fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

الأزمة الليبية… صراع المصالح ومخاوف الانقسام

163

الأزمة الليبية… صراع المصالح ومخاوف الانقسام

لا يزال المشهد الليبي هو الأقوى في القارة الإفريقية، على الرغم من إطلاق العديد صافرات الإنذارات نصرة للشعب الأعزل، والذي يسيطر عليه المجموعات المسلحة، كما أن الدول المجاورة عانت من حالة الانفلات الأمني الذي ألقى بظلاله على الحدود المجاورة؛ فمصر من ناحية، وتونس من الأخرى، والجزائر أيضًا؛ كل هذه العوامل تجعل من الأزمة الليبية مسرحًا مهمًّا، وتطورات تحتاج إلى وقفات دولية للسيطرة عليها.

فعلى الرغم من توقيع اتفاق سياسي في 2020 بجنيف؛ إلا أن الأحداث الأخيرة أثبتت أنه لا اتفاقات ولا وعود، وعلى الرغم من استمرار مساعي احتواء هذه الأزمة، فإن الصراع على السلطة لا يزال يسيطر على المشهد، ويقف عائقًا أمام الانتقال لمرحلة التسوية والتهدئة، حيث بات كل طرف يعمل على تحقيق أكبر قدر من المكاسب من دون رغبة حقيقية في تقديم أي تنازلات.

ونظرًا لصراع المصالح الحالي والدائر على الأراضي الليبية، وفي سبيل تحقيق مكاسب لكلِّ طرف على دماء الآخر، وظفت الأطراف عددًا من الأدوات لضمان الهيمنة وامتلاك زمام الأمور، ومن أهمها: السيطرة على النفط وتوظيفه في تلك المعادلة، أحد المتغيرات التي طرأت على الأزمة الليبية، وبالرغم من أن اللجوء لهذه الورقة ليس بالجديد، فإن التطورات التي يشهدها العالم على خلفية اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية قد أضفت بُعدًا مختلفًا على أزمة النفط في ليبيا.

الأزمة الليبية الحالية:

في فبراير 2022، سحب مجلس النواب، الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة؛ لفشلها في تحقيق مهمتها الأساسية، وهي إجراء الانتخابات، وتم تكليف حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، ومِن ثَمَّ استأنفت البلاد مرحلة جديدة من الصراع السياسي بين الحكومة الجديدة وداعميها في مجلس النواب والجيش الوطني الليبي، وحكومة الدبيبة وداعميها من الميليشيات المسلحة في العاصمة والغرب الليبيين.

وإضافة إلى إصرار كل منهما على أنها تمثل الشرعية الوطنية، تتعمد الحكومتان المتصارعتان إلى تعزيز تحالفاتهما في الداخل والخارج؛ استعداداً لجولة الحسم.

وقد بدأت إرهاصات هذه الجولة مبكرًا بالمصادمات المسلحة بين قوات تابعة لحكومة باشاغا، وميليشيات تابعة لحكومة الدبيبة بضواحي طرابلس خلَّفت نحو 160 شخصًا بين قتيل وجريح، وهذا المسار هو نفسه الذي سلكته الأطراف الليبية المتناحرة في المدة بين: (2014-2020)، من دون أن يسفر عن أية نتيجة لمصلحة هذا الطرف أو ذاك(1).

لا صوت يعلو فوق صوت المصالح:

التطورات الأخيرة في البلاد تكشف النقاب عن إحدى المشاكل الرئيسية فيها، يقول توماس فولك، ممثل مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في ليبيا: “في المشهد السياسي للبلاد يوجد شخصيات رئيسية، يبدو أن الأمر بالنسبة لهم يدور فقط حول أنفسهم وحول مسيرتهم المهنية”.

أما الخبير في الشؤون الليبية، طارق المجريسي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية فيقول عن حالة الجمود الحالي في ليبيا: “الشيء الوحيد المؤكد هو أن المواجهة الجديدة ستكون ضارة لليبيين”.

ويضيف أن الدبيبة والنخب الليبية الأخرى لديهم قواسم مشتركة مع بعضهم البعض، أكثر بكثير من القواسم المشتركة مع الشعب الذي يحكمونه؛ “إنهم يتنازعون على أي منهم هو الأقل شرعية”(2).

ولا يخفى على الكثيرين أن الدبيبة رجل أعمال لديه مشاريع في عموم ليبيا، كما أن شركاءه لهم شركات ومشاريع تتحكم في قطاع كبير من الأعمال الليبية والمقاولات والاستيراد والتصدير، وبالتالي من أهم ما يريدون الحفاظ عليه هو استمرار هذه المصالح.

كذلك لا بد وأن نعرف أن هناك العديد من الآبار البترولية في الشرق الليبي، وهي التي يتشكل منها رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، وكذلك رئيس الوزراء الجديد فتحي باشا أغا، وبالتالي معظم الحكومة الجديدة يحتفظون ببعض الآبار البترولية ومكاسبها وكلك موانئ التصدير.

كما أن هناك أطماعًا في المناجم الليبية وما تحتويها من ذهب وفضة ومعادن ثمينة، فالحقيقة أن ليبيا ما زالت أرضًا بكرًا، بكامل خصوبتها، وكل قطاع يحاول الحفاظ على ما لديه من مكاسب على أرض الواقع.

بيان الخارجية الأمريكية “بشأن الوضع الراهن”:

اعتبر أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، أن اندلاع أعمال العنف مؤخرًا في طرابلس أبرزَ ما يوصف به: «عدم استدامة الوضع في ليبيا».

وقال بلينكن: إن اشتباكات طرابلس الأخيرة «أوضحت حاجة جميع الأطراف للعمل بحسن نية، وبإحساس بالحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق بشأن إطار دستوري وجدول زمني محدد للانتخابات».

وتعهد في بيان له بتقديم أميركا الدعم الكامل لعبد الله باتيلي، الرئيس الجديد للبعثة الأممية في ليبيا، وهو يتوسط في العملية السياسية التي تقودها ليبيا، ودعا المجتمع الدولي إلى العمل بشكل وثيق معه، لافتًا إلى أن الشعب الليبي طالب بفرصة لاختيار قادته من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وهي ضرورية لإضفاء الشرعية وضمان المساءلة للحكومة الجديدة.

وقال: إن الولايات المتحدة تشجع باتيلي على إعطاء الأولوية للجهود المبذولة لضمان الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة الليبية، وكذلك عمل بعثة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار؛ لأنها تساعد اللجنة الليبية العسكرية المشتركة (5 5) في الإشراف على الانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية، والمقاتلين والمرتزقة(3).

مَن يحمي المدنيين من هذا الصراع؟!

طالبت بلدية طرابلس من جانبها في بيان لها المجتمع الدولي، بحماية المدنيين في ليبيا وقالت: إنه “في الوقت الذي دعا فيه كل العقلاء والحكماء والمواطنين، والمجتمع الدولي إلى تجنب لغة التحشيد والتهديد، تفاجأ الجميع باشتباكات في قلب العاصمة، لا تعبأ بحياة المدنيين ولا ممتلكاتهم”.

وحمَّلت البلدية البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، والمجلس الرئاسي والحكومتين، المسؤولية عن تردي الأوضاع في العاصمة، داعية سكان العاصمة، إلى الوقوف يدًا واحدة، ضد هذه التعديات التي أصبحت تُعرض حياتهم للخطر(4).

سيناريوهات متوقعة:

يرى الباحثون والخبراء أن الصراع الذي نشب بين الديبية والمليشيات كان متوقعًا؛ خصوصًا عدم استطاعة رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا الدخول إلى العاصمة الليبية طرابلس من أجل مباشرة أعماله، وتعتبر السيناريوهات المحتملة القادمة ستكون كالآتي:

زيادة الصراع بين باشاغا والديبية وفوز باشاغا، والسيطرة على زمام الأمور في طرابلس.

هزيمة باشاغا واستمرار الديبية في تحكمه في طرابلس.

تشكيل حكومة جديدة بعيدة عن باشاغا والديبية سوف تحظى بتأييد داخلي وخارجي؛ هذا بالإضافة إلى أن الفترة القادمة سوف يكون هناك ضغط كبير على مجلس النواب الليبي من الداخل والخارج(5).

الخلاصة:

يظل المشهد الليبي يتسم بالتعقيد، ويبقى البحث عن باب للخروج الآمن منها مرهونًا بحجم التعاطي مع القضايا العالقة بصورة مكتملة، فلا يمكن أن يتم الحديث عن جانب دون آخر؛ خاصة وأن الشعب الليبي بأكمله مسلح، وبالتالي لا بد من حلحلة الخلافات السياسية وتحييد التدخلات الخارجية.

كذلك لا بد من إحداث توافق بين مجلس النواب ومجلس الدولة وحكومتي البلاد؛ فهذا مفتاح تسوية الأزمة الليبية، وأنّه لن يتم إلا بتدخل المجتمع الدولي بمبادرة سياسية شاملة.

1_ الأزمة في ليبيا وسيناريوهات المستقبل صلاح الغول_ الخليج

2_ ليبيا.. ركود سياسي ينذر بتعميق الانقسام وإطالة أمد الصراع_ D.W

3_ واشنطن تنتقد الأوضاع في ليبيا… و«المجلس الرئاسي» ينأى بنفسه عن الصراع_ خالد محمود_ الشرق الأوسط.

4_ ليبيا: من يحمي المدنيين من فوضى الميلشيات والسلاح؟_  بي بي سي

5_ “دوامة الانقسام” تبتلع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة_ زايد هدية_الإندبندت

التعليقات مغلقة.