fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الأمل المؤجل… التحديات والمعوقات تجاه اتفاق جوبا السوداني

54

الأمل المؤجل… التحديات والمعوقات تجاه اتفاق جوبا السوداني

 

فقضية السلام وإنهاء الحروب في السودان لطالما كانت على رأس أولويات ومطالب الثورة على المستوى الشعبي والسياسي خلال العامين الماضيين؛ ذلك أن السودان ظل يعيش حالة احتراب داخلي منذ سنوات استقلاله الأولى عام ١٩٥٦.

عملية الانتقال التي بدأت في البلاد هي حصيلة مقاومة مستمرة للسودانيين في مناطق النزاعات وخارجها، توّجتها الثورة الشعبية التي انطلقت في ديسمبر ٢٠١٨ وأدَّت الى سقوط نظام عمر البشير بعد ثلاثين عامًا من حكم عسكري إسلامي متشدد.

فلقد كان لسقوط نظام “البشير” سببًا مهمًّا في فتح آفاق جديدة لمفاوضات السلام، ففي سبتمبر 2019، خلال زيارة لجنوب السودان، اتفق رئيس الوزراء الانتقالي “عبد الله حمدوك” مع مجموعات التمرد الرئيسية على خارطة طريق، أو بالأحرى إعلان المبادئ، لوضع الأساس لاتفاق سلام قائم على عملية بناء الثقة.

بدأت المفاوضات بوساطة جنوب السودان، في 14 أكتوبر 2019، في سياق أكثر تعقيدًا، حيث تبنى فصيلان في الحركة الشعبية لتحرير السودان -من تحالف الجبهة الثورية- مواقف مختلفة.

فقد طالبت مجموعة “مالك عقار” بمزيد من الاستقلال والحكم الذاتي في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بينما أكَّد فصيل “عبد العزيز الحلو” أن الدستور السوداني لا ينبغي أن يقوم على الشريعة الإسلامية، فضلًا عن ضرورة تسريح الميليشيات المسلحة التي تأسست في عهد “البشير”، وأن تعكس هياكل السلطة مشاركة أوسع للمجتمعات المحلية، على أن العقبة الرئيسية تمثَّلت في إصرار جناح “عبد العزيز الحلو” على إدراج حق تقرير المصير في أجندة المباحثات في حال رفضت الحكومة السودانية فكرة إقامة دولة علمانية.

علاوة على ذلك: أدت عواقب حالة الطوارئ الصحية جراء جائحة كوفيد -19 إلى إبطاء وتيرة المفاوضات بين الحكومة والجبهة الثورية؛ مما دفعهما للاتفاق على تمديد الإطار الزمني للتفاوض لمناقشة الوضع الأمني وترتيبات تقاسم السلطة وتوزيع الثروة في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ودارفور.

وقد طالبت الحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل مالك عقار بإنشاء مجلس للحرية الدينية لمنع التمييز على أساس الانتماء الديني في البلاد، كما دعت إلى منح مزيدٍ من الحكم الذاتي للنيل الأزرق وجنوب كردفان، مع إمكانية حق التشريع في قوانين خاصة بالمنطقتين.

بيد أن الخرطوم -في المقابل- تحث ممثلي الجبهة الثورية على قبول نظام فيدرالي له سلطة كبيرة على الأقاليم، وفي أواخر أغسطس 2020، وقّعت الحكومة الانتقالية السودانية اتفاق جوبا للسلام بالأحرف الأولى مع تحالف الجبهة الثورية السودانية، ولا سيما حركة العدل والمساواة‎ بزعامة “جبريل إبراهيم”، ‎والحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال فصيل مالك عقار، والحركة الشعبية لتحرير السودان- فصيل ميني مناوي‎.‎

ولسوء الحظ، لم يوقع عليها فصيل الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال بقيادة عبد العزيز الحلو الذي يتمتع بنفوذ في جنوب كردفان وأجزاء من ولاية النيل الأزرق، كما أن التيار الرئيسي لحركة تحرير السودان في دارفور، بقيادة “عبد الواحد نور” لم يؤيد الاتفاق، ويرفض تمامًا المشاركة في العملية السلمية في ظل السياق الحالي.

أمل جديد:

بعد أشهر من المفاوضات الصعبة بين ممثلي الحكومة الانتقالية في الخرطوم والجبهة الثورية، وهي تحالف عريض يضم عددًا من القوى السياسية والفصائل المسلحة، تم توقيع اتفاقية في 31 آب/ أغسطس 2020، بمدينة جوبا، عاصمة دولة جنوب السُّودان، تناولت قضايا قومية، تخص السودان ككل، واتفاقيات تخص أقاليم بعينها.

ونظرًا إلى تعدد الحركات الموقعة على الاتفاقية واختلاف أجندتها السياسية ومطالبها الجهوية، اتفقت الأطراف على إنشاء خمسة مسارات جهوية للتفاوض المنفرد، مراعاةً لخصوصية كل مسار ومشكلاته.

وتشمل المسارات الخمسة مسار دارفور (حركة العدل والمساواة، وجيش تحرير السُّودان، وتحرير السُّودان – المجلس الانتقالي، وتجمع قوى تحرير السُّودان)، ومسار الشرق (مؤتمر البجة المعارض)، ومسار الشمال (كيان الشمال وحركة تحرير كوش السُّودانية)، ومسار الوسط (الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض)، ومسار النيل الأزرق وجنوب كردفان (الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال)(1).

أهم بنود اتفاقية السلام السودانية:

نصَّت اتفاقية السلام الموقَّعة بين الحكومة الانتقالية في السودان والفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء: «الجبهة الثورية»، على 8 بروتوكولات، تتعلق بالعدالة الانتقالية والتعويضات، وملكية الأرض، وتطوير قطاع المراعي والرعي، وتقاسم الثروة والسلطة، وعودة اللاجئين والنازحين، وهنا أهم تفاصيلها:

1- منح الجبهة الثورية 3 مقاعد في مجلس السيادة الانتقالي، و5 وزراء في الحكومة التنفيذية، إلى جانب 75 مقعدًا في البرلمان الانتقالي.

2- تمديد الفترة الانتقالية 39 شهرًا، تسري بالتوقيع النهائي للسلام.

3- دمج مقاتلي الحركات المسلحة في الجيش السوداني على 3 مراحل، تنتهي بانقضاء أجل الفترة الانتقالية.

4- منح 40 في المائة من السلطة في إقليم دارفور لمكونات مسار دارفور، و30 في المائة إلى مكونات السلطة الانتقالية، و10 في المائة لحركات دارفور الموقعة على هذا الاتفاق، و20 في المائة من السلطة لأهل المصلحة، وتم تخصيص 20 في المائة من الوظائف في الخدمة المدنية والسلطة القضائية والنيابة العامة والسفراء للجبهة الثورية.

5- استثنى الاتفاق قادة الحركات المسلحة من المادة 20 بالوثيقة الدستورية التي تحرم كل من شغل منصبًا في السلطة الانتقالية من الترشح في الانتخابات المقبلة.

6- من أبرز الحركات المسلحة الموقعة: حركة العدل والمساواة، التي يقودها جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان، بزعامة مني أركو مناوي، الحركة الشعبية شمال، بقيادة مالك عقار، بجانب فصائل أخرى صغيرة منضوية في تحالف الجبهة الثورية.

7- وغاب عن التوقيع كل من الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور(2).

أبرز الموقعين على الاتفاق:

كانت أبرز الحركات الموقعة على الاتفاق والمنضوية تحت راية الجبهة الثورية هي حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان بزعامة منى أركومناوي، والحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، إلى جانب فصائل أخرى صغيرة ضمن الجبهة الثورية.

وقد وقَّعت عدة دول ضامنة على الاتفاق، وهي: تشاد، ومصر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، ومندوب عن الاتحاد الإفريقي، ومندوب عن الاتحاد الأوروبي، ومندوب عن الأمم المتحدة، وذلك بهدف إضفاء جدية وثقة هذه الأطراف في أهمية الاتفاق، وضرورة الالتزام في تطبيقه بمواده نصًّا وروحًا لبناء الثقة بين الأطراف السودانية وتشجيع الحركات الأخرى التي لم تنضم إلى الاتفاق إلى الانضمام لعملية السلام، وتحقيق الأمن والاستقرار في السودان من أجل إعادة اللاجئين والنازحين وإعادة الإعمار.

وقد أكَّد رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك: أن الاتفاق ليس لاقتسام السلطة، ونوه بأهمية السلام لتحقيق التنمية المستدامة والديمقراطية، ودعا الحركات المسلحة السودانية الأخرى للحاق بعملية السلام، وأن حكومته ناقشت معهم كل القضايا.

وهو نفس النداء الذي وجَّهه رئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت لهم، وأشار إلى الصعوبات التي تكتنف تطبيق اتفاق السلام السوداني التاريخي.

ودعا نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى تطبيق الاتفاق على أرض الواقع؛ لأنه سيوقف الحرب ويحقق السلام والعدالة، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة السودانية قد دمرت مؤخرًا ما يزيد على 300 ألف قطعة سلاح جمعتها قوات الجيش في إطار حملة مصادرة السلاح غير القانوني في السودان؛ لأنه يهدد كيان الدولة، وأضعف دور الجيش وبقية المؤسسات الأمنية، وجعل الدولة في بعض الأحيان تحت رحمة الجماعات الإرهابية. وإن إجراء تدمير الأسلحة غير الشرعية مكمل لعملية السلام في السودان.

المتغيبين عن الاتفاق:

وغاب عن توقيع اتفاق السلام السوداني حركات مسلحة ذات وزن كبير، أبرزها: الحركة الشعبية بزعامة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور الذي يقيم في فرنسا، وقد أدلى بحديث لجريدة الشرق الأوسط عقب توقيع الاتفاق تناول فيه عدة نقاط، أهمها:

  • لا يريد وظيفة أن يكون وزيرًا أو سفيرًا، وإنما يريد سلامًا مستدامًا يخاطب جذور المشكلة ولا يعمقها، وأن العسكريين والمدنيين اختطفوا الثورة، وفرضوا عليه وحركته سياسة الأمر الواقع، وهو يرفض ذلك.
  • أن المفاوضات بين الحكومة والمعارضة تنتهي دائمًا بتقاسم السلطة، وأن هذه هي أزمة السودان؛ لأن ذلك ليس حلًّا للمشكلة، وإنما حل مشكلة المختصين، وهي الطريقة المتبعة منذ الاستقلال 1956.
  • ترى حركته: أن السودان دولة غير مؤسسية سيطر فيها الجيش على السلطة على مدى خمسة عقود وظل يحارب الجنوبيين إلى أن حدث الانفصال، كما حارب المواطنين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وسلحت حكومة البشير الميليشيات المعروفة بالجنجويد في دارفور، وغيرها من الميليشيات، فعاثت فسادًا وقتلًا.
  • إنه لكي يكون هناك سلام دائم يتعين أن يسود الأمن ونزع أسلحة الميليشيات والقبائل، وإعادة القبائل التي طُردت من أرضها وإبعاد المستوطنين الجدد، ومنح هذه القبائل التعويضات الجماعية والفردية، وتسليم المجرمين للعدالة الجنائية.
  • ضرورة تدارك الأسباب التي تدعو الناس إلى حمل السلاح، وتجنيب أسباب الحرب ووضع الحلول، وبحث: لماذا يمتلك السودان كل مقومات الاقتصاد من أراضٍ زراعية، وموارد مائية، ومناخات متعددة، ويفترض أن يكون سلة غذاء في المنطقة، ومع ذلك يعاني من المجاعة، ويسجِّل تراجعًا اقتصاديًّا مستمرًا؟!
  • التمسك بالسودان الموحد، وأن دارفور يمثِّل نحو نصف مساحة السودان، مع إزالة الأسباب التي تجعل الناس يفكرون في حق تقرير المصير.
  • فصل الدين عن الدولة، وأن يكون السودان علمانيًّا ديمقراطيًّا.
  • طرح برنامج لحكومة انتقالية من شخصيات مستقلة، وليست حكومة محاصصات حزبية كما تم الآن.
  • وضع خطة عاجلة تحقق أولويات المواطن في الحياة الكريمة، وتعالج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية؛ وإلا فسيستمر تدوير الأزمة.
  • أن الاتفاقية التي وقعت في جوبا في الثالث من أكتوبر 2020 تكرار لاتفاقيات أبوجا والدوحة وغيرها، وأن الاتفاق رقم 47، وأن كل مجموعة تحمل السلاح تأتي لتبحث عن محاصصة في الحكم دون النظر لقضية المواطن السوداني، ودون بحث أسباب حمل الناس للسلاح(3).

على الرغم من وجود خطوات في طريق بناء السلام جديرة بالثناء ويجب تشجيعها، فإن السودان يشكل بيئة معقدة بشكل هائل مع وجود عشرات الفصائل والمليشيات المسلحة التي تدفع باتجاه عسكرة المجتمع. والتحدي الأكبر يتمثل في تمويل السلام، وعلينا أن نتذكر أنه إذا كانت الحرب مكلفة، فإن للسلام أيضًا كلفته ومتطلباته.

بلغة الاقتصاد: يجب توفير موارد كبيرة لمعالجة قضايا التعويضات، وإعادة التوطين والتسريح وإعادة الإدماج؛ بالإضافة إلى تقديم الخدمات الأساسية وَفْقًا لنصوص اتفاق جوبا للسلام، على أن توفير الموارد اللازمة يمثل تحديًا لن تتمكن الحكومة الانتقالية من التعامل معه بمفردها.

ولعل ذلك هو المغزى من وراء تشكيل بعثة أممية بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا.

ومع ذلك، فإن جهود الشركاء الدوليين لن تكون كافية لوضع الاقتصاد الوطني على مسار التنمية المستدامة، فيجب أن تكون هذه الجهود الدولية والإقليمية مصحوبة بوجود مؤسسات فعالة ذات مستويات عالية من القدرات البشرية والتكنولوجية، ولا يخفى أن ثلاثين عامًا من حكم الإخوان المسلمين قد شكلت في نهاية المطاف مؤسسات عفا عليها الزمن في السودان تعاني من عدم الكفاءة، ناهيك عن انتشار الفساد والمحسوبية.

وعليه، فإن رؤى صنع السلام في السودان بحاجة إلى أن يكون الإصلاح المؤسسي متزامنًا لأوجه الإصلاح الأخرى، سواء في المجال: السياسي والأمني أو الاقتصادي.

فرصة للسلام:

عادل شالوكا، أحد قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي في جبال النوبة والنيل الأزرق، رأى أن أحد أهم أسباب تعثر الاتفاق مع الحكومة هو النقاش حول قضية علاقة الدين بالدولة، ويفسر شالوكا جوهر المشكلة قائلًا: “تطرح الحركة الشعبية ضرورة إقرار مبدأ العلمانية وفصل الدين عن الدولة، والحكومة الانتقالية تقول: إنها متفقة على المبدأ، ولكن يجب البحث عن صيغة أخرى غير هذه الصيغة. نحن من جانبنا نرى أن أي ضبابية في الصياغة يجعل مبدأ العلمانية غير ملزمًا قانونيًّا في الدستور الدائم من حيث تحديد طبيعة الدولة والقوانين.”

أما في إقليم دارفور فقد بقيت حركة تحرير السودان خارج طاولة المفاوضات منذ بداية العملية السلمية. ويوضِّح عبد الحليم عثمان بابكر القيادي بالحركة أسباب امتناعها عن الدخول في عملية السلام الجارية بقوله: “إن حركة جيش تحرير السودان لا تشترط شروط معينة، إنما هنالك ظروف موضوعية لازمة الحدوث أولًا حتى يتثنى لنا كسودانيين الدخول في حوار أفقي موسَّع يتركز في جذور الأزمة السودانية، ووضع حلول ناجعة وتطبيقها وَفْق معايير مطابقة للقالب السوداني الحقيقي. وهذه تحتاج إلى إرادة وطنية خالصة.”

وعلَّق التعايشي عضو مجلس السيادة على تعثر إبرام الحكومة لاتفاق مع بقية الحركات المسلحة قائلًا: “تحديات إكمال السلام مع الحركة الشعبية يحتاج لمزيدٍ من التحاور لاتخاذ قرارات سياسية والتوافق على كيفية معالجة القضايا التي تطرحها الحركة، والتي تتعلق بعلاقة الدين بالدولة واتخاذ منبر التفاوض كإحدى آليات صناعة الدستور، ليتم التوقيع على إعلان المبادئ ومِن ثَمَّ التوافق على الملف السياسي والإنساني والأمني”.

وأضاف التعايشي: أنه بالنسبة لحركة جيش تحرير السودان “فهي لم تأتِ إلى طاولة مفاوضات السلام، وتبشر بمبادرة سلام في الداخل، ولكن الى الآن لم تطرح للحكومة أو الرأي العام.”

ولكنه أكّد: “أنه رغم كل هذه التحديات هناك فرصة للسودانيين، لتحقيق سلام عادل وشامل يضع الحصان أمام العربة لينطلق قطار التنمية بالسودان”(4) .

تحديات تطبيق اتفاق السلام:

1-  ضعف الحكومة الانتقالية: على الرغم من أهمية اتفاق جوبا؛ إلا أن تحويله إلى واقع ملموس على الأرض سوف يواجه -يقينًا- العديد من التحديات الجسام؛ نظرًا لهشاشة الحكومة الانتقالية المدنية والعسكرية، وانعدام الثقة والتنافس بين الحركات الموقعة وبعض الأحزاب السياسية.

أضف إلى ذلك: تزايد انعدام الأمن في أجزاء كثيرة من البلاد نتيجة وجود الميليشيات المسلحة، والعنف القبلي، وانتشار الأسلحة، ومؤامرات بعض عناصر النظام السابق.

ومن المحتمل أيضًا: أن تكون هناك مقاومة من قبل بعض المجموعات المسلحة التي استولت على الأراضي غصبًا، ويرون أن مصالحهم مهددة.

2-  الأزمة الاقتصادية وشحّ الموارد: في ظل واقع الانهيار الاقتصادي بسبب سوء الإدارة الاقتصادية من قبل نظام “البشير”، وفيروس كوفيد – 19، والفيضانات غير المسبوقة؛ فإن مسألة الحصول على موارد لتنفيذ اتفاق السلام تصبح بعيدة المنال، وتتجاوز بكثير إمكانيات حكومة السودان التي تعاني من ضائقة مالية؛ لذلك يتطلب التنفيذ دعمًا مستدامًا وسخيًّا من شركاء السودان الإقليميين والدوليين، بما في ذلك شطب السودان من القائمة الأمريكية الخاصة بالدول الراعية للإرهاب، بما يفتح الطريق أمام تخفيف الديون، والحصول على قروض ميسرة، والاستثمار الأجنبي على نطاق واسع.

3-  تسريح ودمج قوات المتمردين: ربما تقدم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان المنشأة حديثًا بعض المساعدة في هذا الصدد، لكن تظل تكاليف تسريح أو دمج آلاف المقاتلين المتمردين في القوات النظامية بحاجة إلى تمويل ضخم.

ومن المرجّح أيضًا: أن تكون عملية دمج المقاتلين المتمردين وتسريحهم صعبة، ولا تزال الترتيبات الأمنية الموقّعة في جوبا تلتزم الصمت بشأن الجوانب الحاسمة، مثل: عدد الأفراد الذين يمكن لكل جماعة مسلحة أن تدعي بشكل مشروع أنها تنتمي لها، أو نسبة المقاتلين الذين سيتم تسريحهم بدلًا من دمجهم، وربما يسعى قادة المتمردين الذين يرغبون في الاستفادة من قوتهم العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية إلى تضخيم أعدادهم وتقليل حجم التسريح، وهنا يمكن للصفقة أن تعيد إنتاج عيوب اتفاقيات السلام السودانية السابقة، حيث إنها أفضت إلى إنشاء جهاز أمني وعسكري متضخم ومجزأ، في الوقت الذي كان ينبغي العمل فيه على تقليل الإنفاق العسكري.

4-   صراعات النخب الحاكمة والانقسام المدني العسكري: من شأن تطبيق اتفاق جوبا أن يُحدث تحولًا في ميزان القوى الوطني بعيدًا عن تأثير النخب من مناطق القبائل النهرية التي كانت لها الهيمنة طوال مرحلة ما بعد الاستقلال.

إن وجود الجبهة الثورية السودانية سوف يغير من قواعد اللعبة السياسية المجزأة بالفعل، وقد يؤدي التنافس على النفوذ إلى قيام تحالف قوى الحرية والتغيير -الذي تهيمن عليه النخب النهرية بدعم الحكومة المدنية– في حين تذهب الجبهة الثورية التي تثق أكثر بالعسكريين إلى التحالف مع الجنرال “محمد حمدان حميدتي”، ولا يخفى أن بروز الانقسام الإقليمي في المرحلة الانتقالية، سوف يؤدي إلى تعثر عملية التحول الديمقراطي.

ومن المرجح: أن الجبهة الثورية تفضِّل التعامل مع الجنرالات الذين يعتبرون أصحاب السلطة الحقيقية في المؤسسات الانتقالية، بدلًا من قوى الحرية والتغيير أو الأطراف المدنية في الحكومة، ويلاحظ أن اتفاق جوبا يمنح بالفعل “المجلس الأعلى المشترك” المؤلف من الجيش والمخابرات والشرطة وقادة الجماعات المسلحة سلطة تنفيذ الترتيبات الأمنية في دارفور، وهو ما يعني استبعاد المدنيين‎.‎

5-  تزايد حدة العنف القبلي: لم تعالج اتفاقية جوبا للسلام العنف الذي اندلع بكثافة أكبر في جميع أنحاء أطراف السودان منذ عام 2019، ويُعزَى معظم هذا العنف إلى تحريض المجتمعات ضد بعضها بعضًا، وغالبًا ما تتورط فصائل من القوات العسكرية وشبه العسكرية. على سبيل المثال: في جنوب كردفان أدَّت التوترات الطائفية إلى اشتباكات بين وحدة من الجيش يهيمن عليها النوبة وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي يأتي منتسبوها من بين صفوف عرب الأبالة الرعاة.

وفي الشرق، المنطقة التي ظلت مستقرة في العقد الأخير من حكم “البشير”، اشتبك أهالي هدندوة مع أبناء البني عامر، وعلى الرغم من أن بعض بنود الصفقة المتعلقة بحيازة الأراضي والتعويضات يمكن -من حيث المبدأ- أن تعالج بعض العوامل الكامنة وراء هذه النزاعات؛ فإن تهدئة التوترات المحلية تحتاج إلى استثمار بعيد المدى في عملية صنع السلام.

6- غياب بعض قادة التمرد: لم يوقّع على اتفاق جوبا كلُّ من “عبد العزيز الحلو” و”عبد الواحد نور” اللذان يسيطران بالفعل على أراضٍ داخل السودان.

إن “نور” الذي يقيم بالخارج، يرأس فرعًا من جيش تحرير السودان يسيطر على أجزاء من جبل مرة في دارفور، ويحظى بدعم واسع في أوساط النازحين من دارفور، وعلى الرغم من أن رئيس الفرع الأكبر للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال “عبد العزيز الحلو” الذي تسيطر قواته على مساحات شاسعة من جنوب كردفان ومناطق في النيل الأزرق، لم يوقِّع على اتفاق جوبا؛ إلا أنه وقّع اتفاقًا منفصلًا في 3 سبتمبر مع رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك”، وهو ما مهَّد الطريق لمحادثات جديدة. ولا شك أن مشاركة جميع فصائل التمرد في العملية السلمية تمثِّل ضمانة أساسية لتحقيق السلام(5).

المبعوث الأمريكي: اتفاق جوبا للسلام يضمن المحاسبة فيما شهده السودان من جرائم:

أكد المبعوث الأمريكي الخاص للسودان وجنوب السودان، دونالد بوث، على أهمية اتفاق جوبا للسلام، وبحسب “العربية”، قال المبعوث الأمريكي: إن اتفاق جوبا للسلام جوهري في إسكات صوت البنادق.

وأضاف المبعوث الأمريكي: إن اتفاق جوبا يضمن المحاسبة فيما شهده السودان من جرائم.

وتابع المبعوث الأمريكي: إن  الشركاء الدوليين سيقدمون كل مساعدة ممكنة للسودانيين.

وذكر مجلس الوزراء السوداني في بيان: أنه مِن شأن هذا التوقيع أن يزيد من حجم الدعم الدولي لإنجاح عملية تنفيذ الاتفاق والالتزام بما جاء به من نصوص وواجبات(6).

الطريق إلى المستقبل:

إذا خلصت النوايا وتم تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام بشكلٍ صحيحٍ، فإنها تعتبر خطوة أولى رئيسية نحو بناء “سودان جديد” طالما حلم به الراحل “جون قرنق” ورفاقه؛ وطن يقوم على السلام والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية.

والتحديات الرئيسية حول ما إذا كان بإمكان السودانيين طي صفحة الماضي الأليم، تتمثل فيما إذا كان بإمكان الحركات الموقِّعة والقوى الثورية الأخرى أن تمضي قدمًا لتقديم مكاسب السلام لضحايا النزاعات والصراعات في السودان، وتبني نهج الإدماج بدلًا من القبلية والانتماء السياسي الضيق؛ إضافة إلى قيام الحركات المسلحة المتبقية بإلقاء سلاحها وبدء مفاوضات جادة من أجل سلام شامل، ويدعم ذلك جهد مخلص من المجتمع الدولي.

يقينًا يمثِّل اتفاق جوبا علامة فارقة في تاريخ العملية السلمية في السودان، ولكن لا تزال هناك عقبات كبيرة في طريق تنفيذه.

وهنا تكمن أهمية دور الطرف الثالث الذي تقوده جنوب السودان وأعضاء منتدى السلام السوداني، والهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا (إيجاد)، والإمارات العربية المتحدة، والأمم المتحدة، وغيرها من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة.

1_ سونا وكالة الأنباء السودانية

2_ الشرق الأوسط

3_ الشروق

4_ opendemocracy

5_ المستقبل

6_ صدى البلد

التعليقات مغلقة.