fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

حادث نطنز كشف حقيقة الأمن في إيران

221

حادث نطنز كشف حقيقة الأمن في إيران

هل يسمح الغرب بامتلاك إيران القنبلة النووية؟

تل أبيب تراهن على إبطاء البرنامج النووي وطهران تُصعِّد بالتخصيب إلى 60%

محاضر دولي: امتلاك السلاح النووي يحتاج يورانيوم مخصب عند 90%، وهذا سهل ويمكن الوصول إليه

على مدى السنوات الأخيرة الماضية ازدادت حدة التصريحات والسجال العدائي “الظاهري” بين تل أبيب وطهران؛ فالأولى: يسيطرعليها اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتياهو منذ 2009، ويسعى إلى عرقلة أي طموح نووي في المنطقة، ويتخذ من ورقة “البعبع” الإيراني مصدرًا للتقارب الناعم أو الصلب، وأسفر ذلك عن تشكيل تحالفات إقليمية جديدة في المنطقة!

أما الثانية: وهي إيران؛ فكثيرًا ما تخاطب العقل “السطحي” من العالم العربي أو الإسلامي بأنها هي مَن تحرك محور المقاومة ضد العدو الصهيوني، وهي مَن تستطيع أن تمحوه مِن الوجود “ولو على سبيل التلاسن الكلامي”.

 وتسعى إلى ذلك بخيوط نسجتها ودعمتها متماهية مع مسئولين وحكام لبعض العواصم العربية، لكن بين هذا وذاك هناك أطماع وأيديولوجيات لا يستطيع أي طرف أن يغفلها، فسير الأمور والأحداث تتكشف مع الوقت.

والآن وبعد انتهاء المائة يوم الأولى من حكم الرئيس الأمريكي جوبايدن، استشعرت إسرائيل أن مكاسبها التي تحققت خلال فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، ربما ستتبدد ويتخلى عنها البيت الأبيض مع إعادة فتح الملف النووي الإيراني على طاولة المفاوضات، فأسرعت إلى تخريب متعمد لمحطة نطنز النووية في 11 من إبريل 2021.

وهذا الحادث ليس هو الأول بل سبقه هجوم وتفجير آخر حدث في ذات المُنشأة منذ عام؛ ما تسبب في عُطل جوهري لأجهزة الطرد المركزي وهي المسئولة عن تخصيب اليورانيوم، لكن وبالرغم من تشديد الإجراءات الأمنية والسرية فعلى ما يبدو: أن المنشآت النووية ليست بعيدة عن الاستهداف، فاللهجة الحنجورية للمعممين الإيرانيين لم تنجح في كشف دلائل التخريب أو نوعية الهجوم في الأماكن الحساسة للحرس الثوري، وباتت مؤسساتهم ومعاملهم السرية والبحثية المدفونة تحت الأرض تبدو وكأنها مكشوفة وسهل اختراقها والنيل منها.

***

أعلنت إيران يوم 10 إبريل 2021  زيادة نسبة التخصيب إلى 60% بدلًا من 20%، وتحديث أجهزة الطرد المركزي من نوع  “I-R-1”  إلى “I-R-2M” وتركيب أجهزة طرد من الجيل الأحدث  “I-R-4″؛ لتخصيب فلوريد اليورانيوم بدرجة 5%، وبزيادة أكثر من 50% عما كان اتُّفِق عليه في اتفاقية 2015 “5+1″،  وهي النسبة التي تقر بها دون شك من امتلاك السلاح النووي.

جاءت عملية التخريب على وجه السرعة وتحديدًا في 11 إبريل 2021 في محطة نطنز، وهي الوحيدة القادرة على تخصيب اليورانيوم، ما يوحي بأن منشآت إيران السرية، وإن كانت تقبع تحت الأرض، لكنها مكشوفة وليست في مأمن، ولم تتعلم مما حدث في السابق سواء باستهداف المحطة ذاتها، أوباغتيال العالم النووي فخري زاده!

عقب الحادث اتهم وزير خارجية إيران جواد ظريف، إسرائيل بأنها مَن تقف وراء ذلك، وأذاع التلفزيون الرسمي أن المتسبب يدعى رضا كريمي، وكان من العاملين في المنشأة وقد هرب إلى خارج البلاد بعد تعرف عناصر الاستخبارات عليه، وتوعدت بلادده بالرد على ما وصفته بالعملية الإرهابية النووية.

وعلى عكس المرات السابقة: خرج بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” أثناء زيارته إلى تل أبيب، وقال: “إن بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي”، واعترف: أن الموساد وجَّه ضربة موجعة، وألحق الضرر بالمنشأة النووية دون الكشف عن الكيفية التي تمت بها.    

إسرائيل تسعى إلى إبطاء عمل البرنامج النووي، وإظهار المنشآت الإيرانية وكأنها هشة وغير مُؤمنة، وليس من حق الدولة “المارقة” امتلاك السلاح النووي، لكنها تدرك أن بإمكان الصين وروسيا، التصويت لصالحها باستخدام حق الفيتو ضد العقوبات الأمريكية.

والأمر نفسه قد يتعلق بالاتحاد الأوروبي الذي يناور من بعيد وعلى استحياء؛ نظرًا لحاجتة إلى النفط والطاقة، وبالتالي: فالمسار التفاوضي في الملف النووي قد يصل إلى مراحل متقدمة خاصة مع مجيء الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض.

***

نتنياهو يحاول استخدام سياسة العصا والجزرة، فمِن ناحية: يستهدف السفن وناقلات النفط، بسلاح نوعي جديد ومتطور، ويقال: ألغام بحرية ذكية وعائمة، ربما لاسترضاء الشارع الإسرائيلي “الغاضب” من قضايا الفساد التي تلاحقه عله من تشكيل الحكومة.

وفي المقابل: يسعى الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى استغلال محادثات فيينا بشأن الملف النووي لإنعاش الوضع الاقتصادي المتعثر، قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها يونيو 2021، وقد يضطر إلى زيادة التخصيب إلى 90%؛ لتحقيق مكسب ولو سياسي يزيد من شعبية التيار الإصلاحي، لكن تغريدة محسن رضائي، المرشح المستقل السابق ، اعتبر أن حادث منشأة نطنز النووية دليل على وجود ثغرة، ويحتاج إلى تعزيزات أمنية.

وتساءل: “ألا يمكن أن يؤشر وقوع حريق جديد في منشأة نطنز النووية بعد مرور أقل من عام على الانفجار السابق على جدية حدوث تغلغل؟“.

وبعيدًا عن الحادث: فإن ارتفاع نسبة التخصيب العالي سيمكن إيران من إنتاج 9 جرامات يورانيوم كل ساعة، وهو ما يسهم دون شك في تطوير البرنامج النووي؛ خاصة بعد تركيب ألف جهاز طرد مركزي إضافي بقدرات تفوق الموجود بنسبة 50% على الأقل، ما وصفه البيت الأبيض بالاستفزازي، واعتبره الاتحاد الأوربي بغير المبرر، ومبعث قلق، ويتعارض مع روح مفاوضات فيينا.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني: “إن رفع بلاده نسبة تخصيب اليورانيوم وتركيب أجهزة طرد مركزية من فئة جديدة، جاء ردًّا على ما وصفه بـ”الإرهاب النووي” الذي استهدف محطة نطنز“.

وتشير التقارير إلى أن إسرائيل استطاعت أن تنفِّذ العديد من العمليات القذرة ضد الخبراء والمختصين النوويين خلال العقود الأخيرة، فقد اغتالت من قَبْل العالم المصري: “يحيى المشد” في باريس 1980، وهو أحد رواد برنامج العراق النووي، وبعد عام من اغتياله دمَّرت المفاعل العراقي جنوب شرق بغداد بـ8 طائرات حربية عام 1981.

وقضت على ما تبقى من خبراء ومختصين إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، وتمثَّل أخطرها: في السطو على البرنامج النووي الليبي بالتعاون مع الولايات المتحدة بعد أن ضغطت على الجانب الليبي لكشف أمر العالم الباكستاني عبد القدير خان، فضلًا عن استهداف المفاعل السوري في منطقة الكبر بدير الزور 2007، وها هي تواصل هجماتها باستهداف المنشآت الإيرانية، والتي كان آخرها منشأة نطنز 2021. 

وسواء جاء الرد الإيراني باستهداف سفن تابعة للكيان الصهيوني في بحر العرب أو ميناء الفجيرة، أو حتى بالتسبب في إطلاق صاروخ قرب مفاعل ديمونا، لكن ما حدث يُشير دون شك إلى أن قواعد الاشتباك قد تغيَّرت في المنطقة، فالصاروخ الطائش كشف حقيقة القُبة الحديدية، وأنها ليست كما تُسمَّى هشَّة يسهل اختراقها، هكذا بدت أمام الجميع.

***

ونظرًا لدقة الأمر وخضوعه للنواحي العلمية، تواصلنا مع خبير الطاقة النووية الدكتور علي عبد النبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق، وكان هذا الحوار:

  • هل ما حدث على منشأة نطنز النووية هجوم سيبراني؟

لا يمكن وصف ما حدث بالهجوم السيبراني، فشرط وقوع هجوم سيبراني على نطنز، هو أن تكون منشأة نطنز النووية تستخدم الفضاء السيبراني، وهذا درب من الخيال؛ وذلك لأن إيران قد تعلمت الدرس جيدًا، ولن تترك إيران منشآتها النووية عرضة لهجوم سيبراني جديد، وذلك بعد الهجوم السيبراني الذي تم في سبتمبر من عام 2010، بفيروس يسمى دودة “ستكس نت” Stuxnet ، والذي استخدم في الهجوم من خلال شبكة الإنترنت على منشأة “نطنز” لتخصيب اليورانيوم وعلى بعض الحاسبات الشخصية  في محطة “بوشهر” النووية في إيران، والذي تسبب في تعطيل نحو 1000 جهاز للطرد المركزي.

  • مثل هذه الأماكن شديدة الحساسية والتأثير يمكن أن يتم اختراقها بهذه السهولة؟

التأمين ضد الهجمات، سواء كانت هجمات باستخدام الفضاء السيبراني أو هجمات باستخدام الأفراد أو هجمات باستخدام المعدات، لا يمكن أن يكون 100%، ودائمًا هناك ثغرات في نطاق التأمين تسمح للعدو باستغلالها فى تحقيق نجاح هجومه.

الوسيلة الوحيدة والناجحة في تأمين الأماكن شديدة الحساسية والتأثير، ضد هجوم سيبراني، هو فصلها عن شبكة الإنترنت، فجميع المنشآت النووية في جميع دول العالم غير متصلة بالفضاء السيبراني، وكل منشأة نووية لها الشبكة الداخلية الخاصة بها، وهذه الشبكة الداخلية مؤمنة تأمين تام، ولا يمكن الهجوم عليها من الخارج، والهجوم يكون من داخل المنشأة، ومن أفراد يعملون داخل المنشأة، ومسموح لهم الدخول على الشبكة، مع العلم  أن الدخول على شبكة المنشأة الداخلية يكون تحت ضوابط صارمة للغاية.

  • وأين دور التأمين السيبراني؟ ولماذا لا توجد برامج حماية للمنشآت النووية لحمايتها من الاختراق؟

التأمين السيبراني الوحيد للمنشآت النووية هو فصلها عن الفضاء السيبراني، لكن هناك تأمين إليكتروني وبرامج حماية للشبكة الداخلية للمنشآت النووية من الاختراق، وذلك من قبل مستخدمين الشبكة الداخلية أو من قبل مهندسي الدعم الفني لصيانة الشبكة أو لإجراء عمليات التعديل أو التطوير في برنامج الحاسب الذي يقوم بتشغيل أجهزة ومعدات المنشأة، فهناك احتياطيات شديدة الصرامة، ومنها إلغاء جميع بوابات الإدخال الخارجية على الحاسبات الآلية المربوطة على الشبكة، مثل: محرك الأقراص المرنة، ومحرك الأقراص المدمجة أو مداخل شريحة ذاكرة “يو أس بى” USB.

فى حالة إجراء الدعم الفني، والذي يقوم به أفراد متخصصين، تتم أعمال الدعم الفني تحت إدارة قوية، لكن هناك تخوف من أن يكون أحد أفراد الدعم الفني قد تم تجنيده من قبل أجهزة مخابرات معادية، فيقوم بسرقة بيانات أو يقوم بتحميل فيروس على أجهزة حاسبات الشبكة الداخلية، بهدف إحداث تعطيل أو تلفيات أو تدمير في شبكة الحاسبات أو في الآلات التي تتحكم في تشغيلها شبكة الحاسبات.   

فى حالة نطنز احتمال أن يكون هناك شخص ما، قد قام بهذا التخريب والذي أدَّى إلى توقف إمداد الطاقة الكهربائية لمنشأة تخصيب اليورانيوم، وهو الاحتمال القوى؛ لأن أجهزة الطرد المركزي لم تتعرض للتدمير، ولم يحدث ضرر حقيقى عبر التدخل في عمل أجهزة التحكم التي تقوم بتشغيل أجهزة الطرد المركزي لإخراجها عن نطاق السيطرة، كما لم ينتج عنها إصابات بشرية أو أي تلوث إشعاعي، بل واستمرت فى العمل بعد تشغيل مولدات الطوارئ، واعلنت إيران بعدها أنها رفعت نسبة التخصيب إلى 60%.

  • وماذا بعد وصول إيران لتخصيب يورانيوم 60%؟ هل ستتتمكن من صنع سلاح نووي؟

جاء الهجوم على نطنز بعد يومين من تدشين طهران أجهزة تخصيب اليورانيوم “متطورة” تعمل بالطرد المركزي، وتعمل على سرعات عالية، المهم في الموضوع: إن إيران تمتلك المعرفة، وبذلك فكل ما يحدث لن يمنعها في عمليات تخصيب اليورانيوم.

السلاح النووي يحتاج نسبة التخصيب اليورانيوم تكون 90% أو أعلى، وهذا العمل سهل جدًّا على إيران، فرفع نسبة التخصيب إلى 90% تكون من خلال زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي، وإيران لا يصعب عليها ذلك.

لمنع إيران من رفع نسبة التخصيب عن 3.7% كما تم تحديده فى الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى متمثلة بالدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، والمعروفة بمجموعة 5+1، والذى تم فى 14 يوليو 2015، هو التزام أمريكا بالموافقة مرة أخرى على الاتفاق، والبدء في رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة، كما تقول إيران.

  • وما مغزى تصريحات القادة الإيرانيين بأن منشآتهم تٌصنًّع 9 جرام يورانيوم مخصب كل ساعة؟

هو نوع من التهديد، أو نوع من الردع والتخويف، واستعراض العضلات، وهذا يعني أن إيران أصبحت تمتلك المعرفة، ورأيي الشخصي: أن أفضل الطرق لتحجيم إيران ومنعها مِن صناعة قنبلة نووية، يأتي عن طريق المفاوضات والحل السياسي، وإلزام إيران بقبول التفتيش على منشآتها النووية والمنشآت المشتبه فيها.

  • ولماذا تلوح طهران بقدرتها على التخصيب بنسبة 90% ؟ هل معنى هذا: أن أجهزة الطرد التي بحوزتهم قادرة على هذه النسب من التخصيب؟

فعلًا إيران تستطيع رفع نسبة التخصيب إلى 90%، وهذا الأمر سهل، فرفع نسبة التخصيب إلى 90% تحتاج فقط زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي. وموضوع صناعة قنبلة نووية إيرانية، فهو يتطلب أن تمتلك إيران تكنولوجيا القنبلة النووية، وتكنولوجيا الرؤوس النووية، وتثبيتها على الصواريخ الباليستية.

أرجو أن لا ننسى: أن إيران تمتلك منشآت سرية أخرى لتخصيب اليورانيوم، منها: منشأة “فوردو”، التى تم الكشف عنها في عام 2009.

إلى هنا انتهى حديث الدكتور علي عبد النبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية، والأستاذ والمحاضر بالعديد من الجامعات، والخبير الدولي في الطاقة النووية.

التعليقات مغلقة.