fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

ماذا بعد توقيع المصالحة في السودان… تنمية واستثمار ووقف لنار الفتنة؟ أم هَرْوَلة نحو التطبيع؟

174

ماذا بعد توقيع المصالحة في السودان… تنمية واستثمار ووقف لنار الفتنة؟ أم هَرْوَلة نحو التطبيع؟

 

فبعد مفاوضاتٍ استمرت لنحو أربعة أشهر بين الفرقاء في السودان، تم التوقيع على الوثيقة الدستورية لإنهاء حالة الاستقطاب في المواقف بين طرفي الأزمة: (المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير)، حيث أدرك الطرفان أهمية التوافق مع الآخر والتنازل بينهما، بسبب خسارة كلٍ منهما للعديد من الأوراق؛ بالإضافة إلى الضغوط الإقليمية والدولية، خاصة من جانب الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، التي لوَّحت بفرض عقوبات على القيادات السودانية، وفي نفس الوقت، بحث رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وتخفيف عبء الديون الخارجية عنها([1])، وهو ما مثَّل حافزًا للطرفين الباحثين (ولو في ظاهر الأمر) عن تحقيق التنمية والإصلاح الاقتصادي والاستقرار السياسي، للاتجاه نحو توقيع تلك الوثيقة.

وعلى الرغم من تصريح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أكثر من مرَّة (في عام 2019) بضرورة عدم ربط حذف السودان من قائمة أمريكية للدول الراعية للإرهاب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ لأن هذا الملف يحتاج إلى نقاش مجتمعي متعمق([2])؛ إلا أن واقع الأمر والضغوط الأمريكية كانت تدفع في هذا المسار، حتى لا يتسبب ذلك في عرقلة الاقتصاد، وحصول السودان على تمويل ومساعدات أجنبية لدعم اقتصاده، وكذلك الحصول على إعفاء من الديون هي في أمس الحاجة إليه.

وفي سبتمبر من عام 2019، ما لبث أن توجَّه وفدًا سودانيًّا من مجلس السيادة السوداني الحاكم([3]) إلى دولة  الإمارات العربية المتحدة، للقاء نظيره من الولايات المتحدة الأمريكية للتباحث حول كيفية دفع الخرطوم عملية السلام العربية – الإسرائيلية قُدُمًا، ورفع اسم السودان من قائمة أمريكية للدول الراعية للإرهاب، والذي يأتي عقب توقيع الإمارات -وهي شريك إقليمي رئيس للولايات المتحدة– والبحرين، لاتفاقين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بوساطة أمريكية لتصبحا أول دولتين عربيتين تكسران محظورات صمدت طويلًا منذ أكثر من ربع قرن([4]).

ويبدو مما سبق: أن الموقف في السودان يتقاسمه طرفي الحكم فيها (الحكم المدني متمثلًا في رئيس الوزراء؛ حمدوك، والحكم العسكري متمثلًا في  رئيس مجلس السيادة الحاكم؛ الفريق أول عبد الفتاح البرهان)؛ فالأول متحفظ ويحتاج إلى اتخاذ موقفٍ مبنيٍ على نقاش مجتمعي متعمق، قد يكون من المناسب وجود برلمان للخوض فيه، بينما يبدو أن الأخير يسارع  في خطواته نحو التطبيع، بعقد اللقاءات وإبرام بعض الاتفاقات المبدئية، وآخرها فتح المجال الجوي السوداني للطيران الإسرائيلي.

ويعزو محللون([5]) تلك الخطوات المتخذة من جانب القيادة العسكرية، إلى الرغبة في بث رسائل طمأنة وود للغرب وإسرائيل، مفادها أنهم الجانب الذي يمكن الوثوق به كدعاة سلام، والقادرون على الحفاظ على الاستقرار وتماسك الدولة في حالة وجود ثغرات يمكن بها الانقلاب على الحكم الديمقراطي في السودان.

ووَفْقًا لآخر تطورات المشهد السوداني، فقد أعلن البيت الأبيض في أكتوبر من عام 2020، عن اتفاق تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، وفي نفس الوقت أعلن الرئيس الأمريكي رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب([6]).

وفي ظل ترحيب بعض الدول العربية والغربية باتفاق التطبيع، واعتباره الطريق الأمثل لتحقيق التنمية والاستقرار الاقتصادي والسياسي، من خلال رفع العقوبات التي تعتبر مفتاحًا رئيسًا لتحسين الاقتصاد، نددت دول أخرى بهذا التطبيع واعتبرته وبالًا على الشعب السوداني، وسيزيد الأغنياء غنىً والفقراء فقرًا، إذا ما توجهت الحكومة لصندوق النقد الدولي؛ لأن الصهيونية العالمية جشعة في نظمها الربوية الاقتصادية ولا تقرب إليها إلا الأثرياء الفاسدين([7]).

ثمة أمر أخير، يشوب موقف القادة العسكريين في السودان؛ ألا وهو سرعة الاستجابة للضغوط الأمريكية في فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأمر الذي يُنبئ بوجود مصالح خاصة تم استغلالها استجابةً لحاجة الرئيس الأمريكي إلى ما يسعفه في سباق الرئاسة الذي يدخله دون إنجازٍ يُذكر.

([1]) اتفاق تقاسم السلطة.. السودان على طريق المصالحة الوطنية

([2]) السودان يرفض الربط بين حذفه من قائمة الإرهاب الأمريكية والتطبيع مع إسرائيل

([3])   يرأس هذا المجلس : الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وهو منصب يقوم مقام رئاسة الدولة، والذي التقى لاحقاً في فبراير من عام 2020 بشكل مفاجئ مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى أوغندا.

([4]) مسؤولون سودانيون وأمريكيون يبحثون السلام مع إسرائيل ورفع الخرطوم من قائمة الإرهاب

([5]) السودان بين التطبيع والابتزاز الأمريكى

([6]) الاتفاق بين السودان وإسرائيل: عبدالفتاح البرهان ينفي خضوع السودان لـ”ابتزاز” أمريكي

([7]) تباين في الإعلام العربي… هل يأتي التطبيع بين السودان وإسرائيل بخير للشعب؟

التعليقات مغلقة.