fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

تفاقم الأوضاع الإنسانية… هل يسقط السودان في براثن الحرب الأهلية أم ينجح ويمضي قدمًا إلى الأمام؟

75

تفاقم الأوضاع الإنسانية… هل يسقط السودان في براثن الحرب الأهلية أم ينجح ويمضي قدمًا إلى الأمام؟

حرب أهلية تلوح في الأف نتيجة الصراع على السلطة، وربما قد تتحول إلى حربًا بالوكالة، حيث نتج عن تأجيل إجراء انتخابات ديمقراطية بعد وعود من القائمين على السلطة منذ إنهاء حكم عمر البشير إلى وصول السودان إلى هذا المشهد الدامي، فالصراع الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي كان مقتصرًا على العاصمة الخرطوم بدأ يتوسع ليطال مدن ومناطق أخرى يدفع ثمنها المواطن وحده يوميًّا ولا سيما المرضى؛ الأمر الذي أعطى أهمية بالغة للقوى الإقليمية والدولية، للبحث عن حلول بسبب موقع السودان الإستراتيجي من جهة، وخروج الأوضاع عن السيطرة من جهةٍ أخرى.

يقع السودان ذو الموقع المهم والإستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي حيث في قارة تعجُّ بالصراعات؛ لذا حذَّر مراقبون للمشهد من تحول القتال الجاري إلى حرب أهلية، ودعت دول وقوى فاعلة في المنطقة، وعلى رأسهم: مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى السلام ووقف القتال والجلوس على مائدة المفاوضات؛ كي لا يذهب السودان إلى حافة الهاوية وحقنًا للدماء.

في هذا التقرير يُسلط مركز “رواق” للأبحاث، الضوء على الوضع المتردي في السودان، وهل وصلت الأوضاع إلى نفق مسدود؟ وما دور القوى الفاعلة في المشهد؟ وهل السودان يتجه نحو الهاوية؟ ولماذا فشلت كل الوساطات الإقليمية والدولية في الحل؟ وما دلالات تصريحات الفريق البرهان بأن السودان يواجه أكبر مؤامرة في تاريخه؟

لقد شكَّلت الحرب الدائرة في السودان انعكاسًا لصراع سياسي محتدم بين أطراف القوى السياسية في الداخل السوداني، حيث أفرزت حشد بعض القوى للقوات المسلحة العسكرية، وأخرى داعمة لقوات الدعم السريع، كما لعب عنصران أساسيان دورًا بارزًا في عمليات الفرز السياسي والعسكري بين الأطراف السودانية، وهما: الاتفاق الإطاري وعملية الإصلاح الأمني المنطوية على عملية الدمج بين المكونات العسكرية السودانية.

ويمكن رصد الموقف الداخلي للقوى السياسية وَفْقًا للمعطيات الآتية:

قوى النظام القديم والدولة العميقة:

من الواضح أن الاتفاق الإطاري بات مُهددًا كبيرًا لقوى النظام القديم بما انطوى عليه من اتجاهات لتفكيك الجبهة القومية التي مثَّلت حاضنة سياسية لنظام عمر البشير، وكذلك تفكيك سيطرتها على الدولة العميقة وأجهزتها، وأيضًا: إزاحتها من السيطرة على المفاصل الاقتصادية للدولة، بجانب ضمان عمليات المحاسبة على ممارسات الفساد السياسي والمالي.

بعدها، تم الاستنفار في صفوف الجبهة القومية وواجهتها السياسية – حزب المؤتمر الوطني السوداني المنحل -، وبدأت في تنظيم صفوفها من جديد وبرزت فعاليات عدة في الفترة الأخيرة تعطي مؤشرات واضحة في شأن قدرة هذا التيار على بلورة قواه السياسية والمجتمعية، والقدرة على تقديم أطروحات تضمن وجودًا سياسيًّا مؤثرًا لهم في المعادلات السياسية المستقبلية.

تحالف قوى الحرية والتغيير:

كما حدث انقسام عمودي في المكون المدني السوداني وقواه السياسية كنتيجة لإقالة رئيس الوزراء السوداني عبدلله حمدوك في أكتوبر 2021 بسبب خلافات سياسية على مستويين: الأول: بين حكومة حمدوك وتحالف الحرية والتغيير الواسع آنذاك؛ بسبب ما أسماه التحالف الواسع للحرية والتغيير انحرافًا عن الثورة، وكذلك بسبب مشاركة القوى السياسية في الحكومة المدنية بنظام المحاصصة أو ما يعرف بـ”تقسيم السلطة”.

أما المستوى الثاني: فهو بين المكون العسكري والمكون المدني بشأن الالتزام بتسليم السلطة للمدنيين طبقًا للوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019.

وقد أسفر هذا الانقسام عن بروز عدد من المكونات المدنية، منها: تحالف الحرية والتغيير المركزي، والتحالف الجذري الذي يلعب فيه الحزب الشيوعي دورًا بارزًا، بجانب الكتلة الديمقراطية التي يلعب فيها قادة الفصائل المسلحة في دارفور بدورهم أدوارًا رئيسية؛ لذلك شهدت العملية السياسية انسدادًا وعجزًا عن تكوين حكومة تنفيذية على مدى ما يقرب من عامين، وكذلك احتجاجات شعبية ضد المكون العسكري للمطالبة بحكم مدني وهو المشهد الذي أفضى في نهاية 2022 لبلورة الاتفاق الإطاري وتوقيعه، ولكن تعثر الاتفاق النهائي عليه، وذلك على مدى أربعة شهور بسبب حالة الاستقطاب السياسي بشأن هذا الاتفاق والقوى الداعمة.

هل بات الصراع في السودان يشكل ضغطًا جديدًا على الإقليم؟

لا شك أن الوضع القائم خطير، وذكرت تقارير لدول دولية وإقليمية، ومن بينهم مصر: أن الصراع في السودان يشكل ضغطًا جديدًا، وعبئًا إضافيًّا على كاهل دول الإقليم، وتحاول دول أخرى، مثل: الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى سرعة وقف العنف واستئناف المحادثات، محذرين من خطر نشوب صراع أهلي مستمر قد يعرقل انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها كافة المواطنين السودانيين. (موقع الغد).

أكد سياسيون: أن الصراع العنيف بين أفراد المكون العسكري الحاكم في السودان قد كلف الشعب -ولا يزال- خسائر بشرية ومادية عالية، وهناك فرصة للتسوية من خلال وقف إطلاق النار والحل السياسي، وهو ما يتطلب الجلوس للحوار وتغليب مصلحة السودان، وهو نادت به العديد من الوساطات والمبادرات العربية والإفريقية والدولية للقبول بالجلوس على مائدة المفاوضات. (موقع الغد).

ومن الملاحظ في المشهد السوداني: أن المعارك منذ اندلاعها في منتصف إبريل 2023 تتركز على مواقع ومحاور رئيسية مهمة ومحددة، مثل: القصر الجمهوري، ومبني القيادة العامة للجيش ومبنى الإذاعة والتليفزيون والمطارات الرئيسية بما في ذلك مطار الخرطوم ومروي.

ما المقرات التي يحاول طرفي الصراع السيطرة عليها… ولماذا؟

حيث يحاول كل طرف من طرفي الصراع، السيطرة على العاصمة لما لها من أبعاد ودلالات مهمة دوليًّا وربما إقليميًّا، توفر له الاعتراف والشرعية ولو على المستوى المحلي على الأقل، كما يمكن أن يتحول الصراع إلى التنافس على مصادر المال والثروة، إذ يحاول كل طرف أيضًا أن يقطع الإمدادات وسلاسل التوريد عن الطرف الآخر، وفي نفس الوقت تأمين موارد إضافية لأنفسهم.

ومن الفرضيات أيضًا: أن تحاول القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق البرهان، السيطرة على مناجم الذهب في جبل عامر وطرق التهريب التي كانت بحوز الدعم السريع مؤخرًا، بوفي الوقت نفسه تريد قوات الدعم السريع قطع طرق النقل والتوريد الرئيسية، بما في ذلك الطريق من بورتسودان إلى الخرطوم. (موقع الغد).

كما من المرجح أيضًا: أن القيادة والسيطرة قد لا تبقى موحدة لفترة طويلة، فالموارد المادية والتنظيمية اللازمة لمواصلة المجهود الحربي المكثف سوف تنضب بسرعة في ظل وضع السودان الاقتصادي المتردي، خصوصًا في ظل إحجام الأطراف الإقليمية والدولية عن التدخل المباشر أو غير المباشر حتى الآن لمساندة أحد طرفي الصراع هناك.

هل يتكرر السيناريو الليبي في السودان؟

يعتقد أن كل المعطيات على الساحة تذهب إلى فرضية أن تستمر المرحلة الحالية لبضعة أشهر إذا استمرت المواقف المتصلبة من كل طرف على حساب الشعب، لكنها ستتحول على الأرجح إلى صراع أقل حدة، ولكنه أكثر كثافة وانتشارًا مع  وجود أطراف وفواعل عسكرية متعددة تتنافس من أجل السيطرة على مواقع مختلفة، وكثير منهم يغيرون مواقفهم أو يتصرفون بشكل انتهازي وذلك في استنساخ ظاهر للتجربة الليبية في مرحلة ما بعد سقوط نظام معمر القذافي. (موقع الغد).

ومن أبرز المؤشرات: أن منطقة دارفور بغرب السودان بشكل خاص تعرضت ولا تزال لخطر نشوب صراع عنيف، بالنظر إلى الارتباط التاريخي للمنطقة بقوات الدعم السريع ” ظهرت هذه الميليشيات من قوات الجنجويد العربية، إحدى القوى الرئيسية في حرب دارفور عام 2003″.

وقد شهدت دارفور ولا تزال صاعدًا مؤخرًا في الاشتباكات القبلية على مدار الأسابيع الماضية، إلى جانب زيادة جهود التجنيد التي يبذلها كل من الجيش وقوات الدعم السريع؛ ما يعني أن ذلك ربما يوفر التوسع الجغرافي الإضافي للقتال فرصًا لجماعات مسلحة إضافية للانخراط في الاشتباكات، وقد يؤدي إلى نزاع طويل الأمد في أجزاء من البلاد، حتى لو تراجع أو تقلص القتال في العاصمة الخرطوم.

لقد تسببت الحرب الدائرة بين الفريق البرهان وحميدتي الذي تمرد على الجيش، إلى تداعيات إنسانية وخيمة على السودان، والذي بات يواجه فعليًّا موجات عنيفة من الجفاف والنقص في الغذاء وتردي أوضاع المستشفيات وموت المرضى في العناية والحالات الحرجة جراء نقص الأدوية والأطقم الطبية. (موقع الغد).

وعلى إثر ذلك، فقد يكون من المرجح أن يكون التحول الفارق في هذه المرحلة مع طول أمد الصراع المسلح هو بروز المتغير العرقي والقبلي، وهو ما يسهم بشكل كبير في زيادة التعقيد والتشابك على الأوضاع في السودان.

ولكن في هذه الحالة، سوف تكون التكلفة الإنسانية والبشرية والمادية باهظة ومكلفة للغاية، حيث نشاهد حاليًا حالات من التهجير القسري والنزوح الجماعي، وربما مذابح على أسس عرقية، ومن الممكن أن تؤدي التحالفات والهويات العرقية إلى حدوث هذا التحول، وهو ما يهدد بسيناريو التقسيم والتجزئة، وما حدث في انفصال جنوب السودان عن الشمال ليس ببعيدٍ.

ولا شك في ظل هذا الصراع ومع سعي دول مختلفة للوساطة؛ إلا أن هناك دول تحاول أن تحقق مصالحها الخاصة والتنافس على النفوذ في المنطقة؛ لذا يمكن أن نقول: إن مشاركة القوى الإقليمية الكبرى لها أهمية خاصة في الملف السوداني، لذلك كانت مصر على وجه التحديد وقربها من السودان أول دولة طرحت مبادرة لتسوية الصراع بين الطرفين بالتنسيق مع جنوب السودان وانتشال الشعب السوداني مما قد يلاقيه في المستقبل والحفاظ على مقدراته. (موقع الغد).

هل وصلت أزمة السودان إلى طريق مسدود؟ ماذا عن الوساطات الإقليمية والدولية؟

وبعد مرور أربعة أشهر على الحرب في السودان بين قوات الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع بقيادة حمدان دقلو الشهير بحميدتي، فإن الاشتباكات بين الأطراف المتصارعة لم تتوقف لحظة.

وعلى إثر استمرار المعارك الضارية، قام الفريق البرهان بمغادرة السودان خلال الأيام القليلة الماضية لإجراء محادثات في دول الجوار بعد زيارة قواعد للجيش وبورتسودان، في محاولة منه وَفْق مراقبين، لحسم المعركة وإنهاء الصراع الدائر؛ إلا أن المراقبين يرون أن هذه المحادثات لن تؤتي ثمارها؛ خاصة أنه منذ اندلاع الحرب في 15 إبريل الماضي، وتتولى المبادرات الدولية لحل الأزمة، وتتعدد الوساطات والنتيجة صفر.

وساطة مصرية جنوب سودانية:

وفي 16 إبريل الماضي، وفور اندلاع الحرب في السودان، عرضت مصر وجنوب السودان، الوساطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وناشدت الرئاسة المصرية، الأطراف السودانية “تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي”، وذلك خلال اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جنوب السودان سلفا كير؛ إلا أن هذه الجهود المصرية لم تنجح حتى الآن في إحداث أي تهدئة بين الطرفين المتصارعين؛ نتيجة تعنت وإصرار كلٍّ مِن الطرفين على موقفه. (موقع الغد).

انعقاد قمة مصرية لدول الجوار:

وفي 13 يوليو الماضي، استضافت مصر مؤتمر دول جوار السودان، لبحث سُبل إنهاء الصراع الحالي والتداعيات السلبية له على دول الجوار، ووضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة في السودان بصورة سلمية، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى لتسوية الأزمة.

وجاءت هذه القمة المصرية، حرصًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المباشر للسودان، واتخاذ خطوات لحل الأزمة وحقن دماء الشعب السوداني، وتجنيبه الآثار السلبية التي يتعرض لها، والحفاظ على الدولة السودانية ومُقدراتها، والحد من استمرار الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة ككل؛ إلا أن هذه القمة لم تنجح في تحقيق الأهداف المنشودة حتى الآن. (موقع الغد).

وساطة إثيوبية:

وفي 15 يونيو الماضي، أعلنت أديس أبابا عن مبادرة وساطة تعرض فيها استضافة لقاء بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، في العاصمة أديس أبابا.

وقالت الخارجية الإثيوبية: إن الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد”  كلفتها بلعب دور للوساطة بين طرفي الصراع في السودان، وبالفعل استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أعمال قمة تضم 4 رؤساء من دول منظمة إيجاد الإفريقية لبحث الصراع في السودان.

وأصدرت منظمة إيجاد التي تقود اللجنة الرباعية للوساطة في السودان بيانها الختامي بشأن الأزمة، أكدت فيه أن مبادرة الدول المشاركة في الوساطة، تهدف إلى دعم مسار وقف إطلاق النار والوصول إلى حل سياسي ينهي معاناة الشعب السوداني.

وحثت “إيجاد” في بيانها الختامي للقمة، طرفي الصراع على وقف فوري لإطلاق نار غير مشروط، مؤكدة أن اجتماع القمة يشارك الأهداف التي يسرتها السعودية والولايات المتحدة للوصول إلى حل سياسي.

وحذر البيان من أن الحرب توسعت، وباتت تتخذ منحى عرقيًّا، وكشفت دول الوساطة عن أنها قررت بذل جهود مكثفة لعقد لقاء مباشر بين أطراف الأزمة السودانية، إلا أن هذا اللقاء لم يرَ النور حتى الآن. (موقع الغد).

لماذا تعثرت مفاوضات جدة؟

في 29 يوليو الماضي وفي نفس الشهر، أعلن الجيش السوداني، تعثر مفاوضات جدة بالسعودية بسبب خلاف بشأن بعض النقاط الجوهرية، أدت إلى عدم التوصل إلى اتفاق، ما أدى إلى عودة الوفد السوداني إلى الخرطوم.

وقالت الخارجية السودانية: إن السبب الرئيس في تعثر المفاوضات يعود إلى تعنت قوات الدعم السريع وعدم انصياعها لتنفيذ التزاماتها الموقعة عليها، مؤكدة: أن وفد الجيش جاهز للعودة إلى مدينة جدة متى ما تمكن الوسيطان السعودي والأميركي، من تذليل العقبات التي عطلت المباحثات. (سكاي نيوز).

وقالت الخارجية السودانية في بيان لها: إنها تثمن عاليًّا الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في رعاية وتسهيل جولات مباحثات جدة وحرصهما على إنجاحها.

البرهان: السودان يواجه أكبر مؤامرة في تاريخه:

قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان -عبد الفتاح البرهان-: إن السودان يواجه أكبر مؤامرة في تاريخه الحديث، فالمؤامرة تستهدف كيان وهوية وتراث ومصير الشعب السوداني، الحرب بنكهة خارجية، الشعب السوداني يواجه بصبر وإيمان أبشع فصول الإرهاب على أيدي حميدتي وأعوانه. (سكاي نيوز).

وأضاف: نشهد جرائم لم نشهد لها مثيلًا في البلاد، والقوات المسلحة ستقف مع الشعب وصولًا إلى إجراء انتخابات حرة، وسنظل قوات محترفة تقف مع خيارات الشعب، سنحتفل قريبًا جدًّا بالنصر على هذا التمرد الغاشم.

ويشار إلى أن السودان يئنُّ تحت وطأة ظروف معيشية وإنسانية بالغة الصعوبة، منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف إبريل الماضي.

وقد أسفرت الحرب في السودان، التي تتركز في الخرطوم وضواحيها وفي إقليم دارفور غرب البلاد وبعض المناطق الجنوبية، عن مقتل نحو 3900 شخص على الأقل، ودفعت أكثر من 4 ملايين آخرين إلى النزوح عن منازلهم، وفق الأمم المتحدة. (سكاي نيوز)

دور القوى الفاعلة في المشهد السوداني:

يرى سياسيون: أن دولة السودان كغيرها من الدول النامية التي عانت، وما زالت تعاني حتى الوقت الحالي نتيجة عدم اكتمال البناء الوطني، وعدم الاستقرار السياسي، والتدهور الاقتصادي.

يضيف سياسيون: أنه لا بد من فهم وإدراك خريطة توازنات القوى الفاعلة في المشهد السوداني الداخلي، والقراءة في نشأة التركيبة السياسية الداخلية وتطوراتها في كل مرحلة زمنية؛ لأنها لا تزال تلازم المشهد السوداني وتسيطر على مجريات الأحداث فيه رغم التطور الذي صاحب ظهور قوى سياسية حديثة ومستجدة بالساحة السياسية في السودان.

لذا في تقديري، فإن خريطة القوى الفاعلة في المشهد السوداني الداخلي تتأثر بسياسات العديد من القوى الإقليمية والدولية، وذلك خدمة لمصالحها وإستراتيجيتها وأهدافها، في ظل التنافس بين تلك القوى على الموارد الكثيرة التي تحظي بها السودان؛ فضلًا عن مميزات موقعها الجيوستراتيجي، كدولة محورية لاستقرار القرن الإفريقي، بل ووسط وشمال إفريقيا. (سكاي نيوز).

خريطة القوى الفاعلة في المشهد السوداني بعد ثورة ديسمبر 2018:

وفي سبتمبر 2018 اندلع انفجارًا شعبيًّا، واحتجاجات جماهيرية قوية في كل مدن السودان بتحريك من القوى السياسية المعارضة عبر واجهات سياسية ومسميات مختلفة وقيادات ميدانية ونقابية، أدارت ونظمَّت الاحتجاجات الجماهيرية تحت مُسمى: “تجمع المهنيين” الذي قاد أول مظاهرة في 24 ديسمبر 2018. (الأهرام).

ثم تطور بعد ذلك وأصبح “قوى الحرية والتغيير” في الأول من يناير2019، وهو عبارة عن تحالف سياسي عريض يجمع ما بين قوى سياسية مدنية -بما فيها بعض من أنصار الحكومة بمختلف تحالفاتها- ونقابات مهنية، حيث تشكلت قوى الحرية والتغيير من تجمع المهنيين، والتجمع الاتحادي المعارض، وقوى نداء السودان وحركات مسلحة، وأحزاب سياسية بقيادة حزب الأمة، وقوى الإجماع الوطني، وقوى اليسار متمثلة في الحزب الشيوعي بأجنحته المختلفة، والقوميين العرب، ناصريين وبعثيين، والقوى المدنية. (الأهرام).

تدخلت اللجنة الأمنية التي تكونت من الأجهزة النظامية المختلفة تتمثل في (القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وقوات الشرطة، والمخابرات العامة)، وتم الانحياز للشعب، وإسقاط الحكومة في 11 إبريل 2019، ولكن الفترة من (2019-2022) شهدت عددًا من التطورات، جاء في مقدمتها تغيير أعضاء المجلس العسكري الانتقالي عدة مرات استجابة للاحتجاجات والمطالب الشعبية، ولتوازنات القوى العسكرية؛ حيث تم نقل القيادة للفريق أول عبدالفتاح البرهان. (الأهرام).

المشهد السياسي بعد الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022:

حيث جاء الاتفاق الإطاري برعاية الآلية الرباعية (بريطانيا، والولايات المتحدة، والإمارات، والسعودية)، ودعمته الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، ومنظمة الإيجاد، والاتحاد الإفريقي)، ولقد حدد خمس قضايا يتم التوافق عليها لإبرام اتفاق نهائي بين الأطراف تشمل قضايا العدالة الانتقالية، وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، وقضية تفكيك نظام 30 يونيو 1989، وقضية شرق السودان، وقضية إعادة تقييم اتفاق جوبا للسلام، مع وجود بعض المسائل العالقة.

ولكن انقسمت آنذاك المواقف حول الاتفاق ما بين داعمين ورافضين؛ فبالنسبة للداعمين: المؤسسة العسكرية بشقيها القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، والأحزاب المكونة لقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” بشكل منفرد وليست ككتلة موحدة، وبعض أعضاء من حزب المؤتمر الشعبي المعارض، أما الرافضين: فهم كل الأحزاب المكونة لقوى الحرية والتغيير “الكتلة الديمقراطية”، والحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، والتيار الإسلامي العريض، والبعثيين والشيوعيين، وتجمع المهنيين، والقوى الوطنية الأخرى، فيما تحفَّظ حزب البعث العربي الاشتراكي. (الأهرام).

انتقال الصراع خارج العاصمة الخرطوم:

تشتد المواجهة بين الجيش السوداني، والدعم السريع في مدن الخرطوم الثلاث، وفي مختلف المحاور، وذلك في إطار خطة للقوات المسلحة السودانية لتكثيف الضغط على قوات الدعم السريع، في ضوء أهمية مدينة أم درمان بوصفها القاعدة التي تلتقي فيها خطوط الإمداد والعتاد القادمة من دارفور وبعض دول الجوار؛ فضلًا عن أنها تحتضن قاعدة وادي سيدنا الجوية ومنطقتي وادي سيدنا العسكرية، ومنطقة أم درمان العسكرية بسلاح المهندسين والمدفعية والصواريخ أرض أرض التابعة للجيش.

وعلى الرغم من المبادرات المجتمعية لبسط الأمن، فقد كانت الجنينة -عاصمة ولاية غرب دارفور- مسرحًا للاشتباكات إلى جانب نيالا في جنوب دارفور، وزالنجي في وسط دارفور، وكتم، والفاشر في الشمال؛ مما جعل دارفور تتصدر المناطق التي تشهد تصاعدًا في أعداد القتلى والنازحين؛ خاصة إلى تشاد في ظل ظروف إنسانية صعبة. (الأهرام).

وفي منطقة النيل الأزرق، وجنوب كردفان عادت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، للدخول على خط المواجهة مع القوات المسلحة والسيطرة على أربع مناطق بالولاية، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته الحركة مع الحكومة السودانية منذ ثلاث سنوات.

ويبدو أن خطة القوات المسلحة في العاصمة الخرطوم، كانت عبارة عن معركة لاستنزاف وتدمير القدرات القتالية لقوات الدعم السريع بالتدريج، قد نجحت في ظل الفارق الكبير في تواجد قوات الدعم السريع بالخرطوم عند بداية الحرب في 15 إبريل 2023 “والذي يُقدر بأكثر من 50 ألف جندي من الدعم السريع مقابل 13 ألف جندي من القوات المسلحة”، بما يعيد صياغة المعادلة وموازين القوى على الأرض على نحوٍ يعيد ترتيب أوراق المشهد، ويفرض رؤية الطرف المتقدم ميدانيًّا على طاولة التفاوض.

ما مواقف القوى السياسية في السودان؟

في الحقيقة والغريب: أن بعض القوى الفاعلة في المشهد السوداني ومع بداية الصراع، لم تدن كافة الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع؛ حيث لزمت الصمت والاختفاء من المشهد تمامًا، ربما كنوعٍ من الاستهلاك السياسي، لكن سرعان ما بدأت تبحث عن دور في حل الأزمة وممارسة ضغوط على الخارج، وإشراك القوى المدنية في الحلول حتى لا يتم عسكرة المجال العام؛ خاصة مع الانتقادات التي تعرضت لها جراء صمتها، وعمل جزء منها كحواضن سياسية لقوات الدعم السريع.

ثم بعد ذلك وعقب تطورات المشهد على الأرض واحتدام القتال، عدلت عن موقفها وأجمعت تلك القوى على ضرورة الحل السياسي، والعودة للمسار الانتقالي المتعثر، من خلال مبادرات تعلن عنها الأحزاب والقوى المختلفة.

حيث بدأ وفد من القوى السياسية والمدنية جولة إقليمية ضم كلًا من: نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف، والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل إبراهيم الميرغني، ورئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي ياسر عرمان، والقيادي في التجمع الاتحادي وعضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان. (الأهرام).

شخصيات حزبية وسياسية تزور دول إقليمية:

كما ضم الوفد الذي حاول البحث عن حلول للأزمة، وزير العدل السابق نصر الدين عبدالباري، وعضو المجلس السيادي السابق محمد حسن التعايشي، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، وممثل تجمع المهنيين طه إسحاق، وشملت هذه الجولة كلًا من: أوغندا، وتشاد، ومصر، وجنوب السودان، والسعودية.

ورحبت كل هذه الدول، وعلى رأسهم: مصر بهذه القوى من أجل الوصول إلى حل فوري، ووقف الاقتتال بين طرفي الصراع، ولكن لم يحدث أى تطور أو تغير على الأرض حتى كتابة هذه السطور… ولا يزال السودان الشقيق يبحث عن حلٍّ، ولا يزال مصير الشعب المكلوم غير معلوم، لا سيما الذي يفقد في كل يوم “زهرة” من شبابه. (الأهرام).

ارتفاع متزايد للنزوح الداخلي وتفاقم الوضع الإنساني:

ذكرت تقارير أممية عن نزوح أكثر من 3 ملايين شخص داخليًّا وعبر الحدود؛ بسبب الصراع في السودان، فقط خلال الثلاثة أشهر الماضية وحتى كتابة هذه السطور، بالإضافة إلى أكثر من 2.2 مليون نازح داخليًّا، منهم نحو 700 ألفًا آخرين إلى البلدان المجاورة، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة.

فقد أفادت التقارير، أن معظم النازحين الفارين في السودان من ولاية الخرطوم (67٪) ودارفور (33٪) نحو الولاية الشمالية (16٪) ونهر النيل (14٪) وغرب دارفور (7٪) والنيل الأبيض، ولا يزال يوجد نقص الشديد في الوصول إلى الغذاء والخدمات الصحية ومواد الإغاثة الأساسية، وبينما يعيش معظم النازحين داخليًّا مع المجتمعات المضيفة، يعيش أكثر من 280 ألفًا منهم حاليًّا في ملاجئ الملاذ الأخير مثل المخيمات والمباني العامة والملاجئ، لا سيما في ولاية النيل الأبيض بحسب مصفوفة تتبع النزوح.

كما تم ملاحظة تحركات نزوح عبر الحدود إلى مصر (40٪) وتشاد (28٪) وجنوب السودان (21٪) وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى. من بين ال 697،000 شخص الذين عبروا الحدود إلى الدول المجاورة، 65٪ سودانيون و 35٪ يقدرون بأنهم عائدون ومواطنون من دول ثالثة، معظمهم في ظروف شديدة الخطورة.

ويؤدي الصراع المستمر للعنف إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في البلاد والمنطقة، فيما لا يقل عن 24.7 مليون شخص، أي حوالي نصف سكان السودان باتوا بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، ثلثهم في دارفور، حيث يتدهور الوضع بشكل كبير.

هل أدرك طرفي الصراع بعدم إمكانية الحسم العسكري؟

من اللافت للنظر، وخصوصًا بعد لقاء للفريق البرهان مع إذاعة بي بي سي البريطانية، قبل نهاية سبتمبر الماضي، قال قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان: إنه مستعد للحوار مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، من أجل وضع حد للصراع المستمر في البلاد منذ عدة أشهر؛ ما يعني -في تقديري-: أن الحسم العسكري ربما يكون صعب التحقق.

كما أشار البرهان أيضًا إلى استعداده المبدئي للجلوس على طاولة المفاوضات مع حميدتي، شريطة أن تلتزم قوات الدعم السريع بحماية المدنيين، وهو ما تعهَّد به الجانبان خلال محادثات استضافتها مدينة جدة السعودية، في مايو الماضي الذي لم يسفر عن تقدم بين الطرفين آنذاك.

شدد قائد الجيش السوداني، على أن السودان سيبقى موحَّدًا، نافيًا بأن يكون مصير بلاده كالصومال، ومؤكدًا أن الشعب السوداني متحدٍ خلف قضية واحدة، هي إنهاء التمرد سلميا أو بالقتال.

في المقابل، وفي نفس شهر سبتمبر الماضي، أعلن الفريق حميدتي استعداده لبدء محادثات سياسية ولوقف إطلاق النار، كما أعادَ تأكيد نيته، في رسالة مصورة للأمم المتحدة، عبَّر فيها مرة أخرى عن استعداده للمشاركة في محادثات السلام، ولكن في الواقع على الأرض، فقد سبق أن أعلن الطرفان عدة مرات استعدادهما لوقف إطلاق النار وبدء محادثات سياسية، لكن هذا لم يحدث ولم تخف وتيرة المعارك على الأرض، فكلا الطرفين متمسك برأيه، ولكن يبقى السودان مشتتًا والمواطن في معاناة بشكل متزايد؛ الأمر الذي نتج عنه مزيد من الجوع والفقر ودخول بعد الأمراض والفيروسات، وَفْق بيانات رسمية صدرت عن الأمم المتحدة التي ناشدت الجانبان ضرورة وقف القتال في السودان حفاظًا على الأرواح وقبل فوات الأوان.

الخلاصة:

– إن استمرار المشهد الحالي وإصرار طرفي الصراع على موقفهما سيُحول السودان من القتال الجاري إلى حرب أهلية أو ربما حربًا بالوكالة.

– تشير الأحداث التاريخية السابقة في السودان على أن الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع من الممكن أن تدوم لسنوات، ولنا في دارفور أسوة.

– سيظل الطرفان في الاقتتال ما لم يقدما مصلحة السودان على المصلحة الشخصية، وإن كان الذي قد بدأ بالتمرد على الدولة هى قوات الدعم السريع، ولكن الحسم سيكون بمدى تعاظم الجبهة الداخلية معه؛ أي: ما ينحاز له غالبية الشعب وبعض من موازين القوى الدولية.

– يجب أن يعلم طرفا الصراع والقوى السياسية الداعمة لكليهما أن إطالة فترة الاقتتال بُغّية الوصول لنقطة الحسم على الأرض، ستُقوض من فرص التسوية السلمية.

– كما سيؤدي ذلك إلى خطر أكبر، وداهم وربما قد بدأ في انتشار الجماعات المسلحة من جديد، ومِن ثَمَّ نقل وتجارة السلاح والمخدرات بمنطقة القرن الإفريقي وخارج حدود القارة بأثرها، لا سيما أن السودان ذو موقع متميز، ويقع على البحر الأحمر.

– المشهد الحالي وفي حال استمراره سيؤدي لا محالة إلى استنساخ التجربة الليبية، حيث تنافس بعض الجماعات داخليًّا، وأيضًا بعض القوى الكبرى على نهب ثروات ومقدرات البلاد، ويظل المواطن هو الضحية نتيجة الصراع على السلطة.

– إن عدم توحُد القوى السياسية في السودان على مصلحة البلاد يُعد من أبرز العوامل خطرًا في الصراع الدائر، فبعض القوى تدعم الجيش، وقوى أخرى تدعم قوات الدعم السريع، وقوى ثالثة تمسك بالعصا من المنتصف. وكلُ يبحث عن مصلحته فقط وهذا مكمن الخطر، والحل يكون في تفعيل دور الشخصيات السياسية والحزبية الفاعلة النزيهة، وأن تجتمع لوضع حلول عاجلة متفق عليها من مُمثلين حقيقيين عن الشعب، لإجبار أطراف الصراع على الجلوس للمفاوضات ومن الممكن تنحي كل منهما، وتشكيل مجلس رئاسي يُدير المرحلة الانتقالية، لحين إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وحقنًا للدماء.

المصادر:

– سكاى نيوز

– موقع الغد

– الأهرام

– mena (وكالة الأمم المتحدة للهجرة)

التعليقات مغلقة.