fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

آسيان وصراع الشرق والغرب.. موقع آسيان في حسابات القوى الدولية في ظل تنافس ما بين الشرق والغرب على استقطاب التكتل خلال السنوات الأخيرة

64

آسيان وصراع الشرق والغرب.. موقع آسيان في حسابات القوى الدولية في ظل تنافس ما بين الشرق والغرب على استقطاب التكتل خلال السنوات الأخيرة

تسعى القِوَى الصاعدة والمهيمنة في الوقت الحالي إلى إحداث تغيير في بنية التحالفات والتكتلات الدولية؛ سواء أكانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية، عبر الإغراءات الاقتصادية والاستقطابات السياسية في ظل ما يشهده العالم من حرب باردة جديدة مستعرة ما بين الشرق والغرب، والتي يطمح الجانبان من خلالها إلى إعادة ترتيب النظام العالمي.

وتبرز رابطة دول جَنُوب شرق آسيا، المعروفة اختصارًا باسم (آسيان)، كأحد أهداف القِوَى الدولية المتصارعة لاستقطاب التكتل السياسي والاقتصادي إلى صفوفهم؛ في ظل ما حققته منظمة آسيان من نجاحات اقتصادية خلال العقود الأخيرة، مع بلوغ حجم الناتج المحلي الإجمالي نحو 3.65 تريليونات دولار أمريكي، إذ تُعد آسيان سادس أكبر اقتصاد في العالم.

وتسير المنظمة على خطى الاتحاد الأوروبي نحو تحقيق التكامل السياسي والاقتصادي، مما يمكنها من التحول إلى قِوَى مؤثرة في شرق آسيا؛ وفي ظل العلاقات الاقتصادية المتشابكة التي تجمع التكتل بروسيا والصين، إلى جانب الخلافات السياسية والأزمات المتجددة بين دول التكتل والصين، خاصة في بحر الصين الجنوبي، تقف منظمة آسيان أمام مفترق طرق سيحدد سياسة المنظمة في ظل الحرب الباردة الجديدة.

فما هي منظمة آسيان وطبيعة أهدافها؟ وكيف تسعى القِوَى الشرقية والغربية إلى استقطاب المنظمة في ظل التنافس المحتدم بين الجانبين؟ وما أبرز القضايا العالقة ما بين آسيان والصين؟ ومع احتدام الحرب الباردة الجديدة كيف تنظر آسيان إلى الصراع الدَّوْليّ الحالي؟ وكيف ستتعامل المنظمة مع الضغوطات الدولية من القِوَى الكبرى؟

يسلط مركز “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات، في هذا التقرير، عبر دراساته وتحليلاته المختلفة، الضوء على منظمة آسيان والتنافس الدَّوْليّ في ظل الحرب الباردة الجديدة وكيف ستتعامل المنظمة مع طبيعة صراع الاستقطاب بين الشرق والغرب؛ في هذه السطور الآتية.

منظمة آسيان وتأثيرها في شرق آسيا:

رابطة دول جَنُوب شرق آسيا، المعروفة اختصارًا باسم: (آسيان)، تُعد أحد التكتلات الدولية المهمة في القرن الحالي؛ إذ تضم في عضويتها نحو 12 دولة، وهي: السعودية، وإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وبروناي، وفيتنام، ولاوس، وبورما، وكمبوديا، والمغرب. وتهدف لتعزيز التعاون الحكومي الدَّوْليّ وتسهيل التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري والتعليمي والاجتماعي والثقافي بين أعضائه ودول منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتغطي مساحة التكتل نحو 4.5 ملايين كيلومتر مربع، ويقدر إجمالي عدد السكان بحوالي 668 مليون نسمة (الجزيرة).

وعُد الهدف الرئيسي لرابطة أمم جَنُوب شرق آسيا هو تسريع التوسع الاقتصادي، والذي من شأنه بعد ذلك تسريع التقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية. أما الأهداف الثانوية للرابطة فهي تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين على أساس سيادة القانون وميثاق الأمم المتحدة. وتوسعت أهداف المنظمة لتتجاوز القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بسبب وجود العديد من الدول الأعضاء التي لديها أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم.

فخلال عام 2003م، سارت آسيان على خطى الاتحاد الأوروبي من خلال اتخاذ قرار ببناء مجتمع آسيان الذي يتألف من ثلاث ركائز أساسية: مجتمع آسيان الأمني، والمجموعة الاقتصادية لرابطة أمم جَنُوب شرق آسيا، والمجتمع الاجتماعي والثقافي لرابطة أمم جَنُوب شرق آسيا.

وتعمل رابطة دول جَنُوب شرق آسيا بانتظام على إشراك دول أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وخارجها، وهي شريك رئيسي للأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون وتحالف المحيط الهادئ ودول مجلس التعاون الخليجي ودول السوق المشتركة الجنوبية ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ومنظمة التعاون الاقتصادي. وتحتفظ آسيان بشبكة عالمية من التحالفات وشركاء الحُوَار، ويعتبرها الكثيرون قوة عالمية ومركزًا للاتحاد والتعاون في آسيا والمحيط الهادئ، ومنظمة بارزة ومؤثرة.

وهي تشارك في العديد من الشؤون الدولية وتستضيف البعثات الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم. وأصبح نجاح المنظمة القوة الدافعة لإنشاء بعض أكبر التكتلات التجارية في التاريخ، مثل منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. وفي ظل ما حققته المنظمة من تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة وما تطمح لتحقيقه من تكامل سياسي واقتصادي مستقبلًا، يرى العديد من المراقبين أن آسيان ستؤدي دورًا محوريًا في رسم السياسات الإقليمية لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ إلى جانب اليابان والصين.

تنافس القِوَى الدولية لاستقطاب آسيان في ظل سياسات متعارضة من الأعضاء:

تواجه آسيان تدافعًا دوليًّا تزداد حدته في منطقة جَنُوب شرق آسيا، التي أصبحت نقطة ساخنة تلتقي فيها تيارات الحرب الباردة الجديدة وتشتدّ، بين المحور الصيني-الروسي-الكوري الشمالي من جهة، والمحور الأمريكي – الأسترالي – الغربي من جهة أخرى؛ فليست تايوان بعيدة عن الأطراف الشمالية لدول الرابطة، وكذلك شبه الجزيرة الكورية.

عبَّر الرئيس الإندونيسي “جوكو ويدودو” خلال قمة المنظمة عام 2023م عن ثقته في أن وحدة وتماسك رابطة آسيان، رغم الضغوطات وتنافس الاستقطاب، سيجعلها فاعلًا مركزيًّا في صناعة السلام والنمو الاقتصادي؛ خاصةً أن اقتصادات الدول الأعضاء تنمو بنسب أعلى من المعدلات العالمية، مما يجعلها المنطقة الاقتصادية الثالثة في العالم بعد الصين والهند. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).

ويبدو أن دول آسيان تتطلع إلى أن تصبح رابطتها أكثر تأثيرًا في التعامل مع التحديات الكبرى، وفي مقدمتها الحرب الباردة الجديدة؛ إلا أن ذلك يقابَل بسياسات متعارضة بين أعضاء المنظمة، ما بين تقارب مع الصين بدافع المصالح الاقتصادية المترابطة، كما هو الحال مع ماليزيا وسنغافورة، وما بين خلافات محتدمة، مثلما يحدث حاليًا بين الصين والفلبين.

تسعى دول آسيان إلى تطبيق جملة تصورات لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي تصورات تتلاقى مع رؤى آسيوية وغربية أخرى في بعض الأحيان، وتحمل الاصطلاح نفسه في مواجهة التمدد الصيني، ومن أبرز تطلعات الرابطة سعيها إلى إبقاء منطقتها خالية من السلاح النووي، بما في ذلك منع إبحار الغواصات النووية الصينية والغربية، والحفاظ عليها آمنة ومستقرة ومفتوحة للتواصل الاقتصادي مع جميع الدول، كما أكدت على ذلك وزيرة الخارجية الإندونيسية “ريتنو مرسودي” في وقت سابق.

ورغم التعاون الكبير بين الدول الأعضاء بالمنظمة، فإنه في بعض الأحيان تتحرك كل دولة بمعزل عن المنظمة. ولا تبدو دول آسيان على المسافة نفسها من أطراف التدافع الدَّوْليّ في منطقتهم؛ فالرئيس الفلبيني “فيرديناند ماركوس” قام بزيارة رسمية، هي الأولى لرئيس فلبيني إلى البيت الأبيض منذ نحو 10 سنوات، وبعث من هناك برسائل عديدة إلى بكين، مشيرًا إلى أن “القواعد التسع” التي تسمح للقوات الأمريكية باستخدامها في بلاده هي ضمن “خطوات دفاعية” ستكون مفيدة إن هوجمت تايوان، وهو الأقرب إلى واشنطن من بين دول آسيان.

ورغم تعهد الولايات المتحدة بالدفاع عن حليفتها منذ الاستقلال عنها قبل 72 عامًا، أكد ماركوس أن تلك القواعد ليست “لأعمال هجومية”، وأن واشنطن لم تطلب وضع منظومات تسلح معينة في الفلبين، كما لم تطلب منها المشاركة بقواتها في أي مواجهة تحدث بمضيق تايوان. وفي الوقت نفسه، تسعى الفلبين إلى ترتيب دوريات مشتركة في بحر جَنُوب الصين مع البحرية الأمريكية واليابانية والكورية الجنوبية والأسترالية، وتترقب في المقابل محادثات مع بكين بشأن حقوق صياديها الذين تضايقهم السفن الصينية، إلى جانب أي شراكات ممكنة في ثروات وموارد بحر جَنُوب الصين. (مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

ما يعكس العلاقات المتينة التي تجمع الفلبين والولايات المتحدة، في المقابل: أن دولًا أخرى؛ مثل: كمبوديا، تبدو أقرب في تحالفها السياسي والاقتصادي مع الصين، وهي الدولة الأكثر استقبالًا لمشاريع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية في العالم. والحال مشابه بالنسبة لميانمار القريبة من الصين، والعضو الأقرب عسكريًا إلى الاتحاد الروسي أيضًا من بين دول آسيان.

وبين المسارين، تسعى دول أخرى، مثل إندونيسيا وماليزيا، إلى البقاء على علاقة متوازنة مع القِوَى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية، يضاف إلى ذلك الهند. وفي هذا السياق، تتطلع سنغافورة إلى تعزيز موقعها بوصفها مركزًا للتجارة والملاحة والتمويل العالمي، وانخرطت مع البحرية الصينية في تدريبات مشتركة بنهاية أبريل ومطلع مايو 2023م، تزامنًا مع تدريبات فلبينية-أمريكية في بحر غرب الفلبين. وبعدها بأيام استضافت سنغافورة تدريبات هندية مع دول آسيان خلال الفترة من 2 إلى 8 مايو 2023م.

آسيان والجغرافيا الساخنة:

تجتمع دول آسيان على حد أدنى مشترك فيما يتعلق بسياستها الخارجية كتجمع إقليمي، مفاده: الانفتاح على الجميع والاستفادة من الجميع، دون الانزلاق إلى انحيازات أو اندفاعات تراها غالبية دول التجمع مضرة، دون أن يعني ذلك إغلاق الباب أمام بعض التباينات على صعيد المواقف الفردية لدول الرابطة.

لم تنجح واشنطن في زحزحة دول آسيان عن موقفها الجماعي المعلن حيال المِلَفّ الأوكراني؛ حيث بدا واضحًا للغاية أن دول الرابطة قد نجحت في أن تُنحي أي إشارات يمكن أن تشكل استفزازًا لكل من الصين أو روسيا في البيان الختامي لقمة الولايات المتحدة-آسيان خلال العام الأول من حرب أوكرانيا 2022م.

وعلى الرغم من ذلك، بات بحر الصين الجنوبي ساحة للتنافس إلى الحد الذي جعل بعض المراقبين يرونه إحدى أكثر النقاط اشتعالًا في ظل تنافس الحرب الباردة الجديدة، ليكون ساحة حرب فيما بعد بين القوة الصينية الصاعدة، وبين الولايات المتحدة وحلفائها. إذ تتجدد ما يمكن تسميته بمضايقات السفن في بحر الصين الجنوبي بين حين وآخر. ففي أغسطس 2023م، شهدت منطقة ريناي المرجانية في جزر سبراتلي، أو منطقة سكند توماس شول وفقًا للتعريف الصيني، مناوشات بين قوات خفر السواحل الصينية والفلبينية، بعد توجيه خفر السواحل الصينية مدفع مياه إلى سفن إعادة إمداد خفر السواحل الفلبينية في طريقها إلى توماس شول، محل النزاع بين البلدين، وهو حادث وصفته مانيلا بالمفرط والهجومي، واعتبرته بكين ممارسة لضبط النفس العقلاني. (المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية).

ولم تكن تلك الحادثة هي الأولى بين الصين والفلبين، بشكل عام تراوحت بين الحصار وتوجيه الليزر إلى أبراج المراقبة، وقد بدأت المناوشات بينهما حول السفينة محل الحادث منذ عام 1999م، حين رست سفينة حربية فلبينية تُدعى “سييرا مادري” في منطقة ريناي، وهو ما اعتبرته الصين أمرًا غير قانوني وطالبت السفينة بالانسحاب، لكن حتى الآن لم يتم تنفيذ الوعد بسحب تلك السفينة منذ ذلك الوقت، وباتت محل مناوشات بسبب السعي الأمريكي للتواجد بشكل أكبر هناك بحجة دعم الفلبين.

لكن في الوقت نفسه، غضّت الصين الطرف عن قيام الفلبين بتجديد الإمدادات لمشاة البحرية على متن السفينة، إلا أنها منعت تسليم المواد التي يمكنها إصلاح السفينة. وقد أُغرقت تلك السفينة عمدًا في العام ذاته 1999م، لإثبات حقوق الفلبين في تلك المنطقة من جزر سبراتلي، التي تطالب بها بكين أيضًا؛ إذ ترى بكين أن لها الحق في حوالي 80% من بحر الصين الجنوبي، فيما يُطلق عليه “خط القطاعات التسعة”، ويمتد من البر الصيني إلى المياه القريبة من كل من إندونيسيا وماليزيا وفيتنام وبروناي والفلبين.

وبالنسبة لحالة إطلاق المياه على السفن الفلبينية من جانب الصين، فقد سبق أن حدث مثيلها في نوفمبر من عام 2021م، وتمثّل الرد الفلبيني وقتها في استدعاء السفير الصيني بعد اتهام بكين بسلوك غير قانوني ومناورات خطيرة، وحازت الفلبين بعد ذلك دعم العديد من الدول، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وأستراليا.

وعلى الرغم من النقاط الخلافية والعلاقات المتأزمة إلى حد كبير بين الصين والفلبين تحديدًا، فإن منظمة آسيان ككل تسعى جاهدة إلى تحييد نفسها عن التنافس الدولي القائم في شرق آسيا. إذ لا يمكن الفصل بين خلافات بكين ومانيلا وبين الحرب الباردة الجديدة، إذ، وبحسب مراقبين، تسعى واشنطن لاستقطاب آسيان لتعزيز نفوذها في منطقة شرق آسيا لمواجهة الصين، وتقابل ذلك بدعم فيلبيني كبير، في حين تضغط آسيان لتهدئة محيطها الإقليمي الذي بات أحد النقاط الساخنة في الحرب الباردة الجديدة.

الاتحاد الروسي ومنظمة آسيان:

إن ما تواجهه منظمة آسيان من تنافس دولي وصراع محتدم لا يقتصر على الولايات المتحدة والصين فقط، بل إن العالم ككل يشهد حربًا باردة جديدة متعددة المجالات، تؤسس لتحالفات وتستقطب تكتلات لإدارة التنافس الدولي القائم حاليًا. وفي هذا الصدد، تدخل منظمة آسيان في صُلب الحسابات الروسية الخارجية، إذ شهدت المنطقة تحركات مكثفة من جانب موسكو، التي تهدف عبر هذه التحركات إلى توسيع نفوذها في تلك المنطقة ومحاولة الانفكاك من الحصار السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يسعى الغرب لفرضه عليها في ظل الصراع المحتدم بين موسكو وواشنطن.

فبعد الحرب الروسية الأوكرانية، عزّزت روسيا دبلوماسيتها مع دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأعضاء آسيان. وأظهرت موسكو مؤخرًا أنها ما تزال تتمتع بنفوذ هائل في تلك المنطقة؛ إذ امتنعت نصف دول جنوب شرق آسيا ومعظم دول جنوب آسيا وأغلب دول جزر المحيط الهادئ عن حضور قمة السلام بشأن أوكرانيا، التي عُقدت في سويسرا في منتصف يونيو 2024م؛ كما رفضت العديد من دول تلك المناطق التي حضرت القمة التوقيع على البيان المشترك للقمة، بما يُشير إلى استمرار العلاقات الروسية الجيدة مع تلك الدول، ولا سيما مع كون موسكو ما تزال موردًا رئيسيًا للأسلحة والنفط وأحد أهم الشركاء الاقتصاديين لتلك الدول.

ومن بين التحركات الروسية اللافتة لتعزيز التقارب مع دول منظمة آسيان أيضًا، زيارة “فلاديمير بوتين” إلى فيتنام، ولا سيما أنها تُعد أول زيارة له إلى هانوي منذ عام 2013م. وعلى الرغم من التعامل الحذر من فيتنام تجاه زيارة بوتين، خاصة في سياق علاقاتها المزدهرة مع الغرب، الذي تجلى في استقبال هانوي بعد زيارة بوتين بأيام المبعوث الأمريكي لشرق آسيا “دانيال كريتنبرينك” لمناقشة الشراكة بين الجانبين، فإن شراكة فيتنام مع روسيا، وخاصة على الجانب الأمني، تظل عاملًا حاسمًا في علاقات موسكو بمنظمة آسيان.

مستقبل منظمة آسيان في ظل الحرب الباردة الجديدة:

في ظل إدراك القوى الدولية المتصارعة أهمية ومحورية منظمة آسيان في منطقة شرق آسيا، فإن المنظمة باتت تقع في صُلب سياسات القوى العظمى تجاه شرق آسيا. ويمكن استنتاج محاولات الاستقطاب المستمرة بغطاء التعاون الاقتصادي من قبل القوى الكبرى. وبالنظر إلى طبيعة الاقتصاد العالمي المتداخلة والمتشابكة، فإن المنظمة تجمعها علاقات وشراكات اقتصادية متينة مع جميع الأطراف الكبرى (روسيا والصين والولايات المتحدة)، إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا.

لذلك تحاول المنظمة على المستوى الرسمي تحييد نفسها عن صراع الحرب الباردة الجديدة، غير أن ذلك يقابل بتباينات في سياسات الدول الأعضاء بالمنظمة. إذ إن نزاعات بحر الصين الجنوبي تُعد من أهم القضايا العالقة بين أعضاء آسيان والصين، وتشتمل تلك النزاعات على المطالبات الجزرية والبحرية بين عدة دول ذات سيادة في المنطقة، وهي سلطنة بروناي وجمهورية الصين الشعبية وتايوان وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وفيتنام، هذا إلى جانب مخاوف دول المنطقة من التقارب الصيني الكوري الشمالي الروسي.

فمعلوم رغبة تلك الدول في تأسيس تحالف لمواجهة الولايات المتحدة والقوى الغربية في شرق آسيا والمحيط الهندي والهادئ، ردًا على تحالفات الغرب في المنطقة، مثل كواد وأوكوس. وبالتالي فإن الصراع الجيوسياسي في المنطقة سيجبر آسيان على تغيير سياستها الخارجية الحيادية في ظل احتدام الحرب الباردة الجديدة، ويدفعها للتقارب مع الولايات المتحدة، نظرًا لمخاوف الدول الأعضاء بالمنظمة مما يسمونه السياسات الصينية التوسعية في بحر الصين الجنوبي.

الخلاصة:

– بالنظر إلى ما حققته منظمة آسيان من قفزة تنموية شاملة خلال العقد الأخير، مع تحقيق بعض دولها الأعضاء مستويات نمو اقتصادية قياسية خلال السنوات الأخيرة؛ هذا إلى جانب الموقع الجغرافي لدول المنظمة في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادي، والتي تُعد أحد أسخن مناطق العالم في ظل الحرب الباردة الجديدة؛ فإن القِوَى الدولية قد وضعت آسيان في صُلْب حساباتها وسياساتها الخارجية في منطقة شرق آسيا، ورغم محاولات المنظمة تحييد نفسها عن الصراع الدولي؛ إلا أن الموقع الجغرافي والعلاقات الاقتصادية المتشابكة، ستحتم على المنظمة إعادة رسم سياساتها الخارجية من جديد.

– بالنظر إلى محورية منظمة آسيان في منطقة شرق آسيا، وما حققته خلال العقود الأخيرة، وفي إطار مساعيها لتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي فيمَا بينها على غرار الاتحاد الأوروبي؛ فيبدوا أن آسيان باتت تُعد لاعبًا جديد في الاقتصاد العالمي، وهو ما يمكن ملاحظته في تكثيف التحركات السياسية والدبلوماسية من قبل قِوَى الشرق والغرب لتعزيز التعاون مع آسيان ومحاولة استقطاب المنظمة إلى دائرة الحرب الباردة الجديدة كونها تُعد محورية في منطقة شرق آسيا.

– على الرغم من الموقف الرسمي الحيادي لمنظمة آسيان تجاه صراعات الحرب الباردة الجديدة -سواء في شرق آسيا أو أوكرانيا أو غيرها من المناطق-؛ فإن التباينات الداخلية بين أعضاء المنظمة إزاء قضايا المنطقة، والشد والجذب بين أعضاء المنظمة من جهة، والصين من جهة أخرى في منطقة بحر الصين الجنوبي، يضعف من تمسك المنظمة الرسمي بحياديتها، وقد يدفع إلى تبني المنظمة لموقف يأتي في سياق إستراتيجية الولايات المتحدة في شرق آسيا؛ نظرًا لطبيعة العلاقات الفيتنامية الفلبينية الصينية المتأزمة في المنطقة.

المصادر:

الجزيرة

المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

الشرق الأوسط

التعليقات مغلقة.