناتج الإجمالي المحلي، وهو أسوأ سادس عجز على المستوى العالمي.

ولم تنجح الورقة الاقتصادية المُقدمة مِن رئيس الوزراء سعد الحريري في احتواء المتظاهرين حتى الآن(2).

وقد تضمنت هذه الورقة:

  • – إلغاء كل أنواع زيادات الضرائب على القيمة المضافة، والهاتف، والخدمات العامة.
  • – إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة، ووضع آلية واضحة لمواجهة الفساد.
  • – إقرار قانون رفع السرية المصرفية الإلزامي على جميع الوزراء، والنواب، والمسئولين في الدولة.
  • – خفض جميع رواتب الوزراء، والنواب الحاليين والسابقين، بنسبة 50%.
  • – إلغاء بعض الوزارات والمجالس: كوزارة الإعلام.
  • – إلغاء جميع صناديق المهجرين – الجنوب – الإنماء والإعمار.
  • – وضع سقف لرواتب ومخصصات اللجان “كحد أقصى: عشرة ملايين ليرة لُبنانية”.
  • – خفض رواتب جميع المديرين “على ألا تتجاوز ثمانية ملايين ليرة”.
  • – خفض رواتب القضاة “بحد أقصى خمسة عشر مليون ليرة”.
  • – وضع ضرائب على المصارف، وشركات التأمين “25%”.
  • – الموافقة المُسبقة مِن ديوان المحاسبة والتفتيش على أي مناقصة أو اتفاق يتجاوز 25000 دولار، على أن يحق للوزير المختص الموافقة على 200000 سنويًّا، والباقي يخضع لموافقة مجلس الوزراء.
  • – إلغاء جميع المخصصات للبعثات إلى الخارج، بحد أقصى 3000 دولار للسفرة، مع موافقة مجلس الوزراء عليها.
  • – إلغاء جميع ما تم خفضه مِن معاشات التقاعد للجيش والقوى الأمنية.
  • – وضع سقف لرواتب العسكريين، لا يتجاوز رواتب الوزراء.
  • – تفعيل هيئة الرقابة الاقتصادية.
  • – دعم الصناعات المحلية، ورفع الضريبة على المستوردات للأصناف المُنتجة محليًّا.
  • – مساهمة المصارف في إنشاء معامل كهرباء، ومعامل فرز النفايات والمحارق الصحية، مع خفض الضريبة على المبالغ المساهمة بها.
  • – تحويل معامل الكهرباء إلى غاز خلال شهر.
  • – إلغاء كل الاقتراحات الخاصة باقتطاع جزءٍ مِن تمويل سلسلة الرتب والرواتب.
  • – إعادة العمل بالقروض السكنية.
  • – إصدار قرار حاسم بأن تكون موازنة عام 2020 بلا عجز، بما يتطلب ضبط الواردات.
  • – زيادة الضريبة على أرباح المصارف.
  • – تقديم مصرف لبنان وباقي المصارف ثلاثة مليارات دولار.
  • – اقتراح خصخصة قطاع الهاتف المحمول قريبًا جدًّا.

لم تنجح الورقة الاقتصادية المُقدمة مِن رئيس الوزراء سعد الدين الحريري -رغم إقرار الحكومة لها- في احتواء المتظاهرين.

كما لم تؤثر كلمات رئيس الجمهورية ميشيل عون، ووزير الخارجية جبران باسيل، وأمين عام ميليشيا حزب الله حسن نصر الله، في موقفهم.

وبينما يدعو زعيم الدروز وليد جنبلاط لتعديل وزاري وانتخابات نيابية وفق قانون غير طائفي، استقال الوزراء الأربعة لحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع مِن الحكومة.

ويبدو أن المحور الإيراني السوري بزعامة التيار الوطني الحر “29 نائبًا في مجلس النواب اللُبناني مِن أصل 128 مقعدًا بعد انتخابات 2018″، وحركة أمل الشيعية “16 مقعدًا”، وحزب الله “13 مقعدًا”، يضع خطوطًا حمراء على رئاسة ميشيل عون، وصهره وزير الخارجية جبران باسيل.

ويرى حسن نصر الله هذه التظاهرات استهدافًا إقليميًّا ودوليًّا للُبنان، وأن شخصيات في الحِراك مرتبطة بسفارات وجهات أجنبية، وأن هناك جهات تُموله، وقوى سياسية تحاول القفز عليه لتحقيق أهدافها، ولوَّح بالحرب الأهلية في حال فراغ السلطة.

ويمكن تصور آفاق حل الأزمة وسط هذه المواقف المتباينة مِن خلال الاحتمالين التاليين:

  • أولًا: الاتفاق على استقالة الحكومة الحالية المُشكلة مِن ثلاثين وزيرًا في يناير 2019، بعد ما يزيد على ثمانية أشهر مِن تسمية سعد الحريري رئيسًا لها، وتشكيل حكومة جديدة غالب عناصرها تكنوقراط قادرون على تحقيق مطالب المحتجين، وبصفة خاصة وقف الفساد، ومحاسبة الفاسدين، ومواجهة التدهور الاقتصادي الحاد الذي تعاني منه لُبنان.
  • ثانيًا: بحث الدعوة لانتخابات نيابية مُبكرة مع النظر في تعديل النظام السياسي الطائفي، وهذا قرار كبير لا يتم دون أحداثٍ كبرى، وتوافق جميع الأطراف.

حفِظَ الله لُبنان مِن كل مكروه وسوء.

ــــــــــــــــــــــ

التعليقات مغلقة.