fbpx
مركز رواق للأبحاث والرؤى والدراسات

إعلان القاهرة… قراءة واقعية في حيثيات المبادرة

459

إعلان القاهرة… قراءة واقعية في حيثيات المبادرة

 

تنزيل المقالPDFإعلان القاهرة... قراءة واقعية في حيثيات المبادرة

فتقود القاهرة جهودًا سياسية ودبلوماسية لحشد الدعم الدولي لإعلانها الذي رحَّبت به أغلب العواصم الفاعلة في الأزمة؛ باستثناء أنقرة والدوحة، وصارت الأنظار تتجه إلى التحركات المصرية في الأزمة الليبية.

وخلال الأسابيع الأخيرة، تمكَّنت حكومة الوفاق الوطني من إجبار قوات الجيش الليبي التي تشن منذ أبريل 2019 عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة الليبية، على التراجع ليس فقط من طرابلس، بل من غرب البلاد بشكلٍ كاملٍ حتى مدينة سرت (في الوسط) بدعمٍ تركيٍ.

وبالتزامن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مبادرة جديدة للحل السياسي تدعو إلى وقف إطلاق النار، وتشكيل مجلس رئاسي منتخب يمثِّل الأقاليم الثلاثة في البلاد: (برقة وفزان وطرابلس)، وتفكيك الميليشيات، وطرد المقاتلين الأجانب كافة من البلاد؛ إلا أنها قوبلت بالرفض من الوفاق وتركيا.

أهداف المبادرة:

1- التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار.

2- ارتكاز المبادرة بالأساس على مخرجات قمة برلين، والتي نتج عنها حل سياسي شامل، يتضمن خطواتٍ تنفيذية واضحة المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، واحترام حقوق الإنسان، وقانون الإنسان الدولي استثمارًا لما انبثق عن مؤتمر برلين من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.

3- استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية 5+5 بجنيف برعاية الأمم المتحدة، وبما يترتب عليه إنجاح باقي المسارات، أخذًا في الاعتبار أهمية قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها حتى تتمكن القوات المسلحة للجيش الوطني الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسئولياتها بمهامها العسكرية والأمنية في البلاد.

4- العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية مع تحديد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة، واستثمارًا لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية.

5- إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية (الجيش الوطني الليبي)؛ مع تحمل الجيش الوطني لمسئولياته في مكافحة الإرهاب، وتأكيد دورة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية، واسترداد الأمن في المجال البحري الجوي والبري.

6- يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة، فيتم اتخاذ قراراته بالأغلبية عدا القرارات أو البت في المقترحات التي يقدمها القائد العام للقوات المسلحة في هذه الحالة بالإجماع، وبحضور القائد العام للقوات المسلحة.

المحاور الأساسية للمبادرة:

7- قيام كل إقليم الـ3 (المنطقة الشرقية – المنطقة الغربية- المنطقة الجنوبية) بتشكيل مجمع انتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولية الممثلين لكل إقليم بجانب شيوخ القبائل والأعيان، ومراجعات نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب؛ إضافة إلى النخب السياسية من المثقفين والنقابات بحيث تجتمع اللجان الـ3 تحت رعاية الأمم المتحدة به سواء بالتوافق أو الانتخاب، وذلك في مدة لا تتجاوز 90 يومًا.

8- قيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي، كذا نائب لرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية بهدف تشكيل مجلس رئاسة مِن رئيس ونائبين، ومِن ثَمَّ قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء، والذي يقوم بدوره هو ونائباه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيدًا لإحالتها لمجلس النواب لمنحها الثقة.

9- قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجتمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي.

10- حصول كل إقليم على عددٍ متناسبٍ من الحقائب الوزارية طبقًا لعدد السكان عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد، وتسمية رئيس الحكومة على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث: (المجلس الرئاسي – مجلس النواب – مجلس الوزراء) بحيث يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات وإقليم برقة على 7 وزارات، كذا إقليم فزان على 5 وزارات على أن يتم تقسيم الـ6 وزارات السيادية على الأقاليم الثلاث بشكلٍ متساوٍ (وزارتين لكل إقليم)، مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين.

11- اضطلاع مجلس النواب الليبي باعتماد تعديلات الإعلان الدستوري من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قِبَل رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، وذلك عقب قيام اللجنة (تضم ممثلين أعضاء مجلسي النواب والدولة) بالاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري مدة لا تتجاوز 30 يومًا بدءًا من تاريخ انعقاد أول جلسة.

12- قيام المجمع الانتخابي لكل إقليم تحت إشراف الأمم المتحدة بتشكيل لجنة من شخصيات وطنية وخبراء دستوريين، ومثقفين من ذوي الكفاءة واعتمادها من قبل البرلمان الليبي لصياغة دستور جديد للبلاد يحدد شكل إدارة الدولة الليبية وطرحه للاستفتاء الشعبي لإقراره (على أن تنتهي من أعمالها خلال 90 يومًا من تاريخ تشكيلها).

13- تحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالي بـ18 شهرًا قابلة للزيادة بحد أقصى 6 أشهر، يتم خلالها إعادة تنظيم كافة مؤسسات الدولة الليبية خاصة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية: (المصرف المركزي- المؤسسة الوطنية للنفط – المؤسسة الليبية للاستثمار)، وإعادة تشكيل مجالس إدارة المؤسسات الأخيرة بما يضمن فعالية أداء الحكومة الجديدة، وتوفير الموارد اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية انتهاءً بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.

14- اتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتوحيد كافة المؤسسات الاقتصادية والنقدية في شرق وجنوب وغرب ليبيا، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والنقدية في شرق وجنوب وغرب ليبيا، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، إلى جانب منع وصول الأموال الليبية إلى أي من المليشيات، كذا العمل على ضمان توزيع عادل وشفاف للموارد الليبية لكافة المواطنين(1).

  • السياسيون والدبلوماسيون:

ثمَّن دبلوماسيون سابقون وبرلمانيون مصريون مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لحل الأزمة الليبية، والمعروفة بـ”إعلان القاهرة”، ودعوا القاهرة إلى طلب عقد جلسة طارئة لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، لبحث بنود المبادرة وتفعيلها.

واعتبرا الدبلوماسيون المصريون السابقون والبرلمانيون في تصريحات صحفية متعددة، أن المبادرة جاءت بمثابة “إعلان دستوري” لتنظيم أسس المرحلة المقبلة في البلاد، وتضمنت احترام كافة المبادرات والقرارات الدولية بشأن وحدة ليبيا، ودعوة كافة الأطراف الليبية لوقف إطلاق النار.

ودعوا إلى ضرورة وضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته والتدخل الفوري لإنهاء التواجد العسكري التركي في ليبيا.

  • رئيس البرلمان الليبي:

أكَّد رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، أن إعلان القاهرة للسلام هو أفضل حل للأزمة الليبية حيث جاء تتويجًا لمشاورات محلية ودولية.

وقال صالح في تصريحات لـ«العربية»: إن المجلس الأعلى للدولة التابع لحكومة الوفاق مستفيد من الوضع الراهن، ومن مصلحته استمرار الأزمة.

وتابع: «الخلاف الروسي الأمريكي في ليبيا ليس بجديدٍ، ونتوقع تحقيق مصالحهم بما يتناسب مع مصالح الليبيين».

وأوضح رئيس مجلس النواب الليبي: أن عودة إنتاج النفط مرتبط بوقف إطلاق النار بشكلٍ مباشرٍ، مؤكِّدا: «لا نفط مع المدافع».

ولفت إلى أن التدخل التركي ساهم في تعقيد المشهد، مشيرًا إلى أن انسحاب الجيش الليبي جاء حرصًا على الليبيين، وأكَّد: أن رفض المبادرة المصرية سيؤدي إلى استمرار المعارك العسكرية، وتابع: «الكل خاسر، والجيش سيرد على أي تهديداتٍ».

واقترح: أن يختار كل إقليم من أقاليم ليبيا التاريخية ممثليه في المشهد السياسي الجديد، وشدد على أنه: «لا خلاف مع قيادة الجيش، وكلنا نسعى لذات الهدف حتى لو اختلفت الآراء حول ذلك».

وأكد رئيس مجلس النواب الليبي أن هناك تفاعلًا دوليًّا إيجابيًّا مع مبادرة القاهرة للسلام في ليبيا(2).

  • المشير خليفة حفتر:

من جانبه أكَّد المشير خليفة حفتر دعمه للمبادرة، التي أعلنها السيسي، وقال حفتر خلال المؤتمر الصحفي مع السيسي: “إننا نؤكد دعمنا وقبولنا لها (المبادرة) آملين الحصول على الدعم والتأييد الدولي للعبور بليبيا لبر الأمان”.

من ناحيته قال عقيلة صالح: “إن مبادرة اليوم تتماشى مع أهداف الشعب والدستور الليبيين، حيث لا تهميش لأحدٍ ولا إقصاء لأحد، وبالتالي فهي صحيحة حسب العرف الليبي والدستور الليبي وكافة المعاهدات”.

وأضاف: “أدعو الليبيين أن يطووا صفحة الماضي، ونحن الآن بصدد بناء الدولة وإعداد السلطة التنفيذية”(3).

  • حكومة الوفاق ترفض مصر:

أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري اليوم السبت (6 يونيو/حزيران 2020) رفض أي مبادرة لا تقوم على الاتفاق السياسي الليبي.

ونقلت قناة “ليبيا بانوراما” التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة، عن المشري قوله: “لا مكان لحفتر في أي مفاوضات قادمة”، مؤكدًا رفض “التدخل المصري في كل ما يهم الليبيين”؛ لأن ليبيا “دولة ذات سيادة”.

  • التحرك العسكري المصري:

بحسب مصادر رسمية متطابقة مصرية وليبية تحدثت، فإن “خيار تدخل القاهرة عسكريًّا في الأزمة لم يطرح على الطاولة بعد كحلٍّ لمواجهة تطورات الأوضاع في الساحة الليبية، ومنه التصعيد التركي والدعم العسكري المتواصل لقوات حكومة الوفاق”.

وفيما أوضح المصدر المصري مِن دون نفي أو إثبات صحة الفيديوهات المتداولة بشأن الحشد العسكري المصري على الحدود الغربية استعدادًا لدخول ليبيا: أن “القاهرة تتخذ كافة الاحتياطات الأمنية اللازمة طوال الوقت على حدودها الغربية كمحورٍ إستراتيجيٍ للحفاظ على أمنها القومي، ومنع تسلل أي عناصر إرهابية أو خارجة على القانون إلى مصر”.

قال المصدر العسكري في الجيش الوطني الليبي: “إن الأوضاع الميدانية الراهنة لا تزال تحت السيطرة، وإن معركة سرت حيث تسعى مليشيات حكومة الوفاق إلى اقتحامها ستكون حاسمة في المشهد الليبي”.

وبحسب المصدر الليبي: “على الرغم من اقتراب ميليشيات الوفاق من المدينة (على بعد نحو 50 كيلومترًا منها)؛ إلا أن القدرات الحالية للجيش الوطني قادرة على إفشال أي تقدم لها باتجاه شرق البلاد”.

مشددًا في الوقت ذاته على أن “الموقف المصري لن يبقى طويلًا مستبعدًا للخيار العسكري، وفي حال تفاقم النزاع قد يزداد الدعم المصري بهذا الخصوص”.

ووفق مصادر عسكرية مصرية، تحدثت سابقًا إلى “اندبندنت عربية”، فإنه في حالة إقرار مصر الخيار العسكري، فإن الاعتماد الأكبر سيكون تكيتيكات الدعم الجوي والبحري لقوات الجيش الوطني الليبي، وذلك في شكل ضرباتٍ جوية أو بحرية لأهدافٍ مباشرة سواء من داخل الأراضي المصرية أو من السواحل الليبية”، مستبعدين في الوقت ذاته “التوغل العسكري البري في الأراضي الليبية”، وهو ما يتنافى مع ما تم تداوله من فيديوهات بشأن تعزيزات عسكرية شملت أرتالًا من الدبابات والمدرعات.

وفي العام 2015 وجَّه سلاح الجو المصري ضربات مباشرة لمعاقل تنظيم داعش في درنة الليبية بعد تنفيذه عملية قتل جماعي لمسيحيين مصريين.

في الأثناء وخلال الساعات الأخيرة، واصلت قوات حكومة الوفاق الوطني تقدمًا بطيئًا إلى مدينة سرت الإستراتيجية؛ للوصول إلى شرق البلاد والمنشآت النفطية الرئيسية، بعد ما تمكَّنت من السيطرة على غرب ليبيا؛ إلا أن مصادر عسكرية وإعلامية موالية لحكومة الشرق تحدثت عن تعزيزات عسكرية وقوات خاصة تابعة للجيش الوطني الليبي، وصلت إلى المدينة ومحيطها لتعزيز الصفوف في مواجهة قوات حكومة الوفاق.

  • الأهمية الإستراتيجية لـ”سرت” المشتعلة بعد إعلان القاهرة:

وفق عسكريين، تكمُن الأهمية الإستراتيجية للسيطرة على سرت، في أنها تمهد الطريق إلى منطقة “الهلال النفطي”، والتي تضم أبرز حقول الإنتاج في البلاد، أحد مصادر القوة الأساسية في البلاد.

وبينما تسيطر قوات حفتر على شرق ليبيا ومعظم ثروتها النفطية، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الأحد استئناف الإنتاج في حقل الشرارة (جنوب) أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد، وأشارت على موقعها إلى تراجع “كبير” بنسبة 97 في المائة لعائداتها في أبريل (نيسان) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وقالت: “إن الخسائر تجاوزت خمسة مليارات دولار”.

  • الخيارات المصرية:

يتفق مراقبون ومتخصّصون في الشأن الليبي تحدثوا إلى “اندبندنت عربية”: إن الخيارات وإن كانت محدودة أمام القاهرة لاحتواء الأزمة الليبية؛ إلا أن إعلانها السياسي الأخير ومبادرتها للحل بين الأطراف المتنازعة، يبقى عليها كرقم مهم في المعادلة الليبية بعد ما أثبتت للعالم تفضيلها الحل السلمي للأزمة كبديلٍ للحل العسكري في مقابل كشف تمسك الطرف المقابل بالحل الأخير.

وبحسب عمرو الشوبكي، الباحث السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية: “لا يزال الخيار العسكري بعيدًا في قائمة الخيارات المصرية للتعاطي مع الأزمة الليبية”، متابعًا: “على الرغم من الدعم التركي لحكومة الوفاق، فإن هناك شبه استحالة لسيطرة قواتها على الشرق الليبي في ضوء التعقيد والتداخل الإقليمي والدولي في الأزمة الليبية”.

وذكر: “قد تستمر المواجهات العسكرية بين الطرفين، لكن لن يستطيع طرف حسم المعركة لصالحه، وعليه أستبعد خيار التدخل العسكري المصري إلا في حالة تهديد مباشر لحدودها الغربية أو اضطراب الأوضاع في المنطقة الحدودية”، مضيفًا في الوقت ذاته: “اعتقد بأن تستمر الحرب بالوكالة”.

ويزيد: “تدرك القاهرة أن مبادرتها للسلام في ليبيا ستواجه تحديات منذ البداية بخاصة أن الطرف الآخر (حكومة الوفاق) لم يكن موجودًا، لكن أعتقد بأن الهدف الأساسي من تلك المبادرة: كان إعادة تأكيد القاهرة سعيها نحو بناء الدولة الوطنية في ليبيا؛ ليس فقط انطلاقًا من مشروع عسكري، وإنما بشكلها المدني السياسي ممثلًا في حضور رئيس مجلس النواب الليبي المعترف به دوليًّا عقيلة صالح”.

وعليه بحسب الشوبكي: لم تستبعد القاهرة من البداية احتمالات رفض حكومة الوفاق مبادرتها.

واتفاقًا مع وجهة نظر الشوبكي، يقول اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق في القوات المسلحة المصرية وأستاذ العلوم الإستراتيجية: “إن القناعة تبقى في القاهرة بأن الخيار العسكري لن يحل الأزمة الليبية، وهو الأمر الذى ينطبق أيضًا على احتمالات تدخل مصر عسكريًّا”، موضحًا: “الخيار العسكري يمثِّل استنزافًا للقدرات والموارد، وعليه فإن المبادرة المصرية للحل تعطي زخمًا سياسيًّا على مستوى المجتمع الدولي للتفاعل مجددًا مع الأزمة الليبية، وكشف موقف حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج ومِن خلفه تركيا، والضغط عليهما للابتعاد عن الحل العسكري”.

ووفق سالم فإنه: “من المبكر الحديث عن التدخل العسكري في ليبيا”، معتبرًا أن الوقت الحالي هو “فقط للجهود السياسية والدبلوماسية بعد إعلان القاهرة، ورؤية التعاطي الدولي بشكلٍ كاملٍ معها”.

وذكر سالم: “أنه طوال الفترة الماضية نجح الجيش المصري في تأمين الحدود مع ليبيا والممتدة بطول نحو 1300 كم في إطار خطة إحكام على حدودنا، وهو ما يبقي الهدف الإستراتيجي للتحرك المصري باتجاه ليبيا”.

في المقابل يعتبر السفير فخري عثمان، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية: “إن تأكيد القيادة المصرية المتواصل بأن الأمن والاستقرار في ليبيا جزء لا يتجزأ من الأمن والاستقرار في مصر، يؤكد محورية القضية الليبية وتطوراتها بالنسبة إلى مصر، وبالتالي محورية التعاطي مع الأزمة”.

وبحسب عثمان: “فإن مصر الآن في مرحلة التعاطي السياسي مع مبادرتها بشأن ليبيا، لكن لا يمكن استبعاد أي خيار آخر، وهو ما بدا في تحذير الرئيس المصري خلال إعلان المبادرة أكثر من مرة من مضي الطرف الآخر في الخيار العسكري كحل للأزمة الليبية”.

وبجانب المتغيرات السياسية والعسكرية، يرى عمرو الشوبكي متغيرًا آخر يؤثر في تطورات الأوضاع في ليبيا، وهو ذلك المتعلق بـ”التفاهمات الروسية التركية” حيث يرتبط البلدان بشبكة مصالح معقدة ومتداخلة قد تؤثر في مجريات التطورات الليبية.

وبينما دعمت موسكو المبادرة المصرية لإحلال السلام في ليبيا مشيدة بالجهود الدبلوماسية التي تبذلها مصر “في هذا الاتجاه”، رفضت أنقرة المبادرة، وأعلن رئيسها المضي قدمًا في دعم حكومة الوفاق(4).

فقط انطلاقًا من تناول اللواء محمود خلف، قائد الحرس الجمهوري الأسبق ومؤسس سلاح الصاعقة الليبي، التطورات الأخيرة على الأرض، لافتًا إلى ما يطمح له الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.

جاء ذلك في مقابلة أجراها مع الأهرام المصرية، حيث أجاب على سؤال سبب عدم تدخل مصر عسكريًّا في ليبيا، قائلًا: “الخريطة تظهر ضآلة المساحة المتنازع عليها في أقصي الغرب الليبي، بينما لا يزال الجيش الوطني يسيطر على شرق وجنوب ووسط ليبيا.

المحدد الثاني لفهم القضية الليبية هو واقع عدم وجود مدينة حاكمة تستطيع أن تذكر أنه عند السيطرة عليها تكون قد احتللت الدولة أو قد حررتها، مشيرًا إلى أن ذلك مِن أهم أسباب فشل استمرار احتلال ليبيا على مدار تاريخها“.

وتابع قائلًا: “ليبيا مقسمة إلي ثلاثة أقاليم هي إقليم طرابلس والذي تسيطر عليه حكومة الوفاق، وبدعم من قوات أردوغان والمرتزقة وإخوان تونس، وإقليم بارقة في الشرق وهو المجتمع الأكثر تحضرًا ومركزه مدينة بني غازي، ويرتبط به وشائج عائلية ومصاهرة مع القبائل المصرية في الغرب، وإقليم فزان في الجنوب ومرتبط بإفريقيا، تلك الأقاليم مختلفة ومتباينة، ولا يجمعها حاليًا أي روابط قوية، وهو ما دعا الرئيس السيسي إلى الدعوة إلى تأسيس دولةٍ حقيقيةٍ بدستورٍ جديدٍ بتمثيلٍ مناسبٍ لكل إقليم ليكون هناك “بناء سياسي من القاعدة للقمة بالأقاليم الثلاثة”.

وأضاف: “حدود مصر الممتدة بطول 1300 كيلومتر مع ليبيا تحميها القوات المسلحة المصرية في إطار خطة إحكام السيطرة على حدودنا، ولا نسمح باختراقها ونتعقب التكفيريين والمهربين عندما يحاولون اقتحامها… مصر لا تخوض حروبًا نيابة عن أحدٍ، وقواتها لا تتحرك إلا لتأمين مقدراتنا، مثلما حدث عند الاعتداء على مواطنينا في ليبيا أو عندما تحاول سيارات المهربين اختراق الحدود، وبالتالي: فأمن ليبيا يهم مصر؛ فهي أحد محددات أمننا القومي.

ومن هنا يأتي أهمية الدور المصري الذي يقوم على مبادرة سياسية قامت الدولة بالتنسيق بشأنها مع القوى الدولية قبل إعلانها، وهو ما اتضح من إعلان قبول وتأييد من معظم الدول لخارطة الطريق التي أعلنت بالقاهرة”.

وعن الرئيس التركي قال خلف: “أردوغان يطمح في بسط نفوذه في غرب ليبيا مدعومًا بتمويل قطري وضمن سكوت أوروبي، مستغلًا رعبهم من حالة السيولة والانشقاق في ليبيا الذي يهددهم بمخاطر الهجرة غير الشرعية وتصدير الإرهاب لجنوب أوروبا، مشددًا أن أردوغان لن يصل إلى شيء في ليبيا، وكل ما يفعله هو استعراض نفوذ… ليبيا ليست طرابلس، ولا يعني حكمها السيطرة على الدولة هناك، نظرًا لتقسيمات الأقاليم، وبالتالي هو لا يجرؤ أو يستطيع الاقتراب من الشرق أو الجنوب، لافتًا إلى أنه حتى القذافي لم يتمكن من جمع تلك القبائل المتفرقة، واختار أن يحكم بالعنف والسيطرة وليس بالاحتواء”.

واستطرد خلف قائلًا: “مصر يقودها رئيس يتمتع بخبرة عسكرية ومخابراتية، وتديرها مؤسسات وطنية، لا تحركه التقارير الإعلامية، ولا العواطف الشعبية، بل الحقائق الكاملة على الأرض، وأمن الوطن والمواطنين هو واجبها الأول، مضيفًا: أن الخريطة تظهر ضآلة المساحة المتنازع عليها في أقصي الغرب الليبي، بينما لا يزال الجيش الوطني يسيطر على شرق وجنوب ووسط ليبيا“(5).

1_مصراوي

2_المصري اليوم

3_d.w

4_الاندبندت

5_سي ان ان

التعليقات مغلقة.