fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الحرب في اليمن وسلاح حقوق الإنسان

106

تمر اليمن بأزمة وجودية حقيقية بعد ما تعرضت له ضمن ما يطلق عليه ثورات الربيع العربي وتبعاتها، وما تم من انقلاب وتغول جماعة الحوثي الشيعة على مقدرات اليمن وفرض نفوذها وبسط سيطرتها من خلال استخدام القوة، وهي تمثل في ذلك أحد أدوات إيران لتحقيق المشروع الفارسي الإيراني بالمنطقة.

وهو الأمر الذي استلزم تحركًا عربيًا لمواجهة تغول الحوثيين و مواجهة التدخل الإيراني بالمنطقة، لذا فقد تشكل تحالف عربي تقوده السعودية يقوم بتوجيه ضربات جوية مستهدفة جماعة الحوثي المسلحة ومن خلال دعم الحكومة الشرعية والقوات المسلحة اليمنية الداعمة لها.

وبعد مرور تلك المدة من بداية التدخل العربي في الصراع اليمنى، لم تظهر أي مؤشرات حقيقة على انحسار النزاع في اليمن. ويمكن القول إن جميع الأطراف قد ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، وبعضها يرتقي إلى جرائم الحرب، مما تسبب في معاناة لا تطاق للمدنيين.

وعلاوةً على القصف الجوي الذي تشنه قوات التحالف، تخوض الفصائل المتناحرة قتالًا شرسًا على الأرض تدور رحاه بين الحوثيين من جانب، وهم جماعة  يمنية مسلحة ينتمي عناصرها إلى مذهب الزيدية الشيعي، والقوات المعارضة للحوثيين المتحالفة مع الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي وقوات التحالف بقيادة السعودية من جانب آخر.

تشير بعض الإحصائيات أن عدد الضحايا في اليمن أكثر من 15.000 ما بين قتيل وجريج، مع تفاقم الأزمة الإنسانية، فطوال ثلاث سنوات، تعامل الكثيرون في العالم بشيء من التجاهل تجاه هذا النزاع المحتدم، ولم يسمع شيئًا عن عواقبه المدمرة [1].

 مؤخرًا قام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإرسال فريق من الخبراء الحقوقيين الدوليين إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن في مهمة رسمية لاستقصاء واقع انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.

وقد كانت السعودية تسعى إلى تعطيل قرار  تشكيل لجنة تحقيق دولية حول الأوضاع الإنسانية في اليمن عُرض على الدورة السابقة لمجلس حقوق الانسان، ليتم استبداله بتشكيل فريق خبراء دوليين وإقليميين.

وقال رئيس فريق الخبراء الحقوقيين الدوليين كمال الجندوبي في مؤتمر صحفي عقده بعدن: إن فريق الخبراء جهة مستقلة دولية ستقوم بزيارة مناطق الصراع المختلفة في اليمن، وتقابل جميع الأطراف دون استثناء، وستقدم رؤية واضحة حول تقصي الحقائق والانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين[2].

و قد أعلنت لجنة خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن جميع أطراف الصراع الدائر في اليمن “قد تكون مذنبة بارتكاب جرائم حرب“، بينما شدد أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، على أن التحالف بصدد “مراجعة” التقرير و”الرد على حيثياته” مضيفًا أن:

“لكل أزمة تحدياتها السياسية والإنسانية، ولكن يبقى الأساس في أزمة اليمن قيام التحالف بدوره نحو استعادة الدولة اليمنية وحفظ مستقبل المنطقة من التغوّل الإيراني وتقويض أمننا لأجيال قادمة، هذه هي أولويتنا وعلينا إنطلاقًا منها القيام بما يلزم على الصعيد الإنساني والإغاثي والتنموي”.

ويقول التقرير الأممي إن جميع الأطراف “مسؤولة عن انتهاك حقوق الإنسان“، لافتًا إلى “استمرار ارتكاب الجرائم” باليمن؛ فيما أوضح كامل الجندوبي، في مؤتمر صحفي، إن “الانتهاكات التي وثقناها كانت مروعة”. [3]

وقالت قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن إنها تتابع باهتمام جميع التقارير الصادرة من الأمم المتحدة بشأن الأزمة. وأضافت أنه تم إحالة تقرير مجلس حقوق الإنسان لفريقها القانوني. وبعد المراجعة القانونية سيتم اتخاذ الموقف المناسب بهذا الشأن، وسيعلن عن ذلك.

المدنيون يدفعون الثمن الباهظ

يتحمل المدنيون وطأة العنف في اليمن، فإلى جانب التسبب في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، أدى النزاع إلى تصاعد أزمة إنسانية شديدة حقًا. وهذه الأزمة هي من صنع الإنسان، مع تعمق الحرب وتفاقم الوضع الإنساني، وإعاقة جميع الأطراف إيصال المساعدات الإنسانية.

ويعتمد حوالي 22.2 مليون يمني اليوم على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة. ففي أواخر نوفمبر، قام التحالف بقيادة السعودية بتشديد حصاره البحري والجوي على اليمن؛ وذلك من أجل منع الإمدادات للقوات الحوثية؛ وبعد إطلاق قوات الحوثي صاروخًا استهدف المناطق المدنية في العاصمة السعودية الرياض وعلى الرغم من تخفيف الحصار منذ ذلك الحين، يواصل التحالف فرض قيود على المساعدات والواردات التجارية للسلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود[4].

وفي الغرب تتصاعد الأصوات المطالبة بإدانة التحالف العربي متمثلًا في السعودية والإمارات بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم ترقى إلى جرائم حرب واتخاذ عدد من الخطوات والقرارات العقابية والتصعيدية ضدهم من خلال توثيق بعض الأحداث وإدانتها ووقف إبرام اتفاقيات تسليح جديدة لهما ووقف تصدير الأسلحة في الاتفاقيات المبرمة سابقًا.

ويبدو أن هناك بعض الدول قد رضخت لتلك الضغوط الداخلية و قامت بالفعل بتجميد توريد بعض الأسلحة المتفق على توريدها مثل إسبانيا. وتتزايد الضغوط على بريطانيا وألمانيا وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن إلا أنها حتى الآن لم تتخذ أي إجراءات تصعيدية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا التي ما يزال موقفها غامضًا و لم يتحدد بشكل كبير، إلا أنه يمكن التنبؤ بمواقف تلك الدول مستقبلًا من أن غض الطرف الحالي عن تلك القضية إنما هو أمر مرحلي وفق مصالح حالية مع دول التحالف العربي إلا أنه يبقى سلاحًا فعالًا تضغط به تلك الدول على السعودية والإمارات لتمرير وتحقيق مطالباتها ومخططاتها الأخرى لحين تحقيقها، ثم يتم استخدامها ضد بعض الدول بعد انتهاء مرحلة التوافق والانسجام والمصلحة الحالية.

[1] العفو الدولية

[2] الشروق

[3] CNN

[4] العفو الدولية

التعليقات مغلقة.