fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مستقبل الحرب في السودان بين بوادر التقسيم والمساومة

73

مستقبل الحرب في السودان بين بوادر التقسيم والمساومة

تعيش السودان عامة حالة من الإرهاب والجريمة المنظمة، ودارفور خاصة هلع ورعب غير مسبوق؛ حتى إن بعض المراقبين يخشون من انزلاق إقليم دارفور إلى فوضى وحرب أهلية إثر اتهام حاكم الإقليم ورئيس حركة تحرير السودان أركو مناوي، قوات الدعم السريع بالتخطيط لإنشاء دولة في المنطقة وفرض أمر واقع فيها، إثر إعلان قبيلة الزغاوة انحيازها للجيش لمقاتلة الدعم السريع.

تكوين إقليم دارفور:

يتكون إقليم دارفور من قبائل عربية وأخرى غير عربية، أشهرها المساليت، توجد بينهم معارك وثارات قديمة تتجدد كلما ضعفت مؤسسات الدولة المركزية، وأكبرها الحرب الواسعة التي أحرقت الإقليم في عام 2003.

ومع نشوب الصراع المسلح بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، 15 إبريل 2023 تفرَّق تأييد القبائل بين هذا وذاك وفق حسابات عرقية ومصالح قبلية ومناطقية.

ورغم أن الصراع كان محصورًا في البداية في العاصمة الخرطوم؛ إلا أنه مع طول أمده امتدت نيرانه إلى دارفور، وخاصة في مدينة الجنينة ونيالا، وسط تبادل اتهامات بين القبائل عربية وغير عربية بارتكاب جرائم وانتهاكات ضد بعضها.

وجاءت هذه المخاوف بالتزامن مع دعوة زعماء أكبر 7 قبائل عربية في إقليم دارفور، غرب السودان، لأفراد قبائلهم إلى الانضمام لقوات الدعم السريع، هذا الاتجاه قد يرفع بشدة منسوب العنف خلال الحرب الدائرة إن تمت الاستجابة لدعوتهم.

وجاءت دعوة الزعماء في مقطع فيديو، يظهرون فيه، وهم يطالبون كذلك المتواجدين في صفوف الجيش لتركه، والانتقال للمعسكر الآخر؛ ما يهدد بتقسيم الجيش وإشعال حرب أهلية واسعة، وفق تحذيرات باحثين سياسيين سودانيين(1).

إعلان دقلو السيطرة على جميع ولايات السودان:

أعلن نائب قائد قوات «الدعم السريع»، عبد الرحيم دقلو، أن قواته تتحرك للسيطرة على جميع ولايات السودان وجميع مواقع الجيش في البلاد، في مقطع فيديو، نشره على منصة «إكس»، مشيرًا إلى أن عناصر من قواته اتجهت إلى الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، فيما تقاتل أخرى في الجنينة عاصمة غرب دارفور، والضعين بولاية شرق دارفور؛ إضافة قتال يدور حول القيادة العامة للجيش في الخرطوم.

ودعا دقلو، قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، للاستسلام، وهاجمه بالقول: «لم يتبقَّ لك شيء… لا يوجد جيش يقاتل. أنتم الآن تدافعون في القيادة العامة من داخل البيدروم، ويوميًّا نحن متقدمون وسنتسلمها منكم»(2).

الدعم السريع يشكل الإدارة المدنية لإدارة شؤون الحكم في ولاية الجزيرة:

علي نحو غير متوقع، شكلت قوات الدعم السريع ما سمته الإدارة المدنية لإدارة شؤون الحكم في ولاية الجزيرة، والتي سيطرت عليها.

وقالت في بيان: إن الإدارة الجديدة ستعمل على توفير الخدمات الأساسية وحماية المدنيين، وذلك بالتنسيق معها.

واكتفت قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان دقلو بتعيين قادة عسكريين في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، ومن بينهم القائد أبو عاقلة محمد أحمد كيكل الذي تم تنصيبه في ولاية الجزيرة بعد أسبوع من السيطرة عليها، ولكنها الآن عينت إدارة مدنية برئاسة صديق محمد ومجموعة من الأشخاص الذين وصفتهم بالمنتخبين من قبل الإدارة الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في الولاية التي تقع في وسط السودان(3).

مخاوف من تقسيم السودان:

تسري مخاوف في أوساط كبيرة لدي السودانيين من أن تؤدي الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى تقسيم البلاد على غرار ما حدث في بعض الدول العربية؛ خاصة وأن خريطة السيطرة الميدانية تشير إلى تقاسم الطرفين للخريطة.

 فالجيش يسيطر على أجزاء كبيرة من مدينة أم درمان إحدى مدن العاصمة الثلاث بالإضافة إلى ولايات سنار والقضارف وكسلا والشمالية ونهر النيل والبحر الأحمر، فيما تبسط قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينتي الخرطوم وبحري وأربع من ولايات دارفور الخمسة، وأجزاء من ولايات كردفان الكبرى.

وازدادت هذه المخاوف بشكل ملحوظ بعد تشكيل الإدارة المدنية من قبل قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة في منتصف مارس / آذار الحالي.

غير أن مسؤولًا بارزًا في قيادة قوات الدعم السريع نفى أن تكون هناك نية في تقسيم البلاد أو الاتجاه لفصل إقليم دارفور عن بقية أجزاء البلاد. وقال بعد اشترط حجب هويته لحساسية موقعه: إن “الدعم السريع يريد دولة موحدة خالية من الإسلاميين الذين أفقروا البلاد ونحن لن نتجه لفصل دارفور أو أي إقليم ونحن متمسكون بسيادة البلاد ووحدتها”(4).

بعد خسارة بعض مصالحها في الساحل الإفريقي أمريكا المتهم الأول:

ولا شك في أن القوى الغربية العالمية تعمل على زعزعة البلاد واستقرار أمنها، لخلق بيئة خصبة لها في البلاد المنهكة والمنهارة دون عناء، وبالتالي لماذا لا يكون ما يحدث في السودان مدعومًا من الدل الغربية؛ خاصة وبعد خسارة الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها في بعض دول الساحل الإفريقي، وبالتالي تريد الولايات المتحدة موطئ قدم في السودان لتعويض خسارتها.

ورقة مساومة:

في المقابل، يرى البعض أن قيادة الدعم السريع تريد السيطرة على كامل إقليم دارفور لاستخدامه ورقة مساومة في أي مفاوضات مع الجيش للعودة للسلطة في الخرطوم وضمان مستقبل سياسي وعسكري، وليس فصل الإقليم لإقامة دولة؛ لأن هذه القيادة تدرك أن تركيبة الإقليم الإثنية معقدة ولن تستطيع مجموعة قبلية أن تفرض أمرًا واقعًا على أكثر من 90 إثنية.

كما أن ولاية شمال دارفور التي تسعى قوات الدعم للسيطرة على عاصمتها، تُعد معقلًا لفصائل عسكرية وتحمل رمزية سياسية واجتماعية لها وستستميت -مع الجيش- في الدفاع عنها خصوصًا أنها تمتلك مقاتلين لديهم قدرات قتالية وخبرات عسكرية اكتسبوها خلال فترة الحرب التي استمرت نحو 20 عامًا.

ومن المستبعد بحسب بعض الخبراء انحدار الإقليم في حرب أهلية؛ لأنه لا يوجد طرف سيحقق مكاسب من ذلك، وتوقع خريطة جديدة للتحالفات في دارفور تفرزها التطورات العسكرية والسياسية، يمكن أن تفرض واقعًا جديدًا في الإقليم(5).

الوضع في دارفور:

فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على مليط في 14 إبريل 2024 ، بعد معارك ضارية مع القوة المشتركة التي كانت تتواجد في المدينة، لتضع بذلك يدها على المناطق الواقعة شمال الفاشر، وذلك بعد أيام من اجتياحها القرى الواقعة غرب الفاشر، وهي حاضرة ولاية شمال دارفور والعاصمة التاريخية لإقليم دارفور.

وعلى ما يبدو فإن الفاشر مقبلة على معارك عنيفة جدًّا، بعد أن أوصل الجيش إمدادًا إلى قاعدته في المدينة عبر إنزال جوي واستعدادات القوة المشتركة، حيث ينظر الاثنان إلى المعارك المرتقبة على أنها وجودية تتعلق باستدامة تواجدهما في إقليم دارفور بأسره.

وتواصل قوات الدعم السريع تحشيد المزيد من المقاتلين، شرق الفاشر، لخوض معارك فاصلة في الفاشر ستحدد مصير إقليم دارفور السياسي والعسكري والإنساني، على الأقل في المدى القصير.

وتسيطر قوات الدعم السريع على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور، هي وسط وشرق وجنوب وغرب دارفور، حيث تبقى أمام الفاشر وبعض الجيوب الصغيرة لإحكام قبضتها على الإقليم، وإذا استطاعت حسم معارك الفاشر فإن دارفور ستكون دانت لها.

ولا يحتمل أن تكون محاولات قوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر سهلة على غرار المناطق الأخرى، نظرًا إلى إصرار القوة المشتركة على القتال وكذلك الجيش، باعتبار المدينة آخر معقل لهما في دارفور وإذا فقداه سيكون من الصعب استعادته.

وتتبع قوات الدعم السريع، منذ بداية اندلاع النزاع، طريقة واحدة في القتال تبدأ بحصار قواعد الجيش والمدن وقطع خطوط الإمدادات، يعقبها حدوث مناوشات بين الحين والآخر قبل تنفيذ هجوم شامل، وهي الطريقة ذاتها التي تتبعها حيال الوضع في الفاشر.

ورغم أن هذه الطريقة مكلفة إنسانيًّا للمدنيين بقطع إمدادات الغذاء عنهم وجعلهم في مرمى القصف المدفعي العشوائي؛ إلا أنها لم تكثرت يومًا لأوضاع السكان؛ لذا من غير المتوقع أن تتراجع عن خطة الهجوم على الفاشر، رغم دعوات الأمم المتحدة لتجنيب المدينة الصراع بعد أن أصبحت مركزًا إنسانيًّا لإقليم دارفور.

مآلات الأوضاع في دارفور:

يصعب التكهُّن بنتائج المعركة النهائية، وإزاء رغبة الدعم السريع في السيطرة على الفاشر، وعزم الجيش والحركات المتحالفة معه على الدفاع عنها، حيث تشير الدلائل إلى احتمال نجاح مساعي الدعم السريع في السيطرة على الوضع، لكن يمكن لغارات الطيران الحربي تعطيل هذه المساعي لأطول فترة ممكنة.

رمال تتحرك:

يشير بدء قوات الدعم السريع في تأسيس سلطة مدنية في مناطق دارفور الخاضعة لسيطرتها، واتخاذ قرارات إدارية بشأن مؤسسات الحكومة فيها، إلى مضيها قدمًا في ترسيخ وجودها في الإقليم، ما يجعل في حديث حاكمه مني أركو مناوي شيئًا من الصحة.

ومع ذلك، وإذا فرضت قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر في الفترة السابقة، واستطاعت تحسين علاقتها مع المكونات الاجتماعية وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، فإنها لا تملك إظهار تخطيطها لتأسيس دولة في دارفور؛ إلا إذا تلقت هزائم ساحقة في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة ومناطق كردفان الكبرى.

وبما أنه يستبعَد توقيع طرفَي النزاع اتفاق سلام في الفترة الماضية، حتى وإن رضخا لضغوط استئناف التفاوض الذي سيكون مثار شد وجذب مثلما حدث في السابق، فإن التطورات الميدانية كفيلة بتعزيز توجُّه الدعم السريع في تأسيس دولة منفصلة في دارفور قد تضمّ أجزاء من كردفان الكبرى.

صحيح أن طموح قوات الدعم السريع لا يكتفي بدارفور فقط، وهذا يظهر بوضوح من واقع انفتاحها وانتشارها خارج العاصمة الخرطوم التي بدأ فيها النزاع، كما ظل قادتها يهددون باجتياح مناطق وسط وشمال وشرق السودان انطلاقًا من الجزيرة والخرطوم.

ولا يتوقع أن ينفذ هؤلاء القادة تهديداتهم بعد تعزيز الجيش قواته في المناطق المجاورة للخرطوم والجزيرة مدعومًا من الميليشيات والمقاومة الشعبية المسلحة، كما أنه لا يملك حواضن شعبية تدفعه إلى خوض هذه المغامرة بعد الرفض الواسع الذي وجده في الجزيرة، رغم أن قائد عملياته فيها أبو عاقلة كيكل من أبناء المنطقة.

ولا تستطيع قوات الدعم السريع الابتعاد عن حواضنها الاجتماعية في دارفور وكردفان التي تمدها بالمقاتلين عن طريق الفزع، وهو نداء يُطلقه القادة الأهليون لدعوة الشباب للقتال، وتكمن خطورته في تعرُّض من يرفض ذلك للنبذ الاجتماعي، ولهذا إن تلقت هزائم في الجزيرة والخرطوم ستركز بثقلها في دارفور وتؤسّس فيها دولتها.

وبالطبع، لا تستطيع أن تتقدم في مسعى تأسيس دولة في دارفور إلا إذا سيطرت على الفاشر، ورغم أن ذلك صعب لكنه ليس مستحيلًا، وتاريخ السودان يشير إلى أن أسوأ التقديرات عادة ما تتحقق نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاستقطاب الأهلي والنزاعات(7).

الخلاصة:

الصراع بين الجيش والمليشيا في الخرطوم انعكس بصورة كبيرة على ولايات دارفور بشكل عام وغرب دارفور بشكل خاص، في ظل حالة الفراغ الأمني الكبير الذي تعيشه ولايات دارفور الخمسة بعد انسحاب الجيش والشرطة من بعض المرتكزات.

كما تسعى ميليشيا الدعم السريع لتنفيذ عمليات تجنيد في دارفور بغرض تعزيز سيطرتها على الإقليم في حالة خسارتها الحرب في الخرطوم، مما يمهد الطريق إلى حرب واسعة بين المكونات الإثنية في دارفور.

هناك مخاوف من تصاعد واندلاع حرب أهلية مرة أخرى، حيث إن الوضع الأمني في الخرطوم يشكل بدرجة كبيرة تهديدًا لأهل دارفور، سواء كان في حالة استمرار الصراع المسلح، أو فيما يتعلق بمرحلة ما بعد سحق التمرد في الخرطوم، مما يمكن أن يدفع مليشيا الدعم السريع إلى العودة إلى مناطق النشأة والتكوين في دارفور.

تسعى بعض الإثنيات في دارفور إلى توظيف تلك الأحداث لتحقيق مكاسب سواء كانت بدوافع انتقامية لتصفية حسابات قديمة، أو عبر الانخراط في الحرب بغية شد الأطراف وتخفيف الضغط على مليشيا الدعم السريع، وهو الأمر الذي ينذر باندلاع صراعات داخل ولايات دارفور الخمسة تتعلق بتصفية الحسابات المتراكمة بين القبائل، حيث لم تتعافى ولايات دارفور من عقدين من الإبادة الجماعية بعد.

ومع دخول الحرب في السودان عامها الثاني وعدم ظهور أي بوادر لحل الأزمة في ظل إصرار طرفي الصراع على مواقفهم وفشل الجهود الدولية في وقف إطلاق النار وتصاعد التحذيرات الدولية من الأزمة الإنسانية في السودان، فإن كل السيناريوهات مطروحة حتى يشبع طرفي الصراع من دماء الأبرياء والمواطنين.

كما تشتد الأزمة الإنسانية في البلاد مع نقص المساعدات وعدم قدرة الفرق الإغاثية في الوصول إلى المحتاجين، حيث إن 90 في المائة من الذين يواجهون خطر الموت جوعا محاصرين في مناطق القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع. بحسب ما أفاد برنامج الغذاء العالمي.

1_ سكاي نيوز

2_ الشرق الأوسط

3_ بي بي سي

4_ سودان تربيون

5_ الجزيرة

6_ سكاي نيوز

7_ نون بوست

التعليقات مغلقة.