fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

درعا ورقة بشار الأسد الأقوى لعودته الدولية وتحسين صورته

197

درعا ورقة بشار الأسد الأقوى لعودته الدولية وتحسين صورته

 

فما زال النظام السوري يفرض سيطرته على الشعب السوري بقوة السلاح والقمع والتعذيب للمواطنين العزل، وذلك بالاستعانة بالقوى الخارجية على شعبها مِن: الروس والإيرانيين، وبالتالي فإن الشعب السوري يرى أن مَن يحكمه بقوة السلاح ما هو إلا رئيس عصابة يريد أن يفرض قانون الغابة على وطنه.

فعلى سبيل المثال لا الحصر: “درعا” التي يسكنها أكثر من 50 ألف نسمة أطبق عليها النظام السوري حصاره الغاشم، وقام بقصفها بالذخائر الكيميائية المحرمة دوليًّا؛ وذلك لرفضهم الرضوخ إلى النظام السوري الإيراني وتسليم السلاح الخفيف، وكذلك قام النظام بنشر الحواجز والثكنات العسكرية في مواقع متفرقة لمحاسبة مواطني وأهل درعا.

ومع هذا الحصار الغاشم عانى أهالي درعا من سوء المعيشة وتدهور الأوضاع الصحية، فقامت لجنة التفاوض المكلفة من أهالي درعا بالجلوس على مائدة الحوار مع النظام السوري، وتم التوصل إلى توقيع اتفاقية بين الأهالي وبين النظام السوري، وهذه الاتفاقية تقضي بتسليم السلاح الخفيف، وإقامة حواجز عسكرية تابعة للنظام السوري، وكذلك المصالحة الأمنية مع عددٍ مِن الشباب، وبعد يومين من توقيع الاتفاق قام النظام بوضع شروط أخرى من جانبه على الاتفاقية؛ مما دفع لجنة المفاوضات بالرفض لمطالب النظام السوري.

وبعد أن رفضت اللجنة التصعيد في المطالب التي وضعها النظام السوري، قامت عصابة بشار الأسد بقصف عنيف للبلدة بأكملها، وذلك عن طريق الجو والبر؛ مما دفع فتح العديد من الجبهات ونشاطها بالتزامن مع اقتحام درعا، حتى إن الريف الشرقي والريف الغربي دخلا على خط المعارك نصرة لدرعا وأهلها، وذلك مكَّن الجيش الحر وأهالي درعا من السيطرة على الوضع، وأسر العشرات من عناصر النظام السوري.

وبالنظر إلى الوضع في درعا يتبيَّن أن الحل العسكري في المناطق السورية أصبح من الصعب تحقيقه، وأن الحل السلمي عبر المفاوضات والجلوس والتوافق على بنودٍ يتفق عليها الطرفان هو الأصلح للبلاد؛ إلا أن الطرف التابع لبشار الأسد يتعامل مع المواطنين السوريين بغطرسة شديدة تدفعه لقتلهم دون رحمة وانتزاع حقوقهم، ومع ذلك هناك ثلاثة سيناريوهات تطفو إلى الواجهة.

لحلحلة الوضع في درعا:  

الأول: التدخل الروسي للتوسط بين الطرفين، والوصول إلى تسوية حقيقية برعاية روسية.

الثاني: الوصول إلى اتفاق بين الطرفين بوقف التصعيد العسكري، ونشر حواجز تابعة للفيلق الخامس في درعا.

الثالث: الرجوع والعودة إلى بنود التسوية القديمة أمام ضربات الجيش الحر، والخسائر المتتالية للنظام.

التدخل الروسي:

بعد هذه السيناريوهات، ظهر السيناريو الأول وهو التدخل الروسي إلى السطح ودفع به النظام السوري للتوسط بينه وبين الجيش الحر في درعا، وبالفعل تم الاتفاق على تسوية بين الطرفين بقيادة روسية هذه الاتفاقية.

تركّزت وقتذاك أبرز بنود التسوية على تسليم المعابر الحدودية لقوات النظام، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط من الفصائل العسكرية إلى النظام، ودخول مؤسسات الدولة إلى المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام سابقًا، وعودة الموظفين إلى أعمالهم؛ إضافة إلى تسوية أوضاع المسلحين والمطلوبين من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة ستة أشهر لمستحقي الالتحاق بالخدمة الإلزامية، ووقف عمليات الاعتقالات والملاحقات الأمنية والإفراج عن المعتقلين.

مكتسبات النظام من الاتفاقية:

أتاح “اتفاق درعا” الأخير الذي تم برعاية روسية للنظام السوري، دخول قواته إلى كامل المدن والقرى والبلدات في المحافظة، بعد إجراء عمليات “تسوية أمنية” أو كما تسمَّى محليًّا بـ”المصالحة”؛ ليتم فيما بعد إقدام المسلحين المعارضين على تسليم أسلحتهم، ومِن ثَمَّ إعادة الانتشار العسكري والأمني، الذي كان غائبًا منذ 3 سنوات.

تعامل النظام مع بنود الاتفاقية:

على الرغم من توقيع الطرفين على الاتفاقية، لكن معظم بنود الاتفاق المُتعلّقة بمصالح سكان درعا لم تُنفَّذ، خصوصًا ما يتعلَّق بخروج المعتقلين وتسوية أوضاع المُنشقّين والمطلوبين، وإيقاف الملاحقات والبلاغات الأمنية بحق أصحاب التسويات، وعودة المؤسسات الحكومية والموظفين إلى عملهم، بل على العكس كان الشلل يحكم القطاعات الخدمية والتعليمية والاقتصادية في درعا، إلى جانب الفلتان الأمني المتمثِّل بهجماتٍ متواصلةٍ تطال القوات العسكرية والأمنية، وعمليات الاغتيال المتكررة ضد شخصيات وقيادات مدنية وعسكرية بعضها معارض.

بالإضافة إلى ذلك: فإن النظام فتح الأبواب بشكلٍ واسعٍ لعمليات تجنيد مقاتلي فصائل التسوية والمطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية، وقد التحق الآلاف منهم بقواته وأفرعه الأمنية بعد حصولهم على وعود بعدم مشاركتهم في أي معارك خارج المحافظة؛ الأمر الذي مهَّد لحالة استطاع فيها آلاف المقاتلين السابقين الحفاظ على أسلحتهم، والحصول على بطاقات أمنية أو عسكرية تُسهِّل لهم حركتهم، من دون إغفال أن من بين هؤلاء قياديين سابقين في المعارضة(1).

الوجود الإيراني:

الاتفاق الدولي الذي تعهدت روسيا بتمريره في جنوب سوريا يضمن خروج الميليشيات الإيرانية من درعا؛ إلا أنه وخلال السنوات الثلاث الماضية كانت إيران موجودة وبشكل علني في بعض الأحيان لا سيما خلال الحملة الأخيرة التي قادتها ميليشيا الفرقة الرابعة على أحياء درعا البلد بوجود ميليشيات أخرى ظهرت بفيديوهات مصورة، وهو ما وضع روسيا ربما على المحك الدولي.

تسوية 2021 حملت ذات الشروط القاضية بخروج ميليشيات إيران من درعا لكن ما اختلف فيها عن تسوية 2018 أنه أمر تم “مبدئيًّا” وبشكل ملحوظ؛ إذ باشرت الفرقة الرابعة وميليشيات أخرى الانسحاب عقب بدء التسويات الجديدة برعاية روسية، ولكن التخوف الحقيقي هو من عودة هذه الميليشيات في حال تغير الظروف الدولية ومن المرجح أن يكون الخروج تم باتفاق مع روسيا التي تحاول تعزيز علاقتها مع إسرائيل لتمرير مشاريع من شأنها إنقاذ نظام أسد.

وفي الحقيقة: لم تعد إيران مضطرة للبقاء عسكريًّا في درعا في ظل سيطرتها على مؤسسات أسد المدنية، وربما تسعى لاختراق المجتمع من خلال هذه المؤسسة دون اللجوء لسياسات كانت تتبعها بعيد 2018، وبشكل عام تتجه المحافظة بخط منحدر يصب في صالح النظام وميليشياته، لكن هذا السير لا يبدو متسارعًا في ظل رفض دولي لوجود إيران داخل مؤسسات أسد، وفي ظل المقاومة الشعبية بكافة أشكالها(2).

وعلى الرغم من إخضاع النظام لدرعا عبر هذه الاتفاقية؛ إلا أن هذا الأمر ليس له حتى اللحظة انعكاسات حاسمة في المشهد السوري بعد؛ فناهيك عن غياب أي تغيير في مسيرة العملية السياسية ينذر بتفكيك استعصاءاتها المزمنة؛ فإن النتائج الأمنية للاتفاقيات لم تستقر بعد، وتحتاج لاختبار عنصر الزمن؛ إلا أنها تشير إلى انعكاساتٍ أمنية وسياسيةٍ راهنة، ومحتملة لصالح النظام ومحوره.

الوضع الأمني في درعا بعد الاتفاق:

النتائج الأمنية للاتفاقيات لم تستقر بعد، وتحتاج لاختبار عنصر الزمن؛ إلا أنها تشير إلى انعكاساتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ راهنة ومحتملة لصالح النظام ومحوره، فضلًا عن انعكاس التسوية سيطرة مطلقة أمنية للنظام، فإنها قد تفضي إلى تعزيز الوجود الإيراني بدلًا من إضعافه، فبالتزامن مع التسوية بدأت تتزايد مؤشرات تقويض اللواء الثامن المدعوم روسيًّا، والذي شكَّلته روسيا من أحد فصائل درعا، فصيل لواء “شباب السُّنَّة” المعارض، ويقوده أحمد العودة، فقد أوقفت روسيا رواتب مقاتليه وقد يصل الأمر قريبًا إلى حلِّه؛ خاصة أن قطار “التسوية” وصل إلى حدود بصرى الشام (شرق درعا)، المعقل الرئيس لهذا اللواء، ما ينذر بتنفيذ رغبة موسكو والمتمثلة بإعادة تأهيل “الجيش السوري” والاكتفاء به عسكريًّا، بما يوفِّر إستراتيجية خروج للروس.

الوضع السياسي:

تتزايد سياسيًّا مؤشرات أولية على تبلور مقاربة “إعادة تأهيل الأسد” وعودته للمحيط العربي كخطوة أولية لانفتاح دولي وغربي على النظام، كالمبادرات الإماراتية الهادفة لتعزيز التعاون الاقتصادي والانفتاح الأردني الأخير الواسع على دمشق، فضلًا عن مؤشرات دولية، أبرزها: قرار المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) بإعادة التعاون مع سوريا ودمجها في نظام معلوماتها؛ إلا أن الخطوة الحاسمة في هذا الملف هي لواشنطن التي لا تزال تصرُّ على “عقوبات قيصر”، وترفض التطبيع كليًّا مع النظام.

وبالمقابل: يحاول الروس والنظام الاستفادة من الأطروحات الأميركية الداعية لتغيير “سلوك النظام”؛ إذ أبدى موافقة لعقد اجتماع سادس للجنة الدستورية (التي عُقدت في 18 أكتوبر / تشرين الأول 2021)، في محاولة منه للإيحاء بالمرونة دون أن يقدِّم أي “تنازلات مجانية” في جنيف، وهذا ما أكدته نتائج اجتماعات هذه الجولة، والتي وصفها بيدرسون بأنها “مخيبة للآمال”.

إذًا تصب عملية استرداد السيطرة على درعا في صالح تقوية أوراق النظام الأمنية والسياسية، وتدلِّل بطبيعة الحال على أن الرؤية العامة للحل تقوم على حلٍّ صفري يعتمد التسوية كمدخل لفرض الحل الأمني؛ الأمر الذي من شأنه إعادة التحكم والضبط في درعا ويعيد لمؤسسات الدولة التموضع المركزي في عمليات الحوكمة.

لا شك أن نجاح النظام في استعادة سيطرته على درعا، يشكِّل دافعًا إضافيًّا له لطرح هذه “التسوية” كنموذجٍ للتعامل مع باقي المناطق؛ لا سيما في مناطق شرق الفرات (الغلَّة الاقتصادية الأكبر بالجغرافية الاقتصادية) التي يستعد فيها النظام لسيناريو الانسحاب الأميركي المحتمل.

وقد تشكِّل تسوية درعا أيضًا، لا سيما في ظل عدم وجود موقف إقليمي ودولي معارض، بدايةً لمرحلة تنامي سيطرة النظام، والتأسيس لاستعادة كامل سيطرته على المناطق التي لا تخضع لسيطرته المباشرة بعد؛ مما يساعده على حثِّ الروس لإعادة إنتاج اتفاقيات جديدة في أستانة لتمكِّنه مع الروسي مِن قضم المزيد من الأراضي في منطقة خفض التصعيد الرابعة، إدلب.

رغم ما حققه النظام في درعا لا يمكن الجزم بديمومة استقرار سيطرته عليها، فالمشهد السوري لا يزال مفتوحًا على التطورات الإقليمية والدولية ومقيدًا بها، خاصة أن الحدود الأمنية المتشكلة في مناطق النفوذ الدولية لم تتغير، ولا تزال مناطق شمال غرب سوريا خاضعة لتفاهمات أستانة، ولا تزال مناطق شرق النهر تحت النفوذ الأميركي الذي يبدو أنه يعيد حسابات الانسحاب لا سيما بعد التطورات الدراماتيكية التي رافقت انسحابه من أفغانستان؛ بالإضافة إلى أن سياسات “تعويم الأسد” لا تزال في طور اختبار تكتيكات وخطوات لا تزال محدودة الأثر(3).

الدور الروسي:

يطرح تفاعل موسكو مع مجريات الأحداث في درعا، والدور الذي تلعبه في المفاوضات الجارية تساؤلات حول ما إذا كان هذا الدور يقتصر على كونها “طرفًا ضامنًا” أم “متحكمًا” في الأحداث جنوبي سوريا.

يرى الباحث والمحلل السياسي نصر اليوسف: أن روسيا طرف ضامن للاتفاقيات ومتحكم أساسي ورئيس بمجريات الأحداث في نفس الوقت، وقال: إن روسيا قادرة على فعل أي شيء تريده في سوريا، وليس ذلك من منطلق القوة؛ لأن قوتها لا تقارن بقوة إيران أو قوة النظام، والنظام صمد واستعاد هذه المكاسب اعتبارًا من نهاية 2015 وحتى الآن فقط بفضل روسيا، ولكن روسيا تدعي أنها لا تستطيع؛ لأن هذا الادِّعاء مناسب لها في المجتمع الدولي، عندما تُطلب منها أمور معيَّنة لا تريدها، تقول: إنها لا تستطيع فرضها على الأسد أو التدخل بالشؤون الداخلية في سوريا.

وتساءل الباحث: هل يمكن لدولة تدخلت بتشكيل وحدات جديدة في جيش دولة أخرى ألا تتدخل بالشؤون الداخلية لتلك الدولة، وامتناع روسيا عن التدخل في سوريا “كذب”، بحسب الباحث؛ إذ إنها تصر على التظاهر بالديمقراطية بعدم التدخل بشؤون النظام الداخلية، ولا تعمل روسيا على تأديب النظام وإيران من خلال التصعيد في الجنوب السوري، بحسب ما قاله المحلل السياسي وائل علوان لعنب بلدي، كما لم يكن لديها تصور عن حجم الاستنزاف الكبير الذي سيحدث بـ“الفرقة الرابعة”.

ويرى الباحث أن روسيا مهتمة بتأديب المنطقة الجنوبية بالضغط عليها، والتهديد العسكري من قبل إيران والميليشيات التابعة لها و”الفرقة الرابعة”، والضغط على “اللواء الثامن” كان أحد المكتسبات التي استفادت منها روسيا، وبشكل عام جرت الأمور بحسب المصالح الروسية، وَفْقًا للباحث، حتى إن الاستنزاف الكبير بـ“الفرقة الرابعة” جَرَى لمصلحة روسيا، دون أن يكون لها دور فيه.

وكانت روسيا تدفع بالتصعيد العسكري في المنطقة من أجل حصول هذه الصدمة، وهذه الخسائر في قوات النظام(4).

الملخص:

هناك محاولات دولية لإعادة بشار الأسد إلى الواجهة السياسية السورية، ورجوعه إلى المحافل الدولية كرئيس سوري، وشرعنته مرة أخرى!

وبالتالي: هذه التسويات هي ورقة قوة في عودته للحياة الطبيعية كما يعتقدون مرة أخرى؛ إلا أن الساحة السورية تشهد العديد من التغيرات، فبالتزامن مع إعلان سيطرة النظام على درعا، كان هناك تحرك عربي للتطبيع مع النظام السوري مرة أخرى، وكذلك يظهر إلى السطح عدم جدوى الحل العسكري، والحل السياسي والجلوس على طاولة الحوار هو الحل الوحيد.

1_ أسواق العرب

2_ أورينت

3_ الجزيرة

4_ عنب

التعليقات مغلقة.