مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات - نسخة تجريبية
السودان المشتعل.. متى يطفئ نيرانه ويلتحم أبناؤه من أجل دولتهم؟!
لا شك أن الدولة السودانية جزء من الوطن العربي والإسلامي، والذي تتألم له جوارح أمتنا الغالية التي تعاني من الشتات في كل حدب وصوب، فلا نكاد نسمع في كل يوم إلا مشرد عربي ومسلم هناك، وهناك قتيل عربي ومسلم، وهناك قصف شديد، إلى ما لا نهاية، وهذه الحالة أصبحت من الضروري أن يكون لها صحوة إسلامية وعربية تلملم ما يمكن لملمته وتبني ما يمكن بناؤه، ولا يخفي على أحد ما يحدث في فلسطين من جراح تسكب الدم في كل يوم يمر عليها تحت وطأة الاحتلال اليهودي الظالم والغاشم، وما يحدث في بلداننا العربية حتمًا سيكون لها وقت النهضة التي لا محالة ولا مفر منها، وهي الحقيقة التي يعلمها أعداء هذه الأمة ويخافون منها، وكما تربينا: نحن أمة تمرض، ولكنها لا تموت، وهي باقية إلى أن يشاء الله وحده.
إن المعارك الدائرة بين أشقائنا في السودان، هي نتيجة طبيعية للصراع الفوضوي على السلطة داخل المؤسسة العسكرية السودانية، والتي لا تعرف لغة سوى السلاح، وفي الوقت الراهن هذه الاشتباكات العنيفة تدور في مواقع إستراتيجية بالسودان، وبمواقع متفرقة منتشرة على خط طول الجمهورية السودانية الشقيقة، وتحمل هذه المعركة الدائرة طرفي صراع كلاهما أقوى من الآخر؛ إلا أن هذه القوى كان يتمنى الشعب السوداني أن تكون موجهة تجاه الأعداء بالخارج، وليس أشقاء الأرض الواحدة والدم الواحد؛ هذان الفريقان هما: قوات الدعم السريع، وقوات الجيش السوداني النظامي.
وتعود خلفية الصراع بين الإخوة الفرقاء إلى عام 2021 وهو عام الانقلاب على مجلس السيادة السوداني، والذي أدى بطبيعة الحال إلى الانقسام الشديد على أرض الواقع، حتى وصل إلى قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد وهو عبد الفتاح البرهان، وعلى الجانب الآخر قائد قوات الدعم السريع، وهو محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي.
وكان خلاف الجانبين على كيفية أدارة البلاد وتسيير الأوضاع بالداخل السوداني وعلى مقترح الانتقال إلى حكم سوداني مدني، كذلك تعتبر من النقاط الرئيسية في الخلاف الدائر بين حميدتي والبرهان حول نقطة ضم قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي والتي يبلغ عددها إلى 100 ألف جندي، وهو ما يوازي جيش نظامي، ومرجعية هذه القوة بعد ضمها للجيش السوداني النظامي.
الجيش السوداني النظامي:
لا شك أن كل دولة قائمة لها سيادتها وقواتها الخاصة التي تدافع بها عن نفسها، وكذلك السودان هي واحدة من هذه الدول العريقة، ولها جيش قوي ومشهود له في أرض المعارك، ولعلنا نجمل هنا قدرات الجيش السوداني النظامي لمحاولة استيعاب ما يحدث على أرض الواقع هناك، حيث وصل عدد القوات المسلحة في السودان حوالي 205 آلاف جندي، وفق تقارير عسكرية صادرة، وتنقسم هذه القوات إلى، 100 ألف قوات عاملة؛ 50 ألفًا قوات احتياطية، 55 ألفًا قوات شبه عسكرية، وبالنسبة للقوات الجوية، فهي تمتلك 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، 37 طائرة هجومية، 25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، 12 طائرة تدريب، وتصنف القوات الجوية السودانية باعتبارها رقم 47 ضمن الأقوى عالميًّا.
كذلك يمتلك الجيش السوداني 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالميًّا؛ إضافة إلى 6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالميًّا، وقوة تضم 20 مدفعًا ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالميًّا، كما يمتلك الجيش السوداني 389 مدفعًا و40 راجمة صواريخ، وكذلك يمتلك جيش السودان أسطولًا حربيًّا يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالميًّا، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار.
قوات الدعم السريع:
لعل الواضح هنا أننا أمام قوة موازية للقوة النظامية الرسمية التابعة للدولة، وهو ما جعلنا أمام مقارنة حقيقية في القدرات، حيث تقدر عدد أفراد قوات الدعم السريع بحوالي 100 ألف فرد ولها قوعد منتشرة في معظم أرجاء البلاد، ويركز تواجدها على العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، استولت في وقت سابق على عدد من المقرات مثل جهاز الأمن الوطني، ومبنى لحزب المؤتمر الوطني المنحل، وتتخذ من تلك المقرات تمركزًا لها، وهي تنتشر على الحدود مع دول الجوار الإفريقي.
وتعرف نفسها بأنها قوات قومية تضطلع بعدد من المهام والواجبات الوطنية التي كفلها لها القانون، وهي تعمل بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة، وبقية القوات النظامية الأخرى، في تحركاتها، وقد تشكلت قوات الدعم السريع السودانية بشكل رسمي في عام 2013، حيث تم إعادة هيكلتها لتصبح تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالسودان(1).
الأسباب الرئيسية حول النزاع الدائر:
1_ النزاع حول شخصية قيادة القوات المسلحة بين قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش السوداني.
2_ تعثر المسار الديمقراطي في السودان.
3_ الرغبة في الاستيلاء على موارد السودان.
4_ وجود قوى إقليمية ودولية خلف الحرب في السودان(2).
نظرة للخلف ولتاريخ الصراعات السودانية.
أول انقلاب في السودان:
حدث أول انقلاب سوداني عام 1958 على يد الفريق إبراهيم عبود، وقد تزعم انقلابا على الحكومة المدنية التي تم انتخابها في وقت سابق من العام برئاسة عبد الله خليل، في أعقاب تفاقم الخلافات والانقسامات داخل الأحزاب السودانية وفيما بينها.
حرب أهلية بسبب الصراع على السلطة:
حدثت هذه الحرب عام 1962 وقتها اندلعت الحرب في جنوب السودان بين الجيش وحركة أنانيا التي كانت تطالب بحكم ذاتي للجنوب.
ثورة أكتوبر الشعبية على السلطة:
تفجرت عام 1964 ثورة “أكتوبر” الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الفريق إبراهيم عبود، الذي اضطر إلى تسليم السلطة لحكومة انتقالية وسط الضغوط الجماهيرية.
انقلاب النميري على الحكومة بسبب السلطة:
انقلب عام 1969 العقيد أركان حرب جعفر محمد النميري ينقلب على حكومة الرئيس إسماعيل الأزهري، ويعلن استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد وتشكيل مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء اللذين مثلًا معًا السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد.
حركة يوليو التصحيحية للانقلاب على الحكومة:
حركة “يوليو التصحيحية” العسكرية قامت عام 1971تنفذ انقلابًا عسكريًّا ضد النميري بزعامة الرائد هشام العطا، وتتسلم السلطة لثلاثة أيام فقط يعود بعدها النميري للحكم مرة أخرى.
اتفاق أديس أبابا وتنظيم الحكم في السودان:
انتهت الحرب الأهلية عام 1972 بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا بين حكومة الخرطوم وقادة التمرد في الجنوب، والتي تضمنت مشروع القانون الأساسي لتنظيم حكم ذاتي إقليمي في مديريات السودان الجنوبية.
الحرب الأهلية الثانية والصراع على الحكم:
اندلعت الحرب الأهلية الثانية عام 1983في الجنوب بين القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة مؤسس الحركة جون قرنق الذي طالب بإعادة صياغة منهج الحكم وتفكيك قبضة الحكومة المركزية في الشمال على الإقليم الجنوبي، وذلك بعد أن خالف النميري قانون الحكم الذاتي بموجب اتفاق أديس أبابا، وقسم الإقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم.
انقلاب للإطاحة بالرئيس النميري:
حدث انقلاب عام 1985 للإطاحة بالرئيس النميري بينما كان في رحلة علاجية إلى واشنطن، وسط انتفاضة شعبية شملت جموعا من الشعب والنقابات، والاتحادات العمالية والأحزاب. وقد أعلن وزير الدفاع آنذاك الفريق عبد الرحمن سوار الذهب انحياز القوات المسلحة إلى الشعب، وشكل مجلسًا عسكريًّا أعلى لإدارة مرحلة انتقالية تحت رئاسته، وحدد مدة هذه الفترة بسنة واحدة.
البشير يقود انقلابًا على الحكومة:
قام العميد عمر حسن البشير عام 1989 بانقلاب ضد حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، بدعم من الجبهة الإسلامية القومية برئاسة حسن الترابي، ويتولى منصب رئيس مجلس قيادة ما عرف بـ “ثورة الإنقاذ الوطني”، ويصبح حاكمًا للبلاد.
الجيش السوداني أمام التمرد في دارفور:
تحرك قوات الجيش إلى دارفور في غرب السودان عام 2004 للقضاء على حركة التمرد التي اتهمت السلطة المركزية في الخرطوم بتهميش الإقليم، ونزوح مئات الآلاف من سكان دارفور إلى دولة تشاد المجاورة. وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كولين باول يصف الوضع في دارفور بأنه إبادة جماعية.
استقلال الجنوب السوداني:
قام الجنوب السوداني بعمل استفتاء شعبي للانفصال عام 2011.
الإطاحة بالبشير:
خروج احتجاجات شعبية للتنديد بارتفاع أسعار المواد الأساسية وندرة الكثير من السلع في الخرطوم وغيرها من المدن عام 2018، تتحول بنهاية العام إلى مظاهرات حاشدة عبر أنحاء البلاد تطالب بإسقاط النظام، وفي عام 2019 يعلن البشير حالة الطوارئ في البلاد إلى أن أطاح الجيش بالبشير بعد مواجهات دامية.
حمدوك يتولى القيادة:
عبد الله حمدوك يتولى رئاسة حكومة جديدة في سبتمبر 2019 ضمن اتفاق لتقاسم السلطة مدته ثلاث سنوات مع الجيش وممثلين عن المجتمع المدني وقادة الاحتجاجات؛ إلا أنه وفي عام 2021 قوات الأمن تعتقل حمدوك والعديد من القيادات المدنية، وذلك بعد أسابيع من تبادل الاتهامات بين القوى المدنية والعسكرية والإعلان عن محاولة انقلاب فاشلة، وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان يعلن حل الحكومة المدنية وغيرها من الهيئات الانتقالية، إلا أنه قد تم مؤخرًا الإعلان عن اتفاق بين القادة العسكريين وحمدوك لإعادة تعيينه رئيسًا للوزراء، لكنه لا يستمر في المنصب سوى شهرين ويعلن استقالته في بداية العام التالي.
بداية المواجهة:
في عام 2022 بدأ الجيش يحذر من أن تعبئة قوات الدعم السريع داخل الخرطوم ومدن سودانية أخرى بدون تنسيق مع الجيش قد تؤدي إلى صراع مسلح بين الجهتين، إلى أن وصل بنا الحال إلى اندلاع اشتباكات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع عام 2023 في الخرطوم وبعض المدن الأخرى(3).
ولعل الناظر في هذا التاريخ يجد أن الصراعات الموجودة على الحكم، وأن معظم المتسللين إلى هذه الطبقة السياسية من الدولة، لا يهمهم سوى الاستيلاء على كرسي الرئاسة السودانية في حين أن السودان تعاني، ولم يرَ الشعب السوداني أي تقدم ملحوظ، أو نقلة نوعية تذكر في حياتهم، على الرغم من السودان لديها العديد من المقدرات ولعل أهمها في أرقام.
موارد السودان:
قال الأستاذ المشارك في كلية الدراسات التجارية بجامعة “السودان للعلوم والتكنولوجيا” محمد الناير: “كان بإمكان الموارد الضخمة التي يتمتع بها السودان في باطن وظاهر الأرض أن تسهم في تحقيق معدلات نمو عالية ويصبح ضمن الدول الأكثر نموًّا على مستوى العالم، ولكنها ظلت كامنة ولم تستغل منذ الاستقلال عام 1956، وكان بإمكانها أن تضعه في مقدم الدول الرائدة إقليميًّا في مجال الأمن الغذائي، ولكن بدلًا من ذلك يجد نفسه واقعًا في فخ سد حاجته من الغذاء”.
وأضاف الناير “من الموارد، الأراضي الصالحة للزراعة التي تبلغ مساحتها 850 ألف كيلومتر مربع المستغل منها 25 في المائة فقط؛ إضافة إلى تنوع مصادر المياه، ومنها: الأنهار، والمياه الجوفية المتجددة، والكميات الكبيرة من مياه الأمطار، لا يستفاد منها أيضًا، بل تنتج عنها فيضانات ودمار؛ لأنه لا يقابلها إنشاء سدود مناسبة”.
وتابع “ساعد تنوع المناخ على تنوع المحاصيل، وأهمها: القطن والفول السوداني والسمسم، والكركديه والقمح والذرة، والدخن والحبوب الزيتية، وقصب السكر، وغيرها من المنتجات، كما أن السودان يتميز بإنتاج أجود أنواع الصمغ العربي في العالم، وحينما فرضت الولايات المتحدة الحظر الاقتصادي على السودان عام 1997 استثنت الصمغ العربي لدخوله في عديد من الصناعات المهمة”.
وأوضح الأستاذ المشارك في كلية الدراسات التجارية: أن “السودان يمتلك ثروة حيوانية تقدر بأكثر من 110 ملايين رأس من الماشية، مما يجعله من أكبر الدول امتلاكًا للثروة الحيوانية، أما الثروات المعدنية فتتمثل في أكثر من 30 معدنًا، أهمها: الذهب، مع وجود عديد من مربعات البترول الواعدة التي لم يتم استغلالها بعد”.
وقال أيضًا: “يمتلك السودان موارد أخرى تتمثل في المقومات السياحية في مناطق الحضارات القديمة، مثل: الأهرامات ومنطقة النقعة والمصورات ومحمية الدندر وجبل مرة وغيرها، ولو لم يمتلك السودان كل هذه الموارد واكتفى فقط بموقعه الإستراتيجي الرابط بين المنطقتين: العربية والإفريقية، وساحل طوله 750 كيلومترًا على البحر الأحمر كأهم ممر ملاحي دولي، لكان ذلك كافيًا بأن يصبح ضمن دول العالم المتقدم”.
ورأى الناير: أن “السودان أصبح محور اهتمام العالم بخاصة في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي بدأ يتشكل وتتضح معالمه بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، مما وضع موارده الطبيعية وموقعه الجغرافي المتميز وساحل البحر الأحمر ضمن مسببات الصراع الإقليمي والدولي حول هذه الموارد”.
ولفت إلى أنه “قبل الحرب كانت التجارة عبر الموانئ البحرية السودانية شرق السودان تعمل بكفاءة عالية، وبلغ حجم التجارة الخارجية مع دول العالم عام 2022 بحسب التقارير الرسمية نحو 15.4 مليار دولار، منها: 4.3 مليار دولار صادرات و11.1 مليار دولار واردات، وأن 80 في المائة من هذه التجارة تتم عبر الموانئ، ونحو 10 في المائة عبر الطرق البرية مع مصر، ونحو 10 في المائة عبر مطار الخرطوم الذي تعطلت فيه حركة الملاحة الجوية، وتحديدًا صادرات الذهب التي تتم عبر النقل الجوي وعائدها بحسب إحصاءات العام الماضي مليارا دولار؛ لذلك ربما يتم استغلال مطار بورتسودان كمطار بديل خلال المرحلة المقبلة إلى حين عودة مطار الخرطوم للعمل مرة أخرى”(4).
فيا شعب السودان هذه المقدرات هي ملك لكم، وليست ملكًا للرصاص الذي يقتل به البعض بعضكم، ولابد من وقفة تاريخية لإنهاء هذا الانقسام، والتمتع بما وهبه الله لكم؛ فعلى الرغم من هذه العطايا التي حباها الله لكم إلا أن السودان ما زال يعاني الويلات في عدد من القطاعات، ولعل الجميع يرى ويشاهد هذا الحاصل على أرض الواقع.
حال السودان اليوم:
وبحسب أرقام حكومية، يعيش نحو 70 في المائة من السودانيين، البالغ عددهم 42 مليون نسمة، تحت خط الفقر، وذكرت تقارير صحفية أن قيمة الدولار تعدت عتبة 300 جنيه، في حين أنه كان في حدود الأربعين جنيها، عند الإطاحة بنظام البشير.
وأثبتت بعض المنظمات أنه يواجه ثلث سكان السودان أزمة جوع متصاعدة، مما يزيد من التداعيات المؤلمة للأزمة.
ووصلت الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء السودان إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ثمة حاجة لتقديم أكثر من 1.7 مليار دولار لتقديم المساعد الإنسانية والحماية إلى 12.5 مليون شخص من الأكثر ضعفًا بالبلاد(5).
فهذه السنوات الماضية هي عمر ضائع بالهدر بسبب عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتعاقبة والمتواصلة، والحروب الأهلية المختلفة، وعدم الإفادة من الثروات الطبيعية والحيوانية والمعدنية للسودان، والحرب في دارفور والنزاع في جنوب كردفان -النيل الأزرق على مدى سنوات، تقدر خسائر هذه الحروب بنحو 500 مليار دولار على مستوى التنمية الاقتصادية.
كل هذا وناهيك عن الخسائر البشرية، ما أوصل بلاد الذهب والأرض الخيرة، الى الإفلاس خسائر بشرية واقتصادية هائلة، ذاهبة في مهبّ الإهدار واللاجدوى والهباء.
التأثيرات الاجتماعية والديموغرافية للصراع على السودان:
أصدرت منظمة الصحة العالمية بشأن أوضاع السكان بيانًا ذكرت فيه تداعيات الصراع الأخير، وهو: أن الحرب شردت أكثر من 5.2 ملايين شخص، 4.1 مليون منهم داخل السودان، و1.1 مليون نزحوا إلى البلدان المجاورة.
وفي خلال 5 أشهر تركت أكثر من 24 مليون شخص؛ أي: نصف سكان البلاد، في حاجة إلى مساعدات إنسانية، ويواجه 20.3 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني 3.4 مليون طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات سوء التغذية الحاد، وأمراض: كالحصبة والحصبة الألمانية، والإسهال المائي الحاد، مع حالات مشتبه في إصابتها بالكوليرا والملاريا، وحمى الضنك.
وتتحقق المنظمة من وقوع 56 هجومًا على جهات الرعاية الصحية، أسفروا عن 11 حالة وفاة، و45 إصابة(6).
الدول المؤيدة لطرفي الصراع السوداني:
إن من أهم وأبرز الدول الداعمة للبرهان: مصر التي تشترك في حدود مع السودان، عبرها أكثر من 40 ألف شخص منذ بدء القتال، وقد أنشأت القاهرة مسارًا موازيًا للمفاوضات تشارك فيه شخصيات أقرب إلى الجيش.
في حين أن من يدعم حميدتي وبقوة يأتي على رأسهم دولة الإمارات وهي أهم حليف إقليمي لحميدتي قبل الصراع، وأقام حميدتي أيضًا علاقات مع روسيا، ويذكر أن هناك بعض التصريحات لدبلوماسيين غربيين في الخرطوم في عام 2022 تقول: إن مجموعة فاغنر الروسية متورطة في تعدين الذهب بشكل غير مشروع في السودان.
وبالنسبة للدول المؤثر في المنطقة وتأتي على رأسهم المملكة العربية السعودي، فهي ترتبط بعلاقات وثيقة مع البرهان وحميدتي، وكلاهما أرسل قوات إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وتقود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الجهود لتأمين وقف إطلاق نار فعال، بحسب زعمهم، كما تتمتع إثيوبيا وكينيا، القوتان البارزتان في شرق إفريقيا ببعض النفوذ؛ بسبب دورهما البارز في الدبلوماسية الإقليمية والوساطة السابقة في السودان.
ويرى الغرب رؤيته لمرحلة انتقالية تمهد لانتخابات إذ تقاسم الجيش السلطة مع المدنيين بعد الإطاحة بالبشير، وقدمت دعمًا ماليًّا مباشرًا تم تجميده عندما قام البرهان وحميدتي بانقلاب في عام 2021(7).
تداعيات الصراع في السودان على المنطقة:
لا شك أن السودان يقع في منطقة مضطربة يحدها البحر الأحمر وهو منفذ ضروري لأغراض التجارة ومنطقة الساحل والقرن الإفريقي؛ بالإضافة إلى أن السودان تمتلك حدودًا مع سبع دول، من ضمنهم: مصر من الشمال، وإثيوبيا من الجنوب الشرقي.
وبالتالي يثير الصراع الدائر في السودان قلق دول جوار أخرى، لأسباب تتراوح من القلق بشأن مياه النيل المشتركة وخطوط أنابيب النفط، فضلًا عن تصاعد القلق الدولي والإقليمي من مخاطر تدفق اللاجئين عبر الحدود، واتساع نطاق عمليات النزوح؛ خاصة وأن السودان تستضيف الكثير من اللاجئين.
كذلك من الضروري لفت النظر إلى تخوف العالم من مخاطر انضمام المتطرفين إلى الصراع ما يؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني في السودان، بل يمتد الأمر إلى تعقيد الوضع الأمني لدول الجوار ما يقوض عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي.
وعلى الصعيد الغربي: من الممكن أن الحرب في السودان ممكن أن تفتح جبهة جديدة ضد أوروبا والغرب لصالح روسيا، بتدفق موجات الهجرة من جديد، وهذا ما يمثل مصدر قلق إلى أوروبا والاتحاد الأوروبي(8).
لعله من السرد الموضح يتبين لنا حجم النزيف والخسائر في بلادنا السودانية، وأن معظم نزاعاتها على السلطة، ولم يفكر أحد بما يدور في الشارع أو حتى الأوجاع التي يعاني من المواطن السوداني، ولعل الصراع المحتدم هو نتيجة فشل جميع القوى الموجودة بفرض السيطرة التامة على البلاد وإنهاء الانقسامات، كما يوضح النزاع مدى تهاوي العقيدة العسكرية في السودان، فتكون فرق وميليشيات غير مدمجة في الجيش السوداني كان أحد أسباب تنامي قوة وقدرات قوات الدعم السريع.
ويمكن إيعاز ما يحدث في السودان انعكاس لحالة الفساد السياسي والاقتصادي حيثُ تذهب موارد الدولة لتعزيز قوة عسكرية وقوة عسكرية مضادة، في ظل معيشة الشعب السوداني تحت خط الفقر والمرض بالرغم من الثروات الاقتصادية المتعددة التي يمتلكها الشعب السوداني.
ولعله من الواضح أن العامل الخارجي لعب دورًا سلبيًّا في وصول الجمهورية السودانية إلى هذا الحد من النزاع المميت بهذه الدرجة، فلما لا وروسيا تسعى، وبجانبها الإمارات والسعودية إلى السيطرة على أكبر كميات من الذهب وتدعم قوات الدعم السريع من أجل الحفاظ على امتدادات الذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع على حساب الجيش السوداني وشعبه.
هذا ونجد أن أمريكا والاتحاد الأوروبي يدعم الجيش السوداني بغاية إقصاء روسيا عن المشهد السياسي في السودان حيثُ تسعى روسيا إلى إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وهو ما رفضه الجيش السوداني بقيادة البرهان، من هنا سيبقى السودان في نزاعه المسلح في ظل غياب قوة سياسية مدنية حكيمة تقود البلاد نحو الأمن والاستقرار، فلن تلتقي مصالح حميدتي والبرهان سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وسيظل السودان يعاني لفترات عواقب دخول البلاد في النزاع المسلح مرة أخرى، مع احتمالية تفاقم الوضع إلى حرب أهلية شاملة تجوب أرجاء البلاد، في ظل المعطيات الحالية.
ولكن لا يبقى لنا إلا الأمل في توحيد صفوف شعبنا السوداني، وإيقاف نزيف الدماء الذي يكاد يعصف بالوطن القائم، وقتها سيبكي الكل على ضياع وفقدان هذه الأرضي الغالية، ولعل لعبة المصالح تنتهي عندما يسمعون كلمة موحدة من الشعب فالإرادة الحقيقية لابد وأن تخرج من الشارع، وأن تطال هذه الدعوات كل المؤسسات في رغبتها للعيش تحت سقف واحد وبكلمة واحدة وبجيش واحد، فلا يمكن لأصحاب المصالح التحكم في بلد كامل وأمة بكامل عدتها وعتادها.
المصادر:
1_ سكاي نيوز
3_ بي بي سي
4_ الإندبندت
5_ un
7_ D.W
التعليقات مغلقة.