fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

رغم محاولات إسرائيل … الشعب العراقي يصدر قراره “لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني”

123

رغم محاولات إسرائيل … الشعب العراقي يصدر قراره “لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني”

 

فلا زال الاحتلال الإسرائيلي يبثُّ سمومه داخل الوطن العربي؛ إما بالتدخل في شئونه أو تهديد أمنه، أو بسط نفوذه، أو بالتطبيع مع حكوماته؛ هذه كلها خطط الكيان الصهيوني لنزع الاعتراف به من أفواه العرب، ويخلق لنفسه شرعية مستمدة من الأرض المختصبة والاعتداء على الفلسطينيين بعد أن سلب منهم كلَّ حقوقهم؛ هذه هي الخطة والمستهدف لدى الكيان المحتل الغاصب.

فتارة نجد الكيان يبسط نفوذه في المغرب، ووتارة يمد أذرعه في إفريقيا، وأخرى بالتطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان، ويغازل السعودية، ويذهب لمصر؛ كل هذا على اعتقاد منه أنه شرعي صاحب وطن وسيادة؛ إلا أن الكيان الغاصب لم ينجح في أن ينتزع شرعيته من قلوب الشعوب العربية والإسلامية التي اتصلت بالشعب الفلسطيني عن طريق القلب والجسد الواحد.

وقد ظهر ذلك مؤخرًا واضحًا في أربيل حينما ذهب الصهاينة إلى العراق لفتح قنوات التطبيع مع الجمهورية العراقية؛ إلا أن موجة الشعب العراقي كانت أقوى من كلِّ السياسات، وجاءت رافضة للتلويح بالتطبيع مع المحتل الصهيوني.

دعوات التطبيع العراقية مع الكيان الصهيوني التي أطلقتها شخصيات عراقية خلال مؤتمر في أربيل، والذي نظَّمه “مركز اتصالات السلام”، وهو منظمة أمريكية يقع مقرها في نيويورك، أثار حالة من الجدل.

نص البيان:

جاءت الدعوات إلى التطبيع العراقي مع إسرائيل عبر البيان الختامي لمؤتمر عقد في أربيل، واشتمل هذا البيان الذي قرأته سحر الطائي مديرة الأبحاث في وزارة الثقافة ببغداد على التالي: “نطالب بانضمامنا إلى اتفاقيات إبراهيم (أبراهام)، وكما نصَّت الاتفاقيات على إقامة علاقات دبلوماسية بين الأطراف الموقعة ودولة إسرائيل، فنحن أيضًا نطالب بعلاقات طبيعية مع إسرائيل، وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها بغية التطور والازدهار”.

وُقِّعت “اتفاقات أبراهام” برعاية واشنطن في أيلول / سبتمبر 2020 لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، ومِن ثَمَّ مع المغرب والسودان.

وقالت الطائي التي كانت من المتحدثين خلال المؤتمر: “لا يحق لأي قوة؛ سواء كانت محلية أم خارجية، أن تمنعنا من إطلاق مثل هذا النداء”.

وكان بين المتحدثين العراقيين لواء سابق، وأحد قادة “الصحوة”، وهي فصائل عشائرية قاتلت التنظيمات الإسلامية المتطرفةٍ بدعم من واشنطن.

وتحدث خلال المؤتمر عبر الفيديو تشيمي بيريز الذي يرأس مؤسسة أسسها والده، الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز.

وقال الشيخ ريسان الحلبوسي شيخ عشيرة البومطر من الأنبار لوكالة الأنباء الفرنسية: “يكفينا عداء وفتن وقتل. مفروض نفتح صفحة جديدة للتعاون، والسلام والأمن؛ لكي يعيش أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا بسلامٍ وأمانٍ. لا تستطيع بين يوم وليلة أن تقنع المواطن بالتطبيع مع إسرائيل … مع الزمن تتغير الأفكار”(1).

الجهة المنظمة للمؤتمر:

ولعله من أهم جوانب قراءة التطبيع وفهم ما يجري على أرض الواقع من حقيقة التدخلات الإسرائيلية عن طريق تسخير وتجنيد خُدَّام لها في دولة عربي، هو: أن نلقي الضوء على الجهة المنظمة للمؤتمر، وهي: “مركز اتصالات السلام” الذي يتخذ من نيويورك في الولايات المتحدة مقرًّا، ويعمل من أجل تعزيز التواصل بين العرب والإسرائيليين، وحماية الناشطين الداعمين للتطبيع مع إسرائيل.

ووَفْقًا لموقع المركز على الإنترنت، فإن مؤسسه هو الخبير الأميركي من أصل يهودي عراقي جوزيف برود، الذي يتمحور مشروعه الفكري، بحسب سيرته في الموقع، حول احتواء معاداة إسرائيل في الخطابات الإعلامية والدينية والتعليمية في الشرق الأوسط.

وإلى جانب برود يتصدَّر مجلس إدارة المركز، الدبلوماسي الأميركي المخضرم دينيس روس المستشار في معهد واشنطن، والمسؤول البارز في عملية السلام في الشرق الأوسط خلال إدارتي: جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، حيث قام بدور الوسيط في مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين للصول إلى الاتفاق المؤقت عام 1995، كما قام بتسهيل معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية.

ويضم مجلس المديرين أيضًا آدم غارفينكل، وهو مؤرخ وعالم سياسي أميركي ومحرر مؤسس لمجلة “أميركان إنتريست”؛ إضافة إلى هيث غرانت، وهو أستاذ في كلية جون جاي للعدالة الجنائية بنيويورك، وعمل في السابق في وزارة الخارجية الأميركية، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية(2).

ولعل القارئ الآن عَلِم: لماذا ظهرت الدعوة بالتطبيع مِن هذه المنظمة، ومَن يقف خلفها؟!

وببساطة شديدة: إنه الراعي الرسمي أمريكا، فلا عجب أن تظهر مثل هذه الأصوات في جسدٍ امتلأ بالجروح، والدعائم الخارجية له.

ملاحظات ثلاث:

وقد سطر هذه الملاحظات كاتب سياسي متابع للشأن الداخلي العراقي يقول: “مِن المهم جدًّا تسجيل 3 ملاحظات جوهرية على المؤتمر الذي عُقد في مدينة أربيل، العاصمة المحلية لإقليم كردستان في شمال العراق، في 25 أيلول / سبتمبر الجاري.

تتمثل الملاحظة الأولى: بأنَّ جهات أميركية صهيونية تقف وراء فكرة تنظيمه، واختيار المكان المناسب له، تحت مظلَّة منظَّمة غير حكومية، هي: “مركز اتصالات السلام”، وبالتعاون والتنسيق والدعم والتمويل مِن قِبَل أطراف داخلية وخارجية.

الملاحظة الثانية هي: أن التحضيرات والاستعدادات الفنية واللوجستية له، والتي استغرقت بضعة أسابيع، أحيطت بقدرٍ كبيرٍ من السرية والكتمان، على خلاف المتعارف في مختلف الفعاليات: السياسية، والاقتصادية والثقافية، والأمنية، التي يتم الترويج لها والإعلان عنها مسبقًا، وعبر مختلف وسائل الدعاية والإعلام.

الملاحظة الثالثة: أنَّ أغلب المدعوين والمساهمين والفاعلين فيه والمحتضنين له، تبرؤوا منه حتى قبل أن تنتهي وقائعه، وهو أمر غريب، وربما لا توجد سابقة له. وبدلًا من أن يستتبع المؤتمرَ شرحٌ وتوضيح لمضامينه ونتائجه، ومخرجاته وأهدافه؛ راحت البيانات والتصريحات من هنا وهناك تتوالى للنأي عنه، وكأنه فعل معيب وشنيع.

هذه الملاحظات الثلاث هي التي صاغت ورسمت مجمل الانطباعات والتقييمات العامة لمؤتمر “السلام والاسترداد” التطبيعي، وبشكل أوضح، مثَّلت حلقة وصل ونقطة استمرار لمجمل المواقف والتوجهات العراقية السابقة من قضية التطبيع والعلاقات مع الكيان الصهيوني، وما يمكن أن يتأسَّس ويترتب مستقبلًا على هذا المؤتمر، وأي خطوات ومبادرات أخرى مماثلة أو مشابهة باتجاه التطبيع”(3).

استنكار واسع:

يقول عباس العرداوي المحلل السياسي، عضو حركة حقوق العراقية: “إن قضية التطبيع قضية مرفوضة على المستوى القانوني والدستوري، كذلك على المستوى الشعبي والجماهيري، وهذا الرفض متجذر لدى الشعب العراقي، وهذا التطبيع يمثِّل خطًّا أحمر، حيث يجرِّم القانون العراقي مَن يتحدث أو يروِّج ويدعو إلى التطبيع أو اعتبار إسرائيل صديقة، حيث تصل الأحكام في هذا الأمر إلى الإعدام”.

وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: إن هناك رفضًا سابقًا لمقدمات هذا التطبيع؛ سواء كان على مستوى العلاقات أو الدعم الشعبي، وحتى على مستوى الدعم الإعلامي، ونرى أن البعض يحاول تمرير مؤتمر يعتقد مِن خلاله أنه يستطيع الالتفاف على إرادة العراقيين.

وأشار العرداوي: إلى أن هذا الأمر محسوم، وقد أصدر القضاء العراقي قرارات بالقبض على المشاركين والداعمين والراعين لهذا المؤتمر، وسوف يعرضون على المحاكم العراقية ويحصلون على جزائهم، ويجب هنا أن نعلم: أن الدستور العراقي يميِّز بين الطوائف والمكونات، وبين الحركات المعادية للشعوب.

بدورها قالت عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي، الدكتورة فاطمة العاني: إن المؤتمر الذي انعقد في أربيل تحت عنوان: “السلام والاسترداد” قبل أيام لا يمثل أي توجهات شعبية نحو التطبيع مع إسرائيل؛ لا مِن قريبٍ، ولا مِن بعيدٍ؛ لعددٍ من الأسباب، أولها -وعلى رأسها- هو: عنوان المؤتمر الذي لم يكن فيه أي إشارة إلى التطبيع، بل إن بعض الذين حضروا المؤتمر قاموا بتقديم توضيحات تؤكِّد أن المؤتمر هو للتعايش السلمي بين الأديان(4).

حكومة كوردستان الحاكم الذي تنصل عن مسئوليته:

تقع أربيل تحت حكم إقليم كردستان والتي أعلنت حكومته: “أن المؤتمر عقد من دون “علمنا وموافقتنا”، نافية أن يكون معبِّرًا “بأي شكل من الأشكال عن موقف حكومة الإقليم”، وتوعَّدت “باتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعة كيفية انعقاد المؤتمر”، لكن براودي أكَّد استحصاله على موافقة من وزارة داخلية الإقليم، وقال: “نحن نشكرهم كثيرًا على منحنا هذه الفرصة، ونعتبرها من الحكومات المميزة في المنطقة والراغبة في السلام، وأما حضور شخصيات من المجتمع الكردي فلأن الدعوة جاءت برغبة شرائح من تلك المحافظات التي ذكرناها، ثم إن الإقليم الكردي يتمتع بعلاقات واسعة مع معظم بلدان المنطقة، وهو الذي منح لنا هذه الفرصة وقد حضر مسؤول عنه”.

وفي شأن الخطوات المقبلة للمنظمة قال رئيس مركز اتصالات السلام: “هذه خطوة أولى في طريق طويل لصعوبة المهمة في العمل على مثل هذه القضايا الصعبة والمعقدة، ولكن سنعمل قدر المستطاع مع أصدقائنا في العراق وغيره من البلدان، فنحن لا نعمل على القضية الإسرائيلية – الفلسطينية فقط، بل على إنهاء الحروب الأهلية عمومًا، وستكون لدينا برامج ثقافية وأخرى للتعارف، ونرحب بكل من يرغب في زيارة إسرائيل”، وتساءل: “لماذا لا يتم التعارف بين الإخوة في الإنسانية، وهناك نصف مليون إسرائيلي من أصول عراقية، وكيف تمنع شخصًا من زيارة أخيه”(5).

بيان الحكومة العراقية:

ولعل ضغوط الشارع العراقي دفع الحكومة إلى إصدار بيان تعلن فيه عن موقفها، وجاء كالتالي: “أعلنت الحكومة العراقية رفضها القاطع لما وصفته بـ”الاجتماعات غير القانونية” التي عقدتها بعض الشخصيات العشائرية المقيمة في مدينة أربيل بإقليم كردستان، و”رفع شعار التطبيع مع إسرائيل”، وشددت الحكومة العراقية على أن التطبيع مع إسرائيل “مرفوض دستوريًّا وقانونيًّا.

وأفاد بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بأن “الحكومة تؤكد أن هذه الاجتماعات لا تمثِّل أهالي وسكان المدن العراقية العزيزة، التي تحاول هذه الشخصيات بيأس الحديث باسم سكانها، وأنها تمثِّل مواقف مَن شارك بها فقط؛ فضلًا عن كونها محاولة للتشويش على الوضع العام، وإحياء النبرة الطائفية المقيتة، في ظلِّ استعداد كل مدن العراق لخوض انتخابات نزيهة عادلة ومبكرة، انسجامًا مع تطلعات شعبنا وتكريسًا للمسار الوطني الذي حرصت الحكومة على تبنيه والمسير فيه”، وَفْقًا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية.

وأضاف البيان: “مِن جهة أخرى: فإن طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستوريًّا وقانونيًّا وسياسيًّا في الدولة العراقية”، وتابع البيان: “الحكومة عبَّرت بشكلٍ واضحٍ عن موقف العراق التاريخي الثابت الداعم للقضية الفلسطينية العادلة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ورفض كل أشكال الاستيطان والاعتداء والاحتلال التي تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الشقيق”(6).

تراجعات عشائرية:

ومع التنديد الواسع بالمشاركين في المؤتمر، ظهرت العديد من المراجعات، حيث أشار بعض المشاركين إلى أنه تم التغرير بهم أو تضليلهم بعنوان خادع حول غرض تنظيمه.

وقال فلاح الندا -أحد شيوخ العشائر المشاركين بالمؤتمر- في بيان: “إنه حضر؛ لأن الشيخ وسام الحردان قدَّمه باعتباره مؤتمرًا “للتعايش السلمي بين الديانات، ومِن ضمنها: الدين اليهودي!”، قبل أن يتفاجأ من خلال الخطابات بموضوع التطبيع مع إسرائيل.

وقال: “بعد هذه البيانات والخطابات غادرنا القاعة”، مؤكدًا أنه “لم ولن يساوم على القضية الفلسطينية واحتلال أراضيها”.

كما أصدرت مجموعة من الشخصيات العشائرية ومنتسبي الصحوات المشاركين في المؤتمر بيانًا تنصلت فيه من دعوات التطبيع.

وجاء في البيان الذي تلاه صلاح مصلح شيخ عشيرة بو ذياب في حزام بغداد، خلال تصريح للصحافيين في أربيل السبت: إن المجموعة حضرت المؤتمر بناءً على دعوة من وسام الحردان “باعتبار أنه مؤتمر لإرجاع المفسوخة عقودهم من الصحوات؛ إضافة إلى ضمهم إلى القوات الأمنية”، مشيرة إلى أنها تفاجأت بأن الموضوع مختلف تمامًا.

وحمَّلت المجموعة رئيس الصحوات وسام الحردان “المسؤولية الكاملة قانونيًّا وعشائريًّا”، مؤكدة أن: “موقفها واضح في دعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه الكاملة، وأنها ضد التطبيع”(7).

ملخص:

تظل القضية الفلسطينية قابعة في النفوس العربية والإسلامية ولا يمكن لأحدٍ المراهنة بها، فهي الدائمة والمغرر بهم والدخلاء والعملاء إلى زوال، فالقضية الفلسطينية ليست مجرد شعارات أو هاشتاجات، ولكنها قضية تحيا بها النفوس الكريمة، وقد ظهر ذلك جليًّا في ردود الفعل بالشارع العراقي الرافض للتطبيع، وعليه دفع حكومته إلى استصدار بيان يرفض ذلك.

وبالتالي: لا بد للحكومات العربية من العودة إلى الشارع النابض بكره إسرائيل، والتراجع عن محاولة التطبيع والتوأمة بينها وبين الحكومة الصهيونية الغاصبة.

1_ فرانس 24/ تحت عنوان: “السلام والاسترداد”… مؤتمر في كردستان العراق يدعو إلى التطبيع مع إسرائيل/ أ ف ب.

2_ الشرق/ من هم المشاركون في مؤتمر التطبيع مع إسرائيل بأربيل؟/ فريق الشرق.

3_ الميادين/ مؤتمر أربيل التّطبيعي … فضيحة المموّلين والداعمين والمساهمين/ عادل الجيوري.

4_ سبوتنك/ بعد مؤتمر “أربيل” المثير للجدل … هل يغلق العراق ملف التطبيع مع إسرائيل؟/ فريق سبوتنك.

5_ الإندبندت/ ماذا جرى في “مؤتمر أربيل” للسلام مع إسرائيل؟/ باسم فرنسيس.

6_ سي أن أن/ الحكومة العراقية تؤكد رفضها التطبيع بعد “اجتماع غير قانوني” في أربيل … وإسرائيل تصفه بـ”حدث يبعث بالأمل”.

7_ الشرق/ من هم المشاركون في مؤتمر التطبيع مع إسرائيل بأربيل؟/ فريق الشرق.

التعليقات مغلقة.