fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الاتفاق الإيراني – السعودي برعاية الصين… مخاطر ومحاذير

84

الاتفاق الإيراني – السعودي برعاية الصين… مخاطر ومحاذير

يعاني الشرق الأوسط والمنطقة العربية والخليج من إرهاب إيران على مدار عقود منذ سقوط نظام الشام محمد رضا بهلوي، ونجاح ثورة الخميني وأتباعه على الجمهورية الإيرانية عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ بسط نظام ولاية الفقيه والحكم الشيعي إيران، وبدأت مخططات طهران تطغى على النظام الرافضي ومَن حوله مِن أتباع، وبدأ تكوين المليشيات وانتشارها في العالم العربي، وتعددت العمليات الإرهابية وإجرام إيران حتى أضحت تتحكم في بلدان بأكملها، وتثير فيها الفتنة والعدوان، وتسرق ثرواتها، وتقتل أبناءها.

وها هو العدوان الإيراني يتضح جليًّا فيما آلت إليه الأوضاع في لبنان والعراق، واليمن وسوريا مِن فوضى وخراب، وحروب، وسيطرة مرتزقة طهران على خيراتها، وللأسف لم تأمن دول أخرى، مثل: السعودية والبحرين، وحتى مصر من محاولات الاعتداء، ونشر التشيع، وتكوين جماعات تتبع إيران.

والسعودية لموقعها الجغرافي القريب من طهران وثقلها في العالم الإسلامي، عانت من الإرهاب الإيراني، ولم يأمن حتى بيت الله الحرام مِن فسقها وعبثها، وبشاعة سعيها، وعقدت الرياض مسبقًا عدة اتفاقات بين إيران سواء للأمن أو التعاون أو إعادة العلاقات بعد قطعها جراء انتهاكات طهران، وتلك الاتفاقات سواء كانت بسعي سعودي أو بمحاولات دولية لإرساء السلام؛ فقد باءت جميعها بالفشل، وعادت إيران كرة العنف والمكر والسوء من جديد، ويأتي الاتفاق السعودي الإيراني الأخير الذي عُقِد في مارس 2023 برعاية بكين ليثير عدة تساؤلات، أبرزها: هل يكون اتفاق هش كمَن سبقه أم يتحقق المستحيل وتتنزل على طهران آيات الهداية وهو ما يشكك فيه الجميع؟!

وإجابة هذا السؤال لن يجيب عنها إلا الأيام، ولا يبقى لنا إلا ذكر مخاطر ومحاذير الاتفاق السعودي مع طهران، بعد التعرض لبعض جرائم طهران مع السعودية وبلدان العالم العربي في الماضي القريب.

ماذا نعرف عن إيران؟

قال الكاتب السعودي طارق الحميد: إن ذراع المليشيات الأكبر لإيران في الشرق الأوسط والعالم، هو الحرس الثوري الإيراني، الذي يزود المرتزقة بالعتاد والجنود والمال؛ لإشاعة الفوضى في العالم العربي، ومختلف بلاد العالم، وحتى في أوروبا، وأكد في مقال له بالشرق الأوسط: أن ما يفعله الحرس الثوري في العراق، واليمن، ولبنان، وسوريا، وكذلك في أوكرانيا، وفي إيران نفسها، وجرائم الملالي والحرس الثوري، لا تحتاج إلى دليل، وأن هذا النظام الشيعي لا يعرف أو يفهم سوى العنف.

ويضيف الكاتب صالح حميد في مقال له بالعربية نت: إن إيران أسست العديد من المنظمات الإرهابية في الداخل والخارج، منها: ميليشيات حزب الله في لبنان، وحزب الله في الحجاز في السعودية ودول الخليج، وحزب الله وعصائب أهل الحق وعشرات الميليشيات الطائفية في العراق، والحوثيون في اليمن، وأن طهران تدعم كثيرًا من الجماعات والميليشيات التي تخدم مصالحها، كما أقامت خلايا تجسس فحسب، ورتبت عمليات خطف وتفجيرات واغتيالات ضد أشخاص، وكيانات وسفارات ودبلوماسيين.

سجل إرهاب إيران منذ 1979:

نشرت جريدة مكة سجل كامل بإرهاب إيران في السعودية والعالم العربي كالآتي:

التفجيرات:

– تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981، ومقتل 61، وإصابة 110.

– تفجير السفارة الأمريكية في بيروت من قِبَل حزب الله عام 1983، ومقتل 63 شخصًا.

– عام 1983 قام الإيراني إسماعيل عسكري، الذي ينتمي لـلحرس الثوري، بتنفيذ عملية انتحارية في بيروت استهدف مقر مشاة البحرية الأمريكية، وقتل 241 وأصيب أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين الأمريكيين.

– عام 1983 تفجير مقر القوات الفرنسية في بيروت من قبل حزب الله، بالتزامن مع تفجير مقر القوات الأمريكية، وقتل 64 فرنسيًّا ومدنيًّا وعسكريًّا.

– عام 1983 قامت عناصر حزب الله وحزب الدعوة الشيعي المدعومين من إيران بمجموعة هجمات طالت السفارة الأمريكية والسفارة الفرنسية في الكويت، ومصفاة للنفط، وحي سكني، وقتل 5 وجرح 8.

– عام 1985 وقعت محاولة تفجير موكب الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت الراحل، والذي نتج عنه مقتل عسكريين وجرحى خليجيين.

– عام 1986 قامت إيران بتحريض حجاجها للقيام بأعمال شغب في موسم الحج، ما نتج عنه تدافع الحجاج ووفاة 300 حاج.

– عام 1994 تورطت إيران في تفجيرات بيونس آيرس وقتل أكثر من 85، وأصيب نحو 300 آخرين، وفي عام 2003 اعتقلت الشرطة البريطانية هادي بور السفير الإيراني السابق في الأرجنتين بتهمة التآمر لتنفيذ هذا الهجوم.

– عام 1996 تم تفجير أبراج سكنية في الخبر، والذي قام به ما يسمى: “حزب الله الحجاز” التابع للنظام الإيراني، وقتل 120، من بينهم: 19 من الجنسية الأمريكية، وتوفير الحماية لمرتكبيه، بمن فيهم المواطن السعودي أحمد المغسل الذي تم القبض عليه في عام 2015، وهو يحمل جواز سفر إيراني، وأشرف على العملية الإرهابية الملحق العسكري الإيراني لدى البحرين، كما تم تدريب مرتكبي الجريمة في كل من لبنان وإيران، وتهريب المتفجرات من لبنان إلى السعودية عبر حزب الله، والأدلة على ذلك متوفرة لدى حكومة المملكة وحكومات عدد من الدول الصديقة.

عام 2003 تورط النظام الإيراني في تفجيرات الرياض بأوامر من أحد زعامات القاعدة في إيران، وقتل العديد من المواطنين السعوديين، والمقيمين الأجانب ومن بينهم أمريكيون.

– عام 2003 تم إحباط مخطط إرهابي بدعم إيراني لتنفيذ أعمال تفجير في البحرين، والقبض على عناصر خلية إرهابية جديدة كانت تتلقى الدعم من الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، وتصاعدت هذه العمليات ما بين عامي 2011 و2016.

– عام 2013 كشفت الإمارات العربية المتحدة عن خلية “حزب الله العنقودية” التي أنشِئت بواسطة عملاء تابعين لجهاز الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري كانت تعمل على نقل معلومات تخص مواقع لمنشآت حكومية وعسكرية وأمنية واقتصادية حيوية ومهمة في الإمارات إلى إيران وحزب الله؛ إضافة إلى نقل معلومات عن صفقات الأسلحة التي عقدتها الدولة مع مختلف الدول إلى عملاء في جهاز الاستخبارات التابع لحزب الله، فضلا عن نقل معلومات عن شخصيات ورموز سياسية ومالية واقتصادية وأمنية، تسببت بأضرار كبيرة للدولة، تمسُّ مركزها وسمعتها السياسية.

– عام 2016 أصدرت محكمة الجنايات الكويتية حكمًا بإعدام اثنين من المدانين في القضية المعروفة بخلية العبدلي، وأحدهما إيراني الجنسية، وذلك بتهم ارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت والسعي والتخابر مع إيران وحزب الله للقيام بأعمال عدائية.

– يُعتبر النظام الإيراني أكبر موزع متفجرات IED في العالم، والتي تستخدم لتفجير السيارات والعربات المدرعة، وتسببت في قتل المئات من عناصر القوات الدولية في العراق بين عامي 2003 و2011.

عمليات الخطف:

– عام 1982 قام حزب الله الإرهابي وجماعات أخرى مدعومة من إيران بخطف 96 مواطن أجنبي في لبنان، بينهم 25 أمريكيًّا، فيما يعرف بـ”أزمة الرهائن” التي استمرت 10 سنوات.

– اختطاف طائرة الجابرية عام 1988 وهي أطول عملية اختطاف طائرة في التاريخ، حيث قام مجندون من حزب الله اللبناني وحزب الدعوة العراقي بأوامر من إيران بخطف طائرة الخطوط الجوية الكويتية التي كانت تقوم برحلة رقم: 422 في الأجواء العمانية متجهة إلى الكويت قادمة من مطار بانكوك في تايلاند، وقاد الخاطفون الطائرة إلى مطار مشهد، شمال شرق إيران، ومن ثم طالبوا بإطلاق سراح سجناء لهم ممَّن جندتهم إيران في الكويت، والذين تم اعتقالهم بعيد تفجيرات استهدفت البنية التحتية لدولة الكويت؛ إضافة لسفارتي: فرنسا والولايات المتحدة.

عمليات اغتيال واعتداءات:

– في الفترة ما بين عامي: 1989 و1990 تورط النظام الإيراني في اغتيال 4 دبلوماسيين سعوديين في تايلاند، وهم: عبدالله المالكي، وعبدالله البصري، وفهد الباهلي، وأحمد السيف.

– عام 2011 أحبطت الولايات المتحدة الأميركية محاولة اغتيال السفير السعودي، وثبت تورط النظام الإيراني في تلك المحاولة، وحددت الشكوى الجنائية التي كُشف النقاب عنها في المحكمة الاتحادية في نيويورك اسم الشخصين الضالعين في المؤامرة، وهما منصور أربابسيار، والذي تم القبض عليه وإصدار حكم بسجنه 25 عامًا، غلام شكوري وهو ضابط في الحرس الثوري الإيراني متواجد في إيران، ومطلوب من القضاء الأمريكي.

– عام 2012 تم الكشف عن مخطط لاغتيال مسؤولين ودبلوماسيين أمريكيين في باكو، العاصمة الأذربيجانية، المخطط كان وراءه جماعة شيعية في أذربيجان مدعومة من إيران، وتعمل بأوامر الحرس الثوري.

النظام الإيراني هو الأول بسجل حافل لانتهاك حرمة البعثات الدبلوماسية منذ اقتحام السفارة الأمريكية عام 1979، واحتجاز منسوبيها لمدة 444 يومًا، تلاها الاعتداء على السفارة السعودية عام 1987، والاعتداء على السفارة الكويتية عام 1987، والاعتداء على السفارة الروسية عام 1988، والاعتداء على دبلوماسي كويتي عام 2007، والاعتداء على السفارة الباكستانية عام 2009، والاعتداء على السفارة البريطانية عام 2011، آخرها الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد عام 2016.

– تورطت إيران في مجموعة من الاغتيالات للمعارضة الإيرانية، ففي العام 1989 اغتالت في فيينا عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومساعده عبدالله آذر.

– في باريس عام 1991 قام الحرس الثوري الإيراني باغتيال شابور بختيار، آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه، وأودى الهجوم بحياة رجل أمن فرنسي وسيدة فرنسية.

– في برلين عام 1992 اغتالت إيران الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني صادق شرفكندي، وثلاثة من مساعديه: فتاح عبدلی، وهمایون أردلان، ونوری دهكردی، وأصدر المدعي العام الاتحادي الألماني مذكرة اعتقال بحق وزير الاستخبارات الإيراني علي فلاحيان بتهمة التخطيط والإشراف على تفجير المطعم الذي كان فيه المقتولون.

– إنشاء الميليشيات، وإشاعة الفوضى في سوريا والعراق، ولبنان واليمن، ودول الخليج.

– أكَّدت شبكة بي بي سي البريطانية: أن إيران عززت نفوذها في الشرق الأوسط في مواجهة السعودية، بحسب دراسة أصدرها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، عبر إنفاق مليارات الدولارات لشراء أسلحة غربية معظمها من بريطانيا، وإنشاء ميليشيات في العالم العربي ودفع رواتب لها، مما أعطاها نفوذ كبير في سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، وعلى وشك بسط نفوذها في أماكن أخرى، وأن إيران بنت في خفاء شبكة من الحلفاء من الجماعات في منطقة الشرق الأوسط، يشار إليهم عادة بتعبير “مليشيات بالوكالة”، وبدأت إيران بتصدير أيدولوجيتها الشيعية، منذ عودة آية الله الخميني إلى طهران في عام 1979، بإنشاء ميليشيا حزب الله في لبنان.

وقال تقرير المعهد الإستراتيجي في 217 صفحة تحت عنوان: “شبكات نفوذ إيران في الشرق الأوسط”، أنه بخلاف حزب الله في لبنان، فإن فيلق القدس يعد جناح العمليات الخارجية الإرهابية للحرس الثوري الإيراني، وكان قائده اللواء قاسم سليماني، يتلقى أوامر مباشرة من المرشد الأعلى على خامنئي، وأن سليماني بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين في العراق عام 2003، وفَّر التدريب والتمويل والأسلحة للفصائل الفاعلة الحليفة لطهران في العالم العربي، وقام بعشرات العمليات من العدوان والحرب غير التقليدية والهجمات الإلكترونية والمسيِّرات.

وتشدد بي بي سي أن إيران كانت تمد ميليشياتها عبر سوريا والعراق ولبنان لتنفيذ مخططاتها، وهكذا بدأت إنشاء ميليشيا الحوثيين في اليمن حتى وصلت الأوضاع لشكلها الحالي، وفي سوريا: أدَّى حزب الله والميليشيات دورًا مهمًّا في القتال إلى جانب القوات السورية الموالية للرئيس بشار الأسد، وساعد المليشيات الشيعية العراقية.

وفي العراق: نجحت إيران في استغلال علاقاتها الدينية والثقافية بنجاح داخل العراق، لتصبح قوة مهيمنة فيه، ودرَّبت إيران وسلَّحت قوات الحشد الشعبي، ونفذت مخطط تغير الديموغرافيا والتكوين السنَّي للعراق، وعلى نفس السياق تحاول زعزعة الاستقرار في السعودية، والبحرين، والإمارات، والكويت عبر دعم الجماعات الموالية لها هناك.

 الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين:

كما ذكرنا مسبقًا، فقد سبق ذلك الاتفاق الذي ترعاه الصين، عدة اتفاقات باءت بالفشل لعدة أسباب، أبرزها: عدم وجود ضامن لإيقاف الإرهاب الإيراني، وإرغامها على الانصياع للسلام، كما كانت تعلم الرياض أن أي اتفاق مع طهران غير مجدٍ، وإن كانت -ولا زالت- تأمل في تغير سياسة إيران، وأن ترمي السعودية ورقة الإرهاب الإيراني خلف ظهرها، ولا تلقي لها بالًا، والاتفاق الحالي قد يكون الأكثر جاهزية للنجاح؛ لوجود متغيرات تسمح بذلك، على رأسها: الوجود الصيني منتصف الاتفاق.

 بنود الاتفاق بين السعودية وإيران:

انقطعت العلاقات بين الرياض وطهران عام 2016، عندما هاجم محتجون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعد ما أعدمت المملكة رجل دِينٍ شيعي معارض يُدعى نمر النمر، وتوسطت الصين لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وتكللت وساطتها بالنجاح، في إعلان عن اتفاق كشفت عن بنوده في بيان رسمي مشترك بين السعودية وإيران والصين، وعقدت في 10 مارس كلًا من المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين مباحثات لحلِّ الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية، عبر الالتزام بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية، وأعرب الجانبان: السعودي والإيراني عن تقديرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جَرَت بين الجانبين خلال عامي: 2021م – 2022م، كما وجها الشكر للصين على جهودها لرعاية الاتفاق، وانتهت الباحثات باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة عام 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار، والتقنية والعلوم، والثقافة، والرياضة والشباب، الموقعة عام 1998م.

ضمانات قد تكون خادعة:

يثير المؤيدون للاتفاق السعودي الإيراني بعد النقاط الإيجابية ويعتبرونها كضمانات لنجاح ذلك الاتفاق، ومنها: أن النظام الإيراني قد يرغب في تخفيف العزلة الدولية والإقليمية نتيجة العقوبات التي يتعرض لها، وتسجيل نجاح شعبي بعد الهزات الداخلية التي تعرضت لها الحكومة الإيرانية من جراء الاحتجاجات، وتحسين الوضع الاقتصادي وانهيار العملة وفتح نوافذ للتعاون الاقتصادي مع الخليج،  وكسر العزلة الإقليمية، كما يشير المؤيدين للاتفاق إلى قوة وجود الصين كضامن لالتزام إيران ببنود الاتفاق وعدم التلاعب أو اللجوء للعنف، وإلا ستضطر لمواجهة غضب بكين التي يتصاعد نجمها في مواجهة واشنطن، ولكن هذه النقاط قد تكون خادعة لأن تاريخ إيران كفيل بنسف أي ضامن أو مرجحات لأي عهود أو مواثيق؛ لأن الحكم الرافضي لا يرى سوى الهلال الشيعي وتصدير الثورة ونشر التشيع في محيطه الواسع، بالإضافة إلى سجل جرائمه الذي سردنا بعضًا منه، ولذلك نرصد المخاطر والمحاذير التي يتعين اتخاذها في الحسبان من طهران.

مخاطر ومحاذير:

يؤكد المحلل السياسي السعودي خالد الدخيل: أن تاريخ نظام ولاية الفقيه منذ 1979؛ خاصةً بعد سقوط العراق، يوضح التغير الدائم في سياسة إيران وأنها لن تتخلى على المدى القريب عن الميليشيات كذراع لها في المنطقة، ويستبعد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس الدكتور خطار أبو دياب، أن ينعكس دفء العلاقات بين الرياض وطهران على لُبنان، مستشهدًا ببيان حزب الله اللبناني وتصريحات حسن نصر الله بأن الاتفاق الذي جرى بين السعودية وإيران مؤخرًا لم يُدرج فيه ملحق خاص بلبنان.

ويشكك الدكتور محمد السلمي رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”: إن الضغوط الداخلية والخارجية الهائلة على إيران ليس مستبعداً أن تدفعها إلى إجراء حوار أو اتفاق مع السعودية، لكنه شكك في مصداقية النظام في طهران؛ لأن دستور إيران ومنهج القائمين على الحكم قائم على تصدير الثورة، وتقوم أيديولوجيته على التدخل في شؤون جيرانه والمنطقة العربية، وأن إيران لن تتخلى عن مشروعها الخارجي، وهو جزء من سياسة النظام التي بني عليها، والنظام لن يترك مشاريع الهيمنة في الخارج، أو يفكك الميليشيات الإيرانية في الخارج خاصة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.

وأضاف: أن تراجع طهران عن الهيمنة صعب للغاية، وأن الثقة ما زالت مهزوزة، وأن خطر إيران يظل قائمًا؛ سواء على مواطنيه أو دول الجوار، ويستخدم أي حوار أو اتفاق لكسب بعض الوقت، ووفقًا لتقرير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، وتقارير أخرى لـ بي بي سي وإندبندنت عربية -تركنا روابطها وعناوينها في المصادر أسفل هذا التقرير-، فإن هناك عدة مخاطر ومحاذير، على المملكة العربية السعودية أن تضعها نصب أعينها في التعامل مع إيران بعد ذلك الاتفاق كالآتي:

– إيران بارعة في تبادل الأدوار بين زعمائها وواجهاتها السياسية وإعلان سياسات مختلفة، مع الاستمرار في المضي نحو هدفها الرئيس، وهو بناء طموحها الإقليمي عبر زعزعة الاستقرار في محيطها.

– منشأ الصراع بين إيران والسُّنَّة معتقد طهران في “تصدير الثورة”، الذي لم يتوقف قط، والاختلاف دائمًا في الأساليب باختلاف المراحل التاريخية.

– في عهد الرئيس محمد خاتمي كان يغلف هدف تصدير الثورة بمفاهيم مثل الحوار وحسن الجوار، وكانت النتيجة اليوم أن أضحى التدخل الإيراني في شؤون دول الجوار (العراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين) معلنًا، كما قبض على عديد من خلايا التجسس التابعة لـ(حزب الله) وإيران في بعض دول الخليج”.

– قال السفير السابق علي عواض عسيري أحد المتخصصين في مجال الأمن والدبلوماسي السعودي: إن أي تفاؤل ينبغي أن يكون حذرًا مع دولة مثل إيران.

– لن تفرط إيران في التوسع في المنطقة ودعم التشكيلات المسلحة غير الرسمية، وعدم التحلل من علاقتها بالأذرع المسلحة التابعة لها في المنطقة، وتثبيت مكتسباتها الإقليمية.

– يواجه الملف الأمني الثنائي تحديات متعددة تتعلق بأمن مياه الخليج، والاتهامات المتبادلة باستخدام ورقة الأقليات في البلدين، وتهريب المخدرات التي تُتهم بها أطراف تابعة للنظام الإيراني، ومكافحة الإرهاب، والهجمات المتكررة على الأراضي والمنشآت النفطية السعودية، وغيرها من الملفات الشائكة التي ترجح عدم التزام إيران بأي اتفاق.

– منذ عام 1979 تنامى بصورة واضحة سلوكيات وسياسات إيران العدائية والتدخل في شؤون دول المنطقة الأخرى، وأخذ الصراع تدريجيًّا بعدًا طائفيًّا جاذبًا إليه قوى محلية وجدت مصالح وقوة دفع في الصراع بين الدولتين، ووجدت فيها إيران أذرعًا طرفية لها تحقق من خلالها مصالحها ومآرِبها.

– بداية من محاولات تصدير الثورة، ودعم الأقليات الشيعية في الدول الأخرى واستغلالها كورقة ضغط تستخدمها لتهديد الأمن والاستقرار في دولها وفرض إرادتها على شعوبها، كما حصل في العراق ولبنان واليمن وحتى بعض الدول الخليجية الأخرى، وصولًا إلى حد دعم الأعمال الإرهابية وأعمال العنف داخل دول المنطقة، فكيف ستتخلى طهران عن كل ذلك عبر اتفاق مع الرياض؟!

– تقدم إيران الدعم السياسي والعسكري لجماعة الحوثي، وترى أن السعودية الدولة الأولى التي تعيق مشاريعها في المنطقة؛ خاصةً في اليمن.

– التوغل الكبير لإيران في سوريا والعلاقة الوثيقة التي تربط نظام بشار الأسد بإيران، تهدد ذلك الاتفاق.

– الملف العراقي من أهم نقاط الخلاف بين البلدين؛ نتيجة الحدود التي تربط العراق بكل من السعودية وإيران، ووجود مجموعات مسلحة موالية لإيران في الحدود العراقية مع المملكة العربية السعودية؛ إضافة إلى الاتهامات بشن هجمات من الأراضي العراقية على منشآت نفطية سعودية في العام 2019.

– لبنان والكيان السياسي العسكري المسمى حزب الله… ماذا ستفعل إيران معه؟ وهل يتبرأ منه لنجاح الاتفاق أو توقف دعمه أو تبنيه؟

– ملف الاتفاق النووي التي تكاد تنهيه إيران في المستقبل القريب، كيف ستتعامل معه الرياض في ظل تهرب واشنطن من إمدادها بالمساعدة والتكنولوجيا لإنشاء مشروع نووي سلمي.

-الاتفاق السعودي الإيراني لم يتطرق بشكل صريح لوقف إيران دعم الميليشيات وخضوع برنامجها النووي والصاروخي لمراقبة المجتمع الدولي، كما أغفل ممارسات طهران التوسعية وكيفية وضع حدٍّ لها.

– إيران تفتخر بسيطرتها على أربع عواصم عربية، مما يؤكِّد عدم الثقة في طهران.

– لم تتوقف إيران عن سياساتها العدائية ضد جيرانها حتى في الوقت الذي كانت العلاقة معها في أفضل حالاتها، حين وقفت خلف تفجير أبراج الخبر السعودية عام 1996.

الخلاصة:

قد ينجح الاتفاق السعودي الإيراني في رسم مستقبل أفضل نسبيًّا بين البلدين مقارنةً بالماضي الذي شهد عدوان طهران على أراضي المملكة المقدسة؛ خاصةً مع وجود مستجدات لم تكن متوفرة قبل ذلك، وهذا ما يميل إليه السياسيين والباحثين؛ إلَّا أن الفطنة والكياسة وسياسة إيران السوداء وجرائمها التي لا حصر لها، تجعل من رجاحة العقل أن نضع نصب أعين القراء والمتابعين، بل ونصب أعيننا نحن حقيقة واحدة لا بديل عنها: أن طهران دولة مارقة هي بعينها تعريف الشر أو من يجسد أفعال الشيطان إن جاز لنا أن نقول ذلك، وأنها لا تقل خطرًا على العالم الإسلامي من اليهود والكيان الصهيوني -إن لم تكن أكثر شؤمًا وبلاءً-؛ ولذا علينا الحذر من مخاطر طهران وعاداتها الخبيثة في ادِّعاء الطهر والحوار والسلام، وهي مَن تصنع النجاسة والدنس ليل نهار، وعلى بلاد الحرمين أن تنتبه لهذا، ولا تغفل عن ذلك أبدًا مهما كانت المغريات والمواثيق وأسماء الضامنين.

مصادر/

– الشرق الأوسط -إيران.. يوم العقوبات الناقصة- 25 يناير 2023.

– العربية -جرائم النظام الإيراني في المنطقة والعالم- 26 يوليو 2016.

– BBCإيران “توسع شبكة نفوذها” لمواجهة خصومها في الشرق الأوسط- 7 نوفمبر 2019.

– BBC -الاتفاق بين إيران والسعودية: الصين تحقق “اختراقًا” في خلاف شائك منذ سنوات- 11 مارس 2023.

– CNN من الصين… النص الكامل للبيان المشترك حول استئناف العلاقات بين السعودية وإيران.

– الشرق الأوسط – 10 مارس 2023.

– BBC -الاتفاق بين السعودية وإيران “محاولة لكسب الوقت” – الفايننشال تايمز – 16 مارس 2023.

– إندبندنت عربية -ماذا يتضمن اتفاقا السعودية وإيران 1998 و2001؟- 6 إبريل 2023.

– امتحان التطبيق العملي لجوهر “اتفاق بكين”.

– إندبندنت عربية -“احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”- 24 مارس 2023.

– الغد -استئناف العلاقات السعودية الإيرانية: دوافعه وتداعياته على الشرق الأوسط‏- 2 إبريل 2023.

– هسبريس -لماذا تربك عودة العلاقات بين إيران والسعودية حسابات الداخل الإسرائيلي؟- 20 مارس 2023.

– الأهرام -الاتفاق السعودي الإيراني والإقليمية الجديدة- 22 مارس 2023.

— TRENDSإدارة البحوث والدراسات عودة العلاقات السعودية – الإيرانية… أبعاد الاتفاق والانعكاسات المحتملة- 10 مارس 2023

– إندبندنت عربية -الاتفاق السعودي الإيراني وموازين المصالح- 18 مارس 2023.

– إندبندنت عربية -بعد التطبيع مع السعودية… هل تتخلى حليمة إيران عن عادتها القديمة؟- 11 مارس 2023.

– جريدة مكة -فضائح إيران تتكشف للعالم- 19 يونيو 2019.

التعليقات مغلقة.