fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

حرب تركيا في سوريا

العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية وبين pkk

502

حرب تركيا في سوريا

(العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية وبين pkk)

 

قال أردوغان في تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر:

“إن القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري (معارضون مدعومون من أنقرة)، بدأنا عملية نبع السلام في شمالي سوريا لتطهير المنطقة من منظمات PKK / YPG وداعش الإرهابية . هدفنا القضاء على الممر الإرهابي المراد تشكيله على حدودنا الجنوبية وإحلال السلام والأمان في المنطقة”.

 

  • إذًا ما هي YPG؟ وما هي القوات السورية الديمقراطية وعلاقتها بPKK؟
  • وماذا عن هذا الصراع المتجدد بين تركيا وأكراد سوريا وما خلفيته وجذوره؟ وما هي مآلات القضية الكردية؟ وهل نرى لهم دولة يومًا ما؟

في هذه الورقة نحاول تناول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال الأحداث الجارية في الوقت الراهن.

الأحداث الجارية:

بدأت تركيا هجومًا على مناطق سيطرة الأكراد في شرق الفرات ما تسبب بنزوح آلاف المدنيين، في خطوة تلت حصول أنقرة على ما يبدو أنه ضوء أخضر من واشنطن التي سحبت قواتها من نقاط حدودية.

وشنت الطائرات الحربية التركية غارات على منطقة رأس العين الحدودية، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وذكرت وزارة الدفاع التركية، أن الجيش وفصائل سورية موالية دخلوا شمال شرق سوريا ضمن الهجوم الذي تشنه أنقرة على مقاتلين أكراد.

وصرَّح متحدث باسم مجموعة سورية مشاركة في الهجوم لوكالة فرانس برس: أن العملية البرية بدأت باتجاه بلدة تل أبيض التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا.

إذًا ماهي قوات سوريا الديمقراطية وPKK؟

قوات سوريا الديمقراطية:

يُشار إليها باختصار قسد، هو تحالف متعدد الأعراق والأديان للميليشيات التي يغلب عليها الطابع الكردي، وكذلك للميليشيات العربية والآشورية / السريانية، وكذلك لبعض الجماعات التركمانية والأرمنية والشركسية والشيشانية في الحرب الأهلية السورية.

وتتألف قوات سوريا الديمقراطية في معظمها من وحدات حماية الشعب YPG، وهي من الميليشيات الكردية في معظمها، وتقودها عسكريًّا، ووفقًا للبنتاغون، كان الأكراد يشكلون 40 في المائة من قوات سوريا الديمقراطية والعرب 60 في المائة، على الرغم من أن مصادر أخرى تقدر المكونات العربية لقوات سوريا الديمقراطية بأنها أقل بكثير من ذلك.

وقد أنشئت الوحدات في سنة 2004م بوصفها الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني اليساري، وقد اتسع نطاقها بسرعة في الحرب الأهلية السورية، وكانت لها الغلبة على الجماعات الكردية المسلحة الأخرى

أعلنت قوات سوريا الديمقراطية بأن مهمتها هي النضال من أجل إنشاء سوريا علمانية، ديمقراطية وفدرالية، على غرار ثورة روجافا في شمال سوريا.

وينص دستور الفدرالية الديمقراطية لشمال سوريا الذي تم تحديثه في ديسمبر 2016 على تسمية قوات سوريا الديمقراطية قوة دفاعها الرسمية.

حزب العمال الكردستاني (pkk):

جماعة مسلحة كردية يسارية نشأت في السبعينيات في منطقة ذات غالبية كردية في جنوب شرق تركيا كحركة انفصالية بمزيج فكري بين القومية الكردية والثورية الاشتراكية، تسعى لإقامة دولة “كردستان” كردية ماركسية لينينية، وفي مطلع الثمانينيات دخلت بشكلٍ صريحٍ في صراع مسلح مع الدولة التركية بغية نيل حقوق ثقافية وسياسية، وتقرير المصير لأكراد تركيا.

استمرت المواجهة حتى نهاية التسعينيات، حيث قبضت تركيا على زعيم الحزب عبد الله أوجلان وسجنته ودخل الحزب مرحلة جديدة من التنظيم[3].

خلفية الصراع:

يعيش نحو 30 مليون كرديًّا في الشرق الأوسط، خصوصًا في دول إيران، والعراق، وسوريا، وتركيا، فيما يشكل الأكراد نحو خمس السكان في تركيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 79 مليون نسمة.

وقد شنّ حزب العمال الكردستاني PKK تمردًا على السلطات التركية منذ العام 1984، وأسس عبد الله أوجلان التنظيم في العام 1978، وكان هدف التمرّد الأساسي هو الحصول على حقوق ثقافية وسياسية أوسع، إضافة إلى هدف أبعد وهو تأسيس دولة كردية مستقلة.

وأدّى الصراع بين السلطة المركزية التركية، وحزب PKK الذي تصنفه أنقرة تنظيمًا إرهابيًّا، إلى سقوط ما يقرب من 40 ألف قتيل من كلا الجانبين.

وقبل وقف إطلاق النار في 1999 بين الـPKK والجيش التركي إثر اعتقال أوجلان، كان الـPKK يتخذ من المناطق العراقية الحدودية معسكرًا خلفيًّا لعناصره المقاتلة في تركيا.

وعقب اعتقال أوجلان، تم الاتفاق على هدنة بين الحكومة التركية والـ PKK، لكنها نقضت في 2004 واندلعت الاشتباكات مجددًا بين الطرفين ليعبر نحو 2000 عنصر تابعين لحزب العمال الكردستاني إلى العراق، وتبدأ الأزمة العراقية التركية مرة أخرى حول الـ PKK.

هدنة موقتة:

وفي أواخر 2013، بدأت الحكومة التركية محادثات مع أوجلان من داخل محبسه للاتفاق على وقف إطلاق النار وجرى تسهيل التواصل بينه وبين قيادات الـPKK في شمال العراق.

تمّ الوصول لاتفاق في آذار 2013 انتقل على إثره عناصر من الـPKK من تركيا إلى العراق وسط ترحيب من حكومة بغداد التي اعترضت فقط على السماح بدخول أعضاء الـPKK مسلحين إلى الأراضي العراقية، لكن مرّة أخرى انهارت الهدنة في 2015 عقب غارات تركية استهدفت عناصر PKK في العراق، وذلك أثناء قصف مواقع لتنظيم “داعش”، لتتوتر العلاقات بين تركيا وPKK مجددًا وسط تهديدات تركية بالدخول إلى العراق، والتي يبدو أنها أصبحت واقعًا.  

كما انهار وقف لإطلاق في أعقاب تفجير انتحاري نفذه من يشتبه بأنهم من مقاتلي “داعش”، وقد أسفر عن مقتل ما يقرب من ثلاثين كرديًّا بالقرب من الحدود السورية، وفي أكتوبر 2015 نفذت جماعة تتبع لـ PKK تدعى TAK، هجومًا في حشد جماهيري.

ومنذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016، توترت العلاقة بين السلطات التركية من جهة وبين حزب الشعب الديمقراطي الكردي في تركيا، وبين وحدات حماية الشعب YPG التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري PYD (والذي تربطه علاقات بـ PKK)، وقد نفذ PKK هجمات ضد السلطات التركية في جنوب غرب تركيا، بمعاونة وحدات حماية الشعب YPG.

ولكن ما هي جذور هذا الصراع؟

بدأ الصراع والاضطهاد للأكراد من جانب تركيا في عهد مصطفى كمال أتاتورك، الذي أعلن الجمهوريّة التركيّة في 1923، وأعلن معه تغاضيه عن حقوق الأكراد، وتنصل مما جاء في معاهدة لوزان أيضاً، ووعوده للكرد، حسب تقرير لقناة «الحروة».

وبدأت مرحلة مظلمة في حياة أكراد تركيا، وكردّ فعل على خيانة «أتاتورك»؛ لوعوده التي قطعها للكرد، اندلعت انتفاضة الشيخ سعيد بيران، عام 1925، وساندها الأرمن والشركس والعرب والأشوريون في مناطق جنوب شرقي تركيا، وانتهت هذه الانتفاضة بالسحق واعتقال الشيخ سعيد وإعدامه مع رفاقه.

ثم اندلعت انتفاضة جبل آغري بقيادة الجنرال في الجيش العثماني، إحسان نوري باشا واستمرّت حتى 1930وأيضًا تمّ سحقها، ثمّ أتت انتفاضة الكرد العلويين في محافظة ديرسم، بقيادة سيد رضا، عام 1937 – 1938م، وتمّ سحقها عبر استخدام الطيران.

وكانت ابنة أتاتورك بالتبنّي صبيحة غوكتشن (أوّل أمرأة تقود طائرة حربيّة في تركيا والعالم) هي التي تقصف مدينة ديرسم بالقنابل، وراح في المجازر التي ارتكبت في سحق الانتفاضات الكرديّة عشرات الألوف من الكرد، ومئات الألوف من المشرّدين والمهجّرين قسرًا.

وفي عهد الرئيس التركي أردوغان، واصل عداءه للأكراد بعد أن نجح حزب الشعوب الديموقراطي «الكردي» في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الأول نوفمبر لعام 2015، ليتخطى حاجز 10% ودخول البرلمان، وأصبح قادرًا بصورة كبيرة على المنافسة السياسيه بشكلٍ كبيرٍ وواضحٍ.

وفتح فوز الأكراد الباب إلى نداءاتٍ تتعلق بفصل المناطق الكرديه عن تركيا ومِن ثَمَّ تمتعها بالحكم الذاتي، أصبح للأكراد حزب بالبرلمان قد يكون في يوم من الايام هو الحزب الحاكم، وهو ما أثار خوف «أردوغان» الذي كرس لسنوات لخطاب الكراهية تجاه الأكراد، الذين لعبوا دورًا حاسمًا في انتخابات بلدية إسطنبول وأسهموا بإسقاط ممثل حزب العدالة والتنمية في سياق تصاعد الاحتقان بين أردوغان وجزءٍ من تركيبة تركيا السكانية.

الأكراد وسوريا وخلفية الأحداث:

في سوريا:  كان جل تركيز الأكراد منصبًا على قتال تنظيم داعش؛ إذ كان ينضوي معظمهم تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ SDF، وهو تحالف بين مقاتلين من الأكراد والعرب يحظون بدعم الولايات المتحدة، وقد أسس الـ SDF منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا ، وفي سبتمبر 2014 دعا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الأكراد إلى بدء «مقاومة شاملة» ضد داعش؛ حوصرت بلدة كوباني من قبل داعش وتم الاستيلاء عليها؛ مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الأكراد السوريين إلى تركيا.

وأسفرت المعركة التي تلت ذلك عن مقتل أكثر من 1600 شخص، لكن قوات سوريا الديمقراطية SDF بقيادة الأكراد استعادت سيطرتها على المدينة في يناير 2015م.

وحررت قوات سوريا الديمقراطية SDF مدينة منبج السورية الإستراتيجية من داعش في أغسطس 2016، لكن أطلقت تركيا عملية عسكرية كبيرة عرفت بـ«درع الفرات»، والتي استمرت من 24 أغسطس 2016م، وحتى 29 مارس 2017م.

وقد استطاعت القوات التركية دفع عناصر SDF للضفة الشرقية من نهر الفرات، مما سمح للمعارضة السورية السيطرة على 2000 كيلومتر مربع في شمال غرب سوريا، ومنع اتصال الأقاليم التي كانت تابعة لـ SDF ببعضها البعض.

وفي يناير 2018م أطلقت تركية عملية عسكرية شارك فيها الجيش التركي والجيش السوري الحر للسيطرة على مدينة عفرين، وقد استطاعوا تحقيق ذلك في شهر مارس 2018م، ومنذ ذلك الحين، استمرت تركيا في التلويح بإمكانية شن هجمات على مناطق تحت السيطرة الكردية في سوريا، بما في ذلك منبج.

مر الموقف التركي من القضية السورية بخمس مراحل رئيسية، هي:

الأولى:

حث النظام على الإصلاحات، وهي الفترة التي امتدت حتى بدايات 2012م، وتخللتها زيارات من وزير الخارجية آنذاك داود أوغلو، ورئيس جهاز الاستخبارات فيدان ولقاءاتهما المتكررة بالأسد، وانتهت بسحب السفير التركي من دمشق بعد إصرار النظام على الحل الأمني وتضاؤل فرص الإصلاح السياسي.

الثانية:

دعم المعارضة السورية بمختلف السبل -بما فيها السياسية والعسكرية- واستضافتها على الأراضي التركية وعدم الاعتراف بشرعية الأسد والمشاركة في مجموعة أصدقاء سوريا، ولعب دور رئيسي بها، وقد استمرت هذه المرحلة حتى 2013 تقريبًا.

الثالثة:

دعم الحل السياسي في سوريا من خلال مسار جنيف وعلى قاعدة غياب / تغييب الأسد عن السلطة، ويمكن التأريخ لذلك بلقاء كيري – لافروف الشهير الذي اعتبر تأكيداً للحل السياسي للأزمة.

الرابعة:

التراجع التكتيكي والقبول ضمنًا ببقاء الأسد في السلطة، ولكن مع التأكيد على عدم شرعيته وعلى ضرورة عدم مشاركته في السلطة في سوريا المستقبل. وقد استمرت هذه المرحلة حتى 2016، وشهدت عدة جولات من محادثات جنيف والتدخل الروسي العسكري المباشر وكذلك أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في نهايات 2015م.

الخامسة:

المبادرة الهجومية، من خلال عمليات عسكرية على الأراضي السورية، أولًا بعملية «درع الفرات» في أغسطس 2016 (بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة بقليل)، وثانيًا، بعملية «غصن الزيتون» في يناير 2018، والآن مع عملية «نبع السلام».

مواقف بعض الدول من الأحداث:

  • الموقف الأمريكي:

في بداية الحرب قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من المنطقة؛ ليمهد الطريق أمام قيام القوات التركية لشن غارات على قوات سوريا الديمقراطية، رغم أنها الحليف الرئيسي للغرب في الحرب ضد تنظيم داعش.

بينما طالبت قيادات في قوات سوريا الديمقراطية، الولايات المتحدة بالمساعدة في حمايتهم، واصفة ذلك بأنه “التزام أخلاقي” وتصر على طلب إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات التركية.

وكان ترامب قد أثار ضجة واسعة بعد الكشف عن رسالة تمكنت CNN من تأكيد صحتها، وجهها لأردوغان يوم انطلاق عمليات “نبع السلام” التركية في سوريا موجها انتقادات له مثل “لا تكن أحمقا”، داعيا إياه لعقد صفقة.

وقد أعلنت أنقرة أنها ستوقف عمليتها العسكرية في سوريا بعد توصلها لاتفاق مع روسيا خلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى سوتشي، حيث أبرم اتفاقا مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين.

وأكد ترامب أنه سيرفع العقوبات المفروضة على تركيا، طالما لم يحدث أمرًا لا يسعد الإدارة الأمريكية.

وكانت قد فرضت عقوبات على تركيا بعد بدء عمليتها العسكرية في سوريا، وشملت العقوبات وزارتي الطاقة والدفاع، ولوحت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات أخرى على أنقرة.

وتأتي هذه الخطوة من ترامب بعد يوم من اتهام وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، تركيا بارتكاب “جرائم حرب” في سوريا، خلال حوار أجراه مع CNN.

  • الموقف الغربي:

حثت فرنسا التي تنشر حوالي 200 من أفراد قواتها الخاصة في الأراضي السورية، تركيا على الامتناع عن أي تنفيذ عملية عسكرية في سوريا من شأنها أن تسهم في عودة تنظيم داعش، فيما ردت تركيا بأنها “لن تسمح” لداعش بالعودة من جديد، وناشدت باريس الحفاظ على أرواح مقاتلي داعش الأجانب في المعسكرات التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق البلاد واعتبرت أنه ينبغي محاكمتهم.

وأعلنت الأمم المتحدة “الاستعداد للأسوأ” وعبرت عن تخوفها من أزمة إنسانية و”موجة هجرة واسعة للأكراد إلى أوروبا” في حالة رحيل الجنود الأمريكيين.

  • موقف النظام السوري:

أعلن النظام السوري أنه سيواجه القوات التركية بمختلف أشكالها في أية بقعة من البقاع السورية وبكل الوسائل والسبل المشروعة، ولكن عمليًّا على الأرض لا يملك النظام السوري بمفرده القدرة على فتح جبهة قتالية مع تركيا، فالجيش التركي النظامي أرهق وتصدع منذ بدأ الانتفاضة السورية في 2011م، بل إن أهداف ونتائج العملية قد تكون مرحبًا بها من النظام، فهو سيضمن إحداث تخلخل ديموغرافي في منطقة الأكراد، ما يسهل عليه التعامل معهم بعد ذلك، كما يسهل عليه عملية الاستيلاء على المناطق السنية في سوريا، لو تم توطينهم في الشريط الشمالي، كما سيعمل على استغلال الخلاف بين الأكراد والمهجرين الجدد لصالحه.

  • جامعة الدول العربية:

على المستوى الدبلوماسي، طالبت الجامعة العربية تركيا بوقف عملياتها العسكرية في شمال سوريا فورًا، والانسحاب الكامل من الأراضي السورية، معتبرة العملية العسكرية التركية “عدوانًا واعتداءً غير مقبول” على سيادة دولة عربية.

وقالت الجامعة في بيان عقب اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب بناءً على طلب مصر: إنها تنظر في اتخاذ إجراءات دبلوماسية واقتصادية واستثمارية لم تسمها، وأخرى تتعلق بالتعاون العسكري مع تركيا، فيما أوضح أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن هذه الإجراءات ستقوم بها كل دولة على حدة، وستراعي “فلسفة التدرج في التعامل مع هذا الموضوع”، دون إعطاء المزيد من التفاصيل، وتحفظت كل من قطر والصومال على البيان الختامي للاجتماع.

  • إسرائيل والمسألة الكردية:

تعترف إسرائيل بحق الأكراد؛ إلا أنها بعد تحالفاتها مع تركيا، لا ترى إزعاج الأتراك في مطاردتهم لهم، حيث كانت تناصر مسعود برزاني ضد صدام، كما حاولت استخدام الورقة الكردية للنيل من فكرة القومية العربية.

غير أن المساعدة المخابراتية الإسرائيلية لتركيا في القبض على أوجلان في نيروبي تدخل في إطار خطة صهيوني تقوم على تطويق الدول المحيطة بها.

وتقوم خطة “تطويق دول الطوق” سوريا والعراق ولبنان من خلال إحاطة العرب بسياج يتبع التحالف الإسرائيلي الأمريكي، فيتم تطويق تلك الدول، كما تعمل على تقوية علاقاتها مع تركيا وأثيوبيا وإفريقيا جنوب الصحراء.

كما تحذر إسرائيل من دعمها “علنًا” للأكراد في تقرير مصيرهم حتى لا يكون ذلك سببًا لدعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. 

  • حلفاء النظام السوري: (روسيا وإيران):

من جهتها عارضت إيران “ظاهريًّا” أي تدخل عسكري تركيا في سوريا ودعت الخارجية الإيرانية في بيان لها أنقرة لاحترام السيادة السورية على أراضيها.

إيران تعاني من نفس المشكلة الكردية وإن كان بقدر أقل من تركيا، فقد دأبت على استخدام القمع الشديد والتهميش للأكراد عندها، وبالتالي فإن أي إضعاف لأحد الأطراف الكردية في المنطقة هو إضعاف للأكراد في الداخل الإيراني.

كما تحجم إيران عن فتح أي ملفات جديدة، خاصة مع التصعيد الأخير في الخليج والعقوبات الأمريكية وإلغاء معاهدة 5+1، والملف الحوثي، ومظاهرات العراق، مما يجعل مسألة التدخل التركي في شمال سورية مسألة ثانوية في الأجندة الإيرانية.

بينما فضلت روسيا انتقاد سياسة غريمتها الولايات المتحدة في المنطقة، وحذرت من أن السياسات الأمريكية في سوريا قد “تشعل” المنطقة برمتها، خاصة بعد إعلان ترامب عن الانسحاب الفوري لجزء من القوات الأمريكية من شمال سوريا، ثم التراجع والتأكيد أنه سيتم نشر ما بين 50 و100 فرد فقط من القوات الخاصة على القواعد العسكرية في المنطقة.

تنظر روسيا إلى اعتبارات التقارب الأخير مع النظام التركي بعد أن ساءت الأمور في 2015 عقب حادث اسقاط الطائرة الروسية، فهناك تفاهمات كبيرة حول الملف السوري والوضع في المنطقة تبلورت خلال مفاوضات أستانة، كما أن المصالح الاقتصادية الروسية وصفقات السلاح (أس 400)** التي تدعم الاقتصاد الروسي تقلص من احتمالية أي مواجهة قريبة بين روسيا وتركيا، فروسيا تريد الذهاب بهذا التقارب على حساب العلاقات التركية الأمريكية لعرقلة حلف الناتو.

وأخيرًا: فإن التواجد التركي على الأراضي السورية سيكون ذريعة للروس للبقاء هم أيضًا في سوريا بحجة دعم النظام، أو إعادة تأهيل الجيش السوري، أو على حد تعبير الرئيس الروسي “سنخرج عندما تتسلم حكومة سورية منتخبة كامل الأراضي السورية”، وهو بالطبع ما لا تعمل أي من الأطراف على سرعة تحقيقه.

من جانب آخر: وبعد أسابيع على بدء العملية التركية شمال شرق سوريا، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارة إلى العاصمة الروسية، موسكو، تزامنًا مع اقتراب انتهاء المهلة التي نص عليها الاتفاق التركي – الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار بين الجيش التركي والقوات الموالية له من جانب، والقوات الكردية من جانب آخر.

وبعد اللقاء الذي جمع الرئيسين، أعلنت كل من روسيا وتركيا عن التوصل لإعلان مشترك بشأن الصراع شمال شرق سوريا يقضي بدخول وحدات الشرطة الروسية إلى مناطق “نبع السلام” لتأمين خروج القوات الكردية وإبعادها مسافة 30 كم عن الحدود التركية خلال 150 ساعة.

ومن الحقائق المسلم بها الظلم الذي تعرض له الأكراد في الدول “الحديثة” التي يعيشون فيها، فقد ولد الاضطهاد الممنهج من قِبَل الأنظمة التركية والإيرانية والعراقية والسورية إلى تأجيج مشاعر الكراهية من قبل الأكراد لكل ما هو عربي أو تركي؛ بسبب التطرف القومي التركي والعربي.

المسألة الكردية الحديثة نشأت نتيجة لضعف الخلافة العثمانية ثم إسقاطها، وتحكم القوى الغربية فيها، كما أنها صنيعة الدولة العثمانية حين همشتهم وظلمتهم وعاداتهم واضطهدتهم، ما سمح للغرب باللعب على الاختلافات العرقية وخلق العداء بين المسلمين (أكراد وترك وعرب).

ليس من المقبول لحل القضية الكردية أن يتم التغافل عن مشاكل الأكراد ومعاناتهم المستمرة منذ زمن، كما أنه ليس من المقبول في الوقت ذاته أن يكون هناك انفصال لجنس الأكراد عن الدول الإسلامية التي يعيشون فيها؛ فإن ذلك يشجع كل جنس من الأجناس المشكِّلة لجسد الأمة على أن ينفصل عنها مكوِّنًا دولة عِرقية لا مكان فيها لغير هذا الجنس؛ وهذا باب عظيم من أبواب تدمير الأمة، فضلاً عن أن ذلك يقطع صلة الأكراد بالمحيط الإسلامي، ويقيم الحواجز السياسية والنفسية بينهم وبين إخوانهم.

مشكلة الأكراد هي الاستبداد الذي يحيط بهم من كل جانب -كغيرهم من شعوب المنطقة-؛ إن حلم هذا الشعب بدولة تحتضنه ولا تميز غيره عنه… وخير دليل: أن العدوان الذي يشنه أردوغان على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الكردية تقوم به بشكل أساسي قوات الجيش السوري الحر، وهم مقاتلون سوريون، يأتمرون بأوامر أردوغان ويعملون في خدمته، فأي أمان يرجى في سوريا والسوري الموالي لتركيا يحارب السوري الموالي لأمريكا وإسرائيل، والاثنان يحاربان السوري الموالي لروسيا وإيران؟!

مآلات المسألة الكردية:

الأكراد طوال التاريخ ظلوا قبائل رعوية مرتحلة، لم يستطيعوا تكوين دولة مستقلة تبلور القويمة الكردية وترسم حدود واضحة “تاريخية” للدولة التي يطالب بها الأكراد المعاصرون، ولإشكالية الموقع الجغرافي للأكراد الذي حصرهم في منطقة لها أهميتها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية؛ مما جعلها طوال التاريخ مطمعًا وهدفًا للقوى العالمية والإقليمية.

كما أدَّى التنوع المذهبي والسياسي واللغوي إلى تقسيم القومية الكردية ، وهو الأمر الذي يستحيل معها التنبؤ بأن الدولة الكردية ستعرف استقرارًا داخليًّا أو مع جيرانها حال قيامها.

يشهد التاريخ على تحولات في الولاءات والمواقف الكردية لرؤساء العشائر والشيوخ تبعًا لتغير موازين القوى الإقليمية والعالمية، أيضًا لا يمكن إنكار الدور “الخبيث” للغرب في تأزيم المسألة الكردية وتعمد خلق المشكلات في جسد الأمة الإسلامية، فالمسألة الكردية الحديثة هي نتاج تقطيع الخلافة الإسلامية، وتعمد تفخيخ المنطقة بالخلافات واستخدامها لإنهاك قوة المسلمين وتشتيتهم.

والسؤال: هل يمكن أن تقوم دولة كردية مستقلة؟

الإجابة: لا، كما نرى، فكل القوى سواء الدول العظمى “روسيا – أمريكا – بريطانيا”، أو الدول الحاضنة للأقلية، فالكل يتفق على أن قيام دولة كردية سيثير المشكلة ويزيدها بين الأكراد وجيرانهم، وبين الأكراد بعضهم البعض؛ ومِن ثَمَّ رأت هذه الدول أن تمتع الأكراد بحكمٍ ذاتي هو الأفضل لهم.

الخوف من قِيام دولة كردية يأتي من كونها دولة حبيسة، ومِن ثَمَّ ستحاول أن تحسن علاقاتها مع إحدى دول الجوار، ولكن مَن ستكون هذه الدولة، وخاصة أنها قد انفصلت عنها دون رغبتها؟

إذا ما استقلَّت الدولة الكردية، فإنَّ الصراعات الداخلية ستزداد بين فصائل أكراد العراق، أو فصائل أكراد إيران، أو فصائل أكراد تركيا، ومِن ثَمَّ ندخل مرة أخرى في الحلقة المفرغة للصراع الكردي – الكردي الذي توجهه توازنات قوى ومصالح الأطراف الإقليمية والدولية دون أن نصل لحل واضح للمشكلة. 

هل يمكن أن نتصور أن العراق توافق أن تقتطع منها كردستان العراق الغنية بالبترول وأهم أقاليم العراق الرعوية؟ وهل يمكن أن توافق تركيا على انفصال كردستان تركيا التي تعد ورقة ضغط قوية على العراق وسوريا في حرب المياه بينهم، وأن حلم تركيا لا يقف على فقد أراضٍ، بل هناك حلم في إعادة القومية التركمانية التي تمتد إلى أواسط آسيا في دولة قوية؟!

هل توافق الولايات المتحدة على قيام دولة كردية وسيكون الرد الروسي بالرفض؟ وإذا وافقت روسيا لتقترب من بترول الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة ترفض التقارب الروسي الكردي. 

وأخيرًا:

منذ بدء الثورة السورية في مارس 2011، بنت أنقرة موقفها من القضية السورية بشكل مرن ومتغير، بناء على تصور قائم على تفاعل ثلاثة عوامل رئيسة، هي: المتغيرات الميدانية في سوريا وتطورات المقاربة الدولية لها، ومدى قوة أو ضعف الوضع الداخلي في تركيا.والموقف التركي لا يصاغ بناء على محدد واحد وحيد، بل بتفاعل عوامل عديدة تجمع بين الأولويات والتوازنات والإمكانيات المرتكزة على رؤية أنقرة للقضية السورية، وبما يبنى على مراحل مقاربتها لها؛ يجعل ذلك من عملية صناعة القرار التركي بخصوص المسألة السورية عملية معقدة جدًّا، ولكن رغم ذلك متوقعة في كثير من الأحيان.

والآن كما حشدت تركيا قوتها لإفشال استفتاء انفصال الأكراد عن العراق في 2017، وتسعي تركيا لتغيير ديمغرافي في الشمال السوري من خلال إعادة توطن 4 مليون سوري في مناطق الأكراد، ولبسط مزيدٍ من التوسع التركي في سوريا، وهذا هو الهدف الحالي من العمليات العسكرية.

كما يحاول أردوغان الضغط على المجتمع الدولي عبر سياسة فرض الأمر الواقع في الشمال السوري، واللعب على ورقتي: “داعش” واللاجئين السورين، ويهدد علنًا بفتح المعابر أمام دخول موجات جديدة من المهاجرين إلى أوروبا.

وبالفعل منذ أيام أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الحكومة السورية ستقيم 15 نقطة لحرس الحدود السوري قرب الشريط الحدودي مع تركيا وفقًا لخريطة نشرتها الوزارة الأربعاء.

وتأتي هذه الخطوة من جانب دمشق تماشيًا مع الاتفاق الذي توصل له الرئيسان: الروسي والتركي، في مدينة سوتشي الروسية ، بعد اجتماع استغرق ست ساعات.

وأظهرت الخريطة موقع هذه النقاط، والتي ستكون خارج منطقة عمليات القوات التركية، على أن يكون 5 منها قرب هذه المنطقة لتحاذي مدينة عين العرب (كوباني).

أما النقاط العشر المتبقية فستحيط مدينة القامشلي، لتكون غرب المنطقة التي شنت فيها تركيا عملية “نبع السلام”، وتصل إلى الحدود العراقية.

وأظهرت الخريطة التي نشرتها الدفاع الروسية منطقة بعمق 10 كم ستسير فيها موسكو وأنقرة دوريات مشتركة على طول حدود، بالإضافة إلى انحساب التشكيلات الكردية إلى عمق 30 كم داخل الأراضي السورية، وفقًا لما نص عليه “اتفاق سوتشي”.

المراجع:

ويكيبيديا

CNN العربية 12

إضاءات

المصري اليوم

لبنان 24

ملتقى الباحثين السياسيين العرب.

 

2 تعليقات
  1. أحمد عبدالكريم يقول

    تحليلات رائعة و فكر متزن

    1. محمدعدنان يقول

      يتم التعامل مع الحدث دون تهوين أو تهويل
      بارك الله في مركز رواق والقائمين عليه

التعليقات مغلقة.