fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الحشد الشعبي: رواتب عراقية وولاء إيراني

269

الحشد الشعبي: رواتب عراقية وولاء إيراني

مقدمة:

يحتل العراق وَفْقًا لمنظمة الشفافية الدولية في تقرير عام 2020، الترتيب 160 من بين 180 دولة بمعدل 21 وفقًا لمؤشر مدركات الفساد، حيث يترسخ في العراق إرث كبير من الفساد، وعلى رأسه: نظام المحاصصة الطائفية الذي عزز الطائفية والمحسوبية.

ومنذ سقوط نظام صدام حسين تعاقبت الحكومات، وتصاعدت الاحتجاجات ضد هذا الفساد؛ نتيجة ارتفاع معدلات البطالة، والاعتماد على النفط، وضعف الثقة بين المواطن والدولة، إلى أن جاء الكاظمي في مايو 2020 وطرح رؤيته للإصلاح “الورقة البيضاء“، لكن ما زالت التحديات قائمة من حيث انتشار المليشيات والمؤسسات الضعيفة غير المؤهلة للإصلاح، ووجود أصحاب المصالح الراغبين في الحفاظ على الوضع القائم.

بُعد عربي وقُرب إيراني:

منذ سقوط نظام صدام حسين بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وعلاقات معظم الدول العربية الرئيسية ظلت باردة بسبب الشكوك والهواجس التي انتابتها جراء الطابع الطائفي الذي أنتجته تركيبة الحكم الجديد، والذي أدَّى بدوره إلى اتساع النفوذ الإيراني في العراق وامتداداته في المنطقة، لكن وَفْق نفس التحليل الواقعي؛ فإن هذا التردد العربي جاء بنتائج عكسية أتاح لإيران فرصة أن تتوسع في العراق أفقيًّا وعموديًّا مستغلة الفراغ الذي خلَّفه الغياب العربي كي تقيم قواعد ومرتكزات لنفوذ سياسي واسع، وتمدد ثقافي ذي طبيعة مذهبية واجتماعية، والأهم من ذلك أذرع عسكرية موالية يتم استخدامها في ترسيخ النفوذ الإيراني داخل وخارج العراق.

ومن خلال هذا التقرير نتعرف على حجم التبعية الإجبارية التي وصل إليها العراق، ومدى تغلغل شيعة إيران، وضمان ولائية القرار العراقي والتحدي العربي في رجوع العراق للحظيرة العربية مرة أخرى.

 

دولة داخل الدولة:

وتضم هيئة الحشد الشعبي فصائل مسلحة معظمها شيعية تُعد رسميًّا ضمن القوات المسلحة العراقية ويتلقى عناصرها رواتبهم من بغداد، لكنهم يتلقون التوجيهات من إيران، ويقومون بعمليات عسكرية خارج وداخل البلاد دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، بل ودون علمها أيضًا.

يحاول رئيس الوزراء المؤقت تحجيم نفوذ تلك الجماعات، لكن محاولاته تنتهي دون جدوى؛ بسبب قوة الحشد العسكرية، وعلاقاته الوثيقة مع أجهزة الدولة ودعمه من جانب أحزاب وكتل برلمانية مؤثرة.

الحشد دولة داخل الدولة على غرار الحرس الثوري في إيران، فهو يمثِّل قوة موازية للجيش، ويملك معسكرات، وسجونًا مستقلة، ولا يحد مسرح عمله حدودًا واضحة، فهو يقاتل في سوريا منذ سنوات لدعم نظام الأسد حليف إيران.

تشكِّل هذه القوات رأس حربة النفوذ الإيراني في العراق، فهي أداة طهران للرد على واشنطن عندما تفرض عليها عقوبات أو تتخذ ضدها أي إجراء، وتصبح القواعد العسكرية والبعثات الدبلوماسية الأمريكية في العراق أهدافًا لهجمات الحشد؛ مما يضع الحكومة في مواقف لا تحسد عليها حين تصبح طرفًا في مواجهة لم تُستشر في أمرها.

هذا ما وقع مؤخرًا حين قصفت الطائرات الأمريكية مواقع للميليشيات في سوريا والعراق، وأوقعت عددًا من القتلى والجرحى في ثاني هجوم من نوعه يأمر به الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد الميليشيات المدعومة من إيران منذ توليه السلطة قبل خمسة أشهر.

القصف الأمريكي جاء ردًّا على هجمات الطائرات بدون طيار من قِبَل الميليشيات ضد الأفراد والمنشآت الأمريكية في العراق.  

وقع سيناريو شبيه بذلك في أواخر 2019 حين استهدفت الميليشيات قواعد تضم أمريكيين، وردَّت الولايات المتحدة بقصف الحشد، فتمت مهاجمة السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء مما استدعى الرد باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

أما الحكومة العراقية: فيقتصر دورها في هذه المواقف على إصدار بيانات إدانة لكلٍّ من هجمات الحشد على القواعد العسكرية وإدانة الغارات الأمريكية.

وفي الفترة الأخيرة: كانت الميليشيات على وشك الدخول في صدام مسلح مع الجيش على خلفية اعتقال قاسم مصلح، قائد عمليات ميليشيات الحشد في محافظة الأنبار، بموجب قانون مكافحة الإرهاب؛ لاتهامه بالتورط في قتل المتظاهرين الرافضين للتدخل الإيراني، بعد يوم واحد من احتجاجات غاضبة في العاصمة، ومدن الجنوب لمطالبة الحكومة بالكشف عن قتلة المحتجين، لكن المنطقة الخضراء في بغداد التي تضم السفارات ومقرات الحكومة شهدت تدفق مسلحين مجهولين سيطروا على أحد مداخل المنطقة ومنعوا الناس من دخولها، واستعرضوا أسلحتهم لبعض الوقت في رسالة تهديد واضحة لرئيس الوزراء، وتدخل زعماء شيعة لدى الحكومة حتى تم إطلاق سراح مصلح بدعوى «عدم كفاية الأدلة» لإدانته.

هذا هو نفس ما حدث في يونيو/ حزيران 2020 عندما داهمت قوات الأمن مقرًّا لكتائب حزب الله العراقي، واعتقلت عددًا من أعضائه لاتهامهم باستهداف المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي، ليتم بعدها إطلاق سراحهم، وانتشرت صورهم وهم يدوسون صور الكاظمي ويحرقونها مع العلم الإسرائيلي، ووقع موقف مشابه في ديسمبر/ كانون الأول 2020 بسبب القبض على عنصر من عصائب أهل الحق، وحينها توعدت كتائب حزب الله العراقي رئيسَ الوزراء بـ«قطع أذنيه» إن لم يتوقف عن استهداف «المقاومة».

غالبًا، ينفي الحشد مسؤوليته عن أي أعمال عنف، ويستعين بلافتات وهمية للتستر وراءها تفاديًا للمساءلة، فبعد أي هجمات على القواعد العسكرية الأجنبية أو الجهات السياسية المعارضة لإيران، تخرج بيانات منسوبة لميليشيا لم يُسمع عنها من قبل على غرار: «ثأر الله»، أو «ربع الله»، أو «جبهة أبو جداحة» لتعلن مسؤوليتها.

جيش من «الفضائيين»:

تتحصل فصائل الحشد على مبالغ طائلة من الخزينة الحكومية، ويُتهم قادتها بأنهم يتسلمون رواتب لعناصر لا وجود لهم على أرض الواقع أو من يُطلق عليهم في العراق «الفضائيين»، ويقال: إن المسجلين رسميًّا لدى الدولة أغلبهم من هؤلاء «الفضائيين»، لكن لم يُفتح تحقيق رسمي حتى اليوم في هذه الفضيحة رغم طلب الحكومة رسميًّا، بل مرّر البرلمان العراقي، في نهاية مارس / آذار الماضي، بندًا ضمن موازنة العام 2021، يُلزم الحكومة بقبول 30 ألف عنصر جديد ضمن صفوف هذه الميليشيات ليصل تعدادها بعد تلك الزيادة إلى أكثر من 160 ألف عنصر، براتب يبلغ مليونًا و100 ألف دينار، أي: ما يقارب 800 دولار لكلِّ فرد منهم شهريًّا.

تشكَّلت قوات الحشد الشعبي عام 2014، واستمدت شرعيتها من دعوة المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني الذي يحمل لقب: «آية الله العظمى»، للمواطنين بالتطوع لقتال تنظيم داعش الذي كان قد بسط سيطرته على ثلث البلاد، فيما عُرف بفتوى «الجهاد الكفائي».

وشكلت هذه الظروف فرصة غير مسبوقة لطهران لتقنين ومأسسة تدخلاتها العسكرية في العراق، فمنذ الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣، استطاع النظام الإيراني السيطرة على العراق والتغلغل في مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، وتشكيل ما عُرف بـ«فرق الموت» التي ارتكبت مجازر طائفية بلغت ذروتها في عام 2006، لكن بتشكيل قوات الحشد الشعبي، أمكن إعطاء صفة رسمية لهذه الجماعات وتمويلها بشكل قانوني من الموازنة العامة للعراق.

شاركت تلك القوات في القضاء على تنظيم الدولة (داعش) وتحرير المدن السنية، لكن ذلك كان يعني تدميرها وارتكاب مجازر مروعة بحق السكان في غمرة الحرب، وتعرض المحظوظون من سكان المدن السنية للتهجير ضمن مخطط للتغيير الديموغرافي جعل أعدادًا هائلة من الطائفة السنية مشردين في المخيمات يعيشون لاجئين داخل وطنهم بعد تعرض آلاف البيوت للهدم بحجة محاربة داعش، ولم يسمح لآلاف العائلات بالعودة إلى مدنهم وقراهم عقب استعادتها مثل منطقة جرف الصخر التي اتخذتها الميليشيات مقرًّا لها بحق الفتح بعد طرد العشائر المقيمة بها.

وبالرغم من تعهد الحكومة منذ عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ أكثر من ست سنوات بمحاسبة المتورطين في المذابح والسلب والنهب، لكن هذا الوعد لم يجد سبيله للتنفيذ حتى اليوم رغم توثيق كثير من تلك الانتهاكات التي وصلت إلى حدِّ حرق الناس أحياء والتمثيل بالجثث؛ إلا أن ما حدث هو ضم هذه الفصائل رسميًا للقوات الحكومية.

الفصائل الولائية:

وتضم هيئة الحشد الشعبي 83 فصيلًا، بينها أكثر من 40 فصيلًا «ولائيًّا»، أي: ولاؤهم لطهران وتابعون لفيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، مثل: «عصائب أهل الحق»، و«سيد الشهداء»، و«كتائب حزب الله»، و«النجباء»، وغيرها.

كما تضم الهيئة ما يعرف بـ«حشد العتبات»، أو «حشد المرجعية»، وهي أربعة فصائل: فرقة «الإمام علي القتالية»، وفرقة «العباس القتالية»، ولواء «علي الأكبر»، ولواء «أنصار المرجعية». ويتميز حشد المرجعية عن الفصائل الولائية بأنه ينسق مع الحكومة ولا يتبع فيلق القدس، كما أن نطاق عمله يتركز على المدن المقدسة لدى الشيعة: ككربلاء، والنجف، بعكس الآخرين الذين يعملون داخل المناطق العربية السنية.

وقد انسحبت فصائل العتبات من هيئة الحشد الشعبي مما أضر بالشرعية الدينية للجماعات الولائية، وهو ما حاولت الأخيرة تلافيه وإرجاع تلك الفصائل، لكن الهوة بين الطرفين زادت بمرور الوقت حتى أن حشد المرجعية لم يشارك في العرض العسكري الأخير نكاية بالميليشيات التي تحاول فرض نفسها كسلطة فوق السلطة.

ولا يبدو في الأفق من سبيل واضح أمام الحكومة لعلاج هذه الحالة المستعصية، فمن جهة سيكون خيار تسريح قوات الحشد الشعبي محفوفًا بالمخاطر حيث ستتحول إلى العمل السري وما يترتب على ذلك من تبعات، ومن جهة أخرى: ستكون محاولة إخضاعها للقانون والمحاسبة إيذانًا باشتعال مواجهة عسكرية واسعة لن تكون إيران بمعزل عنها بأي شكلٍ من الأشكال، كما أن بقاء الوضع الحالي أمر لا يُحتمل استمراره فهو يهدد بانهيار الدولة ذاتها.

التبعية الاقتصادية وأين تذهب:

لكن ما لا يقل أهمية عن كل ذلك، وما يشكِّل تكاملًا معه هو التوسع في الامتداد الاقتصادي الإيراني الذي شمل قطاعات التجارة والصناعة، والاستثمار والبنوك، والنقل والطاقة والكهرباء، التي جعلت العراق مرتبطًا بشكلٍ يكاد يكون شبه عضوي بالاقتصاد الإيراني.

تعتبر إيران اليوم واحدة من أكبر شركاء العراق التجاريين بعد الصين وتركيا، حيث يبلغ حجم صادراتها للعراق نحو 10 مليارات دولار سنويًّا، أو حوالي 25 بالمائة من حجم واردات العراق الكلية التي تخطط لزيادتها حسب تصريحات مسئولين إيرانيين إلى نحو 20 مليار دولار (مقابل نحو 583. 27 مليون دولار عام 2020 لمصر، ونحو 404. 6 مليون دولار للأردن، ونحو 1، 35 مليار دولار للإمارات، ونحو 337 مليون دولار للسعودية عام 2019)، غير أن أرقام التبادل التجاري المعلنة لا تمثِّل إلا النزر اليسير من حجم الفوائد التي تجنيها إيران من العراق، والتي يأتي أغلبها من الاقتصاد الموازي الذي يعتمد على التهريب، وخاصة البترول، واستغلال فروع البنوك الإيرانية في العراق للحصول على ملايين الدولارات من منصة مزاد العملة الذي يتيحه البنك المركزي العراقي، وفي تبيض الأموال، ومن مصادر ترتبط بالقنوات شبه الرسمية كاللجان الاقتصادية للجماعات الحاكمة.

الواقع والمستقبل:

هناك جملة تحديات أمام التوجه العربي الجديد نحو العراق بعد كل سنوات التردد، على رأسها عدم وجود موقف عربي موحد، أو تنسيق عربي في المشاريع المطروحة، بل على العكس من ذلك هناك منافسات واضحة، وهو الأمر الذي يمكن ألا يؤدي إلى الغرض الأشمل المرجو منه، وهو التكامل من أجل توحيد السوق في المجالات الاستثمارية والتجارية العربية مع العراق. فتزامنًا مع الخطوات التي اتخذتها مصر والأردن والسعودية والإمارات، دخلت قطر على الخط، وطار وزير خارجيتها الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني إلى بغداد لكي يقدِّم عروضًا مماثلة، كما خطت لبنان أيضًا لتقديم عرض آخر بتوفير خدمات صحية للعراق مقابل كميات من البترول تبلغ قيمتها نحو 200 مليون دولار، في حين أجرت سوريا اتصالاتها التي تهدف إلى إعادة فتح السوق العراقية أمام المنتجات السورية.

يؤمن معظم العراقيين بمَن فيهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بضرورة الانفتاح على العالم العربي لأسبابٍ لا يترددون في البوح بها، وهي تتعلق بالحاجة التي يشعرون بها لعمق إستراتيجي يساعدهم في الخروج من قبضة النفوذ الإيراني، وأيضًا الوقوف بوجه التحديات التي يمثِّلها التغلغل التركي الذي لا يقل شأنًا وخطرًا عن ذلك الذي تمثِّله إيران، وربما هي المرة الأولى التي يقدِّم فيها رئيس وزراء عراقي منذ عام 2003 خطة لتنفيذ هذا التوجه على مسار محور ثلاثي مع مصر والأردن، ربما يفكر في تطويرها لتشمل المحاور العربية الأخرى.

تقوم فكرة الكاظمي على ما يسميه: بـ”المشرق الجديد”، وهو مقترح لم تتضح معالمه الأساسية لحد الآن، وربما يسعى لبلورته وطرحه في القمة الثلاثية القادمة والتي أُرجئت مرتين لأسباب طارئة، لكن في الشكل يبدو مشروع الكاظمي مماثلًا لفكرة طرحها البنك الدولي عام 2014 اقترح فيها تجمعًا اقتصاديًّا يضم: العراق، والأردن، ومصر، وسوريا، ولبنان، وتركيا، والأراضي الفلسطينية، ووَفْقًا للمشروع الذي أعده خبراء البنك، والذي سمي بـ”المشرق الجديد” أيضًا فإن البلدان السبعة تمتلك طاقات تكاملية في المصادر الطبيعية، وتشابهًا في مراحل النمو، وميزات التقارب الجغرافي التي يمكن توظيفها كلها في تطوير سوق كبيرة واحدة.

ليس معلومًا حتى الآن إن كان مشروع الكاظمي يتضمن رؤى للمضي بعيدًا أكثر من حدود التكامل الثلاثي، كما أنه من غير الواضح مدى استجابة كل من مصر والأردن لفكرة التوسع في العلاقات الثلاثية التي تنطوي على حسابات مختلفة عن تجمع إقليمي أكبر، لكن المشروع يأتي في الوقت الذي ترد فيه إشارات من أطراف دولية وإقليمية بشأن حلحلة بعض الملفات الإقليمية ذات الصلة: كالأزمة السورية، والخلافات المصرية التركية، وعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، كما يتميز بأنه يستبعد إيران من المعادلة المقترحة.

ليس من الواضح في هذه المرحلة إلى أين يمكن أن تصل الأمور بشأن هذه الأزمات في ظل تعقيدات تواجه سبل تفكيكها، وخاصة الامتدادات الإقليمية والدولية في ملفات بعضها، ولكن إذا ما أخذ مشروع الكاظمي باعتباره امتدادًا لمشروع البنك الدولي الذي عطلته الحرب التي شنت لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي بعد عام 2014، فإن بالإمكان القول: إن الفكرة يمكن أن تلقى تأييدًا دوليًّا وإقليميًّا في المرحلة الحالية مع تغيرات يمكن أن تدخل على مدخلاتها تتناسب مع مواقف الأطراف الأخرى ومع المناخ الإقليمي الجديد في المنطقة.

في السياق نفسه فإن فكرة لجم إيران ووقفها عن توسيع نفوذها في عموم المنطقة، يمكن أن تلتقي مع مسعى متوقع آخر، هو: محاولة ربط البرنامج الصاروخي الإيراني والتدخلات الإيرانية في المنطقة، ودور وكلائها في ملف إعادة التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية، والأطراف الأوروبية المشاركة في مفاوضات 5+1، وهو ما دعت إليه دائمًا الأطراف العربية التي تعبر مخاوفها من ازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي الإطار نفسه فإن الاحتمالات المتزايدة عن الانسحاب الأمريكي من العراق في ضوء قرار الانسحاب من أفغانستان سيتطلب ترتيبات لضمانات سياسية وأمنية بألا تتقدم إيران بخطوات إضافية لزيادة نفوذها في العراق، وربما في السيطرة النهائية عليه.

لذلك فإن الاندفاع العربي نحو العراق الذي يأتي على خلفية كل هذه التطورات سيتطلب وجود رؤى وإستراتيجيات محسوبة بدقة إذا ما كان الهدف الفعلي من ورائه هو عزل العراق عن التدخلات الإيرانية، وتمتين العلاقات العربية البينية معه.

هناك بطبيعة الحال تساؤلات جدية عن واقعية هذا التفكير في ظل مصادر القوة المتنوعة التي تمتلكها إيران في العراق، فمن المتوقع أن تستخدم إيران كل ما تمتلكه بيدها من أوراق ومصادر نفوذ في العراق في مقاومة أي توجه يسعى إلى الحدِّ مِن المكاسب الإستراتيجية التي حققتها في العراق خلال ثمانية عشر عامًا، والتي أصبحت إحدى ركائز قوتها في المنطقة.

التحدي والاستجابة:

هناك مؤشرات على أن إيران قد بدأت فعلًا بممارسة الضغوط السياسية على القيادات العراقية المختلفة للتصدي للانفتاح العربي أمام العراق، شملت في بعض الأحيان تهديدات مباشرة للقادة العراقيين من قِبَل كبار المسئولين الإيرانيين المسؤولين عن الملف العراقي مثل علي شمخاني سكرتير مجلس الأمن القومي، وإسماعيل قآني مسؤول فيلق القدس في الحرس الثوري، كما أن الفصائل المسلحة التي تدعمها وتمولها إيران بدأت هي الأخرى بإطلاق تهديدات وتلفيق اتهامات للأطراف العربية التي أبدت استعدادًا لتوسيع التعاون مع العراق؛ إضافة إلى تلميحات للوقوف ضد أية محاولات لزيادة الوجود العربي في العراق بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها حاليًا مع القوات الأمريكية.

وأخيرًا: السؤال الأساسي:

أما السؤال الأساسي فهو: عن الوسائل العملية المتوفرة بيد الكاظمي لخوض معركة كسر عظم متوقعة سيواجهها، وهو يحاول القضاء على -أو الحد- من نفوذ إيران في العراق.

على المستوى النظري: قضى الكاظمي فترة طويلة حتى الآن وهو يرسل بالرسائل عن سعيه لترسيخ سيادة الدولة بوجه الجماعات المسلحة التي تديرها إيران، وبالكلام عن الحاجة لضبط سلاحها؛ إلا أن تلك الرسائل التي لم تصل إلى العمل الفعلي لحد الآن جوبهت بالضغوط الكبيرة التي تمارس على الكاظمي ابتداءً من الشتائم العلنية وانتهاءً بالاستعراضات العسكرية الاستفزازية التي تقوم بها المليشيات المسلحة في قلب العاصمة بغداد.

سيكون على الكاظمي أن يكون أكثر فطنة في السير في كلِّ حقول الألغام التي ستزرع في دربه، وإدارة عملية سياسية معقدة تختلط فيها مصالح سياسية وحسابات طائفية، وفساد يعشش في كل مفاصل الدولة والمجتمع قد لا يجد في الانفتاح على العالم العربي مكاسب له، كما أن عليه أن يكون أكثر حزمًا في إظهار قوة الدولة وتصميمها على تنفيذ برامجها في تحقيق السيادة وفي ترسيخ استقلالية القرار العراقي، وهو ما يمكن أن يأتي به إيقاف التدخلات الإيرانية، وفتح أبواب ونوافذ العراق أمام هواء آخر يهب عليه من جهات العالم الأخرى.

أما العالم العربي: فعليه الآن أن يضع إستراتيجيات عقلانية تقوم على تمتين ركائز المصالح المشتركة، والنظرة الجدية الواعية إلى المخاطر التي تتعرض لها المنطقة، وبناء رؤية مستقبلية لمتطلبات تعزيز الأمن الجماعي، والتعاون القائم على الاستخدام الأمثل للطاقات والموارد الجبارة التي يمتلكها العالم العربي لمصلحة شعوبه، ومن أجل الخير العام.

المصادر:

https: //www. ecsstudies. com/14569/

https: //www. ida2at. com/popular-mobilization-iraqi-salaries-iranian-loyalty/

https: //www. ecsstudies. com/15091/

https: //www. ecsstudies. com/tag/iraq/

التعليقات مغلقة.