fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

قاعدة الوطية العسكرية – أهمية استراتيجية وعسكرية ومكاسب حقيقية

300

“قاعدة الوطية العسكرية” … أهمية استراتيجية وعسكرية ومكاسب حقيقية!

 

فقاعدة الوطية الجوية أو قاعدة عقبة بن نافع الجوية، هي قاعدة عسكرية جوية، وتعتبر أهم قاعدة استراتيجية في غرب ليبيا، وتُعد القاعدة العسكرية الوحيدة في ليبيا التي لا علاقة للطيران المدني بها، بخلاف أغلب المطارات الأخرى في البلاد ذات التأسيس العسكري.

وتمثِّل قاعدة الوطية العسكرية أهمية بالغة؛ خاصة أن السيطرة عليها يمكِّن القوات المتواجدة فيها من تنفيذ طلعات جوية منها على محاور الاشتباكات، حيث توفر غطاءً جويًّا للقوات المتواجدة على الأرض.

فلم تكن الحماسة التي عبّرت عنها الحكومة التركية وأردوغان شخصيًّا في شن حملة عسكرية منسقة لاحتلال قاعدة الوطية الإستراتيجية، باستخدام المرتزقة وأحدث تقنيات القصف والتشويش التي يعتمدها حلف الناتو؛ لم تكن تلك الحماسة تصب لمصلحة حكومة الوفاق وفائز السراج، ولا للشعب الليبي كما تزعم أجهزة الدعاية والإعلام التركية، بل كانت عين أنقرة تنصب على الاستحواذ على قاعدة الوطية الاستراتيجية، وأن تكون قاعدة دائمة للجيش التركي تضاف لقواعده في قطر، والصومال، وغيرها.

أجهزة استخبارات أردوغان وحكومة الوفاق كانوا أدركوا أن الوطية هي أخطر القواعد التي يستخدمها الجيش الوطني الليبي بزعامة المشير خليفة حفتر.

وفي حوالي منتصف هذا الشهر تمت السيطرة على قاعدة الوطية – 140 كم جنوب غرب طرابلس بعد حصارها لأكثر من شهر استخدمت فيها تركيا المرتزقة وأجهزة التشويش المتطورة، والطائرات المسيرة، وأجهزة الرصد وجميعها يستخدمها الناتو أو ما يضاهيها، حيث شن سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق منذ بداية مايو الجاري، أكثر من 60 غارة استهدفت تمركزات الجيش الوطني الليبي في القاعدة.

الأهمية العسكرية للقاعدة:

تقع قاعدة الوطية على بعد 140 كم من العاصمة الليبية طرابلس، وسيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني على هذه القاعدة، التي أنشأتها القوات الأمريكية خلال إنزال الحلفاء عام 1942، سيجعل منها موقعًا استراتيجيًّا، وغرفة لعملياتها العسكرية المقبلة، وتكمن الأهمية الإستراتيجية للوطية كونها القاعدة العسكرية الثانية من حيث المساحة بعد قاعدة معيتيقة، وهي قاعدة تبلغ مساحتها 50 كم، والطاقة الاستيعابية لها تتعدى السبعة آلاف جندي، كما تضم هذه القاعدة مطارًا عسكريًّا.

حفتر يفقد مركز عمليات إضافي:

فقد “حفتر” مع خسارة هذا الموقع، المركز الرئيسي لقيادة عملياته؛ بالإضافة إلى أنها ستصبح بعد ذلك مركزًا أساسيًّا لميليشيات حكومة الوفاق الوطني، فمن خلالها سيتزود الطيران التابع لها بالوقود للسيطرة على مناطق إضافية، منها على سبيل المثال: إقليم فزان.

إضافة إلى جعل هذه القاعدة منطقة محصنة لطائراتها بعيدًا عن مدى صواريخ قوات الجيش الوطني الليبي، وضمن السياق ذاته تتميز المنطقة التي تقع فيها قاعدة الوطية بموقع جغرافي يساهم عسكريًّا بشكلٍ كبيرٍ في التحصن؛ نظرًا لأنها تضم تضاريس طبيعية محصنة، وهذا الأمر الذي كان يفسر إصرار قوات الجيش الوطني الليبي على البقاء فيها لجعلها قاعدة إمدادات خلفية في غرب البلاد؛ تحسبًا لأي معركة مستقبلية(1).

وتتميز المنطقة التي تقع فيها “الوطية” بموقع جغرافي يساهم عسكريًّا بشكلٍ كبيرٍ في التحصن؛ نظرًا لأنها تضم تضاريس طبيعية محصنة، وهذا الأمر الذي كان يفسِّر إصرار “حفتر” على البقاء فيها لجعلها قاعدة إمدادات خلفية في غرب البلاد تحسبًا لأي معركة.

وهذا التطور الإستراتيجي يأتي بعد أسبوعين من سيطرة قوات السراج على مدينة طرهونة الإستراتيجية الواقعة غرب العاصمة الليبية التي كانت تشكل مع مدينة غريان، التي سيطرت عليها قوات السراج منذ عام، غرفة عمليات رئيسية له، تمامًا كما قاعدة “الوطية”(2).

الخبراء العسكريين:

شدد الخبير العسكري الليبي، العقيد الطيار عادل عبد الكافي، على الأهمية الإستراتيجية لقاعدة “الوطية” التي انتزعتها قوات حكومة الوفاق الوطني من قوات الجنرال خليفة حفتر.

وقال عبد الكافي: “قاعدة “الوطية” أكبر قاعدة جوية في شمال إفريقيا تبلغ مساحتها 50 كم مربع، وبها عدد مهبطين للطائرات العسكرية، والعديد من الدشم.

وتكمن أهميتها الإستراتيجية: في أن في حالة تفعيلها من رئاسة الأركان العامة، فإنه ستكون لها مهام رئيسية في تأمين حدودنا مع تونس، والجزائر، ونيجيريا، وستكون لها آثار أمنية وعسكرية إيجابية في منع تدفق الإرهابيين، والهجرة غير الشرعية، وتجار السلاح بالاتفاق مع دول الجوار”.

وأضاف: “إن أهميتها تكمن كذلك في أنها كانت قاعدة دعم رئيسية لقوات حفتر في تدفق الأسلحة والذخيرة، وانطلاق الطائرات التابعة لقواته في قصف العاصمة (طرابلس)، ناهيك عن خطورتها على تمركزات الجيش الليبي والقوة المساندة التابعة لحكومة الوفاق الوطني”.

ولفت إلى أنه تم السيطرة عليها بعد أن تم توجيه عدة ضربات جوية لها من قِبَل سلاح الجو الليبي؛ مما أدَّى إلى تحطيم القدرات القتالية والإمكانيات العسكرية للقوات المساندة لحفتر؛ مما مهَّد الأرض لسيطرة قوات الوفاق عليها، والاستيلاء على كميات أسلحة وذخيرة، وطائرات ومنظومة الدفاع الجوي “بانستير” الروسية، والتي يُعتقد انها أُرسلت من الإمارات.

وأشار إلى أنه بهذه السيطرة، فإنه يتم حماية المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس، وقطع الإمدادات الجوية والبرية عن القوات المساندة لحفتر، وتمكين قوات الوفاق من السيطرة على مدينة “ترهونة”، التي تعد أهم معاقل القوات المساندة لحفتر، والانتقال إلى المراحل الأخرى من العملية العسكرية.

وكان رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليًّا “فايز السرّاج”، قد أعلن يوم الاثنين: أن قوات حكومته قد فرضت سيطرتها على قاعدة “الوطية” الجوية الإستراتيجية الواقعة جنوبي غرب العاصمة طرابلس.

التحول استراتيجي للمسيطر على القاعدة:

تمثل قاعدة الوطية العسكرية أهمية بالغة؛ خاصة أن السيطرة عليها يمكِّن القوات المتواجدة فيها من تنفيذ طلعات جوية منها على محاور الاشتباكات، وهي تابعة إداريًّا لمنطقة الجميل بالغرب الليبي، وتغطي كافة المنطقة الغربية وتستطيع تنفيذ عمليات قتالية جوية ضد أهداف عسكرية بمحيط ليبيا، وليس طرابلس فقط.

وتستطيع القاعدة الجوية استيعاب وإيواء 7 آلاف عسكري، وكانت القاعدة قبل أحداث فبراير/ شباط 2011 مركز عمليات أسطول مقاتلات الميراج.

وتساعد القاعدة في الوقت الراهن حكومة الوفاق في تنفيذ عمليات عسكرية جوية ضد قوات الجيش الليبي في المنطقة الغربية بشكلٍ كبيرٍ؛ خاصة أن الطلعات الجوية كانت تقتصر في وقتٍ سابقٍ على مطاري: معيتيقة ومصراتة؛ إلا أنه بالسيطرة على قاعدة الوطية تغيرت المعادلة العسكرية على الأرض(3).

أول تعقيب من الجيش:

في أول رد فعل من الجيش الليبي، قال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة: إن الانسحاب التكتيكي، هو مناورة تراجعية اختيارية، كثيرة الحدوث في سياق المعارك، وأن التكيفات التكتيكية تتبع حالة المد والجزر في الأحداث، وفي التغييرات التي تطرأ على النسبة في القوة.

وأضاف البيان: أن الانسحاب المؤقت هو ضروري، بل ومرغوب، في سبيل الإعداد والتحضير إلى نجاحات كبيرة في المستقبل، وأن الظروف تدعو أحيانًا إلى التراجع خطوة، لاستطاعة التقدم بعد ذلك خطوتين.

واستطرد البيان: “بشكل مدروس وآمن، يجب أن يكون الانسحاب بشكل سريع بحيث يضمن الابتعاد عن العدو، دون أن يتمكن العدو من المطاردة أو الالتفاف أو وضع الكمائن على طرق الانسحاب، وهي عملية صعبة تحتاج إلى خطة محكمة، وسهلة التنفيذ بحيث يجري الانسحاب بناءً عليها”.

وأشار البيان إلى أن: ما حدث في الساعات الماضية في قاعدة الوطية كان دقيقًا وسريًّا ومدروسًا بشكلٍ جيدٍ لعدة أسباب؛ خاصة أن القاعدة كانت تضم 1000 آلية ومدرعة وغرفة عمليات متنقلة ومعدات عسكرية دقيقة، لم تتحصل “المليشيات” على واحدة منها.

وأضاف البيان: تم سحب كل الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي والمستشفى الميداني، وكل الأطقم الطبية وسيارات الإسعاف، لم تعثر “المليشيات” إلا على منظومة متضررة محطمة، وطائرات الخردة من عام 1980.

وتابع: تم انسحاب 1500 جندي، ولم تأسر المليشيات أي منهم، وهنا يكمن الفرق بين الانسحاب التكتيكي والهروب، بنقطتين فقط وبشكل ميسر؛ فالانسحاب جزء من الخطة العسكرية، وتكون مدروسة بشكلٍ جيدٍ، ويُطبق ذلك الجزء بعد إتمام العملية كليًّا، أو لاستعادة القوى والرجوع لأرض المعركة بخطة ممنهجة لتفادي أقل الخسائر.

أما الهروب: فهو فعل ناتج عن خوف وقلة يقين بصدق القضية؛ مما يؤدي إلى عدم مواجهة العدو، وترك ساحة القتال، وترك الأسلحة والآليات والجنود.

وتعاني ليبيا انقسامًا حادًا في مؤسسات الدولة، بين الشرق الذي يديره مجلس النواب والجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وبين الغرب حيث المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، وهي الحكومة المعترف بها دوليًّا إلا أنها لم تحظَ بثقة البرلمان(4).

تحويل الوطية لقاعدة عسكرية تركية:

كشفت مصادر تركية وليبية أن القوات الجوية التركية تخطط للتمركز في قاعدة “الوطية” ذات الأهمية الإستراتيجية غربي ليبيا، تحت ذريعة زيادة مستوى الدعم المقدَّم لما يسمَّى حكومة الوفاق؛ وذلك ليتمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من بسط نفوذ قواته باتجاه مناطق أخرى من ليبيا من المتوقع أن يطالها الغزو التركي.

ووفقاً لصحيفة “أحوال” التركية؛ فإن عين أنقرة انصبت على الاستحواذ على قاعدة الوطية الإستراتيجية لتكون قاعدة دائمة للجيش التركي تضاف لقواعده في قطر والصومال وغيرها.

وقال الصحفي التركي تشيتينار تشيتين بصحيفة “خبر تُرك”: إن هناك استعدادات لدى القوات التركية لنشر طائرات بدون طيار، ومقاتلات من طراز إف-16 في قاعدة الوطية بالتنسيق مع الحكومة الليبية.

وأوضح الكاتب التركي: أن تمركز القوات الجوية التركية في القاعدة المذكورة، يمكن تنفيذه بموجب مذكرة التفاهم الأمنية والعسكرية تركيا وليبيا.

وشدّد على أن أنقرة لا تفكر أبدًا بالانسحاب من ليبيا مهما كان الثمن؛ ولذلك تعمل على تأسيس مركز تنسيق عسكري في قاعدة الوطية يمكنها من استخدامها للرد على استهداف مصالحها بالمنطقة.

ولفت الصحفي التركي إلى أن تركيا قامت الأسبوع الماضي بشحن منظومة للدفاع الجوي والتشويش من طراز “هوك” إلى ليبيا.

ويتوقع مراقبون أن يستخدم اردوغان سلاح الطيران لشن عملية عسكرية على مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، التي تحتل أهمية إستراتيجية.

وتسعى تركيا لتحويل القاعدة الجوية إلى منطقة محصنة لطائراتها، بعيدًا عن مدى صواريخ جراد، التي تقصف بها قوات الجيش الليبي مطار معيتيقة بطرابلس وأن تكون نقطة انطلاق لضرب ترهونة وقرى الجبل الغربي الخاضعة للجيش الوطني الليبي.

والهدف يتسع أيضًا لاستهداف الطيران التركي لخطوط الإمداد جنوب مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس)(5):

انعكاسات ممتدة:

من المحتمل أن تتسبب هذه التطورات الميدانية في الكثير من الانعكاسات الداخلية والخارجية، ويجب الإشارة هنا إلى أنه ثمة مؤشرات عديدة على سيطرة ميليشيات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية، ولعل أهمها هو استمرارية الدعم المقدم من جانب تركيا لحكومة الوفاق بصورة أكثر سهولة، وهو ما قد يسهم في زيادة الضغوط الإقليمية والدولية على تركيا؛ خاصة أنها لم تلتزم بمخرجات العملية السياسية في مسار برلين السياسي ومؤتمره المنعقد في يناير 2020، كما أن هذه التحولات الإستراتيجية في ليبيا قد تدفع هذه المرة إلى توحيد الجهود العربية في مواجهة التدخل التركي بصورة مباشرة وغير مباشرة في دعم حكومة الوفاق وميليشياتها المسلحة، وهذا الدور العربي قد يتجلى بصورة كبيرة بالتنسيق مع الدول الأوروبية والدولية التي من المحتمل أن تنعكس الأوضاع التي تشهدها ليبيا على أمنها واستقرارها.

  • 1- مواجهة سياسية وعسكرية:

قد تتسبب هذه التطورات في أن تواجه تركيا الداعم الأكبر لحكومة الوفاق الليبية ضغوطًا كبيرة فيما يتعلق بسياستها القائمة على دعم الميليشيات الإرهابية التابعة لها، خاصة بعد ما انشغلت دول المنطقة والعالم بمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، ولكن من ناحية أخرى فإن دول الاتحاد الأوروبي أطلقت العملية إيريني، والتي من شأنها مواجهة ومراقبة حركة تدفق الأسلحة إلى ليبيا، كما أن الدول الأوروبية بدأت تهتم بصورة كبيرة بأمنها الإقليمي بعد ما أحدثت تقدمًا في الحفاظ على أمنها الإنساني في مواجهة تداعيات انتشار الفيروس، وهذا الأمر قد ينعكس بصورة مباشرة على مجريات الأحداث الداخلية الليبية، والتي من الممكن أن تستمر قوات الجيش الوطني الليبي في استكمال عملية الكرامة.

  • 2- تعزيز النفوذ:

قد تستغل تركيا سيطرة ميليشيات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية في التسريع بإرسال الإمدادات الجوية من مرتزقة وأسلحة لمساندة ودعم هذه الجماعات، وهو ما يمكن أن يسهم في زيادة مستوى انخراطها في الأزمة؛ خاصة أن هناك إصرارًا من جانب تركيا على دعم حكومة الوفاق في الضغط على الدول الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها على مستوى الداخل الليبي، وأيضًا في منطقة غاز شرق المتوسط.

  • 3- الهجوم مجددًا:

بعد إعلان الجيش الوطني الليبي أن انسحابه من قاعدة الوطية بمثابة انسحاب تكتيكي، فسوف تكون هناك استمرارية في تنفيذ عملية الكرامة الخاصة بالتخلص من الميليشيات المسلحة، والحفاظ على وحدة واستقرار ليبيا(6).

1_ المرجع

2_ مونتكارلو الدولية

3_ سبوتنك

4_ سبوتنك

5_ الشروق

6_ المرجع

التعليقات مغلقة.