fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

مخطط دولة الملالي.. ما مشروع إيران التوسعي الذي تخبئه للمنطقة العربية؟

102

مخطط دولة الملالي.. ما مشروع إيران التوسعي الذي تخبئه للمنطقة العربية؟

بدأت ملامح مشروع النظام الإيراني التوسعي بالظهور، مع ثورة الخميني في إيران العام 1979م؛ حيث أدت الثورة، إلى إسقاط نظام الشاه، وتغيير النظام السياسي في إيران؛ ووصول مجموعة من المتطرفين فكريًّا إلى السلطة في إيران حيث اتبعوا سياسة خارجية عدائية تجاه جيرانهم من الدول والشعوب العربية، تقوم على تصدير الأيديولوجية الإيرانية الجديدة المتطرفة في إيران، إلى الدول العربية المجاورة عن طريق ذرع الفتن، وخلق النزاعات والكراهية بين الأقليات القومية والدينية والمذهبية في العالم العربي، لا سيما في منطقة المشرق العربي والخليج، والدعوة إلى ولاية الفقيه، وحفز ولاء الميلشيات الشيعية المسلحة لإيران بطريقة غير مباشرة، وهو ما أدخل المنطقة في حروب ونزاعات، بدأت مع الحرب العراقية الإيرانية، عقب ثورة الخميني العام 1979م، واستمرت حتى الآن.

فمَا تفاصيل المخطط الإيراني لتدمير الدول العربية؟ وكيف تصدت له الدول العربية؟ وكيف تستفيد إسرائيل والولايات المتحدة من المشروع الإيراني؟

يركز موقع “رواق” للأبحاث والرؤى والدراسات في هذا التقرير عبر تحليلاته على بعض النِّقَاط المهمة حول المشروع الإيراني التوسعي في العالم العربي، وكيف تستفيد إسرائيل والولايات المتحدة منه لخدمة مصالحهم في المنطقة في هذه السطور الآتية.

السياسة الإيرانية ما قبل ثورة الخميني:

عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980م، قال الرئيس العراقي صدام حسين حينها: “سيعلم العرب لاحقًا لماذا دخل العراق الحرب، وما الخطر الذي حمتهم منه”، فقد أدركت بغداد سريعًا خطورة الأيديولوجية الإيرانية الجديدة وتدخلاتها بين العراقيين لنشر الفتن والطائفية. (الشرق الأوسط).

والبداية من تحليل العقيدة التي قامت عليها إيران الجديدة، على انقاض نظام الشاه؛ وهنا لا بد من استذكار ما حصل ما قبل العام 1979م، حيث حكم إيران الشاه “رضا بهلوي”، سليل الدولة الصفوية الشيعية، التي قامت في بلاد فارس كما كانت تعرف إيران حتى ثلاثينيات القرن العشرين.

وكانت الدولة الصفوية على مدار حِقْبَة (التاريخ الحديث المبكر)، تنافس الدولة العثمانية، واتخذت من المذهب الشيعي عقيدة لها في ظل صراعها مع الدولة العثمانية السنية، واللافت أن العراق في ذلك الوقت، كان ساحة المواجهة الرئيسة بين الصفويين والعثمانيين ومن العراق نفسها، جرى التصدي للمحاولات الفارسية المختلفة لضم العراق إلى الدولة الصفوية.

وعقب الحرب العالمية الأولى انهارت الدولة العثمانية، وبدلت الدولة الصفوية ثوبها، وارتدت العَلمانية والقومية والليبرالية المحافظة؛ وباتت تعرف بإيران، تحت نظام حكم ملكي كان يعرف بالشاه، وهمش رجال الخميني وأفكاره في إيران حينها.

أطماع توسعية تاريخية:

ولكن بالرغم من ذلك ظلت العقيدة الإيرانية عقيدة قومية فارسية، وبدأت مع عشرينيات القرن العشرين في ابتلاع الأراضي العربية التي تعج بالموارد والثروات الطبيعية، وبمساحات شاسعة، تعرف بالأحواز، ولم تكتفي إيران في ذلك الوقت بالأحواز، بل ظلت عينها على أراضي عربية أخرى، هي في العقيدة الفارسية جزء من إمبراطوريتهم التاريخية الكبرى. (مركز الخليج للدراسات الإيرانية).

حيث قبل انتشار الإسلام في المنطقة خلال القرن السابع والثامن والتاسع الميلادي، كانت بلاد الفرس واحدة من الإمبراطوريات الكبرى في الشرق الأدنى القديم، ليس فقط على مستوى العالم القديم وحسب، بل أيضًا على مستوى العالم كله حينها، وظلت الإمبراطورية الفارسية الساسانية، تنافس الامبراطورية الرومانية الشرقية، على اقتسام الزعامة والنفوذ في بلاد المشرق والخليج، فتارة كانت تحتل مناطق من العراق والشام والخليج، وتارة تخسرها لصالح الرومان، كما استوطنت بعض القبائل العربية، مناطق الامبراطورية الفارسية الساسانية، لحمايتهم من خطر الرومان.

ومع انتشار الإسلام في القرن السابع والثامن للميلاد، لم يرق للفرس والروم حينها قيام دولة عربية إسلامية تتحدى هيمنتهم على المنطقة، ففتح العرب المسلمون زمن الخليفة عمر بن الخطاب بلاد الفرس كامله، وسقطت الامبراطورية الفارسية الساسانية، وأضعف المسلمون حينها الإمبراطورية الرومانية الشرقية.

ثورة الخميني والأيديولوجية الإيرانية الجديدة:

وبالرغم من انتهاء زمن الإمبراطوريات، وسيادة القانون الدولي والدولة ذات السيادة، وعدم التدخل في شئون الدول؛ إلا أن ثورة الخميني، لا تعترف بكل ذلك حيث تحمل مزيجًا من الأفكار المتطرفة، والأشد تطرفًا؛ تشتمل على سيادة العرق الفارسي، وقمع القوميات والأعراق الأخرى داخل إيران نفسها، وعقيدة مذهبية متطرفة، تأجج الصراعات وتخلق الفتن والحروب الطائفية، لتحقيق هدفها غير المعلن، والمتمثل في استعادة سيطرتها على كامل الأراضي العربية التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الفارسية الساسانية السابقة عبر خلق تنظيمات عسكرية، تحمل الأيديولوجية الخمينية المتطرفة، للسيطرة على المنطقة؛ وبذلك تصبح دول المنطقة خاضعة بشكل غير مباشر للسيطرة العسكرية والسياسية الإيرانية.

وبالعودة إلى إيران الشاه؛ فعقب ثورة الخميني باتت جزءًا من الماضي، حين تظاهر بعض الإيرانيين في عدد من المدن الإيرانية، وجاء الخميني من باريس، راكبًا أمواج هذه الثورة؛ ومعلنًا قيام جمهورية أسماها: الجمهورية الإسلامية في إيران؛ جمهورية وضعت المذهب الاثني عشري، على رأس السلطة وكرَّسته في دستورها، وساعية إلى تصدير الثورة إلى خارج إيران، فبحسب أدبيات إيران الخمينية فإن نظام الحكم الجديد، هو نظام مقدس، يهدف إلى الهيمنة على المنطقة، والالتزام بما يقرره المرشد الأعلى في إيران.

وقد عمل الخميني سريعًا على تصدير ثورته إلى الدول الأخرى التي تضم بين أبناء شعبها، طائفة شيعية عبر تحريض هذه الطائفة وإثارة الفتن بينها وبين باقي الطوائف؛ فكان العراق على رأس قائمة هذه الدول المستهدفة، تليه دول الخليج العربي، ثم سوريا ولبنان، وصولًا إلى اليمن؛ هذا بالنسبة إلى الجهة الغربية لإيران، وفي شرقها كانت باكستان، وأفغانستان أهدافًا محتملة لنظام طهران الجديد. (العربي الجديد).

بداية التدخلات الإيرانية في العراق:

وفي ذلك الوقت كان “صدام حسين” قد صعد في العراق للحكم حديثًا، ولدية أيضًا مشروعه الخاص الذي يقوم على أفكار حزب البعث التي تشتمل على فكرة القومية العربية، وهذه الفكرة بالطبع كانت تصطدم بفكرة إيران التوسعية في المنطقة العربية التي بدأت تنفذها بالعراق، عبر تحريض الخميني للشيعة العراقيين وخلق فتنه داخلية بين العراقيين ومن ثم الانقلاب على نظام “صدام حسين”. (الشرق الأوسط).

ولأن صدام أدرك سريعًا الأهداف الإيرانية انطلقت الحرب سريعًا بين العراق وإيران، حربًا أرهقت الطرفين سنوات عدة، واستمرت قرابة عقد من الزمن انتهت بنتيجة لا غالب ولا مغلوب، وضعف العراق بعدها وزاده ضعف قرار صدام المفاجئ بدخول الكويت، وما تبع ذلك من حصار دَوْليّ فرض عليه، وانتهي بالغزو الأمريكي العام 2003م.

المصالح الإسرائيلية والأمريكية والسياسة الإيرانية في المنطقة:

أما إيران فخرجت من الحرب دولة متمردة على العالم أطلقت مشروعًا نوويًّا، وبرنامجًا صاروخيًّا، وبدأت العمل عليه، وبخلاف ما جرى من تدمير مشروع العراق النووي وقصفه؛ تساهل العالم بمشروع إيران، واكتفوا بفرض عقوبات عليها، وهنا تطرح تساؤلات عدة، حول أسباب إقدام الكيان المحتل؛ على تدمير برنامَج العراق النووي، والإبقاء على برنامَج إيران، والإجابة حملتها السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق. (بث نيوز).

فنظام إيران قدم للكيان المحتل ما لم يقدمه أي حليف بما فيه الولايات المتحدة؛ فإيران قدمت مشروعًا طائفيًّا قسَّم المنطقة العربية، وأضعف أهم وأقوى الدول والجيوش العربية في المنطقة.

فبدأت تدعم في لبنان حزبًا إرهابيًّا سلحته؛ وأججت عبره الحرب الأهلية اللبنانية أكثر وأكثر، ووصل الحال به الآن للهيمنة على لبنان حتى باتت الدولة اللبنانية المجاورة للكيان المحتل، ضعيفة وممزقة طائفيًّا، وتعاني من أزمات مالية واقتصادية هائلة.

كما وفعلت نفس الشيء بالعراق حينما استقبلت المتطرفين الشيعية، المعتنقين لأيديولوجية الخميني، والمعارضين لصدام؛ ودربتهم وسلحتهم وجهزتهم، حتى إنهم قاتلوا معها بلادهم العراق؛ وفي ذات الوقت، بدأت إيران بغرس بذور أحزاب وميلشيات طائفية أخرى، في أي بلاد عربية، تضم طائفة شيعية.

فسعت للتوسع في الكويت، والبحرين، والسعودية، واليمن، ولكنها هذه المرة، نجحت في اليمن فقط؛ فأعلنت نفسها عرابة للقضية الفلسطينية، بعد أن أضعفت العديد من الدول العربية، وجعلت من نفسها عدوًّا للشعوب العربية المجاورة حيث ظلت الدول العربية على مدار القرن الماضي، تخوض حروبًا طاحنة ضد الكيان المحتل، فاستغلت إيران عداء الشعوب العربية للكيان المحتل، لترتدي ثوبًا جديدة هذه المرة، وهو القضية الفلسطينية.

حيث روجت إيران لنفسها، بأنها العدو الأكبر للكيان المحتل، ومن ورائها الولايات المتحدة والغرب، ونجحت إيران في استقطاب بعض الشباب العربي للتجنيد في ميلشياتها المختلفة في المنطقة؛ وزاد من ذلك التصريحات الغربية والإسرائيلية المعادية لإيران التي جعلت العديد من الشباب العربي، يؤمنون أن إيران دولة معادية للكيان المحتل الإسرائيلي.

العمليات الإرهابية الإيرانية والصراع العربي الإيراني:

ولأجل المشروع الإيراني أيضًا لم تكتفِ إيران بتحريض شيعة العرب وتسليحهم، بل أفرز حرسها الثوري فيلقًا مختصًا بأرض العرب، أطلقت عليه اسم: فيلق القدس، وهو الآخر كان لاعبًا أساسيًّا، لتمكين النظام الإيراني أكثر من المنطقة العربية. (بث نيوز).

وجرى على مدار الثمانينيات والتسعينيات، العديد من العمليات الإرهابية الكبيرة التي نفذتها ميلشيات تتبع إيران على أراضي العرب؛ كان أبرزها حادث الحرم المكي عام 1989م، الذي نفذه تنظيم حزب الله الكويتي المدعوم من قبل الحرس الثوري الإيراني.

وتفجيرات عدة في السُّعُودية، وكذلك في الكويت؛ كلها عمليات أكدت أن إيران جادة وجادة جدًا في مشروعها الثوري تجاه الدول العربية، وقد أدركت عديد من الدول العربية ما تحيكه طهران منذ البداية، وطوال الحرب العراقية الإيرانية دعمت الدول الخليجية والعربية، جهود صدام في حرب إيران، ولولا التدخل العراقي بالكويت لاستمر الدعم العربي للعراق. (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات).

كما وسعت السُّعُودية لمواجهه إيران في عدة ساحات دخلتها، فعملت على حل الصراع اللبناني عبر اتفاق الطائف لعام 1989م، وسعت الدول العربية جاهدة إلى زيادة علاقاتها وشراكاتها المختلفة مع نظام حافظ الأسد، لاستمالة دمشق وقطع الطريق على طهران، ومحاولة وأد أي فتنة قد تشعلها إيران في سوريا، ولكن النظام السوري قرر الابتعاد عن العالم العربي، واتباع طهران بالكامل، فكانت النتيجة فتنة طائفية وحرب استمرت لعقد كامل، مزقت الدولة السورية، وحققت هدف الكيان المحتل بتدمير سوريا.

وأيضًا دعمت الدول العربية نظام الرئيس على عبد الله صالح في اليمن في حروبه ضد الحوثيين في الفترة بين عامي 2004 – 2009م، حتي إن الدول العربية وحلفاءهم، شكلوا تحالفًا عربيًّا لمواجهه الحوثيين في اليمن، كما ورصت بلاد الخليج صفوفها لحماية أراضيها. (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات).

التدخل الأمريكي في المنطقة العربية:

ولأن إيران الخمينية كانت وريثة نظام الشاه الذي كان يمتلك آلة عسكرية قوية -حتى إنه كان يعرف بشرطي الغرب في المنطقة- لم يكن من السهولة بمكان الحد من خطرها؛ فاستعانت الدول العربية، وتحديدًا دول الخليج، بالولايات المتحدة التي عسكرت بالمنطقة، وبالتالي أصبحت الولايات المتحدة والكيان المحتل؛ أكثر المستفيدين من تعاظم النفوذ الإيراني وتوسع طهران في المنطقة.

بل حتى إن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، قد رفعت بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام إيران، ما مكن طهران من زيادة دعمها لميلشياتها الإرهابية المختلفة في المنطقة أكثر وأكثر، ولكن دول الخليج العربي، التي كانت تشعر بزيادة التهديدات من نظام إيران والحوثيين، لم تكن تملك أي خِيار.

فالولايات المتحدة كانت تتحكم بأوراق اللعبة، وهي من تديرها، وهي من سمحت لإيران بالتمدد، وهذا ما تريده طهران؛ التي تقاسمت الأدوار مع الغرب والكيان المحتل، فمن ناحية كانت تعلن عدائها للغربيين، ومن ناحية أخرى: تساندهم وتمهد لهم الطريق، وهذا ما ظهر في حروب الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان.

حيث إن الإيرانيين قد اعترفوا بأنهم من سهلوا دخول الأمريكيين إلى هذه الدول، وكانت المفاجأة مرحلة ما بعد الغزو وجني الثمار لطهران، فدخلت العراق عقب الغزو الأمريكي العام 2003م، دخولًا ليس من السهل أن يتبعه خروج، فالعراق الذي كان البوابة الشرقية، الذي حال دون تمدد إيران سنوات، هي نفسها البوابة التي عبروا منها. (موقع فيصل نور).

ليخرج مسؤول إيراني قبل سنوات يتحدث بأن بلاده باتت تحكم قبضتها على 4 عواصم عربية، من بغداد لدمشق وبيروت وصولًا حتي صنعاء، وفي نظر الإيرانيين فإن البقية على الطريق، حيث كشفت السلطات المغربية، مخطط إيراني لنشر الإيديولوجية الإيرانية في البلاد، ولم يسلم حتي السودان من محاولات إيرانية أيضًا، لنشر الإيديولوجية الإيرانية في البلاد زمن البشير. (بي بي سي عربية).

إستراتيجية الأذرع والوكلاء الإيرانية:

أما إستراتيجية الدخول إلى البلاد العربية؛ فتتمثل في أزمة أو خلاف يندلع في أي بلد عربي، فتخرج فجأة ميلشيا كانت قد أسسها الحرس الثوري، لتصبح هذه الميلشيا، الطرف الأقوى، وتؤمن قدوم الإيرانيين.

والمشكلة الأكبر من قدوم الإيرانيين واستيلائهم على هذه البلاد العربية، هو ما جلبوه معهم، فمن الحروب الأهلية إلى الفتنة الطائفية ونهب خيرات وموارد البلاد، وقتل الهُوِيَّة الوطنية، وصولًا إلى الانهيار الشامل للدولة، الذي جرى أو يجرى حيث وطأت أقدام الإيرانيين، وفي لبنان واليمن خير دليل.

وهي أمور لم تشهدها المنطقة العربية على مدار فترات مختلفة من الاحتلال والاستعمار، وبمجرد إلقاء نَظْرَة على أوضاع الدول العربية، حيث تتواجد الأذرع الإيرانية، نجد الانهيار الاقتصادي، والفقر والاتجار بالمواد المخدرة والقتل والفتن والحروب وغيرها من الأزمات ولا يبدو أن الحلول القريبة قادمة، في ظل إحكام المستعمر الإيراني، قبضته على البلاد العربية التي احتلها عبر وكلائه.

مستقبل العلاقات الإيرانية العربية في ظل مشروع المَدّ الإيراني بالمنطقة:

جاء اتفاق المصالحة بين السُّعُودية وإيران، ليخفف من حدة الصراع العربي الإيراني في المنطقة؛ ويطرح عدة تساؤلات حول أسباب سعي إيران، لعودة علاقاتها مع الدول العربية.

حيث في مطلع مارس العام ٢٠٢٣م، تمت المصالحة بين السُّعُودية وإيران برعاية الصين؛ تلك المصالحة، جاءت بعد بذل جهود حثيثة لأطراف وسيطة كبرى ومؤثرة عالميًّا وإقليميًّا؛ وكذلك الدبلوماسية النشطة التي انتهجتها مؤخرًا غالبية دول المنطقة؛ ورغبة الجانبين: السعودي والإيراني، في السعي نحو تحقيق الهدوء والاستقرار السياسي النسبي، والنمو الاقتصادي المستدام.

ويواجه هذا المسار التوافقي السعودي الإيراني، عدة تحديات أبرزها: عودة الملفات الخلافية إلى الساحة مرة أخرى، مثل: الخلافات الحدودية حول حقل الدرة الغازي بين الكويت والسعودية، مع تهديدات إيران ببدء التنقيب فيه؛ كما تجدد الخلاف الإماراتي الإيراني، حول الجزر الخليجية الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى.

ولم تنتهج طهران سياسة مرنة، تجاه هذه الخلافات الشائكة؛ ناهيك عن الأذرع الإيرانية، وعمليات الحوثيين الإرهابية في البحر الأحمر التي أضرت باقتصادات بعض الدول العربية، وأثرت على مسار التقارب المصري الإيراني، وادعاء إيران استقلالية الجماعات المسلحة في المنطقة، وعدم تبعيتهم لطهران.

فعلى ما يبدو أن المنطقة ستظل بعيدة عن الاستقرار طويل الأمد، المرجو تحقيقه من تلك المصالحة السُّعُودية الإيرانية؛ ما دامت لم تعالج الدوافع الكامنة وراء الصراعات المعقدة، والملفات والقضايا الشائكة بشكل جذري إلى جانب دخول لاعبين دوليين آخرين إلى الساحة السياسية الشرق أوسطية بشكل قوي، مثل: روسيا والصين، ومنافسة الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة النفوذ الأكبر في المنطقة؛ ما من شأنه أن يؤدي إلى وجود سياسات وتدابير، لعرقلة مساعي التقارب في المنطقة؛ حيث إن واشنطن وتل أبيب سترى أي سعي للتقارب، والحد من الخلافات العربية الإيرانية؛ تهديدًا لمصالحهم في المنطقة.

ولذلك وفي ظل استمرار طهران في سياساتها التوسعية ومشروعها الاستعماري أرى أن التقارب العربي الإيراني سيأخذ أحد المسارين: الأول: مصالحة قصيرة الأمد، ستتجه لاحقًا إلى الانهيار؛ وذلك نظرًا لأن التحديات متشعبة ومتجذرة والمتضررين منها كُثر، إلى جانب أن الطرف الإيراني كما عُرف عنه لا يلتزم بما اتفق عليه في أحيان كثيرة، وتلك النقطة تحديدًا استغلتها الصحافة الأمريكية والإسرائيلية للتشكيك في الاتفاق

والمسار الثاني: التطبيع الكامل للعلاقات العربية الإيرانية، ويفترض استمرار المصالحة على المدى البعيد، لا سيما وأن الطرف السعودي، هو مكسب كبير لإيران، وهو ما يتوقف على تقديم الجانب الإيراني تحديدًا، أفعالًا وتنازلاتٍ من أجل إثبات حسن النوايا، تجاه دول الخليج عمومًا وتجاه المصالحة خصوصًا، وأبرزها: في ملف الميلشيات المسلحة في المنطقة، وملف الخلافات الحدودية النفطية المشتركة، ووقف التدخل في شئون دول المنطقة، وهذا المسار مستبعد، نتيجة للأيديولوجية الحاكمة في طهران، وتعارضه مع مشروعها التوسعي.

الاستنتاجات:

تواجه المنطقة العربية، خطرًا حقيقيًا كبيرًا منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن؛ خطر الفتن بين أبناء الشعب الواحد، الذي لم تشهده المنطقة من قبل؛ فنشر الفتن الطائفية، يُعد جزءًا أساسيًّا من سياسة إيران، الدولة المحاذية لحدود عالمنا العربي، التي قسمت 4 دول عربية طولًا وعرضًا، محققة أهداف الكيان المحتل، التي سعى لتحقيقها منذ إنشائه.

حيث ضعفت العديد من الدول العربية الفتية، التي ظلت على مدار القرن الماضي، بهويتها الوطنية الواحدة، حائط السد المنيع، بوجه الكيان الإسرائيلي المحتل؛ ما أدى في النهاية، إلى التدخل الأمريكي في المنطقة، بأساطيلها وقواعدها العسكرية المختلفة، لتتحكم بالأوراق، وترسم السياسيات، وتفرض الإملاءات.

لذا فإنّ السياسة الإيرانية، ما هي إلا تحقيقًا للأهداف الإسرائيلية بالمنطقة، ولا يمكن أبدًا اعتبار الولايات المتحدة شريكًا أو حليفًا للدول العربية، بل على العكس من ذلك فإيران ليس لديها سوى عدو واحد، وهي الدول العربية؛ وعلى الدول العربية، أن تكون أكثر حزمًا في التعامل مع التهديدات الإيرانية، دون الانحراف بعيدًا عن القضية الفلسطينية التي ظلت الدول العربية، تقاتل لأجلها سنوات عدة.

ويبدو أن التقارب الإيراني مع الدول العربية، مجرد وسيله؛ للتخفيف من العزلة الدولية التي تعاني منها طهران والتقليل من حدة الصراع العربي الإيراني، ولكن وبالنظر إلى مشروع إيران، ومحاولاتها تصدير الثورة، والخلافات العربية الإيرانية فإن المصالحة قد تكون قصيرة الأمد.

الخلاصة:

– إن الأطماع الإيرانية التوسعية في الأراضي العربية قد بدأت مع إنشاء إيران، في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث احتلت القوات الإيرانية، منطقة الأحواز العربية، ولا تزال تحتلها حتى الآن؛ ومع قيام ثورة الخميني في إيران العام 1979م، أسس الخميني مزيجًا من الأفكار التوسعية القومية الطائفية المتطرفة، التي تشتمل على الولاء لنظام المرشد، والتطلع للتوسع خارج إيران عبر تصدير الثورة إلى البلاد العربية، التي تضم طائفة شيعية، وفي سبيل تحقيق ذلك، بدأ بقمع جميع الأقليات العرقية الأخرى داخل إيران، وقضى على أي صوت معارض بالداخل؛ وما إن استقر نظامه الجديد حتى بدأ بالتطلع لتحقيق أطماعه التوسعية في البلاد العربية المجاورة لإيران.

– بدأ مشروع إيران التوسعي من العراق، بزرع الطائفية والفتن بين أبنائه، وامتدت الأيادي الإيرانية إلى لبنان وسوريا واليمن، وعمليات إرهابية متنوعة، بالكويت والسعودية، استهدفت تقسيم المنطقة بالكامل، وإشعال فتيل حروب وصراعات أهلية وطائفية، لا تُبقي ولا تَذر.

– وأمام المشروع الإيراني الطائفي الجديد الذي يمزق المنطقة، ويسقط دولًا عربية فتية بأكملها؛ رأت الولايات المتحدة في المشروع الإيراني تحقيقًا لمصالحها، فأخذت بالتموضع العسكري بالبلاد العربية؛ حماية لإسرائيل من جهة، وللتحكم بأوراق المنطقة من جهة أخرى، ساعية إلى تغيير طبيعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع سني شيعي، وتعتمد الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران لتحقيق ذلك الهدف.

المصادر:

الشرق الأوسط

مركز الخليج للدراسات الإيرانية

العربي الجديد

بث نيوز

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

موقع فيصل نور

بي بي سي عربية

التعليقات مغلقة.