fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الانتخابات الأوروبية وقضايا الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية في ظل صعود اليمين واستمرار تدفق اللاجئين

43

الانتخابات الأوروبية وقضايا الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية في ظل صعود اليمين واستمرار تدفق اللاجئين

انطلقت انتخابات البرلمان الأوروبي في الفترة ما بين 6 – 9 من يونيو الماضي؛ إذ توجَّه الناخبون الأوروبيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي الذين يمثلونهم، والبالغ عددهم 720 عضوًا، في ظل تنافس العديد من التيارات والأحزاب ذات الأيديولوجيات السياسية المختلفة، بالتزامن مع ما تشهده دول التكتل الأوروبي من أزمات عدة وقضايا عالقة؛ أبرزها: التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية، والدعم الأوروبي المقدم لكييف، إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي والتدفق المستمر للاجئين باتجاه دول التكتل.

ونتيجة لتلك العوامل، تصدرت الأحزاب اليمينية نتائج الانتخابات، واستحوذت على غالبية مقاعد البرلمان الأوروبي، وباتت التحالفات اليمينية تحل محل تجمعات التيارات الوسطية والديمقراطية الاجتماعية؛ ما سيمكن اليمين المتطرف عبر قيادته للبرلمان الأوروبي من رسم سياسات وتوجهات الاتحاد الأوروبي للدورة البرلمانية الجديدة والممتدة لخمس سنوات مقبلة، وهو ما أربك الحكومات الأوروبية ودفع الحكومة الألمانية إلى وصف نتائج الانتخابات البرلمانية “بالكارثة”.

في حين أعلن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” حل الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب)، وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة في 30 من يونيو و7 من يوليو، وذلك بعد أن سجل حزب “النهضة” الرئاسي انتكاسة انتخابية كونه لم يحصل سوى على نحو 15 بالمئة من الأصوات.

فما تفاصيل انتخابات البرلمان الأوروبي؟ وكيف أربكت حسابات الحكومات الأوروبية؟ وما أسباب صعود الأحزاب اليمينية في الانتخابات البرلمانية الأوروبية؟ وكيف ستتعامل مع قضايا الهجرة والأمن الأوروبي والتباطؤ الاقتصادي؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر دراساته وتحليلاته المختلفة الضوء على انتخابات البرلمان الأوروبي وصعود الأحزاب اليمينية، وتداعيات ذلك على السياسة الأوروبية الخارجية تجاه حرب أوكرانيا وملف الهجرة في ظل التدفق المستمر للاجئين إلى دول التكتل، في هذه السطور التالي:.

تفاصيل الانتخابات البرلمانية الأوروبية ونتائجها:

تشهد دول الاتحاد الأوروبي كل 5 سنوات انطلاق انتخابات البرلمان الأوروبي، والذي يُعد واحدًا من ضمن 3 هيئات تمثل السلطة التشريعية في الاتحاد الأوروبي وأحد مؤسسات الاتحاد الأوروبي السبع. ويتولى البرلمان الأوروبي التشريع جنبًا إلى جنب مع مجلس الاتحاد الأوروبي عادة؛ بناءً على اقتراح من المفوضية الأوروبية. ويتمتع البرلمان الأوروبي بقدر كبير من التأثير في السياسة الأوروبية، وتشمل صلاحياته: الإجراءات التشريعية، والرقابة على السلطة التنفيذية، والسلطات الإشرافية، والموازنة.

وقد كشفت النتائج النهائية لانتخابات البرلمان الأوروبي، والتي صوت فيها ما يقرب من 400 مليون ناخب، عن احتفاظ كتل اليمين الوسط بالصدارة بعد حصولها على ربع عدد المقاعد بالبرلمان، فيما حلَّ الاشتراكيون في المركز الثاني. وقد تكبد الليبراليون وأحزاب البيئة الخسارة الأكبر وفقدوا خلالها ثلث مقاعدهم بالبرلمان؛ حيث حصلت مجموعة حزب الشعب على 26.3% من المقاعد، تليها مجموعة الاشتراكيين بنسبة 18.8%، ثم الليبراليون بنسبة 11.5%. كما حصل المحافظون على نسبة 10% من المقاعد، في حين بلغ نصيب اليمين المتطرف 8.1%، ووصلت أحزاب البيئة إلى المركز قبل الأخير بنسبة 7.4%. (الجزيرة).

وكانت التوقعات المبكرة تشير إلى أداء قوي لأحزاب اليمين المتطرف عبر دول الاتحاد الأوروبي؛ نظرًا لحالة عدم الرضا الكبيرة لدى الناخبين وانتقادهم الحاد للتيارات السياسية السائدة. وقد سجل اليمين المتطرف زيادة ملحوظة في عدد المقاعد بفوزه بالمركز الأول في كل من إيطاليا وفرنسا، والمركز الثاني في هولندا وألمانيا.

وتمخضت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي عن ردود فعل متفاوتة بين إحراز الأحزاب اليمينية القومية والمتطرفة مكاسب مهمة في بعض الدول، بينما أسفرت النتائج في انتكاسة كبيرة وتوجيه نقد لاذع لبعض أصحاب المناصب الحاليين، بالأخص أصحاب القوتين الرئيسيتين في التكتل الأوروبي، الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، والمستشار الألماني “أولاف شولتس”. (الجزيرة).

أسباب صعود اليمين في الانتخابات البرلمانية الأوروبية:

خلال العامين الأخيرين، توقع عدد من المراقبين صعود أحزاب اليمين في الدورة البرلمانية الأوروبية الجديدة بعد تقدمها في عدد من الانتخابات المحلية ووصولها إلى السلطة مؤخرًا في عدد من بلدان التكتل الأوروبي؛ مثل: إيطاليا وهولندا؛ فلم يكن الأمر مفاجئًا، وذلك نتيجة للاستياء الشعبي في أوروبا من جراء السياسات الحالية.

وتكمن العديد من الأسباب حول هذا الصعود؛ أبرزها: تأزم الأوضاع الاقتصادية في دول التكتل وتفاقم أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الغذاء والعقارات، وزيادة نسب البطالة والتضخم المستمر؛ فمنذ جائحة كورونا وما تبعها من الصراع الروسي الأوكراني والعقوبات المتبادلة؛ بالإضافة إلى زيادة شرائح دفع الضرائب في معظم الدول الأوروبية؛ خاصة في فرنسا وألمانيا منذ تورطهما ماليًّا وعسكريًّا في دعم أوكرانيا.

جميعها عوامل قد فاقمت الأوضاع الاقتصادية، وأثارت استياء الناخب الأوروبي، ومهدت لصعود أحزاب اليمين، كما أن الدعم الأوروبي المقدم لأوكرانيا قد ألقى بظلاله على الداخل الأوروبي، فالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، ومن ورائها دعم معظم دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا وألمانيا، وضعت الكثير على عاتق دافع الضرائب الأوروبي.

إضافة إلى ذلك: فإن الخطابات الأخيرة التصعيدية لماكرون ضد روسيا لم تكن مقبولة على المستوى الشعبي، وهذا ما دفع “مارين لوبان”، رئيسة حزب التجمع الوطني أو الجبهة الوطنية اليمينية، والتي حصل حزبها منفردًا على 30 مقعدًا من أصل 81 مقعدًا لفرنسا في البرلمان الأوروبي مقابل 13 مقعدًا للائتلاف الحاكم مجتمعًا، إلى القول بعد فوزها مباشرة: “إن خطابات ماكرون التصعيدية ضد روسيا تقود فرنسا إلى حرب عالمية ثالثة، وأنا أعارض ذلك أيضًا”. (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات).

وهذا ما توافقت عليه أغلبية الأحزاب السياسية الفرنسية من اليسار الاشتراكي والشيوعي وأقصى اليسار إلى أقصى اليمين واليمين “الديغولي”، المعارضة لمواصلة سياسات ماكرون الداعمة لأوكرانيا عسكريًّا وماليًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا. وإلى جانب ذلك؛ فقد أظهرت الاستطلاعات المختلفة أن 76% من الفرنسيين غير راضين عن سياسات ماكرون تجاه الأزمة الأوكرانية وتورط فرنسا في الصراع الروسي الأوكراني. (روسيا اليوم).

ولم يقتصر الرفض في الداخل الفرنسي فقط، بل إن آراء العديد من المجتمعات الأوروبية توافقت مع آراء الفرنسيين حول رفض السياسات الحالية تجاه الأزمة الأوكرانية والصراع الدائر مع الاتحاد الروسي، وهذا ما دفع ماكرون عقب إعلان نتيجة انتخابات البرلمان الأوروبي 2024م إلى حل الجمعية الوطنية باعتبارها السلطة التشريعية في فرنسا، ودعا إلى انتخابات مبكرة تجرى دورتها الأولى في 30 من هذا الشهر والدورة الثانية في 7 يوليو 2024م.

ومنذ انطلاق ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وما تبعها من صراعات مسلحة في عدد من الدول العربية، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، والصراعات المسلحة في إفريقيا، ازداد تدفق المهاجرين واللاجئين إلى دول التكتل الأوروبي؛ إذ ارتفع عدد اللاجئين في جميع دول التكتل الأوروبي من 7 ملايين في نهاية العام 2021م إلى 12.4 مليون لاجئ في نهاية العام 2022م. (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).

ما يعد عاملًا آخر دفع الناخبين الأوروبيين لاختيار اليمين المتطرف المعروف بتشدده ضد اللاجئين والأجانب؛ خاصة في ألمانيا وفرنسا، وهولندا وبلجيكا والنمسا وإيطاليا، وتبنيه لسياسات صارمة حول الأنظمة الأمنية والقانونية للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وقد استغلت الأحزاب اليمينية زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين كورقة رابحة في برامجها السياسية والانتخابية؛ خاصة في ظل تراجع مستوى معيشة ورفاهية الشعوب الأوروبية، في ظل وضع الساسة الأوروبيين الأحزاب اليمينية على هامش السياسة في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة.

ومع انتقال طيف الأحزاب اليمينية الأوروبية من الهامش إلى مركز المشهد السياسي، باتت تجذب أصوات قطاعات واسعة من المجتمع الأوروبي. وقد استندت الأحزاب اليمينية في صعودها القوي في الأساس إلى معاناة العديد من الناخبين التي تفاقمت نتيجة لإخفاقات الساسة الأوروبيين خلال السنوات الأخيرة، تجاه قضايا الاقتصاد والهجرة والدعم المقدم لأوكرانيا وغيرها.

التحالفات والتكتلات الجديدة داخل البرلمان الأوروبي:

في السابق كان حزب “الشعب الأوروبي”، و”الاشتراكيون والديمقراطيون” يتعاونون لتمرير التشريعات بدعم من كتلة “تجديد أوروبا”، وهي الكتل الثلاث الأكبر في البرلمان، ومع ذلك فقد قللت الانتخابات بشكل كبير من تأثير كتلة “تجديد أوروبا” التي كانت سابقًا لاعبًا رئيسيًّا، لكن حزب “الشعب الأوروبي” سعى مؤخرًا إلى تقارب أوثق مع “المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين” اليميني المتطرف بقيادة رئيسة الوزراء الإيطالية “جيورجيا ميلوني”، مما أثار استياء الأحزاب داخل مجموعة “الاشتراكيين والديمقراطيين” بشكل خاص. (مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية).

لذا قد يتغير هذا التفاعل في الدورة البرلمانية الجديدة؛ وعلى العكس من ذلك، تم تعزيز حضور المجموعات اليمينية المتطرفة بما في ذلك “المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين”، ومجموعة “الهوية والديمقراطية” التي تضم “مارين لوبان” وحزبها “التجمع الوطني” في البرلمان، ومن المرجح أن تنضم مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة الجديدة التي ليس لديها بعد كتلة سياسية إلى صفوف هاتين المجموعتين.

كما برزت عدة أحزاب جديدة بالبرلمان؛ أبرزها: حزب “البديل من أجل ألمانيا” والذي سيشارك لأول مرة في البرلمان الأوروبي بعد حصوله على 15 مقعدًا؛ إضافة إلى حزب “فيدس” المجري بعد حصوله على 10 مقاعد والذي يسعى إلى العثور على كتلة جديدة بالبرلمان بعد انفصاله عن حزب “الشعب الأوروبي” في عام 2021م. (فرنسا 24).

وتستحوذ هذه الأحزاب الشعبوية إلى جانب “المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين”، و”الهوية والديمقراطية” على حوالي 156 مقعدًا بالبرلمان الأوروبي الجديد؛ أي: ما يفوق “الاشتراكيين والديمقراطيين” الذين حصلوا على 148 مقعدًا بالبرلمان.

ويرى بعض المراقبين: إمكانية التقارب بين حزب “الهوية والديمقراطية” و”المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين” لتكون كتلة جديدة داخل البرلمان الأوروبي؛ إلا أن ذلك مستبعد نظرًا للاختلافات السياسية في أيديولوجية الحزبين.

كما من المرجح أن تستمر عضوية المجموعات اليمينية المتطرفة، وأيضًا إلى حد أقبلت المجموعات الوسطية على التحول والانقسام في الأسابيع والأشهر القادمة، بسبب الخلافات الداخلية المستمرة؛ مما يؤثر سلبًا على قدرتها على التأثير في البرلمان الأوروبي الجديد. وتناقش مجموعة “تجديد أوروبا” حاليًا ما إذا كانت ستطرد “الحزب المحافظ” الهولندي؛ بسبب ائتلافه المحلي مع حزب “الحرية” اليميني المتطرف، على الرغم من أن القيام بذلك سيقلل من عدد مقاعد “تجديد” بشكل أكبر.

التداعيات المتوقعة لصعود الأحزاب اليمينية في الاتحاد الأوروبي:

يرى العديد من المراقبين أن نجاح التحالفات اليمينية في السيطرة على البرلمان الأوروبي ستعرقل العديد من المقترحات التشريعية التي تتقدم بها المفوضية الأوروبية بشأن القضايا الحرجة السياسية والأمنية والاقتصادية والبيئية وغيرها من القضايا الأوروبية، والتي من الممكن أن تكون صدعًا لا مفر منه داخل التكتل الأوروبي، وربما يكون ذلك البداية الأولى لتفكك الاتحاد الأوروبي كليًّا أو تهميش تأثيره السياسي في السياسات الأساسية اليومية لدى الدول الأوروبية.

وعند النظر إلى القضايا الأساسية الحالية، فملف الهجرة واللاجئين يتوقع أن يشهد تطبيق إجراءات أشد للحد من الهجرة واللاجئين وتصاعد الأجواء السلبية تجاه الجاليات العربية والإسلامية والإفريقية، باعتبار ذلك أحد الملفات الأساسية ضمن البرامج الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة؛ ففي ظل البرلمان الأوروبي الجديد قد نشهد تشريعات أكثر تشددًا بشأن قضايا الهجرة عبر دول الاتحاد؛ حيث إن خطاب وسياسات الأحزاب اليمينية قد تركزت بشكل كبير على مخاطر الهجرة وتأثيراتها السلبية المحتملة على الهوية الوطنية، وفرص العمل، ومستوى المعيشة، وقد ساهم ذلك بالفعل بوصول بعض هذه الأحزاب إلى الحكم كما هو الحال مع حزب إخوة إيطاليا عام 2022 وغيره في فرنسا وهولندا والمجر ودول أخرى.

ومن المتوقع أيضًا: أن تفرض قيودًا على السفر والتنقل بحرية بين دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب رغبة الأحزاب اليمينية في تعزيز المصالح الوطنية لكل دولة بشكل فردي؛ مما يتعارض مع مزايا تأشيرة شنغن التي كانت تتيح حرية التنقل لبلدان الاتحاد. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

ونظرًا لأيديولوجيات الأحزاب اليمينية، فمن المتوقع أن تعرقل أي جهود مستقبلية لضم دول جديدة إلى التكتل الأوروبي؛ خاصة أوكرانيا وجورجيا. وهذا السيناريو يرجح تراجع المحاولات الرامية لتوسيع الاتحاد بالتزامن مع زيادة تركيز كل دولة على مصالحها الخاصة ورفض تدخل بروكسل، مما يعزز المخاوف من تفككه المستقبلي، وزيادة التوتر حول التعاون في قضايا الحدود والتقدم الاقتصادي بين دول الاتحاد.

واقتصاديًّا، أدت الحرب الروسية الأوكرانية وحزم العقوبات الغربية المستمرة على الاتحاد الروسي إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد الأوروبي وتحديدًا قطاع الطاقة.

وقد فاقم ذلك إجراءات الساسة الأوروبيين الساعية إلى التخلي عن الغاز والنفط الروسي والبحث عن مصادر جديدة في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وشرق المتوسط؛ مما تسبب بارتفاع هائل في الأسعار.

وفي ضوء ذلك، بدأت بعض الدول؛ مثل: ألمانيا باتخاذ إجراءات لإعادة تفعيل وتعزيز استخدام المفاعلات النووية بدعم فرنسي واضح لهذه الخطوات، ومن ثم فمع صعود الأحزاب اليمينية الرافضة لكثير من العقوبات المفروضة على روسيا، ووقف استيراد الغاز والنفط منها تحديدًا، فمن المرجح أن تتراجع برامج تحول الطاقة بالنظر لمواقف تلك الأحزاب. (مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية).

وعلى صعيد الحرب الروسية الأوكرانية: فقد شهدت بعض الأحزاب اليمينية الصاعدة في أوروبا تقاربًا مع موسكو؛ مما قد يؤدي إلى أسلوب جديد في إدارة الصراع مع الاتحاد الروسي وتحديد مستقبله. وفي ظل بعض التوجهات التي تنتهجها أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي تجاه المسلمين واستغلال بعض الحوادث الفردية لمهاجرين متطرفين وإلصاقها بالمسلمين، فهناك تزايد ملحوظ من المتطرفين الأوروبيين الذين يعتبرون “نتنياهو” حليفًا لا يمكن الاستغناء عنه، وقد يُعد ذلك مؤشرًا على استمرار الدعم الأوروبي لإسرائيل خلال السنوات المقبلة.

مستقبل العلاقات العربية الأوروبية عقب الانتخابات الجديدة:

للاتحاد الأوروبي العديد من المصالح في المنطقة العربية وتحديدًا في شمال إفريقيا، وقد بدا ذلك جليًّا في الزيارات الأوروبية المتكررة إلى مصر، والاهتمام الأوروبي المتزايد بالشراكة مع تونس والجزائر لمواجهة ما تعانيه المنطقة من أزمات اقتصادية. كما أن السياسة الأوروبية الجديدة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية قد ركزت على مشاريع الغاز الطبيعي والنفط في القارة الإفريقية وشرق المتوسط، في ظل شح الطاقة في دول التكتل.

ويعكس مؤتمر الاستثمار الأوروبي المصري الأخير أهمية العالم العربي والدولة المصرية في السياسة الأوروبية الخارجية، كما أن الأزمة الليبية حاضرة في ظل القلق الأوروبي المستمر من عمليات الهجرة غير الشرعية من ليبيا نظرًا للقرب الجغرافي.

ولذلك يمكن القول: إن السياسة الأوروبية تجاه العالم العربي ستستمر في النمو والتطور خلال السنوات المقبلة رغم الأحزاب اليمينية؛ إلا أن هناك عدة نقاط تثير مخاوف المراقبين لاحتمالية تأثيرها سلبًا على العلاقات العربية الأوروبية؛ أبرزها: دعم اليمين المتطرف للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمخاوف الجزائرية والمغربية من أن يطبق “التجمع الوطني” الفرنسي برنامجه في مجال الهجرة، ويقوم بترحيل المهاجرين غير الشرعيين لإرضاء ناخبيه ويفكك اتفاقيات عام 1968م التي تنظم مسائل الهجرة والإقامة والدراسة في الجامعات، والعمل في فرنسا بالنسبة للجزائريين. (مركز رع للدراسات الإستراتيجية).

إلا أن ذلك يبقى مستبعدًا في ظل مبدأ الحفاظ على المصالح المشتركة، ففي حالة انتهاج اليمين لسياسات تتعارض مع المصالح الجزائرية، فسترد الجزائر عبر اتخاذ إجراءات ضد فرنسا على غرار التي اتخذتها ضد إسبانيا، عندما اعترفت بسلطة المغرب على الصحراء فقد استخدمت ورقة الغاز ووقف شراء بعض المواد الأساسية كالقمح واللحوم والسيارات.

الخلاصة:

لم يكن مفاجئًا صعود الأحزاب اليمينية في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية الأوروبية، وزيادة تدفق اللاجئين خلال السنوات الأخيرة؛ فقد أثار ما يعانيه التكتل الأوروبي من أزمات عدة استياء الناخبين، ودفع الأحزاب اليمينية إلى استغلال الإخفاقات المتكررة إزاء قضايا الاقتصاد والهجرة، لاستقطاب الناخبين وطرح برامج انتخابية تلبي مطالب الناخب الأوروبي؛ خاصة فيما يتعلق بالحد من الدعم المقدم لأوكرانيا والتي فاقمت من الضرائب الأوروبية، وقلق الناخبين المستمر من تأثير عمليات الهجرة على مستوى فرص العمل داخل التكتل الأوروبي.

– في ظل الواقع السياسي الجديد الذي أفرزته نتيجة الانتخابات الأوروبية؛ يمكن القول: إن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه الآن في مرحلة يحتاج فيها إلى إعادة ضبط التوازنات السياسية، بعد التغييرات التي فرضتها نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، وربما تكشف الشهور القادمة إلى أي اتجاه سيتطور الاتحاد، في ظل ما تحمله الأحزاب اليمينية من أيديولوجيَا تختلف إزاء تعاملها مع القضايا الداخلية والخارجية.

– يعد العالم العربي محوريًّا في السياسة الأوروبية الخارجية؛ نظرًا لما يتمتع به من موارد طبيعية تلبي الصناعات الأوروبية؛ ولذلك وبالرغم من وجود عدة نِقَاط خلافية ما بين الأحزاب اليمينية الأوروبية الجديدة والعالم العربي؛ إلا أن العلاقات العربية الأوروبية ستشهد مزيدًا من التطور خلال السنوات المقبلة؛ نظرًا للمصالح المشتركة التي تجمع الجانبين.

المصادر:

الجزيرة

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

روسيا اليوم

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين

مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

فرنسا 24

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية

مركز رع للدراسات الإستراتيجية

التعليقات مغلقة.