fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

أبعاد الدور الباكستاني في أزمة كشمير

قضية كشمير قضية يستهين بها العالَم

246

فإن قضية كشمير قضية يستهين بها العالَم، وهي شرارة يمكن أن تحرق الأخضر واليابس؛ هكذا علَّقت جريدة التايمز الأمريكية على أحداث قضية كشمير الأخيرة، حيث أصدرت السلطات الهندوسية القومية في الهند في الخامس من أغسطس لعام ٢٠١٩م مرسومًا رئاسيًّا يلغي الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير الذي كان يتضمنه الدستور الهندي، في إشارة إلى إلغاء المادة ٣٧٠ من الدستور التي تمنح وضعًا خاصًّا لمنطقة كشمير المتنازع عليها، وتتيح لها وضع قوانينها الخاصة.

وهذا الإعلان من قِبَل الحكومة الهندية بإلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير ما هو إلا خطوة لدمج منطقتها الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة مع بقية أجزاء البلاد رغمًا عن الشعب الكشميري المسلم، وتزامنت مع هذا القرار إجراءات أمنية مشددة وتضييقات شديدة جدًّا على الشعب الكشميري، كذلك تم حشد عشرات الآلاف من القوات الهندية داخل إقليم كشمير، وقامت هذه القوات بحملة اعتقالات واسعة، طالت نشطاء وقيادات كشميرية، وتم قطع البث التليفزيوني، والاتصالات الهاتفية وشبكة الإنترنت في المنطقة حتى يُعزل هذا الشعب الأعزل تمامًا عن العالم!

كما فرضت قيودًا على حظر التجمعات العامة حتى يتم تسهيل المهمة على رجال القوات المسلحة للتواجد بالطرقات العامة، وغلق كبرى المدارس في الإقليم والمناطق المحيطة بها، ليعود التوتر والاضطراب مرة أخرى، ويتجدد الصراع بين الهند وباكستان على إقليم كشمير؛ ذلك الصراع الذي بدء منذ سبعين عامًا.

تاريخ الصراع بين الدولتين:

يعتبر صراع الهند وباكستان على إقليم كشمير مِن أطول النزاعات الدولية، فقد دخل إقليم كشمير الإسلام منذ القرن الأول للهجرة، وبدأ الحكم الإسلامي منذ القرن الثامن واستمر لمدة خمسة قرون حتى جاء الاحتلال البريطاني الذي قام ببيع إقليم كشمير لأسرة هندية لمدة مائة عام، ذاق المسلمون خلالها ألوانًا من الظلم والاضطهاد، وصودرت أراضيهم وفُرضت عليهم الضرائب الباهظة، وحُرِّم عليهم ذبح الأبقار وإلا واجهوا عقوبة الإعدام!

وانتهت المائة عام مع انتهاء الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية عام 1947م، وأعلنت بريطانيا قبل رحيلها تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين: إحداهما: مسلمة (وهي باكستان)، والأخرى: هندوسية (وهي الهند)، وكان معيار التقسيم معيارًا دينيًّا، فالمنطقة ذات الأغلبية المسلمة تلحق بباكستان، والمنطقة ذات الأغلبية الهندوسية تلحق بالهند.

إلا أن كشمير التي يشكِّل المسلمون فيها أكثر من 90% من إجمالي السكان لم تُلحق بباكستان، ومن هنا بدأت قضية كشمير، فبدأ القتال بين القوات الهندية والقوات الباكستانية واستمر هذا القتال لأكثر من عام ولم يتوقف حتى تدخلت الأمم المتحدة فأصدرت قرارًا بوقف القتال، وقررًا بإجراء استفتاء للشعب الكشميري لتحديد مصيره؛ إن كان يريد الانضمام إلى الهند أو الانضمام إلى باكستان، وبالفعل تم وقف القتال.

وأما الاستفتاء فلم يتم حتى يومنا هذا، فقد اعترضت عليه الهند ورفضت تنفيذ توصيات المنظمة الأممية، ولم يتقرر وضع كشمير في مرحلة التقسيم، سواء بالانضمام إلى الهند أو إلى باكستان، وخاصة أن غالبية السكان كانوا مسلمين، في الوقت الذي كانت فيه الهيئة الحاكمة من الهندوس وقت التقسيم، فطالب الحاكم الهندسي مهراجا كشمير بإبقائها على حالها الراهنة، دون أن تنضم إلى أي من الدولتين؛ مما أدَّى بعد ذلك إلى حدوث اضطـرابات كبيرة بين المسلمين والحكام الهنود، وشهدت كشمير مصادمات مسلحة، تدفق على أثرها رجال القبائل الباكستانية لمساندة المسلمين، وطلبت حكومة كشمير آنذاك مساعدة الهند، وأعقب ذلك دخول القوات الهندية لمساندة المهراجا، ولكن ترتب على ذلك دخول القوات الباكستانية إلى المنطقة، وبدأ القتال بينها وبين القوات الهندية، واستمر لفترة تزيد على عام كامل.

– وفي يناير عام 1949م، تدخلت الأمم المتحدة وتوقف القتال، وأنشئ خط وقف إطلاق النار، جاعلًا ثلثي مساحة كشمير وأربعة أخماس السكان تحت السيطرة الهندية، والباقي تحت السيطرة الباكستانية.

– تقول الهند: إن ولاية جامو وكشمير كلها ملك لها، وتحكم الهند ما يقارب 43 % من المنطقة، إذ تسيطر على جامو، ووادي كشمير، وتنازع باكستان التي تحكم نحو 37 % من جامو وكشمير.

وأما الصين: فتحكم حاليًا ثلاث مناطق في الإقليم وتنازعها عليها الهند، منذ استيلائها على “أكساي تشين”، خلال الحرب الهندية الصينية عام 1962م، ولم تمنع معاهدة الأمم المتحدة خوض الهند وباكستان حربين بينهما عام 1965، و1971م إلى جانب تلك التي اندلعت عام 1947م قبل إبرام الاتفاقية، واقتربوا كذلك من حرب أخرى عام 1999م؛ مما أسفر عن مقتل نحو 70000 شخص من الطرفين، ولا تشمل هذه الحصيلة الأشخاص الذين اختفوا بسبب النزاع، وقدرت بعض جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية عدد القتلى بضعف هذا العدد!

وحافظت الهند وباكستان على وقفٍ هشٍّ لإطلاق النار منذ عام 2003م، رغم تبادل لإطلاق النار بانتظام عبر الحدود.

وفي عام 2006م اتخذ البلدان خطوات نحو الحوار وتعزيز العلاقات الثنائية، لكنها لم تكلل بالنجاح، واستمرت العلاقات بين البلدين في فتور وتوتر مما ينذر باحتمالاتٍ للصدام بينهما في أي وقتٍ.

وفي تطور جديد في الأزمة بين البلدين بشأن كشمير جاء قرار الحكومة الهندية التي اتخذته يوم الاثنين الخامس من أغسطس 2019م بإلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير، في مسعى لدمج منطقتها الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة مع بقية أجزاء البلاد، في أكبر تحرك بشأن الإقليم المتنازع عليه والواقع في جبال الهيمالايا، ليعود التوتر والاضطراب مرة أخرى، ويتجدد الصراع بين الهند وباكستان على إقليم كشمير؛ ذلك الصراع الذي بدأ منذ سبعين عامًا بين الدولتين النوويتين.

وتحرم هذه الخطوة التي اتخذتها الهند الولاية من حق وضع القوانين الخاصة بها، كما أتاحت لأشخاصٍ مِن خارجها شراء ممتلكات هناك، وقطعت السلطات الاتصالات الهاتفية والإنترنت وبث التلفزيون في المنطقة منذ اتخاذها لهذا القرار، كما فرضت قيودًا على التنقل والتجمع؛ مما أجج الوضع مع باكستان، واستنفر الجهود الإقليمية والدولية لتفادي التصعيد العسكري في منطقة حدودية مدججة بالأسلحة النووية.

باكستان تندد بالقرار الهندي:

وكانت إسلام آباد مِن أولى العواصم التي نددت بالقرار الهندي، وقررت تخفيض العلاقات الدبلوماسية وإلغاء التجارة الثنائية؛ إضافة إلى رفع القضية إلى الأمم المتحدة، حيث جاءت قرارات باكستان بعد اجتماع لجنة الأمن القومي برئاسة رئيس الوزراء “عمران خان” ووزراء الداخلية، الخارجية والدفاع، الأمر الذي أسفر عن استدعاء السفير الباكستاني من نيودلهي وطرد السفير الهندي من إسلام آباد.

وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية أن إسلام آباد ستلجأ إلى كل الخيارات المتاحة للاعتراض على قرار الهند، حتى لو كلفها الأمر الدفاع عن حقوقها داخل المنظمة الأممية، وفي إطار المحكمة الجنائية الدولية من ناحية أخرى قامت إسلام آباد بتعليق التجارة مع الهند في إشارة إلى خفض مستوى التعاون بين البلدين، فضلًا عن استخدام كل القنوات المتاحة لإظهار حقيقة النظام العنصري الهندي، وانتهاكاته لحقوق الإنسان.

باكستان تلجأ إلى الأمم المتحدة:

طلبت باكستان من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الاجتماع لمناقشة قرار الهند إلغاء الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير التي لطالما كانت بؤرة ساخنة في الصراع بين الدولتين النوويتين.

ومن جانبه: ذكر رئيس الوزراء الباكستاني عمر خان في كلمة ألقاها أمام البرلمان الباكستاني: “سنقاتل من أجل ذلك في كل منتدى، ونفكر في كيفية إحالة الأمر إلى محكمة العدل الدولية، إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

وقال وزير الخارجية الباكستاني شاه مسعود قرشي في خطاب لمجلس الأمن اطلعت عليه ” وكالة رويترز”:

“باكستان لن تفعل ما يستفز صراعًا، لكن الهند لا يجب أن تعتقد خطأ أن ضبط النفس يشكِّل ضعفًا”.

وتابع: “إذا اختارت الهند مجددًا اللجوء لاستخدام القوة… ستضطر باكستان للرد دفاعًا عن النفس بكل قدراتها”، مضيفًا: إن باكستان تطلب عقد الاجتماع “بالنظر إلى التبعات الخطيرة”.

ولم يتضح بعد كيف سيكون رد المجلس على الطلب أو إن كانت هناك حاجة لأن تقدم إحدى الدول الأعضاء في المجلس طلبًا رسميًّا أولًا. وقالت باكستان: إن الصين تدعم الخطوة.

وجدير بالذكر: أن بولندا ترأس مجلس الأمن لشهر أغسطس، وقال وزير الخارجية البولندي جاسيك تشابوتوفيتش للصحفيين في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 13 أغسطس: “إن المجلس تلقى خطابًا من باكستان، وسيناقش الأمر ويتخذ القرار المناسب”.

فهل ينجح مجلس الأمن في حسم الصراع هذه المرة أم أن طبول الحرب عادت تقرع من جديدٍ لحسم الأمر بالقوة، وخاصة مع إعلان باكستان أنها ستضطر للرد بقوة؟!

التعليقات مغلقة.